ما هو فقدان الشَّهيَّة العصبي؟
اضطِّراب نفسيٌّ من اضطِّرابات الأكل، اسمه الطِّبِّي "القهم العُصابي"، يُسيطر على الشَّخص خوف دائم من زيادة الوزن، ويتحوَّل إلى هوس يدفع المريض إلى اتباع نظام حمية صارم، والقيام بإنقاص كميَّات طعامه إنقاصاً مُبالغاً فيه، فتُصيبه نحافة خطيرة وتبدأ حالته الصِّحيَّة بالتَّدهور، أو قد يدفعه لتناول الكثير من الطَّعام في وقت واحد (الأكل الشَّره)، ومن ثمَّ إجبار النَّفس على التَّقيُّؤ؛ حيث إنَّ ما بين 30% إلى 50% من الأشخاص الَّذين يصابون بفقدان الشَّهيَّة العصبي يُصابون بنوبات من الشَّره أو التَّطهير (التَّنظيف بالقيء والإسهال).
يبدأ هذا النَّوع من الاضطِّرابات في سن المراهقة، لما يحوي هذا السِّن من تغيُّرات نفسيَّة وفيزيولوجيَّة، حيث يكون المراهق مفرط الحساسيَّة، ويُولي اهتماماً كبيراً للناحية الشَّكليَّة، فيرغب أن يكون شكله مثاليَّاً وينال إعجاب كل من يراه.
ويزيد المجتمع اليوم من هذا الأمر، فالجسد النَّحيل أصبح مقياساً للجمال، والسُّمنة غير جذَّابة، فيبدأ المراهقون وخصوصاً الفتيات بحميات غذائيَّة قاسية، وقد يتطوَّر الأمر عند بعضهن، ليُصبن باضطِّراب فقدان الشَّهيَّة العصبي.
ما هي الأعراض النَّفسيَّة والسُّلوكيَّة لفقدان الشهية العصبي؟
- خوف المريض الدَّائم من زيادة الوزن.
- شعوره الدَّائم بأنَّه سمين ويجب أن ينحف أكثر، على الرَّغم من النَّحافة الَّتي تبدو عليه.
- يكون محور حياته سؤال "كم أصبح وزنه؟ وكم هي كميَّة الطَّعام الَّتي تناولها".
- لا يتوقَّف عن محاولة إنقاص وزنه، على الرَّغم من تطمينات الأهل والأصدقاء أنَّه وصل للوزن المثالي.
- غالباً ما يُعاني المريض من الاكتئاب والأرق والعصبيَّة الزَّائدة والميل للوحدة والانعزال الاجتماعي.
- يُحاول دائماً تقليص كميَّات الطَّعام الَّتي يتناولها، فيُحدِّد السِّعرات الحراريَّة الَّتي يحتويها غذاؤه، وقد يمتنع كليَّاً عن الأطعمة الَّتي تحتوي على السُّكر أو الدَّسم.
- يُمارس الرِّياضة ممارسة قهرية لساعات طويلة، ولأكثر من مرَّة في اليوم الواحد.
- يلجأ إلى إجبار نفسه على التَّقيُّؤ بعد الأكل وتناول حبوب مُليِّنة تُسبِّب الإسهال، أو مدراً للبول وذلك ليمنع زيادة وزنه.
- يتَّبع عادات أكل خاصَّة؛ مثل تقطيع الطَّعام لقطع صغيرة جدَّاً لكي لا يأكل كثيراً، أو مضغ الطَّعام مرَّات عديدة ولوقت طويل، أو دفع الطَّعام إلى جانب الطَّبق بدلاً من تناوله، ومحاولة تضييع الوقت والإيحاء للآخرين بأنَّه يأكل.
- يُحاول الابتعاد عن العائلة والأصدقاء، للهروب من جلسات الطَّعام معهم.
- يلجأ إلى الكذب فيما يخص الأكل، ودائماً ما يخبرهم بأنَّه تناول كميَّات طعام وأشياء لم يتناولها حقيقةً.
ما هي الأعراض والمُضاعفات الصحية لفقدان الشهية العصبي؟
بعد فترة من فقدان الشَّهيَّة العصبي، يصل المريض لمرحلة سوء التَّغذية؛ فتبدأ الأعراض التَّالية بالظُّهور:
- يُعد النَّقص الشَّديد في الوزن وخسارة الكتلة العضليَّة العلامة المرضيَّة النَّموذجيَّة لهذا المرض، بحيث يبدو الشَّخص غير سليم بالنِّسبة لعمره وحجمه.
- شعور دائم بالتَّعب والخمول، وفقدان الطَّاقة للقيام بأيِّ عمل مهما كان بسيطاً.
- الشُّعور بالدَّوخة، وقد يُعاني المريض من الجفاف، ويُصبح أكثر عرضة للإغماء.
- تساقط الشَّعر، وجفاف البشرة وظهور تجاعيد، وهشاشة الأظافر.
- انخفاض مستويات البوتاسيوم في الدَّم، ومشاكل في الكلى.
- انخفاض نسبة الأملاح في الجسم.
- انخفاض درجة حرارة الجسم، والشُّعور بالبرد في أغلب الأحيان.
- اضطِّرابات في الجهاز الهضمي، مثل: الإمساك، الانتفاخ، آلام البطن.
- انخفاض ضغط الدَّم، فيضعف القلب ويضخ كميَّات أقل من الدَّم عبر الجسم.
- هشاشة العظام أو فقدان كثافة العظام.
- اضطِّرابات في الدَّورة الدَّمويَّة، حيث قد ينتج عنها تورُّمات في اليدين والرِّجلين وميل لون الجلد إلى الأرجواني.
- يأخذ شعر أزغب بالانتشار ليغطِّي الجسم مثل شعر جسم الرَّضيع.
- اضطِّرابات الدَّورة الشَّهريَّة لدى المرأة أو توقُّف حدوثها، بسبب خلل الهرمونات النَّاتج عن سوء التَّغذية.
- إجبار النَّفس على التَّقيّؤ،حيث تؤدي أحماض المعدة إلى ضرر الأسنان.
- يمكن أن يُؤثِّر تفاقم فقدان الشَّهيَّة في التَّوازن الكيميائيِّ في الجسم، الأمر الَّذي يُمكن أن يُؤدِّي إلى مشاكل خطيرة في القلب أو حتَّى إلى الوفاة.
ما هي أسباب فقدان الشَّهيَّة العصبي؟
ليس هناك سبب مُحدد لاضطِّراب فقدان الشَّهيَّة العصبي، ويمكن إرجاع المشكلة لعدَّة عوامل:
1. العوامل الوراثيَّة:
يمكن أن يكون هناك رابطاً بين العوامل الوراثيَّة الجينيَّة وفقدان الشَّهيَّة العصبي، إذ وجدت الدِّراسات أنَّه من الممكن أن يُعاني المصابون بفقدان الشَّهيَّة العصبي من اختلال في نسب المواد الكيميائيَّة الَّتي تتحكَّم في الهضم والشَّهيَّة والجوع في الدِّماغ.
2. العوامل النفسيَّة:
كأن يكون الشَّخص مُمتلكاً لسمات الشَّخصيَّة القهريَّة الَّتي تسعى للكمال والقدرة على الالتزام بأنماط حياة شديدة ودقيقة، والوسواس القهري من اكتساب الوزن الزَّائد، ونقص الثِّقة بالنَّفس، والهوس بالشَّكل المثاليِّ والكماليَّة، وربط شعور الرِّضا عن الذَّات بدرجة النَّحافة الَّتي وصل إليها، والنَّظر إلى أيَّة زيادة في الوزن كفشل غير مقبول في ضبط النَّفس.
كلُّ هذه العوامل النَّفسيَّة تُسبِّب الإصابة بفقدان الشَّهيَّة العصبي.
3. عوامل مجتمعيَّة:
قد تُشكِّل وسائل الإعلام والبيئة المحيطة، ضغطاً على الأشخاص للتوجُّه نحو الهوس بالشَّكل المثالي، فالرَّغبة في الحصول على جسد نحيل منتشرة في المجتمع الغربيِّ، وباتت النَّظرة للسُّمنة بأنَّها غير جذَّابة أمراً شائعاً.
يزداد خطر الإصابة بهذا الاضطِّراب إذا كان هناك أفراد آخرون في الأسرة يُعانون من زيادة الوزن، أو إذا كان الشَّخص يعمل في مجال يتطلَّب المحافظة على رشاقة الجسم، مثل عرض الأزياء أو رقص الباليه أو ركوب الخيل، وإذا كان يُعاني من نقص الثِّقة بالنَّفس.
تشخيص فقدان الشهية العصبي:
عند الشَّك بأنَّ الشَّخص يُعاني من مرض فقدان الشَّهيَّة العصبي، فيجب أخذه إلى الطَّبيب الَّذي سيُشخِّص الحالة من خلال مقارنة بين وزن هذا الشَّخص وبين الوزن الطَّبيعيِّ والسَّليم لشخص في سنِّه، فيُجري فحصاً للقلب والرِّئتين، وضغط الدَّم، والشَّعر والجلد، ليعثر على علامات يمكن أن تُثبت إساءة التَّغذية الذَّاتيَّة، ويسأل الطَّبيب عن الحالة النَّفسيَّة للمريض بشكل عام، نظراً للعلاقة بين المشاكل النفسيَّة واضطِّرابات التَّغذية.
تشخيص اضطِّراب فقدان الشَّهيَّة في مراحل مبكِّرة مهم جدَّاً؛ لأنَّه كلَّما تأخَّرت معالجته يُصبح الأمر خارجاً عن السَّيطرة، ويتحوَّل إلى مشكلة ملازمة مدى الحياة تُؤدِّي إلى نقص التَّغذية وما ينتج عنه من أمراض وعلل جسديَّة، وفي حال تفاقمها تؤدِّي إلى فقدان الحياة؛ حيث يتعرَّض 10% تقريباً من مرضى فقدان الشَّهيَّة العصبي للموت.
علاج فقدان الشهية العصبي:
يحتاج مريض فقدان الشَّهيَّة العصبي إلى علاج متكاملٍ، علاج غذائيٍّ وطبيٍّ ونفسيٍّ في نفس الوقت.
- يقوم أخصَّائي التَّغذية بوصف نظام غذائيٍّ صحِّي لتعويض الجسم عمَّا فقده من عناصر غذائيَّة، وإعطاء الشَّخص نصائح تغذويَّة، والتَّركيز على تعلُّم عادات الأكل الصِّحِّي واكتساب وزن سليم للجسم.
- قد تتطلَّب بعض حالات فقدان الشَّهيَّة العصبي المتطوِّرة علاجاً دوائيَّاً؛ كتناول أدوية لمعالجة الجسم من الأضرار النَّاتجة عن سوء التَّغذية، أو الإقامة في المستشفى للتَّأكُّد من تناول ما يكفي من الطَّعام والمُكمِّلات الغذائيَّة، وذلك من خلال مساعدة الطَّبيب الَّذي يجري له فحصاً بدنيَّاً، ويطلب اختبارات للدم والبول وترقُّق العظام، واختبار لاضطراب نظم القلب، للتَّحرِّي عن المشاكل الَّتي لحقت بالجسم.
- العلاج النفسي من خلال مستشار نفسي، يعمل على معرفة أسباب هذا المرض النَّفسيَّة لدى الشَّخص، ومحاولة حلِّها وتعزيز شعوره بالرِّضا الذَّاتي، يمكن أن يكون وجهاً لوجه بين الأخصائي والمريض، أو من خلال أفراد العائلة، الأمر الَّذي يكون مفيداً خصوصاً بالنِّسبة للمراهقين.
هل مرض فقدان الشَّهيَّة العصبي قابل للعلاج؟
يتعافى نحو 50 إلى 60 مريضاً من أصل 100مريضاً بعد مضي خمس سنوات من العلاج النَّفسي، ولكن يبقى احتمال انتكاس المريض قائماً.
يبقى المرض قائماً لدى ما يُقارب 30 من أصل 100 حالة مرضيَّة، ويزيد خطر الوفاة نتيجة هذا المرض مقارنةً بالأمراض العقليَّة الأخرى، بسبب العواقب الجسديَّة الشَّديدة.
ومن مؤشِّرات الشِّفاء أن يعترف المريض بإحساسه بالجوع، وتعود رغبته بالأكل ويطلبه، و يبدأ يقتنع بأنَّ صحَّته أهم من شكله الخارجي، وأنَّ صحته أغلى ما يملك.
من هم الأكثر عُرضة للإصابة بفقدان الشهية العصبي؟
تعد النِّساء أكثر عُرضة للإصابة بفقدان الشَّهيَّة العصبي من الرِّجال، فحوالي 90% من المصابين به من النساء، وتزيد نسبة الإصابة في سن المراهقة ما بين 14 و18 سنة، ويُمكن أن يصاب به البالغين أي في مراحل عمر متقدِّمة، خصوصاً الرِّياضيين، وعارضي الأزياء، والشَّخصيَّات الشَّهيرة الَّتي يكون للمظهر والجسم المثالي دوراً هامَّاً في عملهم.
في الختام:
هناك حكمة قديمة تقول: "إنَّ المريض هو آخر من يعلم بإصابته"، ومرضى فقدان الشَّهيَّة العصبي أكثر المرضى إنكاراً للمرض، ولا يمكن شفاؤهم بدون مساعدة؛ لذا فإنَّ الدَّور الأكبر في العلاج، يقع على عاتق أهل المريض والمحيطين به، بأن يتنبَّهوا لأمر أبنائهم ويُراقبوا سلوكاتهم وكميَّة طعامهم ووزنهم، وفي حال مُلاحظة أيِّ أمرٍ غريب، أن يُسارعوا للتَّدخل لحلِّه، وإجبار المريض على استشارة الطبيب استشارة طبية ونفسية ولو بالقوة، لأنَّه غالباً ما يكون المريض رافضاً لفكرة العلاج.
ومن الضَّروريِّ أن يقوم الأهل باستشارة المعالج النَّفسي، واتِّباع إرشاداته للتَّعامل مع حالة المريض واحتوائها، وتشجيعه على الطَّعام بالوعود والمكافآت، والعمل على الجانب النَّفسيِّ له، بتعزيز ثقته بنفسه، وإقناعه بأنَّ الجمال الحقيقيَّ هو "جمال أرواحنا ودواخلنا"، وليس جمال الشَّكل الخارجي، وتذكيره بأنَّ أجسادنا أمانة الله لدينا، لها حق علينا أن نُحافظ عليها ولا نحرمها ما تحتاج.
أضف تعليقاً