متلازمة الإرهاق المزمن: ما هي؟ وكيف تتخلص منها؟

تستيقظ صباحاً مُكرهاً وخائر القوى، فتهرع لكي تُعِدَّ قهوتك الساخنة لعلَّها تفلح في إعادة نشاطك المفقود وحماستك إليك من جديد؛ وبعد تعويلك الشديد على قدرة القهوة على إنجاز المَهمَّة المطلوبة منها، تذهب أمنياتك أدراج الرياح، وتتركك كما استيقظت تماماً، مهملاً وكسولاً ومنهك القوى وغير قادر على القيام بأي شيء.



ينتابك الفزع من حالتك الغريبة تلك، فمع أنَّك لا تمارس أي نشاط فيزيائي، إلَّا أنَّك دائم التعب والإرهاق، ولا تقوى مفاصلك على حملك، وتؤلمك عضلاتك جداً من أدنى جهد، ويضعُفُ تركيزك في عملك؛ ممَّا يدفعك إلى الشك بأنَّ عليك مراجعة الطبيب المختص من أجل إجراء الفحوصات والتحاليل الطبية الضرورية، إلَّا أنَّك تُفاجَأ بأنَّ نتائج تحاليلك وفحوصاتك جيدة، وتؤكد على عدم وجود أي مشكلات عضوية لديك؛ فتبدأ هنا معاناتك ورحلة بحثك عن الأسباب الكامنة وراء تعبك اللامنطقي، وانعدام دافعيتك، وفقدان شهيتك، وضعف تركيزك، واضطراب نومك، وصداعك المزمن، وعضلاتك المنهكة؛ وبينما تبحث في الأسباب المحتملة للأعراض المصاب بها، يمر شريط حياتك أمام عينيك، فتجد مشاعر التوتر والقلق مخيمة على كل تفصيل في حياتك، وتجد أعمالاً كثيرة وإنجازات فاقدة الروح والشغف والمتعة، وتجد أنَّك عشت أيامك بتقليدية ونمطية، وأنَّك لم تضع الاستمتاع من ضمن أولويات حياتك.

نعم، لقد كنت تقوم بالمهمات وأنت مُحمَّل بذلك الكم الهائل من المسؤوليات الضاغطة وذلك الإحساس القاتل بفقدان السيطرة على مناحي الحياة، وتُدرِك بعد ذلك أنَّك أعلنت حالة الطوارئ في تعاطيك مع شؤون الحياة، وابتعدت عن الهدوء والاسترخاء والتأمل، ممَّا أوصلك إلى حالة يُرثَى لها، حتى أُنهِك جسدك وروحك.

يقول علماء الطاقة أنَّ الإنسان لا يتعرَّض إلى أيِّ مرض إلَّا في حال وجود استعداد نفسي داخلي لديه؛ لذا تعدُّ متلازمة الإرهاق المزمن بمثابة رسالة من جسدك لكي تنظر أكثر إلى حياتك، وتُعِيد مراجعة مهاراتك وقدراتك وطرائق تعاملك، وتتأكد من تحديد أهدافك وشغفك ورسالتك.

ما هي متلازمة الإرهاق المزمن؟

مجموعة من الأعراض القاسية مجهولة الأسباب، والتي تعيق مسار حياة الشخص وتؤثر سلباً في كل مناحي حياته المهنية والاجتماعية والأسرية والعاطفية؛ حيث يفقد الشخص المصاب قدرته على القيام بأي أمر مهما كان بسيطاً، ويشعر بالإنهاك الدائم والاكتئاب وضعف الذاكرة والتركيز.

ما هي أعراض متلازمة الإرهاق المزمن؟

تُشخَّص حالة المريض على أنَّها متلازمة الإرهاق المزمن في حال توافر أربعة من الأعراض التالية فيه، بعد استبعاد وجود مسببات عضوية لهده الأعراض؛ وهذه الأعراض هي:

1. الإرهاق الشديد:

يعاني الشخص من شعور دائم بالإرهاق، فلا يستطيع القيام بنشاطاته اليومية، ولا يقوى على الذهاب إلى عمله والاهتمام بمسؤولياته، ويبقى طوال يومه في سريره دون الإتيان بأي فعل، مع نفي قيام الشخص بأعمال تسبب هذه الأعراض.

2. فقدان أو ضعف الذاكرة:

يعاني مريض متلازمة الإرهاق المزمن من ضعف الذاكرة وقلة التركيز، الأمر الذي يُشعِره بأنَّه غير أهل للقيام بواجباته اليومية، ويُعزِّز من شعور الاكتئاب لديه.

إقرأ أيضاً: 6 إرشادات بسيطة لعلاج مشكلة ضعف الذاكرة والنسيان

3. ألم في المفاصل والعضلات:

لا يقوى مريض متلازمة الإرهاق المزمن على استخدام مفاصله وعضلاته، ويشعر بألم شديد فيها في حال قيامه بأبسط الأمور.

4. صداع شديد في الرأس.

5. التهاب الحلق.

6. الحساسية من بعض الأطعمة وآلام في المعدة.

7. عدم القدرة على النوم.

8. فقدان الشهية.

9. الاكتئاب والشعور بقلة الحيلة.

شاهد بالفديو: 8 نصائح للتخلص من التعب والإرهاق الدّائم

ما هي أسباب متلازمة الإرهاق المزمن؟

ما تزال الأسباب الكامنة وراء متلازمة الإرهاق المزمن مجهولة، غير أنَّ العلماء يرجحون الأسباب التالية للإصابة بالمرض:

1. التوتر النفسي الشديد:

تضخيم الأمور والتوتر المبالغ فيه:

يُضخِّم أغلب الناس أمور الحياة، ويعيشون مع معدلات توتر عالية، غير واعين حجم الآثار الكارثية لمعدلات الكورتيزول المُفرَزة نتيجة التوتر والتي تسبب الإصابة بأعراض متلازمة الإرهاق المزمن.

تبيِّن الخطوات التالية ما الذي يحصل في الجسم نتيجة التوتر:

  • يعدُّ الجهاز العصبي الودي مسؤولاً عن تفعيل الاستجابة للطوارئ في الجسم في حال وجود أي تهديد للإحياة، ويؤدي إلى استنفار الجسم كاملاً؛ كأن يرفع ضغط الدم، ويزيد خفقان القلب، وتتوسع العينان بشدة.
  • عندما يُعلِن الجسم حالة الطوارئ، يتطلَّب جهاز المناعة طاقة كبيرة للعمل؛ لذلك يُسحَب الدم من أماكن عدة متوجِّهاً إلى الجهاز المناعي وفقاً لأولوية الموقف، الأمر الذي يجعل تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي أقل بكثير.

شاهد بالفديو: 10 أنواع أطعمة تقوي جهاز المناعة

  • عند وجود حالة توتر عالٍ، يحوِّل الوطاء المعلومات إلى الغدة النخامية، والتي ترسلها إلى الغدة الكظرية، والتي تفرز بدورها هرمون الكورتيزول.
  • عندما يُفرَز الكورتيزول؛ ينسحب الدم من الجهاز الهضمي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتشاح في الأمعاء، وحساسية من بعض أنواع الأطعمة، وآلام في المعدة.
  • تقل نسبة المغنيزيوم في الجسم نتيجة إفراز الكورتيزول، الأمر الذي يُصِيب الإنسان بآلام في العضلات والمفاصل، وصعوبات في النوم، واكتئاب، وأمراض في الرئة والقلب.
  • يرفع الجسم من ضغط الدم والسكر ومعدل الكوليسترول لكي يقاوم معدلات التوتر العالية، الأمر الذي يصيب الإنسان بداء الضغط والسكري.
إقرأ أيضاً: 6 نصائح علميّة للتخلص من الضغط النفسي

تنشيط فيروس إيبشتاين- بار:

يعدُّ فيروس (إيبشتاين- بار) من أكثر الفيروسات ارتباطاً بمتلازمة الإرهاق المزمن، وهو عبارة عن مادة جينية مغلَّفة بكيس صغير تنشِّطها خلايا الجسم.

يبطُل مفعول الفيروس عندما يُهاجَم من قبل الجهاز المناعي، ويدخل بعد ذلك في مرحلة السبات، ويبقى هكذا لسنوات عديدة، ودون أن يسبب أي أعراض للفرد المصاب به؛ ولكن عند تعرُّض الشخص إلى مستويات توتر عالية مترافقة مع سوء في التغذية، ينشط الفيروس من جديد، ممَّا يجعل أعراض متلازمة الإرهاق المزمن تظهر على الشخص بوضوح شديد.

2. مقاومة الأنسولين:

يعمل هرمون الأنسولين كمفتاح يفتح الخلية لكي يسمح بدخول الطاقة والمواد الغذائية إليها؛ لكن يسبب وجوده في الجسم بكميات كبيرة ولمدة طويلة التعرُّض إلى السموم، الأمر الذي يحرِّض خلايا الجسم على مقاومة الأنسولين.

يشعر المصاب بمقاومة الأنسولين بأعراض التعب؛ كضعف التركيز والذاكرة، وآلام المفاصل والعضلات، وانعدام الطاقة؛ وتكون خلايا الجسم فقيرة بالطاقة اللازمة لنشاطها؛ لذا إن كنتَ ممَّن يعشق الحلويات، ولا تستطيع الاستمرار لأكثر من 3 ساعات دون تناول وجبة طعام، ولا تستمتع بطعامك إلَّا إذا تناولت قطعة من الحلويات بعد الانتهاء منه، وتحتاج إلى التبول كثيراً في الليل؛ فأنت مصاب بمقاومة الأنسولين.

إقرأ أيضاً: 8 أسباب تقف وراء الإصابة بداء السكري

ما علاج متلازمة الإرهاق المزمن؟

  1. يلجأ الكثير من الأطباء إلى معالجة أعراض المرض وليس أسبابه، فيصفون أدوية الاكتئاب من أجل تخفيف حدة الأعراض، دون أن يدركوا أنَّ المريض غير مصاب بالاكتئاب، وأنَّ هناك جذوراً وأسباباً عميقة لمتلازمة الإرهاق المزمن.
  2. تعدُّ تقنيات العلاج المعرفي السلوكي من أهم التقنيات لعلاج مريض الإرهاق المزمن، ويخضع فيها المريض إلى جلسات نفسية لفهم أفكاره ومعتقداته الخاطئة عن نفسه وعن الحياة، ومن ثم تزويده بالمهارات اللازمة للخوض في الحياة بثقة وقوة، والعمل على إثارة دافعيته ورغبته في الحياة من خلال الطلب منه كتابة 25 نشاطاً ممتعاً بالنسبة إليه، ومن ثم إيجاد التقاطعات بين الرغبات المكتوبة ليعثر على ميوله وشغفه وأهدافه.
  3. العمل على خلق عادات جديدة، حيث يُضفِي تغيير أسلوب الحياة البهجة على قلب مريص متلازمة الإرهاق المزمن، ولكنَّه لا يستطيع القيام بهذه المَهمَّة بمفرده؛ لذلك على المحيط أن يساعده في ذلك، وأن يثق بقدرته على التغيير، ويكون مستعداً للمحاولات المتكررة والصبر الشديد.
  4. لا بد من الاهتمام بنظامنا الغذائي، كأن نبتعد عن تناول الكربوهيدرات التي ترفع مستوى الأنسولين في الجسم، وتصيبنا بالخمول والتعب الناتج عن مقاومة جسمنا لنسبة الأنسولين المرتفعة؛ ومن جهة أخرى، يجب ممارسة التمرينات الرياضية وشرب الماء بكميات كبيرة وتناول جرعات عالية من فيتامين د.
  5. لزيادة قدرة جهازنا العصبي على مكافحة التوتر، علينا الاهتمام بمخزون جسمنا من البوتاسيوم والمغنزيوم، وذلك من خلال الإكثار من الخضراوات؛ إضافة إلى ضرورة تناول فيتامينات ب، وتناول الأطعمة الحاوية على السيلينيوم؛ لما لهذه العناصر من فوائد على صحة الجهاز العصبي.
  6. ابتعد عن أي مصدر للتوتر والضغط النفسي، ونم جيداً، على أن يكون نومك في فترات الليل؛ فالسهر مضر جداً للجملة العصبية، ويؤثر سلباً في حالتك النفسية وإنتاجيتك.

شاهد بالفديو: 7 استراتيجيات للتعافي من إرهاق العمل

الخلاصة:

الحياة تجربة، ومرحلة انتقالية إلى دار أكثر عمقاً وبهجة وإنصافاً؛ لذلك خذها ببساطة ولا تعقِّدها، واستمتع بما تقوم به، وابحث عن شغفك، واجعل القيمة هدفك، وحوِّل المتعة إلى أسلوب حياة، ولا تفسح المجال للتوتر والضغط النفسي ليدمرا صحتك النفسية والجسدية والعقلية.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة