تحقيق السَّعادة هو حلم الجميع؛ وقد يكون العثور على الرِّضا عن الحياة المِهَنِيَّة، سواء في الماضي أم الحاضر أم المستقبل أمراً صعباً، ولكنَّه ممكن، وهو أسهل مما تعتقد.
بالنسبة إلى بعض الناس، فإنَّ وجود بيئة عمل ودِّيَّة شرطٌ أساسي لوجود المتعة، بغض النظر عن المعايير، فكوننا راضين عن وظائفنا أمرٌ بالغ الأهمِّيَّة للحفاظ على التوازن بين "العمل والحياة".
يحتاج الموظف لأن يكون مرتاحاً ويشعر بالأمن والطمأنينة تجاه العمل الذي يقوم به، بحيث يعدُّ العمل من الأماكن التي ينتمي إليها الفرد، ومن أكبر المحطات التي تلبِّي احتياجاته وتجعله يشعر بالاستقرار المهني والشخصي.
تُحقِّق لنا أماكن العمل التي ننتمي إليها، بُعداً معنوياً في حياتنا، يتجاوز مجرد الحصول على «الراتب»؛ فهي تمسُّ جوهراً هاماً في حياة الإنسان؛ حيث يقضي ما يعادل نصف يومه أو أكثر في تلك البيئة؛ مما يجعلها أحد الأسباب الرئيسة للسعادة أو التعاسة.
انطلاقاً من إيماننا بأهمية الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة، نقدم لكم في هذا المقال:
- الحياة المِهَنِيَّة.
- الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة.
- أهمية الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة.
- كيفية تحقيق الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة.
- تحقيق الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة من الناحية العلمية.
- نصائح حول تحقيق الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة.
- دور كل من الشركة والفرد في رفع مستوى الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة.
1. الحياة المِهَنِيَّة:
يُقصد بالحياة المِهَنِيَّة: مجموعة الوظائف والمهام التي قام أو يقوم بها الفرد، وتُعبِّر عن العلاقات المِهَنِيَّة للفرد وعن العمليات التي من شأنها تحقيق التقدُّم والتطور للفرد؛ وتبدأ منذ اختيار الفرد للتَّخصُّص الجامعي المناسب واستمراره بعد ذلك في الدخول بالمجال المهني الذي سيعمل به، وتستمر حتى انتهاء خدمة الفرد في العمل والتقاعد.
2. الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة:
السَّعادة: هي شعورٌ داخليٌّ يتمثل في الرِّضا وراحة البال، أحياناً يكون هذا الشعور مُؤقَّتاً سرعان ما يزول تأثيره، أو دائماً يمتد لوقت طويل، وبغض النظر فإنَّ السَّعادة حاجة لا بد منها ويجب على أي شخص أن يسعى إلى الحصول عليها حتى تصبح حياته أكثر جمالاً وسلاماً.
يقصد بالسَّعادة المِهَنِيَّة: الحالة النفسية التي يشعر بها الموظف داخل العمل المهني الذي ينتمي إليه، وهي من العناصر الأساسية الخاصة بمفهوم الرِّضا المهني للموظف، كما أنَّها من أهم الأهداف التي يسعى لتحقيقها من خلال العمل الذي اختاره.
ومنه فإنَّ السَّعادة والرِّضا في الحياة المِهَنِيَّة هي: إحساسٌ بالرَّفاهية يأتي عندما نشعر بالرِّضا عن العمل الذي نقوم به وعندما نشعر بالمشاركة في "الالتزام المهني"؛ ونستمتع بالقيام بالمهام الموكلة إلينا، ونشعر بالاحترام تجاه الأشخاص الذين نعمل معهم، ونكون سعداء بالمزايا المالية التي نحصل عليها من الوظيفة، وعندما يكون لدينا مجال لتحسين مهاراتنا الحالية، وعندما نشعر بالاحترام والتقدير في العمل.
تحوَّل في الوقت الحالي مفهوم الرِّضا الوظيفي إلى مفهوم السَّعادة المِهَنِيَّة، ولعلَّ أوَّل سؤالٍ يتبادر إلى الذهن هو: ما الجديد في هذا المصطلح مقارنة بمصطلح الرِّضا الوظيفي؟ إذا كان الرِّضا الوظيفي يتضمن كافة العوامل ذات العلاقة بالوظيفة مثل: ساعات العمل، والراتب، وبيئة العمل، والحوافز وفرص التدريب والتطوير وما إلى ذلك، فما الذي يضيفه مفهوم السَّعادة المِهَنِيَّة؟
يبدو أنَّ السَّعادة المِهَنِيَّة تتخطى حدود توفير الظروف الأساسية التي تحقق الرِّضا الوظيفي إلى توفير أشياء إضافية تجعل الموظف يستمتع ليس بالعمل فقط؛ وإنَّما بما يتوفر من خدمات صحية ورياضية وترفيهية، وتجعل بيئة العمل بيئة جاذبة لأفضل الخبرات والكفاءات.
شاهد بالفيديو: 6 طرق مبتكرة لرفع معنويات الموظفين
3. أهمية الرِّضا والسَّعادة في الحياة المهنيّة:
يتمثل جوهر هذا الموضوع في العلاقة بين السَّعادة المِهَنِيَّة والنجاح، ومعرفة أي منهما يسبق الآخر، والتأكد إن كان توفير أسباب السَّعادة المِهَنِيَّة للموظف يحقق النجاح، أم يفترض أن يجتهد ويعمل بجدية وإخلاص ويستثمر قدراته كي ينجح ومن ثُمَّ يحصل على السَّعادة المِهَنِيَّة.
نستطيع القول: إنَّ العوامل التي تساهم في تحقيق الرِّضا الوظيفي هي نفسها التي يُفتَرض أن تحقق السَّعادة المِهَنِيَّة، وهي: بيئة العمل الإيجابية بجوانبها المادية والمعنوية التي توفر الأجواء التي تحقق الرِّضا الوظيفي الذي تَغَيَّر مُسَمَّاه بدوره إلى السَّعادة المِهَنِيَّة.
إذا نظرنا إلى بيئة العمل على أنَّها أسرتنا، فإنَّ الأسرة لن تكون سعيدة من دون توفر الحب والتعاون والشعور بالأمان وشعور الجميع بالأهمية والعدالة والعلاقات القائمة على الاحترام والتقدير والإيثار والحرص على تحقيق أهداف الجميع.
الإنسان السعيد في هذه الأسرة سينشر السَّعادة في بيئة العمل، ولن ينتظر ما توفره المنظمة من أسباب السَّعادة؛ بل سيكون مبادراً وقائداً في نشر وتعزيز مفهوم الرِّضا الوظيفي أو السَّعادة المِهَنِيَّة، وفي المقابل لا بد أن تدرك منظمات العمل أنَّ بيئة العمل السلبية ستنقل آثارها السلبية إلى الأسرة، وهذا خلل لا يتفق مع المسؤولية الاجتماعية للمنظمات.
وأيضاً تبرز أهمية السَّعادة والرِّضا في الحياة المِهَنِيَّة بعدد من النقاط، أهمها:
- تضاعِف النجاح.
- تبني الإيجابية.
- تقلِّل التوتر.
- تعني حياة صحية.
- تزيد من الإبداع.
4. كيفية تحقيق الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة:
يقع تحقيق مفهوم السَّعادة والرِّضا في الحياة المِهَنِيَّة على عاتق المؤسسة المِهَنِيَّة، وبالتحديد على عاتق الإدارة، وأهم الطرائق والأساليب التي تُستخدَم في التعامل والتفاعل مع الموظفين المسؤولين عنهم؛ بحيث يتوجب على كل مؤسسة مهنية أن تقوم بتوفير جميع العوامل والعناصر التي تزيد من الرِّضا المهني للموظفين مما يزيد من شعورهم بالراحة والسَّعادة المِهَنِيَّة، وإنَّ أحدث الأبحاث في علم الأعصاب وعلم النفس الإيجابي للكشف عن كيفية إيجاد السَّعادة والرِّضا في الحياة المِهَنِيَّة والوظيفية، والنجاح في العمل، قدَّمت لنا ما يلي:
- تلبية الغرض (الهدف) من العمل: تحسين حياة شخص ما بطريقة ما، فكلما أدركت المؤسسة المِهَنِيَّة كيف يخدم عملها الآخرين، سيجده الموظف ذا مغزى أكبر.
- بناء علاقات العمل الإيجابية: تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع والصداقة، وتقديم الدعم والحصول عليه؛ فعندما نفعل ذلك نستفيد من كل الأمور الجيدة والفرص التي تجلبها العلاقات؛ إذ تُظهر الدراسات أنَّ العلاقات الإيجابية، تجعل العمل يبدو أكثر جدوى.
- تحفيز استخدام نقاط القوة والمهارات والمواهب لتنفيذ المهام، أو تحقيق الأهداف، أو إضافة قيمة، أو إحداث تأثير إيجابي؛ إذ وجد الباحثون أنَّ المعنى غالباً ما ينشأ من الشعور بالفخر والإنجاز والرِّضا عن العمل الشاق والجيد؛ فذلك يولِّد الثقة وتقدير الذات.
- إحياء ثقافة العمل التطوعي: يؤدي إلى زيادة الرِّضا عن الحياة واحترام الذات ممَّا يحفِّز الطاقة الإيجابية الضرورية للشعور بالسَّعادة الغامرة وتقليل مستويات الاكتئاب، مما يعزز ثقة الشخص بنفسه وخصاله القيادية ويرفع من مستواه الاجتماعي، ومن ثم يصبح أكثر فخراً ورضاً وسعادة.
- الحثُّ على الابتعاد عن الأمور الخاطئة التالية: التذمر الدائم، وحسد الناس، وجلد الذات، وتأجيل المهام، والتفكير الجامد، والأفكار السلبية، ومشاعر الخوف، والهوس بالشكل والمظهر الشخصي، والهوس بالعمل هوساً متواصلاً، والسعي إلى كسب رضا الناس، وانتظار الفرص، وتضخيم الأمور.
- تحديد ووضع العديد من التَّحفيزات المِهَنِيَّة التي تتمثل بـ: المكافآت المالية، والتشجيعات المعنوية، ووضع أوقات كافية للاستراحة، وزيادة التركيز في العمل، والقيام بإنجازه على أفضل وجه.
5. تحقيق الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة من الناحية العلمية:
السَّعادة هي عاطفة إيجابية قوية، وهي تجربة إنسانية أساسية، ومنذ أقدم العصور كانت السَّعادة جانباً مثيراً للاهتمام في البحث والتاريخ؛ ومع ذلك فقد أُدرِجت مؤخراً في مجال علم النفس.
إنَّ علم النفس الإيجابي، أو علم السَّعادة، الذي أصبح شائعاً في العقد الماضي، كان الخطوة الأولى من قِبل المتخصصين في الصحة العقلية لقياس أهمية الفرح في مختلف مناحي الحياة؛ حيث كان البحث النفسي لسنوات عديدة مضت مرتبطاً بالعناية بالمشكلات العقلية وإعادة الحياة إلى طبيعتها، ومع ذلك فإنَّ علم النفس الإيجابي ليس مجرَّد علاج؛ بل ينطوي على تعزيز ما هو صحيح بدلاً من تصحيح الخطأ.
ولجعل السَّعادة جزءاً من ثقافة الأداء، فإنَّ المنظمات المشهورة مثل غوغل (Google) وماكدونالدز (Mcdonalds) لديها مناصب محددة مخصصة لكبار مسؤولي السَّعادة (CHOs) مهمتهم نشر الإيجابية والعمل على الحفاظ على دافع القوى العاملة.
ليست السَّعادة بالشعور الذي يأتي من الحصول على ما نريده أو القيام به؛ بل هي القدرة على الوصول إلى مجموعة من المشاعر الإيجابية مثل: التفاؤل والامتنان وما إلى ذلك، والاختيار الواعي لتنفيذها في الحياة، ويتضح أنَّ السَّعادة في العمل لا تعني القبول العام أو الغياب التام للضغوط السلبية؛ إنَّها فقط القوة التي يمكننا من خلالها توسيع منظورنا وعدم التأثر بالسلبيات؛ والنتيجة: إنَّ الموظفين السعداء استثمارٌ ممتازٌ للشركات الناجحة.
6. نصائح حول تحقيق الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة:
السَّعادة أساساً محض تجربة ذاتية؛ ومن المرجح أن يشعر الأفراد بسعادة أكبر عندما يكون لديهم أشخاص آخرين سعداء من حولهم؛ فإليك النصائح التالية لإيجاد السَّعادة الحقيقة والرِّضا عن الحياة المِهَنِيَّة:
- تخلَّص من الفوضى في مكان عملك.
- كن سريع البديهة وشديد الانتباه.
- تدرَّب يومياً (تمرينات رياضية).
- قدِّم التغذية الراجعة (النَّقد البنَّاء) دائماً.
- فكِّر في مهمة واحدة في كل مرة.
- ساعد الزملاء.
- اختر الردود بحكمة.
- قدِّر نفسك.
- ابدأ يومك بداية جيدة.
- اضبط الجداول الزمنية الخاصة بك.
- أحط نفسك بالإيجابية.
- حافظ على قيمك.
- افعل ما تحب.
- عبِّر عن امتنانك لفعل الخير.
7. دور كل من الشركة والفرد في رفع مستوى الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة:
7. 1. دور الشركة في رفع مستوى الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة يتمثل بما يلي:
- الشفافية: الوضوح والتواصل المفتوح بين الموظف والإدارة.
- تشجيع التواصل: فتح أبواب التواصل مع الأفراد مما يساهم في إحساس الفرد بقيمته في الشركة.
- مكافأة الموظفين: وهي من أبرز العوامل التي تساعد على تشجيع الموظفين وتطويرهم وإسعادهم.
- الرعاية الصحية: تلعب دوراً هاماً في تعزيز جهود التحكم بتكاليف الرعاية الصحية والحفاظ على قوى عاملة سعيدة ومنتجة.
- الفوائد الإضافية: على الشركات تقديم حوافز جديدة للموظفين مما يشجعهم على بذل المزيد من الجهد في العمل والشعور بالرِّضا.
- طلب رأي الموظفين: على الشركات إجراء دراسات على الموظفين بين فترة وأخرى ومعرفة مستوى رضاهم عن العمل في الشركة.
7. 2. دور الفرد في رفع مستوى الرِّضا والسَّعادة في الحياة المِهَنِيَّة يتمثل بما يلي:
- الشغف والحماس: اسع خلف ما تحب، ولا تُضِع شغفك في الحياة، واعمل ما تحب كي لا تشعر أنَّك تعمل طوال النهار، وإن لم تتمكَّن من العمل في المجال الذي تحبه، حاول أن تحب ما تعمل حتى تستطيع أن تعمل ما تحب يوماً ما.
- الإيجابية والامتنان: اشعر بالامتنان كل صباح؛ وذلك لأنَّك تملك وظيفة بينما الملايين يعانون من البطالة والفقر والجوع حول العالم؛ واستشعر نِعم الله، واشكره على تأمين حياتك ورزقك؛ وكن إيجابياً في أفكارك ومشاعرك قدر الإمكان وتجنَّب الأفكار السلبية والناس السلبيين؛ فالسلبية تعاسة، والإيجابية هي السَّعادة بعينها.
- التوازن بين الحياة الشخصية والعمل: يعد التوازن بين حياة الفرد الشخصية والمِهَنِيَّة من أبرز أسرار السَّعادة في العمل.
- الوضوح والالتزام: افهم دورك في العمل من جميع جوانبه واسعَ إلى الوصول إلى النتيجة الأفضل دوماً؛ وكن مخلصاً وملتزماً كي تكون مرتاحاً مع نفسك ومع من حولك وكي تكون واثقاً من نتائج عملك؛ فكل هذا سيجنِّبك أي مشاعر سلبية، وسيريحك ويسعدك.
- إنشاء مسار وظيفي محدد: يجب أن يرسم الموظف مسيرة واضحة له في حياته المِهَنِيَّة، ويخطط لتقدُّم وظيفي واضح.
- المطالعة باستمرار: القراءة الدائمة والمستمرة تساعدك على تطوير ذاتك وتوسيع إدراكك وقدراتك على اختيار الصواب، ومن ثم النجاح في حياتك العملية، مما يزيد مستوى سعادتك في عملك.
- وضع هدف معين والتركيز عليه: يعد أساس السَّعادة في الحياة العملية وضع هدف محدد والعمل عملاً جاداً ومتواصلاً للوصول إليه، وطريق الوصول إلى الهدف مليء بالمتعة والإثارة، والوصول إليه هو قمة السَّعادة.
- المرونة ومواكبة التغيير: تعد القدرة على تحمُّل التغيرات أمراً ضرورياً لتحقيق السَّعادة في الحياة العملية، فنحن نشهد في زماننا هذا العديد من التطورات التكنولوجية السريعة والتي يتوجب على الشخص تقبُّلها وتكييف مهاراته معها.
- التواصل والتعارف: التواصل مع الآخرين بإيجابية، وتكوين شبكة معارف في حياتك العملية يساعدك على التقدُّم في عملك، إضافة إلى تكوين صداقات قد تجعل العمل أكثر متعة.
- إدراك الحدود: على الفرد إدراك حدوده وعدم تجاوزها، وهو أمر غير قابل للنقاش؛ لذا تعرَّف إلى حدودك الخاصة وحدود الآخرين مما يضمن لك الراحة والاستقرار في مكان عملك.
في الختام:
من خلال العمل على تطبيق هذه المعلومات البسيطة، وبعد تغيير أنماط تفكيرك وأي شيء يعيقك عن تحقيق أعلى مستويات السَّعادة؛ ستجد نفسك على المسار الصحيح؛ فاحرص على الاستمتاع بأبسط الملذات التي تقدِّمها لك الحياة يومياً، فأنت هو الجوهر الحقيقي للسعادة والرِّضا.
أضف تعليقاً