بناء على هذه المعطيات، توصل العلماء إلى ما يُسمَّى "نظرية المقارنة الاجتماعية"، حيث تفاقمت خطورة هذه المقارنة على الصحة النفسية مع ظهور برامج التواصل الاجتماعي، وأضحت عادة يصعب التخلص منها.
كلما زاد عدد الأشخاص الذين تتواصل معهم عبر برامج التواصل الاجتماعي، وزادت كمية المنشورات على صفحاتهم، واجهت وابلاً من صور الأشخاص السعداء، واللحظات المنسقة والمصممة لتظهر مدى الإيجابية والامتنان لحياتهم السعيدة ونجاحهم وتفانيهم؛ لكنَّ هذه اللحظات مختارة ومرتبة مسبقاً، ولا تُظهِر الواقع الفعلي الذي قد يكون أبعد عن المثالية في حياتهم؛ وحتى وإن كانت هذه الصور صادقة لحظة التقاطها، إلَّا أنَّها لا تعكس واقع الشخص حقيقة.
تؤدي الإصابة بالإحباط المترافق مع المقارنة الدائمة لأنفسنا مع الآخرين إلى نشوء اضطرابات نفسية، خصوصاً إن كانت هذه المقارنة مع مَن نعتقد أنَّهم أوفر منَّا حظاً (مقارنة تصاعدية)، ممَّا قد يضر بصحتنا النفسية والعاطفية والجسدية.
تجعل المقارنة التصاعدية الشخص لا ينظر إلَّا إلى مَن هم أوفر منه حظاً حتى تتحول لديه إلى عادة يصعب التخلص منها؛ وبمعنى آخر: عندما تلجأ إلى مقارنة نفسك مع الأشخاص الذين تراهم ناجحين وينعمون بحياة رغيدة، سيودي بك الأمر إلى البحث عن مزيد من هؤلاء الأشخاص لتقارن نفسك بهم؛ أمَّا إن توقفت عن هذه العادة، فستصبح أكثر قناعة ورضاً عن حياتك.
شاهد بالفديو: 10 أمور بسيطة تحقق لك الرضا الذاتي عن نفسك
لكن تكمن المعضلة الحقيقية في القدرة على التوقف عن مقارنة أنفسنا مع الآخرين، خصوصاً في ظل برامج التواصل الاجتماعي التي تنهال علينا بوابل من الوجوه الباسمة التي لا يكدرها همٌّ أو ضائقة؛ فتعرض لنا الأبطال الذين لا يهزمهم بأس أو تثنيهم شدة، أو مَن يسعون إلى تلميع صورتهم كأشخاص ترتقي مساعيهم إلى السمو الروحي والشخصي دون أن تثنيهم الانتكاسات عن بلوغ هدفهم.
لذا سنقدم إليك فيما يأتي أربع استراتيجيات تساعدك على التوقف عن مقارنة نفسك مع الآخرين:
1. غيِّر توجهاتك من الخارج إلى الداخل:
إنَّ تحويل نظرتك من الخارج إلى الداخل ليس بالأمر السهل، لكنَّه يستحق المحاولة، ومن الأفضل لك التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، ومن الأجدى بك أن توجه هذا الاهتمام إلى حياتك أنت، وتقيِّم نفسك، وتتعرَّف على نفسك من جديد.
قد يبدو هذا غريباً، لكنَّه صحيح تماماً؛ وقد تبدو هذه الفكرة صعبة التنفيذ لأنَّ حياتك على المحك؛ فربَّما تشعر بالخوف لأنَّك لم تجربها من قبل، فتنكمش متردداً من وقع هذا الأمر على نفسك.
لكن لكي تحصل على النتائج المرجوة، اختلِ بنفسك وحاورها عن طريق التأمل، أو كتابة اليوميات، أو مراقبة حركات جسدك، أو ممارسة أنواع أخرى من التفكير الشمولي؛ وابدأ سؤال نفسك: "ما هي التأثيرات الخارجية التي سمحت لها بتوجيه دفة حياتي إن كان عن قصد أو غير قصد؟"، وامنحها حيزاً من التفكير أو ابدأ الكتابة عنها، ثم امنح نفسك وقتاً للتفكير فيما كانت ستؤول إليه حياتك لولا تأثير هذه القوى الخارجية أو الأفكار أو الآراء عليها.
استغل هذه الحالة من التفكير العميق باعتبارها نقطة البداية التي بمقدورك الرجوع إليها متى ما شعرت أنَّك تنجرف مع هذه التيارات الخارجية.
2. حدِّد مقدار استهلاكك:
إنَّه لمن الطبيعي أن تقع فريسة مقارنة نفسك مع الآخرين إن كنت تستعين بتقييم خارجي وتترك ذاتك الداخلية التي تمثل المصدر والأصل في الوصول إلى حقيقتها وإثبات صحتها.
فإن أردت التوقف عن هذه المقارنة، فضع حداً لانخراطك ببرامج التواصل الاجتماعي عن طريق استخدام تطبيقات خاصة تحدد لك كمية استهلاك البيانات والوقت على برامج التواصل.
غالباً ما تعرض لك هذه البرامج صوراً تهدف إلى عكس صورة مثالية، لكن اعلم أنَّ تلك المثالية لا تتجاوز شاشة مساحتها بضع بوصات تحملها بيدك، وأنَّ العالم الحقيقي يقبع خارج حدودها؛ فإن كانت هذه الصور تعبر عن سعادة حقيقية، فهي ليست جميعها وليدة اللحظة، بل يحفظها الشخص احتياطاً على هاتفه المحمول ويشاركها الواحدة تلو الأخرى.
3. اختر مصدراً واحداً للإلهام الراسخ:
لا ضير في أن تختار شخصين تعدُّهما مصدراً للإلهام، ممَّا يمنحك نوعاً من التوجيه الخارجي على درب حياتك؛ وليس من الضروري أن يكون هذا الملهم شخصاً مؤثراً مشهوراً، فقد يكون المدرب في النادي الرياضي أو منتورك أو صديقك أو زميلك، أو ربَّما شخصاً يشاركك الهدف نفسه.
إنَّه لمن المفيد اللجوء إلى هؤلاء باعتبارهم مصادر للإلهام عند الشعور بالإنهاك أو تضييع البوصلة للوصول إلى الهدف عندما تجد نفسك قد انجرفت في سباق الحياة المحموم الذي يشغلك عمَّا هو هام.
4. اغرس في نفسك مشاعر السرور لنجاح الآخرين كي تتوقف عن مقارنة نفسك بهم:
لن يغير نجاح الآخرين من حياتك مثقال ذرة، حتى وإن كانوا يتبعون النهج نفسه الذي تتبعه، فنجاحاتهم وصراعاتهم ملك لهم؛ لذا توقف عن مقارنة نفسك بالآخرين؛ ذلك لأنَّ تجربة كل واحد فينا مختلفة عن الأخرى.
سيساعدك الابتعاد عن حياة الآخرين على التحرر من القيود التي تفرض عليك قياس تقدمك مقارنة بهم، كما يساعدك الشعور بالسعادة الصادقة التي ينميها نجاح الآخرين على تعلم الاحتفاء بنجاحك أيضاً.
فعندما تفرح لنجاح الآخرين، سيصبح من السهل عليك أن تفرح لنفسك؛ وعندما تعترف بمكاسبهم حتى لو كانت ضئيلة، ستعترف بمكاسبك التي تزداد يوماً بعد يوم.
الخلاصة:
لن تتمكن من الخلاص من براثن المقارنة دون الاستعانة بالتقييم والتأكيد الداخلي والتفكير العميق؛ فإن أردت التوقف عن عادة مقارنة نفسك مع الآخرين، عليك أن تكون قادراً على تحمل التقلبات التي قد تواجهها في حياتك؛ فإن التزمت بتنفيذ هذه الاستراتيجيات الآنفة الذكر، فستكون قد خطوت خطوة هامة تضعك على الطريق الصحيح.
أضف تعليقاً