أولًا: تعريف مرض القلق النفسي
القلق النفسي هو حالة نفسية وفسيولوجية تتركّب من تضافر عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية لخلق شعور غير سار يرتبط عادة بعدم الارتياح والخوف أو التردّد، وغالبًا ما يكون القلق مصحوبًا بسلوكيات تعكس حالة من التوتر وعدم الارتياح مثل الحركة بخطوات ثابتة ذهابًا وإيابًا، أو أعراض جسدية.
وفي تعريفٍ آخر للقلق فيمكن القول بأنّهُ شعورٌ غير سار مصحوب بالخوف والجزع من أحداث متوقعة، كالخوف من الموت، حيث يشعر الشخص بالخوف والهلع عندما يفكر في موته.
ويُمكن القول بأنّ القلق هو حالة مزاجية موجهة نحو المستقبل وفيه يكون الشخص على استعداد لمحاولة التعامل مع الأحداث السلبية القادمة ممّا يوحي بأنّ ذلك هو التمييز بين الأخطار المستقبلية مقابل الأخطار الحالية.
ثانيًا: الفرق بين القلق والخوف
القلق هو حالة مزاجية عامة تحدث من دون التعرّف على آثار تحفيزها، و يختلف القلق عن الخوف الذي يحدث في وجود تهديد ملحوظ، وبالإضافة إلى ذلك، يتصل الخوف بسلوكيات محددة من الهرب والتجنّب، في حين أنّ القلق هو نتيجة لتهديدات لا يمكن السيطرة عليها أو لا يمكن تجنّبها، حيث يكون الشعور بالخوف والقلق وعدم الارتياح معممًا في حالة القلق تظهر على شكل مبالغة في رد الفعل اتجاه موقف يراه الشخص مهددًا بشكل غير موضوعي، قد يصحب القلق تشنج عضلي، الأرق، التعب والإرهاق ومشاكل في التركيز.
ويتميّز القلق عن الخوف أيضًا بأنّ الخوف يشكّل استجابة عاطفية وإدراكية ملائمة للمخاطر المتوقعة والمتصورة، مرتبط بالسلوكيات المحددة لاستجابات الكرّ أو الفرّ والسلوك الدفاعي أو الهرب، ويظهر القلق في المواقف التي يتصوّرها الشخص على أنّها لا تقع ضمن السيطرة ولا يمكن تفاديها بالرغم من بعد ذلك عن الواقع.
ويُعرّف دايفد بارلو القلق على أنّه مزاج يأخذ منحى مستقبلي يستعد فيه الشخص للمحاولة للتعامل مع الأحداث المستقبلية السلبية، وأنّ التمييز بين القلق والخوف يكون بالتمييز بين المخاوف المتعلقة بالحاضر والمستقبل.
يُمكن للخوف والقلق أن يختلفا في أربعة محاور هي:
- المدة الزمنية للحالة العاطفية.
- التركيز المؤقت.
- خصوصية التهديد.
- الدوافع وراء الاتجاه.
حيث أنّ الخوف يُعرّف بأنه قصير الأجل، يركّز على الحاضر، وموجّه نحو تهديد محدد ومخصص، بينما يُعرّف القلق على أنّه بعكس الخوف طويل الأجل، يُركّز على المستقبل، وموجّه نحو تهديدات موزعة غير محددة، معززًا نوع من الحذر المفرط عند اقتراب خطر أو تهديد محتمل وبالتالي متصادمًا مع التعامل البنَاء مع الموقف.
ثالثًا: أهم أسباب الإصابة بمشكلة القلق النفسي
1- الطفولة القاسيّة: تؤثر مرحلة الطفولة التي يعيشها الإنسان على تكوين شخصيتهِ وحالتهِ النفسيّة بشكلٍ عام، لهذا فإنّ عيش الإنسان طفولة صعبة وقاسيّة ومليئة بالمشاكل المعيشيّة وظروف الحرب القاسيّة، تعرّضه مع الأيام للإصابة بمشكلة القلق النفسي.
2- المرض: إنّ إصابة الإنسان بأحد الأنواع من الأمراض المزمنة، كأمراض السرطان مثلًا يُعرّضه وبشكلٍ دائم لنوبات من القلق المزمن، إمّا خشيّة عدم الشفاء من المرض، أو الخشيّة من عدم امتلاك الأموال التي تساعد في شراء العلاج المناسب لهذهِ الأمراض.
3- التوتر النفسي: إنّ تعرّض الإنسان لحلالات متكرّرة من التوتر النفسي الناتج عن مشاكل الحياة والأسرة والعمل، يؤدي مع الأيّام لإصابتهِ بمشكلة القلق النفسي الذي ينعكسُ سلبًا على كل نواحي حياته، فيجعلهُ مثلًا يفشل في إدارة أمور أسرتهِ، ويفشل كذلك في إكمال أعمالهِ وتنفيذها بشكلٍ صحيح ودقيق.
اقرأ أيضاً: 20 نصيحة لتحافظ على نفسيتك وتتلّخص من التوتر والإجهاد
4- العوامل الوراثيّة: أثبتت العديد من الدراسات بأنّ العوامل الوراثية تلعب دورًا أساسيًا في تعرّض الإنسان لمشكلة القلق النفسي، كإصابة الأب، أو الأم، أو الجد، أو الجدة أو أحد أفراد العائلة المقربين بهذهِ المشكلة.
5- ضعف الثقة بالنفس: تؤثر شخصيّة الإنسان بمجريات حياتهِ بشكلٍ عام، لهذا فإنّ أي ضعف في شخصيتهِ وثقته بنفسهِ وقدراتهِ يؤثر على نواحي حياتهِ العامة، ويُعرّضه للإصابة بالقلق النفسي بدرجاتهِ المختلفة.
اقرأ أيضاً: علامات تدل على ضعف الثقة بالنفس
6- التفكير بالمستقبل: إنّ تفكير الإنسان بشكلٍ مبالغ فيهِ بالمستقبل والخوف من الأيّام التي تنتظره يؤثر بقدرتهِ على العيش بشكلٍ طبيعي في الحاضر، والاستمتاع بالأيّام التي تمر عليهِ، وهذا ما يخلق في داخلهِ شعورًا بالقلق المستمر.
7- ضغوط الحياة: إنّ عيش الإنسان في ظروفٍ مليئة بالضغوط الحياتيّة المتعلقة بتأمين الطعام والشراب، ومتطلّبات الحياة الحديثة والمتزائدة، يؤثر سلبًا على صحّة الإنسان النفسيّة وقدرته على العيش بطريقةٍ صحيحة بعيدًا عن ظروف القلق النفسي الخطير.
8- البحث عن الكمال: إنّ سعي الإنسان وراء الكمال والمثاليّة يُعرّضه في كثيرٍ من الأحيان لمشكلة القلق النفسي الناتج عن كثرة التفكير، والفشل في تحقيق الكمال الذي لا يُمكن تحقيقةُ بشكلٍ كامل في الحياة.
9- كثرة النقد: لا شيئ من الممكن أن يُعرّض الإنسان للعديد من المشاكل النفسيّة في الحياة بما فيها القلق النفسي، أكثر من تلقيهِ للكثير من النقد السلبي من الآخرين، إن كان من أصدقائهِ أو من أفراد عائلتهِ.
رابعًا: أنواع القلق النفسي الذي يُصيب الإنسان
1- القلق الوجودي: وهو الذي ينتج عن تفكير الإنسان المبالغ فيهِ في حياتهِ العامة وصحتهِ، وظروفهِ المعيشيّة، وهو القلق الذي يجعل الإنسان غير قادر على ممارسة حياتهِ بالشكل الطبيعي، وهذا النوع من القلق يرتبطُ بالروح، الموت، والحياة.
2- القلق من الإمتحانات: وهو القلق الذي يُسيطر على شخص نتيجة الخوف من الإمتحانات المدرسيّة أو الجامعيّة، وذلك لرغبة الطالب في تحصيل أعلى النتائج وخوفهِ من التعرّض للرسوب، وكذلك نتيجة الضغوط التي يتعرضُ لها من قبل الأهل الذين يرغبون بحصولهِ على علاماتٍ عالية.
اقرأ أيضاً: نصائح مهمة للتخلّص من مشكلة رهاب الامتحان
3- الخوف من التعامل مع الآخرين: وهو القلق الذي ينتج عن خوف الإنسان من التعامل مع الآخرين، أو حتّى الجلوس معهم، وبشكلٍ خاص الأشخاص الغرباء، وهذا ما قد يتحوّل مع الأيّام لنوع من الرهاب الاجتماعي.
4- حالات اضطراب التكيُّف: وهي الحالة التي يفشل فيها الإنسان على التكيُّف مع الظروف المحيطة بهِ، مثل عدم التكيُّف مع العائلة والجو الأسري الذي يعيشُ فيهِ، عدم التكيُّف مع الأصدقاء، وعدم التكيُّف مع المجتمع الذي يعيشُ فيهِ.
5- حالات اضطراب القلق العام: وهذا النوع من القلق هو الأكثر انتشارًا بين البشر، ويُصيب الإناث والذكور بنسبةٍ متقاربة تقريبًا، ويتلخص هذا القلق بعدم سيطرة الإنسان على نفسه وأحساسهِ، مما يخلق نوع من القلق الداخلي الذي يحرمهُ من القدرة على العيش براحةٍ وسلامة في الحياة.
خامسًا: أعراض الإصابة بالقلق
- الشعور بالعصبيّة الشديدة والتوتر العام، وعدم القدرة على التركيز.
- الإصابة بالصداع الشديد، وعدم القدرة على النوم خلال الليل.
- صعوبة التنفس، والإحساس بالتعب والإرهاق العام.
- الإحساس بغصة شديدة في الحلق ومزعجة، بالإضافة للإصابة بالمغص المعوي والإسهال.
- التعرّض لمشكلة تشنّج عضلات الجسم، والتعرق الشديد.
- الشعور بالارتباك الشديد، وعض الأظافر.
- التغيُّرات المزاجيّة وقلة الثقة بالنفس.
- الشعور بتخدّر الجسم وتنميلهِ، وبأوجاعٍ في الصدر.
- سرعة ضربات القلب ونبضاتهِ وعدم انتظامها.
سادسًا: أمراض يُسبّبها القلق للإنسان
1- مرض الوردية: وهو مرض ينتج عن تكرار حالات القلق التي يُعاني منها الإنسان، وتتلخّص أعراضه بظهور الشرايين على الخدين والأنف، والشعور بسخونة وحرقان في الجسم، هذهِ الحالة الناتجة عن اندفاع الدم بشكلٍ سريع داخل الأوعية الدمويّة.
2- حبّ الشباب: ينتج عن حالات القلق المزمن زيادة في إفراز الجسم لهرمون التستوستيرون مما يجعل البشرة دهنيّة بشكلٍ مبالغ فيهِ، وبالتالي التعرّض لمشكلة حبّ الشباب، وتراكم البكتيريا الضّارة عليها.
اقرأ أيضاً: 4 نصائح هامة للوقاية من ظهور حبّ الشباب
3- تشوّهات الأجنة: إنّ تعرّض الإنسان لحالاتٍ متكررة من القلق وبشكلٍ خاص المرأة الحامل، يُعرضها لخطر إنجاب طفل مشوه، وذلك نتيجة ارتفاع هرمون الكورتيزول أو ما يُسمى بهرمون التوتر.
4- التهاب الأسنان واللثة: إنّ القلق يؤدي إلى ارتفاع إفراز الجسم لهرمون الأنسولين، ممّا يجعل الإنسان أكثر عرضةً للإصابة بأمراض الأسنان والتهاب أغشية اللثة الرقيقة والحساسة.
5- أمراض القلب: الشخص المتوتر والقلق هو أكثر عرضةً من غيره للإصابة بأمراض القلب الخطيرة، التي تؤدي لضعف الشريان التاجي، وفشل عضلة القلب بأداء عملها السليم، وهذا ما يؤدي للإصابة بأمراض القلب والتجلطات الخطيرة والمفاجئة.
اقرأ أيضاً: 8 علامات واضحة تدل على الإصابة بأمراض القلب
6- السمنة الزائدة: يتعرّض الإنسان بسبب القلق لمشكلة السمنة الزائدة، وذلك لأنّ القلق الدائم يؤدي لإفراز الجسم لكميات كبيرة من الهرمونات التي تمنح الإنسان شعورًا بالجوع الشديد، وهذا ما يؤدي لتراكم الدهون في الجسم.
7- النسيان: التعرّض لحلالات من القلق المتكرر، يجعل الإنسان أكثر عرضةً للإصابة بأمراض الذاكرة والنسيان، وذلك نتيجة إفراز الجسم لهرمون الكورتيزول الذي يُعيق تدفق الدم والأوكسجين إلى المخ والدماغ.
8- الشيخوخة المُبكّرة: الشخص القلق هو أكثر عرضةً للإصابة بمشكلة الشيخوخة المبكرة، وظهور التجاعيد حول منطقة العينين وكامل الوجه، وذلك لأنّ القلق يؤثر سلبًا على صحة البشرة، ويُعيق من إنتاجها لعنصر الكولاجين.
9- السرطان: يؤثر القلق على صحّة الجهاز المناعي في جسم الإنسان، ويجعل الإنسان أكثر عرضةً للإصابة بأمراض السرطان، بما فيه سرطان المبيض، الرحم، الثدي، القولون، والبنكرياس.
سابعًا: مضاعفات القلق
- الإصابة بمرض الاكتئاب النفسي، وغيرها من الاضطرابات العقليّة.
- اللجوء إلى تعاطي المخدرات الضّارة وشرب الكحول.
- الرغبة بالوحدة والانعزال الاجتماعي.
- التفكير بالانتحار والتخلّص من الحياة.
- تراجع الأداء الوظيفي أو الدراسي.
ثامنًا: نصائح وطرق مهمة لعلاج القلق
1- ممارسة الرياضة: لا شيئ من الممكن أن يُساعد الإنسان على التخلّص من نوبات القلق المزمن أكثر من ممارسة التمارين الرياضيّة اليوميّة التي تساعد على تنشيط الدورة الدمويّة، واستعادة الصحة النفسيّة، ومن الأفضل أن تمارس رياضة المشي في الطبيعة يوميًا لمدة نصف ساعة.
اقرأ أيضاً: 10 فوائد صحيّة مهمة تمنحُها الرياضة
2- العناية بالنباتات: إن العناية بالنباتات الطبيعيّة يُساهمُ وبشكلٍ كبير في تعديل المزاج، والتخلّص من كل ما يُسبّب القلق والإحباط للإنسان، لهذا ننصحك بأن تزرع النباتات الطبيعيّة، وأن تقدم لها العناية بشكلٍ يومي.
3- التأمل والاسترخاء: تساعد هذهِ التمارين على التخلّص من كل الطاقة السلبيّة التي تسبب التوتر للإنسان، وعلى منحهِ المزيد من الإيجابيّة والسعادة، لهذا عليك أن تواظب على ممارسة تمارين التأمل والاسترخاء اليومي في المنزل أو الطبيعة.
اقرأ أيضاً: 8 خطوات تساعد المبتدئين على تعلُّم رياضة التأمل
4- مشاهدة الأفلام الكوميدية: تساعد هذهِ الطريقة على التخلّص من كل المشاعر المزعجة التي تسبب لك التوتر والقلق، لهذا عليك أن تستمتع يوميًا بمشاهدة الأفلام أو المسرحيات الكوميديّة الممتعة.
وأخيرًا نتمنى عزيزي أن تتقيّد بكافة النصائح التي قدمناها لك، لتنعم بحياة صحيّة وسعيدة، بعيدًا عن مشاعر القلق والتوتر.
المصادر:
أضف تعليقاً