بعد المعاناة التي شهدناها عام 2020، لا يحتاج رواد الأعمال إلى أي شخص ليخبرهم بذلك؛ فهناك حاجة ماسة إلى التوجه لتغيير مجال الأعمال، ومن ناحية أخرى، لم تؤثر الجائحة في جميع مجالات العمل بالطريقة ذاتها، لكن بدأَت تظهر بعض العوامل المشتركة بينها، ففي أثناء تفكيرك في مسار عملك بعد انتهاء جائحة كورونا (Covid-19)، ضع في حسبانك هذه الاستراتيجيات الأربع للتخطيط لمستقبل عمل ناجح:
1. إنشاء تجربة شخصية عبر الإنترنت:
عندما تسببَت الجائحة في الإغلاق الكامل، توقَّفَت جميع النشاطات الشخصية السابقة - كزيارة الطبيب، وتناوُل الطعام في الخارج، والذهاب إلى السينما، وانتشرَت خدمات مثل: التطبيب عن بُعد، وخدمة التوصيل إلى الرصيف، والبث الرقمي بشكل واسع.
كان قطاع التجارة قطاعاً آخر تضرر بشدة وبسرعة، حيث اضطرت المتاجر إلى الإغلاق، مما أدى إلى ازدهار الشركات التي استطاعت نقل عملها إلى الإنترنت، وإفلاس الشركات التي تُقدِّم خدماتها وجهاً لوجه؛ كما أنَّ الوقت لم يجعل الأمور أسهل بكثير، حيث لا تزال بعض المناطق تحدُّ من القدرة على البيع بالتجزئة، ولا يتطلع العديد من المستهلكين ببساطة إلى الخروج والتسوق بالطريقة التي اعتادوها من قبل.
يتمثل إصلاح هذه الأمور في تقديم تجربة البيع بالتجزئة الشخصية عبر الإنترنت، حيث يجرِّب عدد متزايد من شركات التجزئة مثل: مايسيز (Macy's)، وأديداس (Adidas)، ومارشال (Marshall)، غرف تبديل الملابس التي تعمل بالواقع الافتراضي، والتي تسمح للعملاء برؤية كيف ستبدو الملابس عليهم قبل شرائها من الإنترنت؛ فمن المرجح أن تكون تجارب كهذه هي أفضل حل خلال غياب التسوق الشخصي.
2. اعتماد أدوات تقنية للتعامل مع الأعمال المتراكمة:
أعطى النقص الكبير في ورق الحمام في عام 2020 المستهلكين الأمريكيين وعياً عميقاً بسلسلة التوريد العالمية أكثر من أي وقت مضى؛ حيث تعاني الصناعات بكافة أنواعها - بدءاً من تعبئة اللحوم ووصولاً إلى الفضاء الجوي - من تراكم وتأخُّر في إنجاز العمل، ولكن لم يكن لهذه الأعمال المتراكمة عواقب أكثر خطورةً في أي مجال أكثر من مجال الرعاية الصحية.
نُشِرَت مقالة في مجلة العلوم (Science)، توقع فيها مدير المعهد الوطني للسرطان "نورمان شاربلس" (Norman Sharpless) أنَّ الفحوصات المتأخرة والعلاجات المؤجلة قد تؤدي إلى 10000 حالة وفاة إضافية بالسرطان في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل، ولتلبية الطلب المتزايد على إجراء الاختبارات الطبية، والعمليات الجراحية، وغيرها من الإجراءات، يعتمد القطاع الصحي أدوات من شأنها أن تُمكِّن أنظمة الرعاية الصحية من التعامل مع هذا التراكم بكفاءة أكبر.
وبالفعل تحسَّنَت الاختبارات الطبية الشائعة مثل: تصوير الطبقي المحوري، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني من خلال تقنية التعلم الآلي، والتي تتيح تشخيصاً أفضل لمجموعة متنوعة من الأمراض، وللكشف عن سرطان الثدي مبكراً وبدقة أكبر في أثناء تنظيم الأعمال المتراكمة، تستخدم شركة "كيورماتركس" (CureMetrix) طريقة تصوير الثدي بالأشعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تسلط الضوء على الحالات المشتَبه بها، والتي عزَّزَت احتمالات اكتشاف السرطان بنسبة 27%، وستكون الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في الصناعات الاقتصادية ضروريةً لمعالجة الأعمال المتراكمة في مرحلة ما بعد انتهاء جائحة كورونا بكفاءة، كما أنَّها ستسهم في إنقاذ الكثير من الناس في مجال الرعاية الصحية.
3. الاستعداد لمستقبل ينتشر فيه أسلوب العمل الهجين:
أُغلِقَت المكاتب في جميع أنحاء البلاد بسرعة عندما تفشَّت الجائحة، مما جعل قادة الأعمال في حيرة من أمرهم؛ حيث تبنَّى العديد من الموظفين العمل من المنزل، بينما اكتشفَ أرباب العمل فرصةً لتوفير المال لإعادة النظر في مدى حاجتهم إلى مساحات كبيرة مخصصة للعمل، كما وجد آخرون أنَّ الألواح البيضاء الرقمية لا يمكِن أن تحلَّ محل التعاون الشخصي إلى الأبد، وأنَّ العمل عن بعد يضر بصحتهم النفسية.
تؤدي هذه التقييمات إلى استنتاج واحد، وهو أنَّنا سنشهد في المستقبل أسلوب عمل هجين يجمع بين العمل عن بُعد والعمل ضمن مقر الشركات والمؤسسات، ومع استمرار بقاء عدد كبير من مكاتب العمل فارغة كلياً أو جزئياً، أدركَت الشركات العقارية أنَّ عليها التكيُّف إذا أرادَت الحفاظ على ازدهار عملها.
بينما اقتنعَت بعض الشركات تماماً بإمكانية العمل عن بُعد، إلا أنَّ الحاجة إلى المساحات المكتبية لا تزال قائمةً، وإن كان ذلك بمعدل متناقص؛ حيث يوفر هذا فرصاً جادة لإنشاء مساحات عمل مشتركة تتيح للشركات موقعاً فعلياً دون الحاجة إلى عمليات الشراء الثقيلة التي تقوم بها عقود إيجار المكاتب الكاملة، وستكون هذه الأنواع من الترتيبات هي مستقبل العمل؛ لذا فإنَّ الأمر متروك للشركات العقارية للاستجابة بسرعة.
4. إعادة التركيز على تحقيق الاستدامة:
كانت أزمة كوفيد-19 أفضل الأوقات وأسوأها، بالنسبة إلى حركة الاستدامة العالمية؛ حيث أدت عمليات الإغلاق المبكرة إلى انخفاض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وانخفضَت المياه في قنوات البندقية لأول مرة منذ عقود، ومع ذلك، لم يمضِ وقت طويل قبل أن تبدأ الكمامات التي تُستخدَم لمرة واحدة في الانجراف إلى الشواطئ، وظهرَت كميات هائلة من حاويات الوجبات السريعة وعبوات وأكياس التغليف في مكبات النفايات الصلبة.
بينما كانت العديد من الشركات تتطلع إلى المستقبل، وتحاول ببساطة البقاء واقفةً على قدميها، وأدرك آخرون أنَّ التهديدات التي تواجه الكوكب تتطلب منهم اتخاذ إجراءات، سواء ظهرَت جائحة أم لم تظهر، وفي شهر يوليو، أعلنَت شركة "أبل" (Apple) عن خططها لإنشاء سلسلة توريد تحدُّ من انبعاثات غاز الكربون بحلول عام 2030، في حين أظهرَت الاستثمارات الطموحة والصديقة للبيئة لشركة الملابس الرياضية الكبيرة "ذا نورث فيس" (The North Face) أنَّها لن تتنازل عن الاستمرار في منافسة شركة "باتاغونيا" (Patagonia).
وبالمثل، وجدَ قطاع السفر أنَّ التركيز على الاستدامة يتيح مجالاً للمضي قدماً؛ ففي عام 2020، أزالت جائحة كورونا احتمال السفر من جداول معظم الناس، في حين أنَّ الرغبة في استكشاف العالم ستكون أكبر من أي وقت مضى في عام 2021 وما بعده؛ فهناك سبب للاعتقاد بأنَّ الناس سيتطلعون إلى السفر بصورة مختلفة حتى في ذلك الوقت.
تسببَت عمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة كورونا في إعادة تواصل العديد من الناس مع الطبيعة بطرائق جديدة وهادفة، مما أتاح إمكانية ظهور شكل أكثر استدامةً للسفر، حيث تُحوِّل شركات مثل "سنتر فور ريسبونسيبيل ترافيل" (Center for Responsible Travel) الرحلات السياحية التقليدية إلى فرص لتعزيز الإشراف على الموارد الطبيعية في شبه جزيرة ميشيغان العليا (Michigan’s Upper Peninsula)، ويرغب عدد متزايد من الأشخاص في القيام بهذا النوع من الإجراءات، والأمر متروك لقطاع السفر لتنظيمه من أجلهم.
سيظهر تأثير جائحة كورونا لفترة طويلة بعد انتهائها؛ ورغم أنَّ عالم "ما بعد الجائحة" الفعلي قد لا يزال بعيداً، إلا أنَّ هناك الكثير مما يدعونا إلى الأمل والعديد من الطرائق التي يمكِن للشركات من خلالها التكيُّف والازدهار.
أضف تعليقاً