يكلِّفنا هذا الأمر الشائع الكثير من المال، ويؤدي إلى إصابتنا بالأمراض، فوفقاً لتقرير صدر عام 2018 في "مجلة جمعية الطب الأمريكية" (Journal of the American Medicine Association)، فإنَّ قلة النشاط البدني في الولايات المتحدة وحدها مرتبطة بـ 117 مليار دولار من تكاليف الرعاية الصحية السنوية.
والعلم الكامن وراء الأمر واضح: عندما لا نقوم بنشاطات كافية، تنهار أجسامنا؛ فيؤدي ذلك إلى انخفاض كثافة العظام وتصلب المفاصل وضعف العضلات؛ إذ تتراجع وظيفة الأعضاء وتنتج خلايانا طاقة أقل، وكلما قلت حركتنا، كنَّا أكثر عرضة للإصابات والإرهاق والأمراض المزمنة.
تحرَّك أكثر، وسيصبح جسدك صحياً أكثر، فقد تبيَّن أنَّ التمرينات الرياضية تخفف التوتر، وتحسِّن المزاج والقوة الذهنية، ناهيك عن أنَّها تمنحنا لياقة وبنية جسدية أفضل.
تصبح حياتنا أفضل مع ممارسة التمرينات الرياضية وكما تمنحنا عمراً أطول، وقد اطَّلعَت دراسة نُشِرَت مؤخراً من مركز "كليفلاند كلينك" (Cleveland Clinic) على أكثر من 122000 مريض لمدة 23 عاماً، ووجدت علاقة قوية بين ارتفاع مستوى النشاط البدني والعمر الطويل.
كلنا نعلم أنَّه يجب أن نتحرك أكثر، فما الذي يمنعنا من ذلك؟ ولماذا فقط نحو 20% من الأمريكيين يقومون بالحد الأدنى من النشاط البدني اليومي المطلوب الذي يقول عنه الخبراء إنَّنا بحاجة إليه للبقاء بصحة جيدة؟
السبب الأكثر شيوعاً هو ضيق الوقت؛ فبالنسبة إلى أسلافنا، كان النشاط البدني جزءاً لا يتجزأ من يومهم؛ إذ أجبرتهم متطلبات الحياة على البقاء نشطين أما اليوم، في الوقت الذي تنقلنا فيه السيارات والقطارات ذهاباً وإياباً إلى وظائفنا، غالباً ما تكون الحركة قليلة، وعلى الرغم من أنَّ احتياجاتنا الجسدية قليلة، فإنَّ وقتنا لممارسة التمرينات الرياضية ضيق.
تقول "سيلڤيا ناصر" (Sylvia Nasser) المدرِّبة الشخصية ومدرِّبة اللياقة البدنية المعتمدة إنَّ الحياة العصرية تجرُّنا في اتجاهات مختلفة، سواء وظائفنا أم عائلاتنا أم حتى مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث تصبح التمرينات الرياضية روتيناً مزعجاً نفتقد الوقت والطاقة اللازمَين لممارستها.
تقول "سيلفيا": "طاقات الناس لم تَعُد موجودة؛ فهُم مجهَدون ولديهم التزامات أكثر من اللازم؛ لذلك يصبح الطعام والشراب مصدر راحتهم".
قد يكون الوقت ضيقاً؛ ولكنَّ تجاهل حاجة الجسم إلى الحركة هي استراتيجية غبية، وإذا لم نجعل من النشاط أولوية، فإنَّنا في الواقع نفقد الوقت والكفاءة على الأمد الطويل، فأجسامنا تصبح أقل قدرة على تلبية متطلبات الحياة، ونصبح أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، أو السكري من النوع الثاني، أو السرطان، أو الموت المبكر.
تقول "سيلفيا": "يؤدي عدم ممارسة الرياضة حرفياً إلى تدهور الجسم والعقل والمزاج، وإذا تمرَّن الناس أكثر، فإنَّهم سيكونون أكثر إبداعاً وكفاءة وإنتاجية في وظائفهم".
إذن، كيف لنا أن نقطع مسافات طويلة في التنقل، ونقضي ساعات طويلة في العمل، ونعمل فيما تبقَّى من حياتنا المليئة بالمشاغل، سواء على الإنترنت أم خارجه، وأن نجد وقتاً لممارسة الرياضة؟ تعلم "ميغان لايل" (Meghan Lyle)، اختصاصية التغذية وكوتش الصحة، أنَّه من الصعب أن يتضمن يومنا النشاطات؛ لذلك فهي توصي بإيجاد طرائق لجعل الأمر شخصياً؛ إذ تشجعنا "ميغان" على أن "ننظر بعيداً وإلى داخلنا" كي نستمد الإلهام.
بعبارة "انظر بعيداً"، تعني على الأمد البعيد لترى ما تريد فعله وتجربته في عقودك الأخيرة، وما الذي ستغيره التمرينات الرياضية من هذه التجربة؟ من المحتمل أن يكون للتمتع باللياقة والصحة البدنية آثار على الأمد البعيد، بغض النظر عن كيف تريد أن تقضي سنواتك الأخيرة.
أمَّا بالنظر إلى داخلك، فتعني "ميغان" أن تكون واعياً لما تفعله لك التمرينات في اللحظة نفسها، فعندما تنهي تمريناً جيداً، فكِّر كيف تشعر، وكيف هو مزاجك؟ وهل تشعر بالقوة والإنجاز؟ وهل لديك طاقة أكثر؟ وقد يحفزك هذا الشعور لممارسة التمرينات مجدداً.
التأثير الكبير الذي يُحدثه بذل جهد صغير:
عندما تكون مستعداً للقيام ببعض التمرينات، يؤكد الخبراء على ممارسة تمرين خفيف؛ إذ توصي "ميغان" بأمور صغيرة مثل استعمال السلالم بدلاً من المصعد أو العثور على مكان لركن السيارات أبعد بقليل عن مكان عملك، أما بالنسبة إلى الخطوة التالية، فاعتد على المشي لمدة 10 دقائق، أو قم بتمرينات خفيفة في المنزل.
تقول "ميغان": "أنت لا تحتاج إلى صالة رياضية كاملة في المنزل؛ إذ تتطلب العديد من تمرينات المقاومة وزن الجسم فقط، مثل تمرين البلانك".
وقد يضطر الأشخاص الذين ظلوا قليلي الحركة لسنوات عديدة أن يبدؤوا ببطء شديد، لكن يجب أن تبدأ فحسب، وتقول "لوري زابكا" (Lori Zabka)، المدربة الشخصية والكوتش الغذائية المعتمدة، إنَّه حتى لو بدا وكأنَّ لدينا القليل من الوقت (أو الطاقة)، فبوسعنا أن نغير الأمور من جديد باغتنام اللحظة.
فقد لا نرى جدوى من ممارسة التمرينات إلا إذا خصصنا لها 45 دقيقة أو أكثر، على الرغم من أنَّ ممارسة الرياضة لمدة من الوقت أمر ممتاز، إلا أنَّ "لوري" تحثُّنا على التخلي عن عقلية "كل شيء أو لا شيء" وتقبل حقيقة أنَّ بعض اللحظات المكرَّسة للحركة ما تزال ذات قيمة.
على سبيل المثال: بدلا من تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي على هاتفك أو التنقل بين محطات التلفاز، انهض وتجول، أو قم بتمرين تمدد خفيف، فكلما تحركتَ أكثر، زادت رغبة جسدك في الحركة.
تقول "لوري": "أعتقد حقاً أنَّ الطاقة تولِّد الطاقة، والحركة تولِّد الحركة؛ فأنت لا تحتاج إلى التمرين حد التعرق؛ بل كل ما عليك فعله هو تحريك جسدك".
فمجرد إضافة القليل من التمرينات الرياضية إلى يومنا يمكن أن يؤثر تأثيراً عميقاً في صحتنا في المستقبل، وقد يؤثر أيضاً تأثيراً إيجابياً في صحة الجيل القادم.
في دراسة نُشِرَت عام 2018 على الإنترنت في مجلة "السكري" (Diabetes)، أوضح الباحثون أنَّ الآباء الذين بدؤوا ممارسة الرياضة يمكن أن يمنعوا السمنة ومرض السكري من الانتقال إلى أطفالهم، وبحثت الدراسة في ذكور الفئران التي بدأَت روتين تمرين معتدل قبل ثلاثة أسابيع فقط من عملية الإخصاب؛ إذ وُلِدَ نسلهم مع استقلاب جلوكوز أفضل وحساسية زائدة للأنسولين مقارنة بالفئران المولودة من قبل الآباء قليلي الحركة.
"كريستين ستانفورد" (Kristin Stanford)، الأستاذة المساعدة في علم وظائف الأعضاء وبيولوجيا الخلية في "مركز ويكسنر الطبي في جامعة ولاية أوهايو" (Ohio State University Wexner Medical Center) التي قادت الدراسة، شهدت سابقاً نتائج مماثلة لتحسين عملية الأيض عند إناث الفئران التي تتمرن قبل الحمل، ومع ذلك، فإنَّ النشاط البدني لكل من الوالدين جلب فوائد مختلفة، فالأمهات النشيطات يلدن أطفالاً يتمتعون بوظيفة كبد أفضل، والآباء النشيطون خلَّفوا نسلاً يتمتع بوظيفة عضلية هيكلية أفضل، وقد شوهِدَت هذه النتائج في أطفال كل من الذكور والإناث.
واستناداً إلى نتائج دراستها، تعتقد "جامعة ستانفورد" (Stanford) أنَّ الأمر لن يتطلب المزيد من النشاط حتى يتمكن الآباء المستقبليون من إحداث فارق كبير في صحة أطفالهم الجيدة.
وصرحت: "إنَّ التمرينات الرياضية هامة للغاية بالنسبة إليك على الأمد القصير، ولصحتك ولصحة أطفالك على الأمد الطويل. ليس من الضروري الركض في ماراثون؛ بل كل ما يتطلبه الأمر هو النهوض عن الأريكة فحسب والقيام بشيء ما يُحدث فارقاً".
شاهد بالفديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية
البحث عن دوافعك:
ممارسة التمرينات بانتظام مثل التأمين صحي، ولكن بدلاً من أن ندفع ثمنها بالمال، نبذل الوقت والجهد. يوضح "غريغ بيغناتارو" (Greg Pignataro)، اختصاصي معتمد في القوة والتكيف، أنَّ حالتنا الصحية تعود إلى ما يُدعى مبدأ "سايد" (SAID).
يرمز هذا المبدأ إلى التكيف المحدد مع المطالب المفروضة (specific adaptation to imposed demands)؛ أي إنَّ الجسم يتكيف مع مستوى النشاط المطلوب منه القيام به، فإذا ركضنا وقفزنا ورفعنا الأثقال، تنمو في أجسادنا القوة والقدرة على التكيف على الإجهاد الجسدي.
يقول "غريغ": "جسم الإنسان كالآلة إلى حد كبير؛ فإما تحركه فيتعزز، أو تهمله فيتدهور؛ إذ يخدم ذلك مصلحة الناس عندما يمارسون التمرينات الرياضية بانتظام؛ لأنَّهم يدفعون أجسادهم إلى أن تكون قادرة على القيام بأمور أكثر صعوبة من النشاطات العادية في الحياة اليومية".
ومع ذلك، تقضي معظم يومك جالساً، فيتكيف جسمك وفقاً لذلك، وقد لا تلاحظ هذه التكيفات التي تسبب المشكلات حتى تضطر إلى القيام بشيء أكثر صعوبة، يقول "غريغ": "في هذه الحالة، من الأرجح أن تؤذي نفسك في أثناء حمل أكياس بقالة ثقيلة أو القيام بأعمال في الفناء".
إنَّ بعض فوائد التمرينات الرياضية فورية؛ إذ يمكن أن تعزز إحدى التمرينات الرائعة من مزاجك بشكل ملحوظ وترفع معنوياتك؛ لكنَّ الكثير من الفوائد التي يعود بها النشاط البدني علينا تأخذ وقتاً لتظهر، فقد يستغرق نمو العضلات شهوراً، والدهون يمكن أن تأخذ سنوات لتختفي، وفي عالم يحكمه الإشباع الفوري، ليس كل شخص مستعداً للانتظار.
تقول "جانيت ديباتي" (Jeanette DePatie)، مدربة اللياقة البدنية المعتمدة، إنَّ الناس يمكن أن يفقدوا دافعهم لأنَّ النتائج التي يأملونها لا تأتي بالسرعة التي يريدونها، كما تقول: "كثيراً ما نعطي الناس توقعات غير واقعية عن كيف سيبدون بعد ممارسة التمرينات، ولكن ماذا يحدث بعد ستة أشهر عندما تفشل التوقعات هذه، ولا يحققون الوزن المثالي؟".
للمساعدة في تجنب هذا المأزق، تنصح "كورتني دونالدسون" (Courtney Donaldson)، مالكة شركة "ون فيت مام فيتنس" (One Fit Mom Fitness) عملاءها بالتخلي عن الميزان؛ إذ تقول إنَّ الكثير من الناس يشعرون بالإحباط بعد بضعة أسابيع من الذهاب إلى النادي الرياضي؛ لأنَّ أوزانهم تبقى كما هي، وعندها يتخلون عن هدفهم.
جميعنا نريد أن نرى نتائج عملنا الشاق؛ لكنَّ "كورتني" توصي باتباع مؤشرات أخرى لقياس تقدمك، مثل مستويات الطاقة لديك وأنماط النوم.
تقول "كورتني": "بالطبع، إنَّ إنقاص الوزن حافز كبير لمعظم الناس؛ لكنَّ نمط الحياة هذا يشمل الكثير؛ فالفوائد الداخلية لممارسة الرياضة تفوق الكثير من الأمور، في رأيي".
تخبرنا "ستايسي روزنفيلد" (Stacey Rosenfeld)، دكتورة في علم النفس ومختصة في اللياقة البدنية، إنَّ التمرينات الرياضية المنتظمة يمكن أن تعزز من ثقتنا في أنفسنا، وتساعدنا على الشعور بالقوة وتعطينا إحساساً بالسيطرة.
لكن تقول أيضاً إنَّ الناس غالباً ما يقاومون التمرين لأنَّهم لا يمارسونه بصورة طبيعية، فإنَّهم يجبرون أنفسهم على القيام بنشاطات لا يريدون القيام بها، وليس من المستغرب أن يكون الدافع منخفضاً، والسلوك غير مستدام.
وفقاً لـ "ستايسي"، أفضل طريقة للبدء هي العثور على نشاط (أو نشاطات) تستمتع بها حقاً، فقد يكون هذا العناية بحديقة أو حضور درس رقص أو ربما التزحلق على الجليد. اعثر على شيء يمكنك فعله مراراً وتكراراً.
بعد ذلك، أنشِئ روتيناً دائماً، وعندما تصبح قوياً، تذكَّر أن تسمح لنفسك بأخذ أيام للراحة حتى لا تنهار، وثمة نصيحة أخرى تدفعنا إلى الاستمرار في ممارسة التمرينات، ألا وهي أن نكون واقعيين، فاعرف حدودك ولا تعرِّض نفسك للإخفاق.
تقول "ستايسي": "إذا كنتَ تعتقد أنَّك لن تستيقظ الساعة الخامسة صباحاً لتمارس التمرينات الرياضية قبل ذهابك إلى العمل، فلا تضع هذا الهدف، وجِد طريقة لإضافة الحركة إلى جدول أعمالك بطريقة تبدو معقولة".
أضف تعليقاً