ما الذي يسبب التوتر؟
يختبئ وراء الوضع الجماعي الحالي بعض العوامل العميقة منها: الشعور بالعجز وتضاؤل الإحساس بالثقة. وبسبب مجموعة متنوعة من الأحداث التي وقعت خلال العام الماضي، فقد خرجت العديد من عناصر حياتنا عن سيطرتنا، مما جعلنا نشعر بالإحباط والخوف والشك بشأن المستقبل. يبدو الأمر كما لو أنَّ شخصاً ما هشَّم مرآة حياتنا وبعثر أجزاءها وألقاها أرضاً، ومع ذلك، نحن نحاول إعادة تجميعها معاً ونسعى يوميَّاً في الوقت نفسه إلى الحفاظ دائماً على حياتنا.
من هنا ونتيجة الشعور بالعجز، يصبح من السهل الوقوع في فخ الشعور بأنَّه لا يوجد الكثير مما يمكننا فعله لاستعادة توازننا والتغلب على التوتر، ومع ذلك، هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
ولهذا السبب، دعونا نلقي نظرة على الجانب المشرق من الحياة؛ حيث يمكننا جميعاً تحسين طاقتنا وتخفيف التوتر ببساطة عن طريق تغيير بعض العادات الأساسية؛ فعندما نشعر أنَّ كل شيء خارج عن سيطرتنا، يوجد 3 مجالات غالباً ما نتجاهلها؛ حيث يمكننا التحكم فيها والتخلص من الأسباب الشائعة للتوتر التي تستنفد طاقتنا.
لقد ثبت أنَّ كل من هذه الأسباب يضاعف التوتر ويستنزف الطاقة مباشرة عند إهماله، ولكنَّه يُعزز الطاقة ويخفف التوتر عند المبادرة إلى التعامل معه؛ لذا سنقدم لك فيما يلي مجموعة من جوانب الحياة المتعلقة بالشعور بالتوتر:
1. أسرار النوم الجيد للتخلص من التوتر والإجهاد:
ربما تعرف جيداً كيف يعيق التوتر أو يمنع حصولك على قسط جيد من الراحة في أثناء الليل؛ حيث يعد الشعور بالإحباط من أحداث اليوم أو القلق بشأن ما سيأتي غداً عقباتٍ شائعةً تعيق الحصول على ما يكفي من النوم العميق، لكن هل تعلم أنَّ العكس صحيح أيضاً؟
أظهرت الدراسات أنَّه حتى الحرمان الجزئي من النوم له تأثير كبير على الحالة المزاجية، في حين وجدت دراسة أخرى أنَّ الأشخاص الذين اقتصر نومهم على 4 ساعات ونصف في الليلة الواحدة لمدة أسبوع واحد، أفادوا بأنَّهم شعروا بمزيد من التوتر والغضب والحزن والإرهاق العقلي، كما أشاروا إلى تحسُّنٍ كبير في الحالة المزاجية عند العودة إلى نومهم الطبيعي.
بالإضافة إلى هذه الأعراض المرتبطة بالمزاج مباشرة، يمكن أن تسبب قلة النوم تشوشاً في التركيز والشعور بالإرهاق وضعف معالجة المعلومات؛ وهذه تُعَدُّ أسباباً ثانويةً للتوتر، حيث نشعر بالتعب الشديد ونتخلف عن الوفاء بالمواعيد المحددة في جداول الأعمال، ونواجه صعوبةً في جمع الأفكار المشتتة، ونعاني من عواقب ردود الفعل التلقائية، ونحارب الجوانب السلبية الحتمية للإرهاق، بما في ذلك عدم القدرة على التفكير بوضوح، وضبط النفس وصعوبة في اتخاذ القرارات أو إكمال المهام.
لسوء الحظ، تأتي حلولنا المفضلة بنتائج عكسية في الواقع؛ فغالباً ما نستخدم بعض المواد في حال عدم حصولنا على قسط كافٍ من النوم مثل الكافيين الذي يساعدنا على الشعور بالنشاط والحيوية بعد النوم غير الكافي، مما يجعل قدرتنا على تأمين مواعيد نوم ثابتة ومريحة تزداد سوءاً، وتزداد معها احتمالية حدوث سلسلة من الأحداث السلبية، ويؤدي الاعتماد على هذه الحلول المؤقتة إلى تضخيم واستمرار شعورنا بالتوتر.
نقدم لك فيما يلي نصيحتين بسيطتين لمساعدتك على النوم بصورة أفضل:
- أوقف تشغيل جميع الأجهزة الإلكترونية قبل ساعة واحدة على الأقل من استعدادك للنوم؛ لإرسال إشارة إلى عقلك بأنَّ وقت النوم قد حان ومنحه حالة من الاسترخاء تسبق التوجه إلى النوم.
- مارس طقوساً لاستعادة الهدوء قبل التوجُّه إلى السرير، بدلاً من إضاعة الوقت في الساعات التي تسبق ذهابك إلى النوم، وركز على نشاط يُشعِرك بالراحة والرعاية مثل تدليك القدم أو بعض تمرينات اليوجا اللطيفة.
2. التركيز على الأطعمة التي تمنح المرء إحساساً بالراحة للحصول على طاقة إضافية وتخفيف التوتر بصورة بسيطة:
عادةً ما ترتبط كلمة "سوء التغذية" بنقص الطعام المرتبط بالفقر؛ ومع ذلك، في عالم الطب تدل كلمة سوء أيضاً على وجود خلل، ومن خلال توسيع فهمنا لهذا المصطلح، يمكننا أن نرى أنَّ نقص المواد الغذائية يمكن أن يحدث للأشخاص مهما كان وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.
لقد خلقت ثقافة السرعة التي أوجدها العالَم الصناعي وفرة في خيارات الأطعمة السريعة والعملية، والتي هي أطعمةٌ تُمثِّل الحد الأدنى من التغذية.
تشير أحدث الإرشادات الغذائية الصادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية (United States Department of Agriculture) إلى أنَّ حوالي ثلثي البالغين الأمريكيين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، إلا أنَّ تناول كمية غير كافية من المواد المغذية التي ثَبُتَ أنَّها تخفف التوتر وتزيد الطاقة (مثل فيتامينات ب والمغنيزيوم) لا يزال شائعاً.
تُظهِر البيانات بوضوح أنَّه بالنسبة إلى غالبية البالغين في الولايات المتحدة؛ فإنَّ نوعية الطعام لا تتناسب مع الكمية.
وقد تفاقمت هذه الحقيقة بسبب الأكل الناتج عن التوتر والمرتبط بالوباء، وهو أمر منتشر للغاية لدرجة أنَّه بلغ متوسط زيادة أوزان المشاركين في دراسة نُشرت في أيلول من عام 2020 حوالي 3 كيلوغرام تقريباً في 4 أشهر فقط.
توضِّح هذه الفكرة أنَّ الأطعمة التي نميل إلى تناولها، إما من أجل الشعور بالراحة أو لأنَّها أكثر ملاءمة؛ تحوي عادةً نسبة عالية من السكريات والدهون المشبعة والكربوهيدرات البسيطة، وكلها في الواقع تُضاعِف من استجابة التوتر في الجسم.
نحن نضحِّي بسهولة باحتياجاتنا الغذائية من أجل توفير الوقت والمال، والتي تصب مباشرة في الثقافة التي تتطلب منَّا أن نكون مشغولين جداً، وغالباً ما ننجذب لتناول الأطعمة غير الصحية المريحة مثل الأطعمة التي ننجذب إليها بلا مقاومة في محاولة لتهدئة أنفسنا، ومع ذلك، فإنَّ هذه الأطعمة المحددة تؤدي فقط إلى الشعور بمزيد من التوتر والاستنزاف.
شاهد بالفديو: 5 أمور أساسيّة مسؤولة عن استنزاف الطاقة
فماذا يمكننا أن نفعل؟
إنَّ اتخاذ خيارات طعام ذكية في حد ذاته أمر مرهق لكثير من الناس، ويمكن أن يضاهي أثر الصراع الداخلي الذي يؤدي إلى الإحساس بالتوتر واستنفاد الطاقة أثر عملية اختيار الطعام نفسها، فإذا كان بإمكانك التأقلم فلا تقلق، فليس من الضروري التركيز على حساب السعرات الحرارية أو فقدان الوزن في هذه الحالة.
بدلاً من ذلك، خذ قسطاً من الراحة ونفِّذ الخطوتين التاليتين لتغيير عاداتك الغذائية:
- الحذر من تناول الأطعمة المعالَجة جداً، والاستمتاع بفوائد إضافة القليل من الأطعمة والمشروبات التي تُخفِّف من التوتر وتُنشِّط الطاقة إلى أطباقك اليومية.
- يعد كل من الماء والشاي الأخضر والمكسرات والبطاطا الحلوة والسبانخ الطازجة والأرز البني والأفوكادو ودقيق الشوفان والموز وسمك السلمون واللحم البقري الخالي من الدهون والتوت كلها خيارات رائعة لتبدأ بها.
3. معركة مفاجئة لجذب انتباهك:
لطالما كان الضغط الذي تفرضه مطالبة الناس بالاستعداد دائماً للتجاوب مع أيَّة عملية تواصل أحد أسباب التوتر الرئيسة لدى الأشخاص شديدي الاندفاع، فنحن نعيش في عالم يعتمد على الإنترنت وقد ازداد هذا الاعتماد بسبب ظروف الوباء؛ فالعمل من المنزل جعل من الصعب التمييز بين الحدود الشخصية والمهنية، وعانى الكثير من الناس من العواقب نتيجة ذلك.
وقد جعل مزيجُ المشكلات التي تراكمت منذ العام الماضي الناسَ يتسمَّرون أمام وسائل الإعلام وشاشات الهواتف، لهذا السبب، إذا شعرت يوماً بالغضب أو القلق أو الحزن أو اليأس أو الإرهاق بعد مشاهدة الأخبار أو تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يكون هذا أحد الأسباب الرئيسة للشعور بالتوتر الذي يستنفد طاقتك.
في الواقع، أظهرت إحدى الدراسات أنَّ ارتفاع مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) وزيادة الاستجابة السلبية للضغوط اللاحقة تحدث بعد مشاهدة الأخبار السلبية. وتُظهِر الأبحاث أنَّ الهواتف الذكية وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي تتلاعب بنظام المكافآت الذي يحرِّكه الدوبامين في أدمغتنا لخلق عادة تحاكي إدمان القمار، وحتى عندما لا تكلِّف هذه الأدوات المال؛ فإنَّ لديها القدرة على استنفاد أمور أكثر قيمة وهي وقتنا وطاقتنا وراحة البال.
قد يُولِّد هذا المزيج غير المستقر سبباً أساسياً للتوتر الذي يؤدي مباشرة إلى بعض الأسباب الأخرى المذكورة في هذه المقالة، بما في ذلك قلة النوم، وتناول الكافيين، وخيارات الأطعمة غير المفيدة أو الأكل دون اكتراث (وهو مجرد تناول الطعام عندما لا تكون جائعاً).
والآن، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مقاومة الرغبة في إمطار أدمغتنا بمعلومات قائمةٍ على الخوف والعادات المحرِّضة على التشتت؛ لذا نقدم لك فيما يلي بعض الإجراءات التي تُركِّز على المستقبل والتي يجب عليك اتخاذها الآن:
- وضع حدود صارمة حول الوقت المخصص لتسجيل الدخول وقراءة رسائل البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي والرد عليها، سواءٌ الرسائل الشخصية أم المهنية.
- تعطيل الإشعارات على أجهزتك للتخلص من مصادر التشتيت.
- إزالة أو تقليل عرض الأخبار والاطلاع فقط على الأخبار من المصادر المحددة.
- الحفاظ على التركيز على أولوياتك القصوى والحرص على أن تكون أفعالك متناسقة؛ ضع هذه الملاحظة خلفية على شاشة جهازك المحمول أو ورق الحائط الخاص بك كتذكير: "هل سلوكي يحقق لي ما أريد؟".
الخلاصة:
من خلال تغيير وجهات نظرنا، يمكننا أن نرى اختيارات نمط الحياة هذه كأسباب للتوتر، بدلاً من أن تكون آثاراً جانبيَّةً للتوتر خارجةً عن سيطرتنا، ربما تكون الظروف قد أحدثت فوضى في حياتنا، لكن كل منا لديه القدرة على استعادتها كما كانت.
مع بعض التحولات البسيطة والتفاني في التغيير، يمكننا التوقف عن الاقتراب من موقف أو رد فعل سلبي واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين حياتنا اليومية. فقط توقف مؤقتاً، وانظر إلى الصورة الكبيرة، واستعد السيطرة على حياتك بسهولة وهدوء.
أضف تعليقاً