اكتئاب ما بعد التخرج: أعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

لطالما كان التخرج هو الهدف الأسمى والأهم لدى جميع الطلاب، ولطالما اعتقد الطلاب أنَّ باب السعادة والفرج سيُفتَح على مصراعيه بعد تلقِّيهم خبر تخرُّجهم، ولطالما كانت الدراسة والمواد الجامعية هي العبء الأكبر في حياة الطلاب، معتقدين أنَّ الدراسة والامتحانات والمشاريع الطلابية هي النشاطات الأكثر إرهاقاً في الحياة، والتفاصيل الأكثر مللاً وكآبة على الإطلاق.



يتفاجأ أغلب الطلبة بإصابتهم بمشاعرٍ من القلق والخوف والكآبة والضياع والفتور بعد التخرج، فما كان يعتقدون أنَّه البلسم لهمومهم، والشافي لمخاوفهم وقلقهم، والطريق المؤكد لبلوغ السعادة؛ بدا الآن أكبر مصدر لطرح أسئلة جوهرية ووجودية في حياتهم: "والآن، ماذا بعد؟"، "ماذا سأفعل بعد التخرج؟"، "ما رسالتي في الحياة؟"، "لماذا لا أستطيع وضع خطة واضحة لمساري؟"، "كيف أشعر بالضياع، مع العلم أنَّ التخرج هو جلُّ ما كنت أبحث عنه؟"، "لماذا أشعر بالفتور وانعدام الطاقة، وضياع الوجهة؟"، "كيف لي أن أحقق ذاتي؟".

وما يزيد الطين بلة، حين يصادف المتخرج حديثاً، منشورات أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تبين حصولهم على فرص عمل رائعة في شركات عدة؛ إذ يُصاب عندها بمشاعر من البؤس والكآبة، وتبدأ مشاعر من تأنيب الضمير أو من الظلم الوجودي تجتاحه، مؤرقة صفو حياته ورونقها.

اكتئاب ما بعد التخرج، أعراضه وكيفية معالجته؛ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هو اكتئاب ما بعد التخرج؟

هو حالة من المشاعر السلبية التي تصيب الطالب بعد تخرجه؛ حيث يصاب هذا الطالب بفرحة مؤقتة لا تلبث أن تختفي لتحل مكانها مشاعر من البؤس والكآبة وعدم الاستقرار.

ماهي أعراض اكتئاب ما بعد التخرج؟

1. عدم الرغبة في مغادرة السرير:

يصاب حديث التخرج، بحالة من الفتور وانعدام الطاقة؛ إذ لا يقوى على مغادرة سريره، ويفضِّل البقاء طوال اليوم في منزله وعلى سريره، يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ويأكل وينام، وقد يبكي من دون أسباب مباشرة ومعروفة.

2. اليأس:

يغلب اليأس على سلوكات الشخص حديث التخرج، فينسى الإيجابية والابتسام واللهو والمرح، ويفضِّل البقاء وحيداً برفقة أفكاره السلبية ومخاوفه وقلقه.

3. الضياع:

يغيب التنظيم والرؤية الواضحة عن الشخص حديث التخرج، فما كان متوافراً في أيام الجامعة من برامج عمل دقيقة، ومشرفين متابعين، وامتحانات تقييمية، بات اليوم خياراً غير متاح؛ إذ إنَّ عليه الاعتماد على ذاته وحسب، لبناء جدول أعمال يتناسب مع أهدافه ومخططاته المستقبلية، ثم إنَّ عليه مراقبة أدائه بذاته، وقياس النتائج المرافقة له؛ حيث يسبب هذا الأمر شعوراً بالضياع وعدم الاستقرار.

4. الخوف:

يرى حديث التخرج نفسه فجأة في سوق العمل الكبير المختلف جذرياً عن بيئة الجامعة والدراسة؛ فيصاب بمشاعر الخوف والاضطراب والهلع.

شاهد بالفديو: كيف تسوق لنفسك في سوق العمل؟

ماهي أسباب اكتئاب ما بعد التخرج؟

1. التوقعات العالية:

من أكثر الأسباب إثارة لاكتئاب ما بعد التخرج، هي التوقعات العالية التي يملكها الطالب لما بعد مرحلة التخرج؛ حيث يعتقد أنَّ كل الشركات بانتظاره لكي يعمل لديها، وكل الفرص ستنهال عليه بمجرد تخرجه؛ الأمر الذي يضعه في حالة صدمة حقيقية؛ إذ إنَّ الواقع مختلف تماماً عن تلك التوقعات، فالشركات لن تُوظِّف إلا أشخاصاً محددين، ولن تُقدَّم الفرص إلا إلى أشخاص معدودين.

2. مواقع التواصل الاجتماعي:

يُدمِن حديث التخرج تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، كونه يمتلك كثيراً من وقت الفراغ؛ الأمر الذي يضعه أمام كمٍّ هائل من المنشورات التي تجعله في حالة نفسية سلبية جداً؛ إذ يشعر بعدم القيمة، وقلة الحيلة، وعدم التطور، فيبدأ حديثُ التخرج، المقارنة بينه وبين صديقه الذي حصل على فرصة عمل رائعة في شركة هامة جداً، وبينه وبين صديقته التي التحقت بدورة تدريبية في شركة كبيرة جداً؛ الأمر الذي يجعله دائم التوتر والقلق وعدم الرضا.

3. عدم وضوح المجال:

يقع كثير من حديثي التخرج في مشكلة المجال الذي يرغبون في العمل فيه؛ إذ قد لا يرغب بعضهم في العمل في المجال نفسه الذي درسه في الجامعة؛ الأمر الذي يضعه في حالة نفسية قاسية جداً بعد التخرج.

4. غياب التدريب وفرص العمل:

يصاب حديث التخرج بالكآبة من جراء إخفاقه في العثور على فرصة عمل، على الرغم من تقديمه على كثير من الأعمال، بما فيها فرص تدريبية من دون أجر شهري.

إقرأ أيضاً: أهم المعلومات التي تحتاجها خلال بحثك عن فرصة عمل

5. وهم الريادة:

يملك كثير من حديثي التخرج أحلاماً وردية فيما يخصُّ المستقبل؛ إذ إنَّهم يرغبون في دخول مضمار المشاريع الناشئة وريادة الأعمال، والابتعاد عن مضمار الوظيفة، فهو المضمار الخاسر من وجهة نظرهم؛ الأمر الذي يضعهم أمام صدمة حقيقية عند محاولتهم بدء شركتهم الناشئة؛ إذ يكتشفون أنَّ الأمر ليس بهذه السهولة، ولن يُعطِي الأموال الطائلة مباشرة؛ بل يتطلب كثيراً من السعي والبحث والعمل والالتزام والعِلم والخبرة، فيصابون بالكآبة وانعدام الطاقة.

ماهو علاج اكتئاب ما بعد التخرج؟

1. التغيير:

غيِّر البيئة المحيطة بك، كأن تعيد ترتيب غرفتك، أو تغير المكان الذي تتواجد فيه وتمارس الهوايات فيه، كأن تخرج من المنزل وتقرأ كتاباً ما في المقهى أو على شاطئ البحر، من شأن ذلك أن يُحسِّن حالتك النفسية والمزاجية كثيراً، فالبقاء الدائم في المنزل من أكثر أسباب الكآبة والسوداوية.

2. مواقع التواصل الاجتماعي:

عليك بالابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، والتركيز على ذاتك وأولوياتك في الحياة؛ إذ يسبب إدمان مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً من التشتت والضياع.

3. تقبَّل الرفض:

لا تحزن؛ فقد تُرفَض في كثير من مقابلات العمل ريثما تصل إلى فرصة عمل مناسبة لك، واعلم أنَّ كل رفض تحصل عليه هو بمنزلة تحدٍّ لك؛ إذ عليك العمل على تنمية مهاراتك وقدراتك للوصول إلى ما تريد.

4. تحديد المجال:

اجلس مع ذاتك، واسأل نفسك عن مهاراتك والأعمال التي تحب القيام بها، ومن ثمَّ حدد المجال الذي ترغب في العمل فيه، وحدد المتطلبات التي عليك الوفاء بها لكي تدخل في هذا المجال؛ من خلال استشارة الأشخاص العاملين فيه، أو متابعة إعلانات الشركات، وما يذكرونه من معايير العمل في المجال.

5. التنظيم:

عليك خلق نظام جديد في حياتك، وعدم ترك الأمور تجري عشوائياً؛ حيث يسبب عدم تنظيم الوقت وعدم تحديد المهام والمسؤوليات، كثيراً من المشكلات النفسية، ومشاعر عدم الرضا وعدم الراحة؛ لذا ابدأ تنظيم أمورك اليومية مهما كانت بسيطة، كأن تخصص ساعتين لمشاهدة برنامجك المفضل، وساعتين للاستماع إلى محاضرة ما في المجال الذي تحبه، وساعتين من أجل قراءة كتاب ما، وما إلى ذلك؛ حيث يخلق تنظيم الوقت إحساساً بقيمة يومك، وحماسةً لكي تعيش لحظتك، كما يشكِّل بوصلة لما تريد الوصول إليه مستقبلاً.

6. التروِّي:

لا تستعجل الوصول إلى القمة، فلن تستطيع بناء شركتك الخاصة وأنت ما زلت حديث التخرج وحديث الخبرة؛ إذ كيف لك أن تؤسس شركتك الناشئة وأنت لم تدخل مضمار العمل والسوق في حياتك؟ اهدأ وطوِّر مهاراتك، واعلم أنَّه لا بدَّ لك من المرور بدور الموظف لكي تكون صاحب شركة ناجح في المستقبل.

7. عدم المقارنة:

لا تقع في فخ المقارنة، فلكل إنسان على وجه الأرض قصته الخاصة، ولا تسخط من ظروفك، وإن بدت أنَّها سلبية وقاسية، فقد تحمل في طياتها أعظم الدروس إليك من دون أن تدري ذلك.

8. السعي إلى التطوير:

بدلاً من الكآبة والمشاعر السلبية، اسعَ إلى تطوير ذاتك وقدراتك؛ إذ إنَّك بمقدار ما تصقل شخصيتك وإمكاناتك، بمقدار ما تأتيك الفرص؛ كأن تهتم بمهارات التواصل مع الآخرين، ومهارات الإقناع والتأثير بالآخرين، ومهارات الإلقاء والخطابة، ومهارات اتخاذ القرار وتنظيم الوقت والقدرة على التخطيط.

إقرأ أيضاً: أربعة أسباب تجعلك تستثمر في برامج تطوير الذات

9. التوكل:

لا تقضي كامل وقتك في حالة توتر وقلق، ريثما تحصل على فرصة عمل رائعة؛ بل عش يومك، وافعل كل ما بوسعك القيام به، واترك الباقي على الله، فهو الأقدر على حل كل الأمور العالقة، وعلى تسهيل الطريق أمامك.

الخلاصة:

تستطيع تحويل فترة ما بعد التخرج إلى فترة للتقرب من ذاتك ومن حقيقتك؛ أي فترة لتحديد رسالتك في الحياة، وصياغة أهدافك المشبعة بالشَّغف والحماسة؛ لذا لا تكتئب بل انهض وتنفس بعمق وابدأ الخطوة الأولى في طريق سعادتك وأمانك النفسي.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة