ما هو مرض النهم الليلي؟ وما هو علاجه؟

تعكس اضطرابات الطعام الحالة النفسية للفرد؛ إذ يُعتقَد أنَّ هذه الاضطرابات تعبير بدني عن التعب والضيق النفسي، وغالباً ما يصاحب هذه الاضطرابات العديد من الأمراض المهدِّدة للحياة؛ إذ بيَّنَت الدراسات أنَّ معدل الوفيات لدى مرضى اضطرابات الأكل هي الأعلى بالنسبة إلى الاضطرابات النفسية.



ما هو المقصود باضطرابات الأكل؟

هو عبارة عن عادات غذائية غير طبيعية، وهو من الأمراض النفسية الخطرة التي تؤثر في الصحة النفسية والاجتماعية والجسدية، وهي لا تخص فئة بعينها؛ بل يمكن أن تصيب جميع الناس من الفئات العمرية والمستويات الاجتماعية والاقتصادية كافةً.

وهذه الاضطرابات عبارة عن اختلال في تناول الطعام وعدم الانتظام في تناول الوجبات أو التكرار القهري لتناول الطعام في غير موعده وبكميات تزيد عن حاجة الجسم للنمو الطبيعي، ومن أنواعه: اضطراب فقدان الشهية العصبي، وفرط الشهية العصبي، أو ما يسمى اضطراب النهم الليلي، أو ما يسمى متلازمة الأكل الليلي.

تعريف متلازمة الأكل الليلي (النهم الليلي):

هو اضطراب نفسي يشعر فيه الفرد بالجوع والحاجة إلى تناول الطعام؛ إذ يُقبِل المريض به على نوبات متواترة من الأكل بشراهة ليلاً دون ممارسة سلوكات تعويضية، ويشعر الأفراد المصابون بمتلازمة الأكل الليلي بأنَّهم لا يتحكمون في أنماط أكلهم، وغالباً ما يشعرون بالعار والذنب تجاه حالتهم.

أعراض متلازمة النهم الليلي:

  1. زيادة الشعور والإحساس بالجوع بعد تناول وجبة العشاء وقبل النوم، بالإضافة إلى وجود اعتقاد راسخ بضرورة تناول الطعام قبل النوم.
  2. تناول الطعام في أثناء الليل إلى درجة الشبع بشكل مزعج.
  3. فقدان الشهية النهارية للطعام؛ فإنَّ المريض بهذه المتلازمة لا يشعر بالجوع خلال النهار، كما أنَّه لا يتناول وجبة الفطور في موعدها؛ بل يؤجلها إلى ساعات متأخرة من النهار.
  4. الإصابة بالاكتئاب والذي تزداد أعراضه سوءاً في المساء.
  5. الإحساس بالخوف والتوتر المستمر، بالإضافة إلى الشعور بالذنب وتأنيب الضمير بسبب تناول الطعام في الليلة السابقة.
  6. زيادة في الوزن وعدم القدرة على الالتزام بنظام غذائي محدد أو اتباع حمية غذائية لفقدان الوزن.
  7. انخفاض في الأداء العام للجسم، وكذلك في الجهد المبذول لإنجاز الأعمال، بالإضافة إلى تراكم الأعمال وإهمالها عموماً.

أسباب مرض النهم الليلي:

  1. الوراثة من العائلة.
  2. الهرمونات: الجسم الإنساني يسير وفق نظام معين؛ ومعنى ذلك أنَّ لكل هرمون في الجسم وظيفة محددة؛ فتوجد هرمونات مسؤولة عن الإحساس بالشبع أو الجوع مثل هرمون "الجريلين" أو كما يسمى هرمون الجوع؛ وهو عبارة عن هرمون تنتجه المعدة والأمعاء الدقيقة، ويقوم بتحفيز الشهية، ويؤثر في النوم والاستيقاظ. وهناك هرمون "اللبتين" أو الذي يسمى هرمون السمنة؛ وهو عبارة عن هرمون تفرزه الخلايا الدهنية، ويقوم بوظائف عدة منها تنظيم استهلاك الطاقة، وتنظيم وزن الجسم، وتنظيم وظائف الغدة الدرقية، وتنظيم هرمون النمو.
  3. أسباب نفسية؛ كالتعرض للتنمر من شكل الجسم، أو حدوث اضطرابات في الشخصية، أو الإصابة بالأمراض النفسية كالقلق والإحباط.
  4. الضغوط المختلفة سواءً النفسية أم المجتمعية.
  5. قد تكون نتيجة لعادة يصعب التخلص منها كما يحدث لدى الطلاب ولا سيما في المرحلة الجامعية؛ إذ نتيجة السهر في الليل لإنجاز واجباتهم يتكون لديهم الأكل ليلاً وبكثرة.
  6. النظام الغذائي المتبع لدى بعض الأشخاص؛ إذ يلجأ بعض الناس لتقليل الطعام في أثناء النهار؛ ولذلك يكون تناول الطعام ليلاً هو نتيجة طبيعية لهذا الحرمان خلال النهار.
إقرأ أيضاً: فقدان الشهية العصبي: أعراضه، وأسبابه، وطرق تشخيصه وعلاجه

حقائق عن مرض النهم الليلي:

  1. بدأت الأدبيات النفسية تتناول أعراض متلازمة النهم الليلي منذ عام 1955 تقريباً.
  2. يؤثر هذا الاضطراب فيما يقارب 1% من عامة الناس ومن 6 إلى 16% ممن شُخِّصَت إصابتهم بالسمنة.
  3. تُعَدُّ متلازمة النهم الليلي أكثر شيوعاً لدى المرضى المصابين باضطرابات الأكل الأخرى؛ إذ إنَّها لوحظت بنسب تتراوح بين 15 إلى 44% لدى المرضى المصابين باضطراب الشراهة عند الأكل، كما توجد بنسبة تتراوح بين 9 إلى 47% لدى المرضى المصابين بالشره المرضي العصبي.
  4. كما بيَّنَت الدراسات أنَّ أعراض متلازمة النهم الليلي توجد لدى 3 من المرضى النفسيين.
  5. يستهلك المريض بمتلازمة النهم الليلي 25% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية.
  6. عُقِدَت الندوة الدولية الأولى للأكل الليلي في عام 2008، وقد حددت الأعراض التشخيصية للمرض، ومن بينها حدوث نوبتين من الأكل على الأقل أسبوعياً، واستمرار نمط الأكل المضطرب مدة ثلاثة أشهر على الأقل.
  7. هناك وعي وتذكُّر من قبل المريض لنوبات الأكل.
  8. المصابون باضطراب الأكل الليلي مختلفون عن المصابين باضطرابات الأكل بنهم، مع أنَّ الدراسات بيَّنَت أنَّ المصاب بمتلازمة الأكل الليلي غالباً ما يكون نهماً في الأكل.

نتائج متلازمة الأكل الليلي (النهم) على الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية:

  • إصابة المريض بالضغط النفسي؛ ويكون ذلك نتيجة للمصادر الخارجية والداخلية الضاغطة التي يواجهها الفرد، فيصبح الفرد عاجزاً عن إحداث الاستجابة المناسبة للموقف.
  • مشكلات جنسية وفقدان الدافع الجنسي، بالإضافة إلى مشكلات في الخصوبة.
  • اختلال التوازن الهرموني.
  • الإصابة بأنواع عدة من السرطان وأمراض المرارة.
  • السكتة الدماغية: الزيادة في الوزن تعوق تدفق الدم إلى الدماغ.
  • مشكلات في الجهاز الهضمي؛ مثل عسر الهضم؛ وهو عبارة عن حدوث ألم أعلى البطن الذي قد ينتج عنه الغثيان أو الإمساك أو الإسهال وتكوُّن الغازات.
  • ارتفاع الكوليسترول.
  • الإصابة بأمراض القلب: إنَّ زيادة الوزن تدفع باتجاه زيادة عمل القلب، ومن ثمَّ قد يصاب القلب بأمراض عدة منها:
    1. قصور القلب.
    2. الرجفان الأذيني: ويعني عدم انتظام نبضات القلب، وارتفاع خطر حدوث الجلطات في الدم.
    3. مرض القلب التاجي: تراكم الدهون في الأوعية الدموية تؤدي إلى انخفاض تدفق الدم إلى عضلة القلب، وقد بينت الدراسات أنَّ تراكم الدهون في منطقة البطن تحديداً هي من أكثر الأسباب المؤدية لهذا المرض.
  • ارتفاع ضغط الدم: وذلك بسبب الجهد الكبير الذي يبذله الجسم لتحريك الدم داخله لتأمين الأوكسجين اللازم لمختلف أجزائه.
  • الإصابة بداء السكري.
  • زيادة في الوزن والإصابة بالسمنة (البدانة).
  • الإصابة بالأمراض النفسية من مثل:
    1. الاكتئاب: والاكتئاب العادي هو عبارة عن استجابة تثيرها خبرة مؤلمة أو فقدان شيء هام، وإذا استمر الاكتئاب أكثر من أسبوعين، فإنَّه يتطور إلى اكتئاب مرضي (إكلينيكي)، الذي يكون حاداً ويبقى لفترة طويلة، كما أنَّه يمثل عائقاً أمام الفرد في أداء نشاطاته.
    2. الإحباط: هو مرحلة متقدمة من التوتر؛ إذ يصل الأمر إلى حد الاستسلام والشعور بالعجز والرغبة في العزلة والانطواء.
    3. القلق: وهو عبارة عن شعور داخلي يجعل الإنسان غير قادر على التفاعل مع المحيط بشكل طبيعي.
  • عدم الاتزان الانفعالي: فالاتزان الانفعالي هو قدرة الفرد على التحكم في انفعالاته ومشاعره وسلوكه؛ إذ تختل استجابته لمختلف المواقف؛ وهذا يعكس خللاً واضحا في شخصيته.
  • اضطرابات الشخصية، لا سيما فقدان الثقة والشك في الآخرين.
  • الشعور بالذنب: فعند شعور الفرد بالحاجة إلى الطعام، يقوم بتناوله لكن سرعان ما يتحول ذلك الشعور إلى الشعور بالذنب يدفع الفرد للقيام بسلوكات محددة للتخلص من الطعام مثل التقيؤ وتناول ملينات المعدة وغيرها من العقاقير الطبية.
  • النكوص: وهو أحد الآليات الدفاعية اللاشعورية؛ ويعني اللجوء إلى ممارسة سلوك غير ناضج ولا سيما الانفعال والرفض وسهولة الاستثارة.
  • التفكير المبالغ فيه بشكل الجسم، وهذا يوجد بكثرة في فئة المراهقين.

علاج متلازمة النهم الليلي:

  • تثقيف المرضى حول متلازمة النهم الليلي وحول حالتهم أيضا، بحيث نجعل المرضى أكثر وعياً بمرضهم وبأنماط طعامهم، بالإضافة إلى تقليل شعورهم بالخجل نتيجة الإصابة بهذه المتلازمة.
  • العلاج السلوكي والمعرفي (cbt): هو نوع من العلاج النفسي عن طريق استعمال الكلام كطريقة؛ وذلك بعقد جلسات عدة بين المريض والمعالج النفسي أو الطبيب النفسي، وتساعد هذه الجلسات على تحديد أسباب المرض وعلاجه دون اللجوء للعقاقير الطبية، من خلال السيطرة عليه؛ وذلك بواسطة استعمال الكلام للسيطرة على العواطف ومحاولة ضبط السلوك.
  • العلاج السلوكي الجدلي: هذه الطريقة تجعلهم متقبلين لمرضهم وتجعلهم يفكرون بطريقة تجعل حياتهم أسهل.
  • ينصح الأطباء بتناول مضادات الاكتئاب أو مكملات الميلاتونين أو المواد التي تعزز الميلاتونين.
إقرأ أيضاً: 9 أطعمة بسعرات حرارية قليلة

نصائح عامة لمواجهة متلازمة النهم الليلي:

  • اعمل على تصحيح نمط الأكل اليومي من خلال ما يلي:
    1. تناول ثلاث وجبات رئيسة (الفطور والغداء والعشاء) وبكميات مناسبة.
    2. تجنب تناول المأكولات التي لا تحتوي على قيمة غذائية، والأفضل من ذلك هو أكل مواد غذائية كالخبز الأسمر الذي يحتوي على الحبوب الكاملة، أوالبطاطا.
    3. يجب أن يحتوي طعام العشاء على البروتينات؛ لأنَّها تجعل الإنسان يشعر بالشبع.
    4. اعمل على استبعاد المأكولات الحلوة والنشوية من المنزل التي تسبب زيادة في الوزن.
    5. كُلْ الكثير من الخضار من أجل تجنب السعرات الحرارية الزائدة؛ وذلك لاحتوائها على سعرات حرارية قليلة؛ لذا اجعل وجبة العشاء غنية بالخضار.
  • ضرورة توعية الآباء بسلوكات الأكل الصحي والتغذية السليمة.
  • نشر البرامج الوقائية والإرشادية عن متلازمة النهم الليلي، وخاصة بين الفئات التي تكون معرضة لها بكثرة مثل فئة المراهقين وفئة الشباب وخاصة الذين يدرسون في الجامعة منهم.

إنَّ مرض النهم الليلي من أمراض اضطرابات الأكل الشائعة - والعبر ثقافية؛ أي إنَّها موجودة في كل الثقافات الإنسانية، كما أنَّها عبر نمائية لا تخص فئة عمرية بعينها - وينجم عنه أعباء ومضاعفات سلبية كثيرة سواءً على المصابين به من جهة أم حتى على محيطهم العائلي والاجتماعي من جهة أخرى.

وبما أنَّه مرض قابل للعلاج؛ لذا، على كل شخص يشعر بوجوده لديه أن يتحلى بالشجاعة والعزيمة، ويقوم بمراجعة الطبيب، وكما قال "المهاتما غاندي": "إنَّ الصحة هي ثروة الإنسان الحقيقية، وليس الذهب والفضة".

المصادر:

  1. بسمة حملة، صورة الجسم لدى المراهقات المصابات باضطرابات الأكل، جامعة العربي بن مهدي، الجزائر 1.
  2. زينب محمود شقير، دراسة لبعض ظواهر الصحة النفسية لدى عينة من ذوي الاضطرابات الأكل من طلاب الجامعة، المؤتمر السنوي السادس، جودة الحياة، مصر.
  3. سلطان بن موسى العويضة، علاقة اضطرابات الأكل بكل من صورة الذات والقلق والكفاءة الذاتية المدركة وبعض المتغيرات الديموغرافية لدى عينة من طلبة جامعات عمان الأهلية، المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية.
  4. شيماء عزت، الأمل وأساليب مواجهة الضغوط كمنبئات باضطرابات الأكل، مركز البحوث النفسية، 2015.
  5. اضطرابات الأكل، المركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت.
  6. نهال عادل قنديل، اضطرابات الأكل وعلاقتها بالمناخ الأسري لدى المراهقين، جامعة بور سعيد.



مقالات مرتبطة