ومن المؤكد أنَّ تلقِّي الرفض اليوم ليس كما كان عليه من قبل؛ فمع تقدم التكنولوجيا، أصبحنا بطريقة ما أكثر ارتباطاً مع بعضنا بعضاً، إلا أنَّنا في الوقت نفسه أصبحنا معزولين اجتماعياً أكثر من أي وقت مضى.
وفي تلك اللحظة السريعة التي ننشر فيها على وسائل التواصل الاجتماعي، نبوح دون وعي برغبتنا في لفت أنظار الآخرين والتواصل معهم، ولكن عندما لا تحصل صورة السيلفي التي نشاركها على إنستغرام (Instagram)، أو عندما لا يحصل المنشور الذي ننشره عبر فيسبوك (Facebook) على عدد الإعجابات أو التعليقات التي توقعناها؛ فإنَّنا نشعر بخيبة أمل، وبإهمال الآخرين لنا.
ثم نجلد أنفسنا باللوم الذاتي، والشعور بالذنب المنهِك والمساءلة المفرطة، والأفكار اليائسة حول المستقبل. يُضعف الرفض العاطفي من عزيمتنا ويتركنا مع مشاعر يصعب التحكم فيها؛ ومع ذلك، لا يجب أن يكون الأمر بهذه الطريقة؛ إذ بإمكانك التعافي.
هل يمكنك تعلُّم كيفية التعامل مع الرفض؟ بالتأكيد! فيما يلي ست طرائق لمساعدتك على التخلص من الاضطرابات العاطفية والعقلية التي يمكن أن تتعرض لها (في بعض الأحيان دون أي تحذير) حتى يصبح الرفض إحدى أكثر الهدايا الإيجابية التي بإمكانها تغيير حياتك:
1. إفساح المجال أمام الاعتراف بالعواطف والإحساس بها:
بعد مضي 25 عاماً على زواجك، وبعد أن أصبحت أباً لطفلين بالغين، ستشعر وكأنَّ خنجراً قد اخترق قلبك الرقيق إذا ما أخبرك أحدهم بأنَّه لم يعد يحبك بعد الآن؛ إذ إنَّ الأذى النفسي لا يقل ألماً عن الأذى البدني.
وللتغلب على ألم الرفض؛ توقَّف عن محاولة تجنُّب الشعور بذاك الألم، وتوقَّف عن التظاهر بأنَّك غير متأثر، واعترف بأنَّ الألم العاطفي الحاد والشديد الذي تشعر به صحيح وحقيقي مثل أي ألم جسدي؛ فالضرر الناجم عن محاولة تخفيف حدة الشعور أكبر من المنفعة.
استمع إلى صوتك الداخلي الذي يصف الظلم الذي تشعر به، وامنحه الوقت الكافي ليُعبِّر عمَّا يختلج في صدرك، ويداوي جروحك العاطفية؛ فإذا لم تفعل ذلك، تستمر هذه الطاقة العاطفية في جذب انتباهك مثل الطفل الذي يسحب تنورة أمِّه باستمرار لجذب انتباهها. لذا استمع إلى مشاعر الغضب والحزن والخسارة والوحدة، وتوقُّف عن التظاهر بأنَّك لا تُقهر، واسمح لمشاعرك بالتدفق؛ عندها وبمنتهى البساطة ستبدأ الشعور بالراحة.
2. التوقُّف عن إطالة التأمل في الماضي:
إذا كان أصدقاؤك يتململون عندما تصف لهم -للمرة الخامسة بالتفصيل- قِصة الإجحاف الذي تعرضت له في مقابلة وظيفة أحلامك، فقد حان الوقت للتغيير؛ فأنت تهدر وقتك وطاقتك، ووقت وطاقة الآخرين أيضاً، وتمنع نفسك من المضي قدماً. فبدلاً من ذلك، اطلب المساعدة من شريكك وعائلتك وأصدقائك.
اتفق مع شخص يهتم لأمرك على أن يمنعك من الإسهاب في الحديث عن تجاربك السابقة عندما يجدك تفعل ذلك.
مارِس ثلاثة أو أربعة نشاطات مختلفة من شأنها أن تصرِفك عن التفكير بالماضي، وتحوِّل انتباهك إلى شيءٍ مثمر. احرص على اختيار نشاطك بحكمة؛ إذ لا يتعلق الأمر بإلهاء نفسك وشَغلها فحسب، وإنَّما باختيار شيء يحفز الطاقة الإيجابية في داخلك، ويؤثِّر في طريقة تفكيرك ويغيِّر مزاجك؛ وخير مثال على ذلك هو النشاطات البدنية.
تتضمن بعض النشاطات الأخرى التي يمكنك المشاركة فيها من أجل صرف انتباهك عن التفكير بالماضي ما يأتي:
- ممارسة التمارين الرياضية.
- الاستماع إلى الموسيقى أو التسجيلات الصوتية.
- ممارسة رياضتك المفضَّلة مع الأصدقاء.
- الأعمال التطوعية.
ضع في اعتبارك أيضاً بدء مشروع صغير لا علاقة له بتجربة الرفض نهائياً، والذي من شأنه دفعك إلى المساهمة الهادفة.
فمن خلال تنشيط المسارات العصبية التي تعزز الحالة الذهنية الصحية، تبدأ قيود التفكير بالتجارب السابقة تفقد سيطرتها. استعن بأصدقائك وعائلتك لمساءلتك وكسر إيقاع التفكير في الماضي المنهِك.
شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتخلص من التفكير في إخفاقات الماضي
3. تنظيم التعرض للرفض:
لكل مِنَّا مقدارٌ معيَّنٌ من الرفض يستطيع تحمُّله؛ فتلقِّينا المتكرر لإشعار: "نأسف لإبلاغك بعدم نجاح طلبك" يصبح في وقت قصير أمراً مدمراً للنفس، إذا كنت ترغب بشدة في العثور على وظيفة جديدة.
عندما تكون الظروف صعبة للغاية، فأنت بحاجة إلى حماية حالتك العقلية والعاطفية؛ فالتفكير بحكمة في مقدار ما يمكنك التعامل معه يُعَد أمراً ضرورياً؛ لذا، قبل أن تخطو خطوة أخرى إلى الأمام، اسأل نفسك إن كان لديك القدرات والدعم المناسبان لمساعدتك.
يصف "جيا جيانغ" (Jia Jiang) في حديثه الشهير في تيد توك (TED Talk) "ما تعلمته من 100 يوم من الرفض" كيف أنَّه بعد اكتشاف الانخفاض الشديد في عتبة الرفض لديه، وما يسببه من تعطيل لأي نمو حقيقي؛ قرر البحث عن الرفض لمدة 100 يوم، ليتخلص في النهاية من الشعور بأيَّة حساسية تجاهه.
إنَّ هذا النهج غير مناسب للجميع، ولكن ما يجب أن تعرفه هو تحديد مقدار الرفض الذي يمكنك تحملُّه، والمقدار الذي يجب أن تسعى له لتنمو.
إن كنت وقفت في محطة اليأس على أمل ركوب القطار وكان دائماً ما يفوتك، فربَّما يكون من الأفضل التوقف عن المحاولة فترة من الوقت، لتمنح عقلك وأفكارك بعض الراحة.
إن أثَّر فيك الرفض تأثيراً بالغاً؛ فحوِّل انتباهك إلى النشاطات والفرص التي لا تعرِّضك لخطر الرفض مرة أخرى، حتى ولو لفترة قصيرة على الأقل؛ فخلال فترات الاستراحة بعد تمرين رفع الأثقال، تتعافى عضلاتك وتصبح أقوى، وينطبق الشيء ذاته على عقلك وقلبك؛ إذ يجب أن تمنحهما الراحة قبل أن تعرِّضهما لخطر المعركة والكدمات في المستقبل.
واعلم أنَّ قدرتك على التعامل مع الرفض ومرونتك في مواجهته، مختلفتان عن قدرة الآخرين ومرونتهم؛ لذا احرص عند الاستعداد للعودة إلى معترك الحياة أن تكون جاهزاً حقاً لذلك.
تعرَّف على حدود تحمُّلك واحترمها؛ إن كنت بحاجة إلى استراحة لبضعة أيام من تقديم طلبات التوظيف واحداً تلو الآخر، فافعل ذلك؛ سينتعش عقلك ويركز أكثر، حتى تتمكن من تقديم أفضل ما لديك في المرة القادمة.
4. إعادة النظر في المعنى الذي تربطه بالرفض:
كشفت عديد من الدراسات البحثية التي أجراها كلٌّ من "كارول دويك" (Carol Dweck) و"لورين هاو" (Lauren Howe) في جامعة ستانفورد (Stanford) أنَّ الأفراد ذوو العقليات الثابتة في سياقات الرفض العاطفي، يعانون من آثار سلبية للرفض فترة أطول.
وعزى المشاركون (الذين اعتقدوا أنَّ الشخصيات ثابتة ولا يمكن تغييرها) الرفض إلى عيوب في شخصياتهم، بدلاً من تعريف الرفض على أنَّه فرصة للتغيير الإيجابي أو النمو؛ فقد اعتقدوا أنَّ هذه "العيوب" دائمة، وكانوا قلقين أيضاً بشأن تأثيرها المستمر في علاقاتهم المستقبلية.
إن كنت تشعر أنَّ تعرُّضك للرفض لعلة فيك، فأنت لست وحدك، ولكن هذا لا يعني أن تفكيرك دقيق؛ فكِّر بالأسئلة الآتية:
- هل من الممكن أن تكون استنتاجاتي عن نفسي غير صحيحة في الواقع، وأنَّ سببها ببساطة المشاعر الجياشة التي أُحِسُّ بها في هذه اللحظات؟
- هل من الممكن أن يكون هذا الرفض مجرد إشارة إلى أنَّ ما أريد أن أنتمي إليه وأن أكون جزءاً منه، غير مناسب لي؟
- هل يمكن أن يكون هذا الرفض دليلاً يوجِّهني إلى مسار من المفترض أن أكون عليه، أو شيئاً أفضل لم أتمكن من تخيله بعد؟
- هل يمكن أن يكون هذا في الواقع فرصة عظيمة للنمو والتطور؟
عندما رُفض ستيف جوبز (Steve Jobs) وطُرد من شركته الخاصة في عام 1985، جنى أول مليار دولار له من استوديوهات بيكسار (Pixar) للرسوم المتحركة، بعد شرائها من شركة لوكاس فيلم (Lucasfilm) في عام 1986. واليوم، يتفوق بيكسار على جميع استوديوهات الرسوم المتحركة.
عندما يرفضك أحدهم ويهينك بفظاظة، فمن الممكن أنَّك أنقذت نفسك من زواج كان سيجلب لك الكَرب وسوء المعاملة. في الواقع، الباب مفتوح الآن أمامك لمواصلة رحلتك في العثور على شخص أفضل بكثير، ويتحلى على الأقل بدماثة الخُلق!
عندما يكون الرفض أمراً محتملاً، احتفظ ببطاقة تحوي الأسئلة أعلاه في جيبك لإجراء فحص يستند إلى الواقع، واعرف ما إذا كان بإمكانك التحلي بعقلية النمو وممارسة التفكير في عواقب رفضك على نطاق أوسع.
ما الذي تعلَّمته واكتشفته عن نفسك؟ ماذا تعلَّمت من تجربة الرفض؟ ما هي الفرص التي يمكنك رؤيتها الآن، والتي ربَّما لم تكن قادراً على رؤيتها من قبل؟ عندما تشعر أنَّك مستعد للتقدم إلى الأمام مرة أخرى، هل ستذهب في الاتجاه نفسه مرة أخرى، أم أنَّك ستغير المسار؟ هل من الممكن أن تفعل أشياءَ مختلفة هذه المرة؟
قد يكون الرفض في الواقع تجربة رائعة تكشف عن إمكانات جديدة.
5. التوقف عن الإفراط في الإعجاب:
فكِّر في أوقات أردت فيها أشياءً صعبة المنال، حين كان هناك خطر أو فجوة أو عقبة تقف في طريقك للحصول على ما تريده؛ هل أصبحت تريده أكثر من قبل؟
يبدو أنَّ عدم قدرتك على الوصول إلى الجائزة أو المكافأة، تجعلها تبدو أكثر جاذبية في نظرك؛ مما يدفعك إلى الإلحاح في طلبها. إنَّها ميزة أساسية في علم النفس تستخدمها الشركات مع عملائها للبيع بفعالية؛ حيث يُسوِّقون منتجاتهم عن طريق إيهامك بأنَّ الفرصة ستضيع من بين يديك، إن لم تشتر على الفور.
عندما تحصل على إجابة سلبية، يصبح التوق إلى الشيء الذي تريده بشدة أقوى؛ لكنَّ الحقيقة أنَّه لم يتغير شيء محدد بشأن الشخص الذي تتوق إلى روئيته، ولا يزال الوصف الوظيفي أو حزمة المكافآت كما هما، سواء كنت أنت المرشَّح المختار، أم كان شخصاً آخر. ومع ذلك، في عقلك وقلبك، تشعر بإحساس أكبر بالخسارة.
هل يمكنك إدراك فعلك هذا؟ إن كان الأمر كذلك، اسأل نفسك هذين السؤالين:
- هل كنتُ معجباً بشدة بالموقف أو الشخص الذي قادني الآن إلى الشعور بالخسارة وعدم الجدارة؟
- هل من سِمات سلبية حول الموقف لم أكن أراها لشدة رغبتي بذلك الأمر؟
لن تتمكن من الإجابة بموضوعية أكبر عن هذه الأسئلة، إلَّا بعد مُضيِّ تجربة الرفض الأولى بوقت معيَّن. تأمَّل الموقف بعد أن تخف حدة شعورك بالرفض، وعندها فقط ستتمكن من رؤية الجانب الآخر من الموقف.
يجعلك الرفض في بعض الأحيان ترى الموقف على حقيقته، وأنَّ خسارتك ليست كبيرة كما كنت تظن، وأنَّك لم تفشل بقدر ما كنت تعتقد.
6. بناء المرونة والثقة بالنفس:
بإمكانك تنمية الثقة من خلال التعرض للرفض؛ إذ يتعلق الأمر بمراجعة استباقية لأنماطك السلوكية وقدراتك، والتنبؤ باستراتيجية التعافي في حال أردت التراجع في المستقبل.
بعد أن تداوي جراحك، خصِّص وقتاً للتفكير وألقِ نظرة على ردة فعلك واستجابتك. ماذا كانت أنماطك؟ كيف كان استعدادك للتعامل مع الفشل؟ هل انسحبت وعزلت نفسك لتتعافى؟ هل كان ذلك مفيداً، أم أنَّ التحدث مع الأصدقاء المقربين أو العائلة قد ساعدك؟ هل كان لديك خطة معدَّة للتعامل مع الرفض المحتمل؟
إن لم يكن لديك خطة، ضع خطة الآن.
يمكنك من خلال التنبؤ بالارتباك الذي سيصيب مشاعرك وأفكارك، أنَّ تمنح نفسك إحساساً أقوى بالحفاظ على ضبط النفس في حال تعرُّضك للرفض، وتخفف الصدمة أيضاً إن كنت تعلَم أنَّ لديك خطة إسعاف أولية.
اكتب الأفكار والمشاعر التي قد تتعرض لها في مواجهة الرفض. إن كان الأمر يتعلق بالغضب، فضع استراتيجية صحية للتعامل مع طاقة هذا الغضب، وإن كان يتعلق بالحزن، فخصِّص وقتاً في جدولك تسمح فيه لنفسك بالشعور بالحزن، إمَّا بمفردك أو بصحبة صديق أو زميل، أو فرد من العائلة، أو معالج نفسي.
وبمجرد أن تتمكن من معالجة قدْرٍ لا بأس به من التداعيات العاطفية والمعرفية، استثمر في الأشياء التي تعيد طاقتك وقوَّتك ورغبتك بالنجاح. وبعد ذلك، فكِّر بالعودة إلى معترك الحياة.
عندما يكون لديك خطط واستراتيجيات، فإنَّ التغلب على الرفض والخوف منه يصبح أشبه بالسير فوق مطب صغير، بدلاً من التخلي عن الأمل تماماً في قدرتك على مواجهته.
أضف تعليقاً