ما هو الفرق بين الجراثيم والفيروسات؟

كَثُرَ الحديث عن الفيروسات خلال العامين الماضيين، نظراً للوباء الفيروسي الذي اجتاح الكوكب؛ وهذا يعني أنَّك على الأرجح تعرف أنَّ الفيروسات غير مرئية للعين المجردة، ويمكنها أن تُسبِّب مشكلات صحيةٍ متنوعة. لكنَّ هذه الصفات تنطبق أيضاً على الجراثيم، فما هو الفرق إذاً بين الاثنتين؟ ولمَ عليك فهم الاختلاف بينهما؟ تابع القراءة لكي تتعرَّف إلى كلا النوعين من المتعضيات والأمراض التي قد تنجم عنهما.



ما هي الفيروسات وما هي الجراثيم؟

الفيروسات هي متعضياتٌ صغيرةٌ جداً، تتكوَّن من مادة وراثية تسمَّى الحمض النووي ويحيط بها غلاف بروتيني، قد يأخذ الحمض النووي إحدى شكلين: حمض نووي ريبوزي منقوص الأوكسجين، أو ما يُسمَّى "دي إن أي" (DNA)، والحمض النووي الريبوزي، أو ما يُسمَّى "آر إن أي" (RNA).

إذ تجتاح هذه المتعضيات الصغيرة الخلايا الحية الطبيعية، وتستخدم مواردها للتكاثر، ومن ثمَّ تنتقل إلى الخلايا الأخرى وتتكرر هذه العملية، فقد يؤدي ذلك إلى أذية الخلايا أو حتى موتها، وهذا يُسبب الأمراض المختلفة.

في حين أنَّ الفيروس غير قادر على التكاثر إلَّا داخل الخلايا الحية، فإنَّ الجراثيم بالمقابل، التي هي كائناتٌ وحيدة الخلية وأكبر حجماً من الفيروسات، قادرةٌ على العيش في بيئات مختلفة والتكاثر من تلقاء نفسها.

إنَّ جسم الإنسان مليء بالجراثيم، بعضها غير ضار، وبعضها نافعٌ حتى، كتلك الجراثيم التي تُساعد على هضم الطعام وتطهير الأمعاء، لكنَّ بعض الجراثيم ضارةٌ جداً، وقد تسبب المرض عن طريق التكاثر السريع في جسم الإنسان، وهذا يؤدي إلى إتلاف أو قتل الخلايا وحتى الأنسجة نفسها، تماماً كالفيروسات، إضافةً إلى ذلك، تُنتج عديد من أنواع الجراثيم المسبِّبة للأمراض سموماً، وهي مواد كيميائية قوية تدمِّر الخلايا وتُسبِّب المرض.

وَفقاً لـ "تيريزا فيوريتو" (Theresa Fioritio)، اختصاصية الأمراض المعدية ومديرة "عيادة فاميلي ترافل" (Family Travel Clinic) في مستشفى "لانغون" (Langone) بجامعة نيويورك:

"إنَّ الفرق بين الفيروسات والجراثيم أشبه بالفرق بين صرصورٍ وسمكة قرش، فكلٌّ منهما يعيش في مكان مختلف، ويتغذَّى على مواد مختلفة، والأهم من ذلك، يتطلَّب القضاء على كلٍّ منهما وسائل مختلفة تماماً".

يوجد شيء واحد تشترك فيه الفيروسات والجراثيم، وهو أنَّ كليهما لديه القدرة على التسبُّب في التهابات قد تؤدي إلى أمراض خفيفة أو متوسطة ​​أو شديدة، وذلك وَفقاً لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة، وكذلك عبر التاريخ، عديداً من الأوبئة والجائحات، بعضها كان ناجماً عن الفيروسات، كوباء فيروس كورونا، والأنفلونزا، وإيبولا، والإيدز، والجدري، وبعضها الآخر كان ناجماً عن الجراثيم، كجراثيم الطاعون التي سببت جائحة الموت الأسود في العصور الوسطى.

كيف تحمي نفسك من الجراثيم والفيروسات؟

يجب عليك أولاً أن تتعرف إلى كيفية انتشار هذه المتعضيات، واعتماداً على أنواعها المختلفة، يمكن للفيروسات أن تنتشر بالطرائق الآتية:

  1. الالتماس الجلدي المباشر.
  2. الإفرازات التنفسية، كالسعال أو العطاس.
  3. القطيرات التي تتطاير عندما يتحدث شخص ما أو يتنفس.
  4. الإقياء أو الإسهال أو البول أو البراز، سواء من خلال انتشار الجزيئات في الهواء أم من خلال تلوُّث الطعام بهذه المواد.
  5. اللعاب.
  6. السوائل التناسلية.
  7. الدم.

يعني ذلك، أنَّه يمكنك اتخاذ بعض التدابير لكي تُقلِّل خطر إصابتك بالفيروسات، كتنظيف الخضار والفواكه قبل تناولها، وتناول اللقاحات ضد الفيروسات التي تم إيجاد لقاح لها.

أمَّا بالنسبة إلى الجراثيم، فهي غالباً تنتقل بالطرائق الآتية:

  1. الالتماس المباشر مع إنسان أو حيوان مصاب.
  2. الالتماس مع الجراثيم المحمولة في الهواء أو القطيرات التنفسية.
  3. لدغات الحشرات مثل القُرَّاد، التي تعيش متطفلةً على إنسانٍ مريض، ثمَّ تلدغ شخصاً سليماً، وتنقل له بعض الجراثيم.
  4. مواد ملوثة مثل الطعام أو الماء، أو حتى إناء ملوث.

إنَّ حماية نفسك من الجراثيم المُسبِّبة للعدوى تتطلَّب اتخاذ خطوات مُماثلة لتلك الخاصة بالفيروسات، مثل: معالجة المياه بحيث تكون آمنةً للاستهلاك البشري، وتلقيح نفسك وحيواناتك الأليفة.

إنَّ النظافة الشخصية هي مفتاح الحماية من الجراثيم والفيروسات؛ وذلك لأنَّ الإجراءات الوقائية العامة تساعد على منع العديد من أنواع العدوى التي تسبِّبها هذه المتعضيات؛ على سبيل المثال، عليك أن تغسل يديك بالماء والصابون بانتظام، لمدة 20 ثانية على الأقل، وفي حالة عدم توفر الماء والصابون، استخدم معقم اليدين الحاوي على الكحول.

إذ إنَّ الحفاظ على نظافة اليدين هو أمرٌ فعَّالٌ وفي غاية الأهمية، وذلك لأنَّ أعداداً هائلةً من الفيروسات والجراثيم تعيش على يديك، وينبغي عليك أيضاً تجنُّب لمس عينيك وأنفك وفمك ما لم يكن ذلك ضرورياً تماماً، وخاصة إذا لم تغسل يديك منذ فترة.

يمكنك أيضاً التخلص من الفيروسات والجراثيم من خلال تعقيم وتطهير الأشياء، والفرق بينهما حسب وكالة حماية البيئة الأمريكية، هو أنَّ التعقيم يقتل الجراثيم على الأسطح باستخدام المواد الكيميائية، وليس المقصود منه قتل الفيروسات.

أمَّا التطهير يقتل الفيروسات والجراثيم على الأسطح باستخدام المواد الكيميائية، وتخضع المواد المستخدمة في التعقيم والتطهير عادةً للرقابة من قِبل الجهات المعنية لضمان فاعليتها.

فيما يتعلَّق الأمر بالعدوى التي يمكن نقلها من خلال الاتصال المباشر أو الهواء أو الرذاذ، يجب عليك الحفاظ على مسافةٍ بينك وبين المرضى لتقليل فرص إصابتك بالعدوى، كما أنَّ التلقيح هو طريقة أخرى لحماية نفسك من هذه المتعضيات؛ فعديدٌ من الالتهابات الفيروسية، بما في ذلك الأنفلونزا والنكاف وشلل الأطفال، يمكن الوقاية منها عن طريق تناول اللقاحات المناسبة.

ونفس الأمر بالنسبة إلى الالتهابات الجرثومية؛ إذ تتوفَّر حالياً لقاحات ضد السعال الديكي، والدفتيريا، والكُزاز، وذات الرئة الناجمة عن المكورات الرئوية، والتهاب السحايا الناجم عن المكورات السحائية؛ إذ توصي المنظمات الطبية بالالتزام بجدول اللقاحات للوقاية من العدوى؛ وذلك لأنَّ هذه الأمراض قد تكون قاتلة.

شاهد: 9 أنواع من الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة

الالتهابات الفيروسية والجرثومية:

بينما تختلف الفيروسات والجراثيم عن بعضها بالتركيب الجزيئي، إلا أنَّها يمكن أن تسبِّب التهابات ذات أعراض متشابهة؛ مثل السعال والعطاس وارتفاع الحرارة والإقياء والإسهال والتعب والتشنج، لكنَّ الأعراض تختلف بالطبع تبعاً للعدوى المحددة وشدتها.

تشمل الالتهابات الجرثومية الشائعة؛ التهاب الحلق والسل والتهابات المسالك البولية، بينما تشمل الالتهابات الفيروسية الشائعة نزلات البرد، وجدري الماء، والثآليل الجلدية، فمن الواضح أنَّ جميعها تؤثر في أجزاء مختلفة من الجسم، ويمكن أن يكون لها طيف واسع من الأعراض والشدة.

وعلى الرَّغم من الاختلاف بين العدوى الجرثومية والفيروسية، إلا أنَّهما قد يكونا مرتبطين، ففي بعض الحالات، قد تختلط الالتهابات الفيروسية في الجهاز التنفسي بعدوى جرثومية، وتُعرَف هذه الحالة بالعدوى الثانوية، وهي ناجمةٌ غالباً عن تغيرات الجهاز المناعي.

على سبيل المثال، وجدت دراسة أُجريت عام 2021 أنَّه من بين 642 مريضاً دخلوا المستشفى لعلاج فيروس كورونا، أصيب 12.6% منهم بعدوى جرثومية، وكانت النسبة 8.7% بالنسبة إلى المرضى الذين دخلوا المستشفى بسبب عدوى فيروس الأنفلونزا.

هذه العدوى الجرثومية الثانوية تنتج عادةً عن جراثيم المكورات العنقودية، وتؤدي إلى ضائقة تنفسية حادة، وهذا يزيد خطر الوفاة، ويُشير موقع "ميدلاين بلاس" (MedlinePlus) إلى أنَّ ذات الرئة الجرثومية يمكن أن تتطوَّر حتى بعد الإصابة بعدوى فيروسية بسيطة في الجهاز التنفسي العلوي، كالأنفلونزا أو نزلة البرد.

إقرأ أيضاً: الخضروات ودورها في حماية صحة الإنسان الجسدية

علاج الالتهابات الفيروسية والجرثومية:

عندما تمرض نتيجة عدوى فيروسية أو جرثومية، فقد تحتاج إلى بعض العلاج، ولكنَّ الفيروسات والجراثيم تستجيب للعلاج بأسلوب مختلف؛ إذ تُستخدَم العوامل المضادة للفيروسات لعلاج الالتهابات الفيروسية، وتُستخدَم العوامل المضادة للجراثيم، أو ما يعرف بالصادات الحيوية، لعلاج الالتهابات الجرثومية، ولا يُمكن استخدام مضادات الفيروسات لعلاج الجراثيم، أو خلاف ذلك.

تمتلك الجراثيم جدراناً خلوية وهياكل داخلية، يمكن أن تستهدفها الصادات الحيوية إمَّا لقتل الجرثوم أو عرقلة دورة تكاثره، أمَّا الفيروسات فهي أبسط من ذلك، ولا تمتلك هذه البنى الهيكلية التي يُمكن استهدافها، ولكنَّها بحاجة إلى الدخول إلى الخلايا لكي تتكاثر، وهذا يوفِّر للعوامل المضادة للفيروسات فرصةً للعمل من خلال التدخُّل بهذه العنصر من دورة حياة الفيروس.

يتوفَّر حالياً عدد قليل جداً من المضادات الفيروسية مقارنةً مع الصادات الحيوية، ولكنَّ مركز السيطرة على الأمراض يشير إلى أنَّ الصادات الحيوية ليست ضروريةً في الواقع لعلاج جميع الالتهابات الجرثومية.

على سبيل المثال، تتحسَّن عديد من التهابات الجيوب الأنفية الناجمة عن الجراثيم وبعض التهابات الأذن من تلقاء نفسها؛ إذ إنَّ تناول الصادات الحيوية عندما لا يكون ذلك ضرورياً لا يقدم أي فائدة؛ بل قد يؤدي إلى آثار جانبية ضارة أيضاً.

إقرأ أيضاً: كيفية الوقاية من فيروس كورونا: أفضل 5 أغذية مضادة للفيروسات

وإن كنت تظن أنَّك مصاب بالعدوى، فمن الأفضل استشارة الطبيب لمعرفة ذلك على وجه اليقين؛ إذ تقول عيادة "مايو كلينيك" (Mayo Clinic) إنَّ الرعاية الطبية ضرورية بطريقة خاصة إذا كنت تظنُّ أنَّك مصاب بعدوى وعانيت أيضاً من:

  1. عضة حيوان أو إنسان.
  2. صعوبة في التنفس.
  3. سعال يستمر لأكثر من أسبوع.
  4. فترات من تسارُع ضربات القلب.
  5. طفح جلدي، خاصة إذا كان مصحوباً بحمى.
  6. تورُّم.
  7. تشوُّش الرؤية أو صعوبات أخرى في الرؤية.
  8. إقياء متكرر.
  9. صداع شديد أو غير مألوف.
إقرأ أيضاً: عقار فيروجلوبين (Feroglobin): الفوائد، والأضرار، والأعراض الجانبية

إذ يستطيع طبيبك تحديد مقدار خطورة العدوى، وما إذا كانت فيروسيةً أو جرثوميةً؛ وذلك من خلال السؤال عن تاريخ الأعراض لديك، إضافةً إلى إجراء اختبارات تشخيصية؛ مثل: أخذ عينات من البول أو البراز أو الدم، أو مسحة من الأنف أو الحلق؛ إذ يمكن أن تساعدهم النتائج على تحديد الطريقة المُثلى لعلاج العدوى.

المصدر




مقالات مرتبطة