مُكوِّنات الثروة الحقيقيَّة للإنسان:
يقول زياد ريس مؤلف كتاب "تجربتي لحياة أفضل"، بين الحين والآخر نسمع بأنَّ التَّاجر الفلاني أصبح مُقْعَداً، وأنَّ مالك المصنع الفلاني بالمحاكم مع إخوانه، والآخر تبرَّأ من أولاده، ومعها تعود بي الذاكرة خمسة وأربعين عاماً بمَشَاهد ما تزال في ذاكرتي؛ حين كنَّا نرى الشَّاب العشريني ذا الثِّياب الرَّثَّة يُمْسِك بيد خطيبته وهي بلباس المدرسة على الكورنيش القديم.
عندما يستوقفهم بائع الورد الأحمر ليشتري لها وردة، وقد تكون قيمة العشاء له، وهما يتبادلان النظرات وكأنَّهما يملكان الدنيا كلها، ويمشي بها إلى الحديقة العامَّة (المنشيَّة)، ليجلس معها في زاوية تحت شجرة الخرنوب؛ عسى أن يتحاشى فضول الآخرين.
اليوم لفت انتباهي التصنيف الذي ذهب إليه روبين شارما في الفصل ٧١ من كتابه "دليل العظمة" لمكونات الثروة، أحببت أن أذكرها لكم مع تصرُّف وإضافة من طرفي ضمن السياق العام للموضوع. وهي كالآتي:
1. الثروة الرُّوحيَّة:
تتضمَّن التوجُّه العقلي الإيجابي والسَّلام النفسي والهدوء الداخلي؛ وبمعنى آخر هي التَّصالح مع الذَّات، وأعتقد أنَّ قسماً هامَّاً من ذلك يأتي بالقناعة الداخليَّة للإنسان من خلال تصالحه بالعلاقة بينه وبين ربِّه؛ فيعلم أنَّه يتعامل مع رَبٍّ رحيم كريم.
2. الثَّروة البدنيَّة:
أعتقد أنَّ هذا المُكوِّن من اكتمال الثروة واضحٌ للجميع؛ فلا فائدة في أن تُحقِّق مكانة ممتازة في حياتك المهنيَّة وتعتلَّ صحتك في أثناء سعيك إلى ذلك، وما هي الفائدة في أن تَعُدَّ نفسك أنجح رجل أعمال وأنت في إحدى أجنحة المستشفيات؟ أو أن تكون أغنى النَّاس ولا تستطيع أن تأكل ما تريد، والأمثلة كثيرة في هذا السياق؛ لذا علينا المُبادَرَة بكلِّ ما يُفيد بهذا الجانب وأن يكون من الأولويات عند كلٍّ منا.
شاهد بالفيديو: هل المال يشتري السعادة؟
3. الثروة الأسريَّة والاجتماعيَّة:
أن تكون ضِمْن أُسْرة ومحيط اجتماعي يغلب عليهم الودُّ والحبُّ والحنان، يَسُرُّك فيهم كلَّ نجاح ويُضْفِي تألُّق كلٍّ منهم عندك شعور الانتعاش، وكذلك النقيض من ذلك، وأن يكونوا لك عوناً في النُّصح والتوجيه لما يسمو بك في مسيرتك، ويكونوا لك حصناً مَنيعاً من مُثبطات التطوُّر والإقدام؛ لذا احرص أن يكون هذا المكوِّن جزءاً هامَّاً من الأولويات لديك.
4. الثروة المهنيَّة:
من الهام أن تكون لديك أهداف مهنيَّة عالية وطموحات تتدرَّج بالارتقاء بها يوماً بعد يوم، بحيث تُعطيك الشُّعور بالرضى والسُّرور لما تُحقِّقه في كلِّ مرحلة، وكذلك تقديرك لنفسك أيضاً، وعليك أن تستحضر دوماً أنَّ للآخرين نَصيباً في كلَّ نجاح لك؛ بحيث تستشعر لذة العطاء والتأثير فيهم.
5. الثَّروة الاقتصاديَّة:
لا شك أنَّ المال جزءٌ هام، ولكنَّه ليس الأهم، فهو يجعل الحياة أسهل، والإنفاق سواء كان على الذَّات أم على الآخرين هو الشيء الحقيقي الذي يشارك في سعادتك، والتَّنعُّم بالمال يأتي من خلال ما تَصرفه وليس من خلال ما تَملكه؛ لذلك تَمتَّع بصرف الثروة وليس فقط بالجَمْع، وهنا أقول: لا تَحْرم نَفْسك من مُتْعَة العطاء للآخرين.
6. ثروة التّجارب المثيرة:
أن تكون لديك رُوح الإبداع والتَّجديد والمغامرة والتَّحدِّي سوف يُضْفِي الشُّعور بالبهجة والسَّعادة، وما لم يكن لديك ذلك سوف تكون قليل التجربة والخبرة والإثارة، وعقل الإنسان يَتُوق إلى كلِّ ما هو جديد، والذي هو جزء حقيقي من الثَّروة والسَّعادة التي تَملكها لذاتك ولمن حولك.
7. ثروة التَّأثير:
خُلِق الإنسان لإعمار الأرض، وما لم يكن لديه هدف بالحياة ضمن هذا السِّياق العام لمعنى إعمار الأرض، وأن يُحْدِث شيئاً هامَّاً بحياته ضمن هذه الرِّسالة؛ فسوف يستشعر دوماً النقص الدَّاخلي لديه، بينما كلَّما تقدَّم واستشعر تحقيق شيء منه سوف يكون لديه الاعتذار الدَّاخلي ويتمنى أن يكون العالم أصبح أفضل لما يُقدِّمه، وأنَّ مَهمَّته في الحياة لم تَنْته بعد، وهذا بحدِّ ذاته ثروة وسعادة.
بناءً على ما ذُكرِ آنفاً أودُّ أن أقول:
إن كنتَ لا تملك واحدةً من المكوِّنات السبعة أعلاه لسببٍ أو لآخر؛ فاحرص ألَّا تفقد المكوِّنات الأخرى، وكَوِّن الثروة التي تُحقِّق لك القناعة والرضى والسَّعادة.
أضف تعليقاً