أنا متأكد أنَّك قد شاهدت أو سمعت من قبل عن أشخاص تجاوزوا مِحَنهم كموت شخص عزيز، أو خسارة وظيفة، أو الإصابة بمرض جسدي خطير، أو التعرض لحادث، أو حدوث كوارث، أو حروب، لكن ما الذي علينا فعله حينما نواجه نحن الصعوبات؟ وكيف سنتعامل مع آلامنا؟ وهل بإمكاننا إعداد أنفسنا لمواجهة هذه التجربة التي لا مفر منها؟
قد لا تكون هناك إجابات مباشَرة لهذه التساؤلات، لكن ما يمكن أن يساعد هو المفهوم النفسي لكلمة "مرونة". وفي الأخذ في الحسبان أنَّنا جميعنا الآن في خضم تجربة سلبية وهي جائحة كورونا (COVID- 19)، فإنَّ فهمنا لمفهوم المرونة هو أمرٌ له أهمية خاصة.
تُعرَّف المرونة على أنَّها القدرة على التعافي بنجاح من الظروف المُجهِدة أو الحالات المتأزمة، والقدرة على فعل هذا الأمر بطريقة تجعل أداءك صحياً مع مرور الوقت.
الأمر الذي يعني أنَّ المرونة لا تنطوي فقط على القدرة على تجاوز الحالة؛ بل أيضاً على المرور بحالة من النمو؛ كإيجاد معنى أو هدف والوعي الذاتي واختبار تحسن في العلاقات الشخصية.
قد يبدو تعريف المرونة سهلاً نوعاً ما؛ لكنَّ مفهومها أعقد بكثير مما تظن. أولًا، يُظهر بعض الناس مرونة مباشرة عندما تواجههم مشقة معينة أو يتعرضون لحدث صادم محتَمل. لا يظهر على أغلب الناس الذين مروا بتجارب صادمة علامات أو إشارات اكتئاب أو قلق على الأمد الطويل من حياتهم.
لنأخذ مثالاً عن دراسة أجريت على سكان "نيويورك" عقب الهجوم الإرهابي في 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001؛ إذ وجد الباحثون أنَّ 65% ممن تم استجوابهم قد عادوا إلى أدائهم الطبيعي في غضون 6 أشهر؛ لذا، فأنت أيضاً قد تكون قادراً على الصمود أكثر مما تدرك.
ثانياً، على الرغم من أنَّ بعض الأشخاص يبدون ميالين للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع التوتر والقلق، ولتنظيم عواطفهم بشكل أفضل، إلا أنَّ المرونة ليست سمة واحدة إما أن تمتلكها أو تفتقدها؛ بل إنَّها مجموعة من المهارات، بما في ذلك السلوكات والأفكار التي يمكن تطويرها من خلال التعلم وخوض التجارب الجديدة.
ثالثاً، على الرغم من أهمية الخصائص الفردية للمرونة، إلا أنَّ العوامل السياقية لها تأثير أيضاً كالظروف الاجتماعية والصحية والاقتصادية؛ فمثلاً حتى إن كنت ميالاً إلى أن تكون مَرِناً، فقد لا تكتسبها في حال نشأت في بيئة غير داعمة ومرهِقة من قِبل والدين مسيئين.
شاهد: طرق تنمية الانضباط الذاتي
في الواقع، إنَّه لأمر مؤذٍ وغير عادل وغير دقيق أيضاً أن ننظر إلى المرونة على أنَّها صفة فردية بحتة. قد يظن الأشخاص الذين يكافحون للتعافي من حدث سلبي في حياتهم أنَّ هناك شيئاً خاطئاً بطبيعتهم، وهذا الاعتقاد غير صحيح. يُعَدُّ التعرض لظروف خارجية معينة عاملاً رئيساً في قدرة أي شخص على إبداء المرونة في التعامل مع الظروف المحيطة.
رابعاً، للمرونة خاصية أخرى وهي الديناميكية؛ فقد تكون مَرِناً في موقف معين؛ لكنَّك لا تُظهِر القدر ذاته من المرونة للتعامل مع حالة أُخرى؛ ربما لأنَّها أكثر صعوبة أو أكثر تطلباً لإمكانات مختلفة. فجميعنا قد نكون أكثر مرونةً في موقف معين من آخر.
خامساً، أن تكون مَرِناً لا يعني ألا تعاني من جرح، فعلى سبيل المثال: قد أظهرت دراسة أُجريت على أكثر من 200 شخص عانوا من وفاة زوجاتهم؛ أنَّه حتى مَن صُنِّفوا من المشاركين على أنَّهم الأكثر مرونة قد أفادوا بظهور بعض أعراض الأسى والحزن. إنَّ الجميع تقريباً يعانون من بعض الآثار السلبية في أثناء تعرضهم للشدائد كالإجهاد العاطفي مثلاً، إلا أنَّ الأشخاص المرنين لديهم القدرة على التعافي من هذه الحالات بشكل جيد.
أخيراً، على الرغم من أنَّ ما سيقال الآن قد يبدو لك متناقضاً، إلا أنَّ المرونة لا تُكتَسب من خلال التركيز على الإيجابيات طوال الوقت أو محاولة الهروب من الصعاب. لقد نشأ الكثير منا على تفادي الصعاب أو التوتر، وهو أمر صحيح في حال كان الإجهاد ساماً ومزمناً، فإنَّه عندها يكون عاملاً خطراً على سلامة الصحة العقلية.
وطالما أنَّك تتعلم التأقلم بنجاح، فإنَّ التعرض لمستوى معين من التوتر يوفر لك التحدي اللازم لتكون أقوى عند مواجهة المشقات. وعلى النقيض تماماً، فأن تتهرب بشكلٍ مفرِط من الصعوبات هو أمرٌ يجعلك غير قادر على التأقلم أو تجاوز الأمر في حال تعرضت لمشقة لا مفر منها؛ وذلك كونك لم تطور المهارات اللازمة للتعامل معها.
من الضروري فهم الطبيعة الديناميكية والمعقدة للمرونة؛ لأنَّ ذلك يُظهِر أنَّه لا يوجد دواء سحري أو وصفة تجعلك مَرِناً. فسيكون لكل شخص طريقته في التأقلم مع الشدة، ووتيرة سرعته في التعافي منها ومستوى مختلف من التعلم من الأزمات. كما أنَّه من الطبيعي جداً الفشل في التعافي بسرعة أو بشكلٍ تام من محنة معينة، ولا بأس أيضاً بأن تتأذى أو تشعر بالضياع في أثناء مرورك بأوقات صعبة.
ما الذي عليك فعله؟
إنَّ العلم لا يمتلك جميع الإجابات حول كيفية اكتساب الإنسان للمرونة، ولكن ما نعرفه هو أنَّه لامتلاك وتطوير هذه المهارة، يجب تعلُّم كيفية الاستفادة من القدرات والإمكانات الداخلية والخارجية. وفي التالي سأتطرق إلى بعضٍ من أهمها.
1. التواصل مع الآخرين:
تُعَدُّ فكرة الانسحاب من العالم أمراً شائعاً عند مواجهة الصعاب، وقد يحدث هذا الأمر لأسباب متنوعة كالشعور بالعار، أو الخوف من إطلاق الأحكام، أو تفضيل الابتعاد كي لا تشكل عبئاً على أحد. وعلى الرغم من أنَّ فكرة الانعزال في أثناء الأوقات الصعبة ليست فكرة سيئة للغاية؛ لكن من الضروري أيضاً أن تبقى على تواصل مع الناس إلى حدٍّ ما.
تُظهِرُ الأبحاث أنَّ خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة يكون أعلى بالنسبة إلى الأشخاص الذين يفتقرون إلى الدعم الاجتماعي بعد الصدمة، مع الأخذ في الحسبان أنَّه حتى لو كانت عائلتك وأصدقاؤك بجانبك لكنَّك تتجنب تماماً رؤيتهم والحديث إليهم، فسيستحيل عليهم مساعدتك.
غالباً ما يكون الناس الذين يختارون التواصل مع الآخرين وتعزيز علاقاتهم معهم بدلاً من اختيار الانعزال، أكثر قدرة على التأقلم مع المِحَن وتنمية ذواتهم في أثناء هذه التجربة. قد يمنحك الدعم الاجتماعي الفعال الذي قد تحصل عليه من علاقاتك الوطيدة ومن المجتمع الذي يحيط بك، الدافع للتعامل مع التوتر والمشقات بطريقة صحية.
ولذلك عندما تكون الصعوبات هائلة، تواصل مع الآخرين الذين يمكنهم تقديم الدعم. هناك العديد من الطرائق المختلفة للقيام بذلك؛ الأول، هو بسهولة التحدث عما تمرُّ به. قد يكون من المحبط التحدث إلى شخص يحاول التظاهر فقط بأنَّه يصغي أو أنَّه يصغي ليصدر الأحكام؛ لذا، اعثر على شخص يتقبل ويجيد الإنصات.
يمكنك أيضاً محاولة إخبارهم مسبقاً بأنَّ كل ما تحتاجه هو الإصغاء إليك. هناك طريقة أخرى تتمثل في طلب المساعدة المفيدة؛ كتقديم المعلومات أو المشورة أو المساعدة في المهام اليومية. عادةً ما يدرك الأشخاص الأكثر مرونة أنَّهم لا يستطيعون حل كل مشكلة بمفردهم.
قد تجد صعوبة في طلب المساعدة خاصةً إذا كنت معتاداً على التعامل مع المشكلات بمفردك، أو إذا كنت ترى الاعتماد على الآخرين علامة على الضعف. تذكَّر أنَّ طلب المساعدة يتطلب شجاعة، والحاجة إلى المساعدة لا تعني سوى أنَّك إنسان بكل سهولة.
إليك بعض الأفكار الأخرى حول كيفية التواصل مع الآخرين للحصول على الدعم والمساندة:
إذا كنت تمارس الرياضة أو تذهب في نزهة على الأقدام؛ فادعُ شخصاً آخر للقدوم معك. التزم بالاتصال بأحبائك بانتظام. للتسلية والاستمتاع قوة، فاستفد منها، واضحك مع الأصدقاء، أو افعل أموراً سخيفة. إذا كانت هناك مجموعات اجتماعية تشاركك اهتماماتك أو هوايتك، فانضم إليهم لتبادل الأفكار أو لتعرُّف أشخاص جدد.
ادعم الآخرين بشكل غير رسمي أو من خلال المنظمات التطوعية؛ فمساعدة الآخرين تجعلنا نشعر بالسعادة والتقدير.
والأهم من ذلك كله، ألا تنتظر حدوث كارثة لتتواصل مع الآخرين. تأكد دائماً من أنَّ لديك علاقات داعمة تغذي إحساسك بقيمة ذاتك وحاجتك إلى الدفء في علاقاتك، التي بدورها يمكن أن تساهم في اكتسابك للمرونة.
إذا كنت بعيداً جسدياً عن أحبائك، فابحث عن طرائق أخرى لتبقى على تواصل معهم بشكل منتظم. حتى إنَّ وجود ودعم عدد قليل من الأشخاص الذين يمكنك الاعتماد عليهم، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً عند حدوث الشدائد.
شاهد أيضاً: 9 طرق لتحسين مهارات التواصل
2. التركيز على ما يمكنك التحكم فيه:
جرى تشخيصي - منذ نحو 7 سنوات - بإصابة بالاعتلال العصبي المحيطي؛ وهو نوع من تلف الأعصاب. بالنسبة إليَّ، تتجلى هذه الحالة المزمنة على أنَّها ألم حاد مستمر وإحساس حارق في قدمي. كانت حياتي بائسة لمدة 6 أشهر قبل التشخيص والشعور بالألم في أثنائها لا يطاق.
كنتُ بالكاد أستطيع المشي لمدة 5 دقائق في كل مرة؛ لكنَّ الأمر اختلف بعد التشخيص، حين وُصِفَت لي الأدوية التي خففت من الألم. وعلى الرغم من أنَّه أصبح الآن مقبولاً أكثر ومُسيطَراً عليه، إلا أنَّ الألم موجود دائماً وسوف أستمر بتناول الأدوية لبقية حياتي على الأرجح.
في الأشهر القليلة الأولى، واجهت صعوبة في قبول هذا. كنت في 35 من عمري ذلك الحين وكنت نشيطةً بدنياً قبل أن أُصاب بهذا المرض. وقد سألت نفسي أكثر من 100 مرة عن السبب الذي جعل هذا الأمر ممكن الحدوث. وعلى الرغم من أنَّ رفض ذاتي وإلقاء اللوم عليها أو على الآخرين أو العالم كان يوفر بعض الراحة؛ لكنَّ ذلك لم يصل بي إلى أي نتيجة.
ثم جاء يومٌ قررت فيه التوقف عن مصارعة ألمي والبدء بالاعتراف به؛ الأمر الذي لا يعني أنَّني أحببت الموقف ذاته - بل إنَّني كرهته - ولكنَّه أتاح لي مساحة لأن أُبادر إلى إيجاد استراتيجيات فعالة للتكيف.
كلما قبلت حالتي وألمي، قلَّ الألم الذي أشعر به. أُجريت دراسة تجريبية لقياس آثار تقبل أمر ما والاعتراف به وتضمنت هذه الدراسة إحداث ألم في 62 رجلاً وامرأة، وأظهرت هذه الدراسة أنَّ أولئك الذين تعلَّموا القبول، عانوا من ألم حسي أقل مقارنة بمجموعة استعملت وسائل تشتيت سهلة.
لكن انتبه إلى أنَّ القبول لا يعني إما الاستسلام لحالة ما أو تركها. يتعلق الأمر بملاحظة ما يحدث حولنا بلطف والسماح للتجارب غير السارة بأن توجَد، دون محاولة تغييرها أو إنكارها. عند قبولك بموقفٍ ما، يمكنك حينئذٍ اختيار القيام بما يهمك حقاً واتباع ما هو ذو قيمة بالنسبة إليك بسهولة أكبر.
يقدم عالم النفس الأمريكي "ستيڤن هايز" (Steven Hayes) في كتابه "عقل متحرر" (A Liberated Mind)، شرحاً حول القبول بشكل رائع وكتب عنه قائلاً إنَّه يسمح لنا بالتذكر والشعور بالحاضر أو اللحظة بشكل كامل، ومن ثمَّ الاعتراف بكل ما لدينا من خبرات - حتى المؤلمة منها - كهدايا، ويضيف: "ليست جميع هذه التجارب إيجابية؛ فبعضها مُبكٍ ومخيف؛ لكنَّ الشيء المؤكد هو أنَّها جميعها ذات قيمة".
بالنسبة إليَّ شخصياً، قبولي بحالتي أدى بي إلى العمل. فبدلاً من ضرب رأسي بالحائط، اخترت أن أكون سباقة وأن أعيد تصميم حياتي. صحيح أنَّ فكرة الجري كانت مستحيلة، لكن كان يمكنني السباحة أو المشي لمدة نصف ساعة أو طالما أنَّني جالسة، كان يمكنني ممارسة التمرينات بالأوزان.
ولطالما أحببت الوقوف والتحرك بصفتي محاضِرة؛ لكنَّني تعلمت الجلوس في الفصل لبعض الوقت على الأقل. لقد خططت لرحلاتي وعطلاتي بطريقة لا تؤثر سلباً في زيادة ألمي بشكل كبير؛ كالمشي لمسافات قصيرة في المدينة أو تجنب الطوابير الطويلة.
عندما تحل الشدائد، اسأل نفسك "ما الذي يمكنني فعله في هذا الموقف؟" وأعد توجيه طاقتك نحو القضايا التي يمكنك التأثير فيها. في حالة الجائحة الحالية، لا يمكنك محاربة وجوده، ولكن من خلال قبوله بلطف بكل سوئه والقيود التي يفرضها، ستُتاح لك الفرصة لتحويل انتباهك إلى الأشياء التي لديك بالفعل سيطرة عليها.
كتب الطبيب النفسي "فيكتور فرانكل" (Viktor Frankl) في كتابه "الإنسان يبحث عن معنى" (A Man's Search for Meaning): "عندما نفقد قدرتنا على تغيير موقفٍ ما؛ فالتحدي التالي هو تغيير أنفسنا".
3. التدرب على التأقلم مع الشعور بعدم الراحة في حالاتٍ معينة:
إن كنت مثل أغلب الناس، فإنَّك غالباً تحاول تجنب مشاعرك غير المريحة عن طريق دفعها بعيداً. قد تعتقد أنَّ طريقتك هذه بالتعامل مع المِحَن قد تمنحك السيطرة، لكن تكمن المشكلة بأنَّه حتى لو كنت تنجح مؤقتاً في تنظيم الانزعاج بهذه الطريقة، إلا أنَّ استعمال التجنب كاستراتيجية افتراضية للتكيف سوف يأتي بنتائج عكسية ويمنعك من أن تصبح مرناً في أثناء التعامل مع الضغوط الحياتية.
أظهرت دراسة شارك فيها عشرات المتطوعين أنَّه كلما حاول الناس تجنب عواطفهم أو السيطرة عليها في يوم معين، قلَّ ميلهم إلى الاستمتاع بنشاطاتهم في ذلك اليوم، كما وزادت المشاعر السلبية التي شعروا بها خلال ذلك اليوم. إن فكرنا ملياً في الأمر، فسيبدو بديهياً أنَّنا سنجد صعوبة في الاستمتاع بالحياة إذا كنا نتجنب ونتجاهل مشاعرنا باستمرار أو نحاول إيقافها.
لماذا قد نجد صعوبة في ذلك؟ بسهولة؛ لأنَّنا لن نكون قادرين على التركيز على اللحظة الحالية، وسنفتقد إمكاناتنا وطاقاتنا التي نحتاجها للمشاركة في مهامنا ونشاطاتنا اليومية.
لا بأس بالتأكيد من اللجوء إلى التجنب كاستراتيجية في ظروف معينة لتنظيم عواطفك، لكن لا تدع هذا الأمر يصبح عادةً. وأنشئ عوضاً عن ذلك نوعاً مختلفاً من العلاقة مع مشاعرك، على سبيل المثال: اسأل نفسك في المرة القادمة التي تشعر فيها بالضيق عما تشعر به بالتحديد بدلاً من أن تحاول دفع مشاعرك الصعبة هذه بعيداً.
تجنب استعمال العبارات العامة والشائعة مثل "أشعر بالسوء" وكن أكثر دقةً في وصفك لحالتك قدر الإمكان؛ كالقول مثلاً "أشعر بخيبة أمل" أو "أشعر بالذنب" أو "أنا محبَط". سيساعد تصنيف المشاعر على التخفيف من شدتها. كن فضولياً وتعلَّم المزيد عنها؛ ما الذي تخبرك به مشاعرك؟ وما هدفها؟
في حال شعرتَ بخيبة أمل لأنَّ ابنك أو ابنتك كذبت عليك، فقد تشير مشاعرك هذه إلى قيمة الصدق في حياتك. إنَّ بعض المشاعر صعبة حقاً، لكن لكل عاطفة وظيفة. تشكل هذه المشاعر والعواطف مجتمعة مصادر رائعة للمعلومات عنك وعن قيمك وعما إذا كانت هناك أشياء تريد تغييرها في حياتك.
4. النأي بنفسك عن أفكارك:
بصفتي كوتش أعمال ومعالجة نفسية، رأيت العديد من العملاء على مر السنين الذين أصبحوا عالقين في دوامة القصص المدمرة التي يستمرون بسردها لأنفسهم عن موقف أو حدث معين مضى في حياتهم. نخبر أنفسنا باستمرار قصصاً عن نوع الشخص الذي نحن عليه، وعن علاقاتنا أو حياتنا عموماً.
على الرغم من أنَّ هذه العملية تُعَدُّ مفيدة لفهم أفكارنا، إلا أنَّ بعضها غير مفيد، على سبيل المثال: يعتقد بعض الناس بعد المرور بتجربة الطلاق أو الانفصال أنَّهم فاشلون، وأنَّهم لن يحظوا بعلاقة حب مرة أخرى، أو أنَّهم دائماً ما سيتخذون خياراتٍ سيئة. ومع ذلك، فإنَّها مجرد أفكار، ولا تعكس بالضرورة الحقيقة الكاملة، لكن عندما يؤمن الناس بهذه الأنواع من الأفكار المتعلقة بأنفسهم، فإنَّهم غالباً ما يتجنبون التجارب القادمة أو ينسحبون فيما بعد، وكلاهما استراتيجيات غير مفيدة للتكيف على الأمد الطويل.
أساعد عملائي، في أثناء المرور بمثل هذه الحالات، على الانفصال عن أفكارهم؛ أي أن يضعوا مسافة بينهم وبين أفكارهم. يُشار إلى هذا الأمر بكلمة "الانشطار" (Defusion)؛ وهي شكل من أشكال المعالجة النفسية. عندما نقوم بهذه العملية، ننظر إلى أفكارنا وليس منها؛ هذا لا يعني أنَّ استعمال استراتيجية كهذي ستجعل فكرة معينة تختفي؛ لكنَّه يعني أنَّك ستختار عدم الانسياق وراء محتواها غير المفيد.
أنت، وبسهولة، تتراجع وتراقب أفكارك وهي تروح جيئةً وذهاباً. بالعودة إلى مثال الطلاق، عندما يعتقد موكليَّ أنَّهم فاشلون أو يتخذون دائماً خيارات سيئة؛ أطلب منهم إذا كان بإمكانهم النظر إلى هذه الأفكار على أنَّها مجرد كلمات وليست حقائق.
إحدى التقنيات التي أجدها مفيدة بشكل خاص هي تقديم الشكر لعقولنا. قد يخبرك عقلك بأمور وقصص مختلفة ومتنوعة، ولكن بإمكانك أن تشكر عقلك - حرفياً - بقول "شكراً لك على رأيك؛ لكنَّني بخير"، أو "شكراً، لقد وصلت فكرتك؛ لكنَّني أعتقد أنَّني سآخذ القرار بنفسي"، أو "لا بأس، شكراً لك. هل هناك أي شيء آخر تود قوله؟
سيُظهر لك هذا التمرين أنَّ لديك خيارين؛ إما أن تصدق أفكارك وتذهب إلى حيث تريدك هي أن تذهب، أو أن تعترف بأفكارك هذه وتقرأها، ولكن تكفُّ عن الانشغال بمحتواها، وبدلاً من ذلك تنتقل إلى حيث أنت تريد.
عندما تواجهك صعوبة أو شدة ما، انظر إلى قصتك بعين المراقب من الخارج وإلى أفكارك على أنَّها مجرد أفكار وليست حقائق، وتذكَّر دائماً، ليس عليك أن تؤمن بكل قصة ترويها لنفسك.
5. إعادة صياغة الصعوبات التي تواجهك كتحدي:
هناك استراتيجية أخرى لاكتساب المرونة؛ وهي إيجاد فرص للنمو خلال الشدائد. أخبرَني العديد من الأشخاص أنَّهم وجدوا هذه الاستراتيجية مفيدة بشكل خاص للتعامل مع المشاعر غير السارة والأفكار السلبية التي راودتهم في أثناء الجائحة.
على سبيل المثال: أخبرني زميل لديه طفلان بأنَّه ممتن للوقت الإضافي الذي يقضيه الآن مع أطفاله بعد أن أصبح يعمل من المنزل. كما وأخبرتني إحدى العميلات أنَّه على الرغم من أنَّه وبسبب الحجر تم عزلها عن الأسرة لفترة طويلة شعرت إثرها بالإحباط والخوف، إلا أنَّها تنظر إلى الجائحة كفرصة للقيام ببعض التفكير الداخلي وتعلُّم التكيف مع المشاعر السلبية أو المزعجة.
من المرجح أنَّ الأشخاص الذين ينظرون إلى الضغوطات عموماً على أنَّها تحدٍّ وفرصة للنمو، بدلاً من النظر إليها على أنَّها تهديد، يتعاملون مع هذه الضغوطات بشكل أفضل ويقلُّ احتمال تعرضهم للآثار السلبية التي تنتج عن الرفاهية المفرطة. ستُدهشك عدد الفرص التي يمكن للمرء أن يجدها في موقف مجهِد، أو حتى في أثناء التعرض لحدث مؤلم في الحياة.
يُعرَّف النظر إلى الأشياء بهذه الطريقة رسمياً باسم "إعادة التقييم المعرفي" أو "إعادة الصياغة المعرفية". ولتنمية هذه العقلية ودعم مرونتك، اسأل نفسك أسئلة من قبيل "ما الذي يمكنني تعلُّمه من هذا الموقف؟" و"ما هي الفرصة المتاحة لي لكي أنمو؟" و"أين يمكن أن تكمن الفائدة في هذا الحدث السلبي؟" و"هل هناك أي شيء يمكنني أن أكون ممتناً له؟".
باتباعك للاستراتيجية السابقة، أنت لا تنكر وجود الجانب السلبي أو أنَّك تحاول فقط أن تفكر تفكيراً إيجابياً؛ بل على النقيض تماماً، فإنَّك تحوِّل الموقف السلبي الذي تتعرض له إلى مصدر إلهام ووسيلة لإيجاد فرص مفيدة من خلاله.
المصدر: 1
أضف تعليقاً