لماذا يجب عليك التوقف عن العمل ساعات طويلة؟ وكيف تفعل ذلك؟ - الجزء (1)

هل تساءلتَ قَطُّ عن تأثير ساعات العمل الطويلة في صحتك، ووضعك المادي، وعلاقاتك، وسلامتك بشكلٍ عام؟ ليس من المفاجئ أن يُمجَّد العمل الجاد بوصفه شيئاً يمنحك كل النجاحات التي لطالما حلمتَ بها. للأسف يعتقد معظم الناس أنَّ فكرة "العمل بجد" تعني العمل ساعاتٍ طويلة، فلقد علَّمَتنا الطريقة التي رُبِّينا بها أنَّ العمل ساعاتٍ طويلة يعكس التفاني، والالتزام، والمثابرة، ولكن حينما تبدأ الحاجة إلى العمل بالتأثير في صحتنا، وسعادتنا الشخصية، ونشاطنا الاجتماعي، فإنَّها تصبح عبئاً يثقل كواهلنا.



من المنطقي حينما يتباهى أشخاصٌ مشهورون وناجحون بالعمل ساعاتٍ طويلة أن نحذو حذوهم؛ ذلك لأنَّنا نعتقد بأنَّ ذلك سيمنحنا الشهرة والنجاح أيضاً، وحينما يتباهى شخصٌ مثل: إيلون ماسك (Elon Musk) المدير التنفيذي لشركة تيسلا موتورز (Tesla Motors) ومؤسس شركة سبيس إكس (SpaceX) بأنَّ العمل 100 ساعةٍ في الأسبوع عزَّز تعزيزاً كبيراً فرصه في النجاح، وقد يعتقد المرء بأنَّ هذه هي الطريقة المُثلى لإحراز النجاح.

لقد تبيَّن أنَّ التأثيرات السلبية بعيدة الأمد للعمل ساعاتٍ طويلة يفوق أضعافاً مضاعفة المكاسب على الأمد القصير. وفيما يلي بعض النتائج التي توصَّلت إليها أبحاثٌ أُجرِيَت حول العمل ساعاتٍ طويلة:

  • أظهرَت دراسةٌ أُجرِيَت عام 2017 أنَّ الأشخاص الذين يعملون ساعاتٍ طويلة يعانون معاناةً شديدةً من الاكتئاب وتدهور القدرة على النوم، وتظهر عليهم أعراض القلق.
  • أظهرت دراسةٌ أُجريَت عام 2018 أنَّ العمل ساعاتٍ طويلة لا يؤدي إلى مزيدٍ من الإنتاجية؛ بل على العكس تماماً.
  • أظهرت دراسةٌ أُجريَت عام 2019 أنَّ البلدان التي يعمل موظفوها أطول عددٍ من الساعات ليست الأكثر إنتاجية.
  • أظهرت دراسةٌ أُجريَت عام 2020 أنَّ الناس خلال فترة الجائحة أُصيبوا بالإرهاق لأنَّهم عملوا ساعاتٍ أطول من قبل.

إذا أخذنا هذه النتائج كلها في الحسبان؛ فلن نستغرب إذا علمنا أنَّ مزيداً من البلدان تدرس إمكانية تقليص أيام العمل وساعاته لتعزيز الإنتاجية، وقد وجدَت الشركات التي يعمل موظفوها أربعة أيامٍ في الأسبوع أنَّ ذلك أدى إلى تعزيز الإنتاجية بفضل انخفاض شعور الموظفين بالتوتر وازدياد تركيزهم.

لماذا يعمل الناس ساعاتٍ طويلة؟

ثمَّة ثلاثة أسباب رئيسة تفسر عمل الناس ساعاتٍ طويلة، هي:

  • المال (أو شهوة المال): يُعَدُّ المال أكبر العوامل المحفزة، سواء كنتَ تعمل لحسابك الخاص أم في شركة، والأجر المُضاعَف في أوقات العمل الإضافي هو من أبرز الأمور التي تحفز الناس إلى البقاء في العمل وقتاً أطول قليلاً من أجل إنهاء مهمَّةٍ إضافية، وأمَّا حينما نعمل لحساباتنا الخاصة، فإنَّ الرغبة في تحقيق مزيدٍ من الإنجازات تجعلنا نعتقد بأنَّ ذلك يؤدي إحراز مزيدٍ من المكاسب، ناهيك عن أنَّ الحفاظ على سير العمل يُعَدُّ جزءاً من مسؤوليات صاحب العمل، وإذا لم يتحمل هو مسؤوليته هذه؛ فمَن سيتحملها غيره؟
  • الضغوطات: إذا كان زملاؤك يعملون حتى وقتٍ متأخر، وغادرتَ أنت العمل باكراً أو في الوقت المحدد؛ فسينظُر إليك الآخرون غالباً نظرةً سلبيَّةً، حيث يترك منح الأشخاص الذين يعملون وقتاً إضافيَّاً الجوائز والتقدير انطباعاً خاطئاً لدى الموظفين.
  • الموارد (أو ندرة الموارد): قد يُضطَرُّ الموظفون أحياناً إلى تحمُّل عبء عمل مُضاعَف، وإنَّ اجتماع المواعيد النهائية المُستعجَلة مع قلة اليد العاملة هو أسرع طريقةٍ للعمل ساعاتٍ طويلة.
إقرأ أيضاً: كيف تعرف أنَّك مدمن على العمل؟

4 أسباب للتوقف عن العمل ساعاتٍ طويلة:

هل تساءلت من قبل عن تأثير العمل ساعاتٍ طويلة في صحتك العامة على الأمد البعيد؟ لا شكَّ في أنَّك تمكَّنتَ من التوصُّل إلى بعض الإجابات الواضحة، حيث يُعَدُّ كلٌّ من الغضب، والإرهاق، والتعب بضعةً فقط من التأثيرات التي تظهر للعيان، كما يُعَدُّ كل شيءٍ في أجسامنا مترابطاً، وتغييرٌ واحد يؤثِّر في الجسم كله، وإذا عانيتَ الحرمان من النوم؛ فستنخفض إنتاجيتك، وسترتكب مزيداً من الأخطاء، وستَقِلُّ جودة عملك.

من أجل التوقف عن العمل ساعاتٍ طويلة، دعنا نتعرف أوَّلاً إلى أثره المُشوِّش في الحياة، والعمل، والصحة بشكلٍ عام. وفيما يلي أربع نقاطٍ تستحق أن تنتبه إليها:

1. الصحة الجسدية:

لا تحتاج القضية إلى خبيرٍ يبيِّن أنَّ ساعات العمل الطويلة تؤثِّر سلباً في الصحة؛ فلا يستطيع الجسم أن يعمل دون الحصول على الطعام، والراحة، والنوم، وممارسة التمرينات الرياضية، وحينما تعمل ساعاتٍ طويلة لن يكون لديك ما يكفي من الوقت لإعادة مَدِّ الجسم بالأساسيات التي يحتاج إليها للعمل بالشكل الأمثل.

وجدَت دراسةٌ أُجريَت حديثاً على 143 ألف مشارك أنَّ أولئك الذين عملوا 10 ساعاتٍ أو أكثر في اليوم - من رجالٍ ونساء - مدة 50 يوماً على الأقل في العام؛ ارتفعَ لديهم خطر الإصابة بالسكتات الدماغية بمقدار 29%، في حين أظهرَت دراساتٌ عدَّة أيضاً وجود ارتباطٍ وثيق بين طول ساعات العمل وأمراض القلب، وأظهر بحثٌ آخر أنَّ الموظفين الذين يعملون 40-55 ساعةً في الأسبوع يزداد لديهم خطر الإصابة بالسكتات الدماغية مقارنةً مع أولئك الذين يعملون 35-40 ساعةً في الأسبوع.

وبعيداً عن السكتات الدماغية، ثمَّة العديد من التداعيات الصحية الأخرى الناجمة عن عدم تخصيص وقت للراحة واستعادة الطاقة، منها: قلة النوم، والإصابة بالسكري، وأمراض القلب، والبدانة، ولكنَّ المسألة لا تقتصر فقط على ساعات العمل الطويلة؛ إذ من الواضح أنَّ العمل المُتقطِّع والعمل بنظام المناوبة يؤثران تأثيراتٍ سلبيَّةً في الصحة، وتشمل اضطراب الساعة البيولوجية، والنوم، والصحة الذهنية، إضافةً إلى ارتفاع خطر الإصابة بالنوبات القلبية.

وجدَت دراساتٌ أخرى أنَّ هذه المشكلات الصحية تكلف الشركات 300 مليار دولار بسبب انخفاض الإنتاجية، والتغيب عن العمل، وتكاليف الرعاية الصحية الفعلية، وتشير الأدلة أيضاً إلى أنَّ ساعات العمل الطويلة ترتبط بخطر التعرض للإصابات والحوادث.

2. الصحة الذهنية:

يعمل العقل بجدٍّ كل يوم، وهذا يعني أنَّه في حاجةٍ إلى الراحة أيضاً، وتزيد ساعات العمل الطويلة الضغط على العقل، وتحرمه من الحصول على وقتٍ للاستراحة، وقد أظهرت العديد من الدراسات التي أُجريَت على مدار سنواتٍ عدَّة وجود ارتباطٍ واضحٍ بين العمل ساعاتٍ طويلة وازدياد التوتر، والتذمُّر، والأرق، والاكتئاب، والإفراط في تناول الطعام، ووجدَت دراساتٌ عدَّة أخرى أنَّ العمل أكثر من 55 ساعة في الأسبوع يزيد فرصة الإحساس بالاكتئاب والقلق.

لقد قيل كثيراً إنَّ بناء العلاقات الاجتماعية يُعَدُّ ضروريَّاً للحفاظ على الصحة الذهنية، لكنَّ العلاقات تتأثر في العمل ساعاتٍ طويلة؛ إذ تستهلك كثرة مشاغل العمل وقتاً تستطيع أن تقضيه مع العائلة والأصدقاء،  فيؤدي هذا إلى ضعف العلاقات، ومن ثمَّ إلى انخفاض الإنتاجية، وليس هامَّاً كم ساعة تقضي جالساً في عملك إذا لم تحرز أي إنجازٍ يُذكَر.

إضافةً إلى تأثيرات ساعات العمل الطويلة في وتيرة العمل، قد يبدأ أداء أطفالك بالانخفاض أكاديميَّاً وسلوكيَّاً إذا لم تتمكن من تكريس جزءٍ من وقتك لهم.

إقرأ أيضاً: 10 علامات تحذيرية تؤكد حاجتك إلى الاستراحة

3. السلامة العامة:

يؤدي العمل ساعاتٍ طويلةً باستمرار إلى اختلال التوازن بين حياة العمل والحياة الشخصية، وانخفاض الرضا عن العمل والأداء والحياة والعلاقات، حيث يعني قضاء مزيدٍ من الوقت في العمل قلة الوقت الذي تقضيه مع نفسك، وعائلتك، ومحيطك الاجتماعي، وهو الذي يُعَدُّ من أفضل مصادر الحصول على الدعم الاجتماعي، وأظهرت دراساتٌ عدَّة أنَّ ساعات العمل الطويلة تقلل السعادة، والحافز، والرضا عن الحياة؛ إذ يُدمِّر الاضطرار إلى العمل ساعاتٍ طويلة الأُسَر والعلاقات الاجتماعية، ويمكِنه أن يزيد التفكك الأُسري.

4. الإنتاجية:

من الخطأ الافتراض أنَّ العمل ساعاتٍ طويلة يساعد في إنجاز مزيد من المهام؛ فلقد تبيَّن أنَّ الاعتقاد السائد بأنَّ العمل ساعاتٍ طويلة يساعد في إنجاز مزيدٍ من المهام مَحض خطأ، ووجدَت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (Organisation for Economic Co-operation and Development) أنَّه على الرغم من أنَّ الموظفين في اليونان عملوا 2024 ساعةً في عام 2014 والموظفين في ألمانيا عملوا 1317 ساعةً فقط في العام نفسه، إلَّا أنَّ الموظفين في ألمانيا كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 70%، ومِن المثير للاهتمام أيضاً أنَّ المديرين لم يُميِّزوا بين الموظفين الذين عملوا 80 ساعةً في الأسبوع وبين مَن ادَّعوا ذلك.

كتب المؤلف جوناه ليهرر (Jonah Lehrer) في كتابة الذي يحمل عنوان "تخيَّل: كيف يعمل الإبداع" (Imagine: How Creativity Works): "إذا كنتَ مهندساً يعكف على حل مشكلةٍ أعيَته؛ فإنَّ احتساء القهوة وأنت مقيَّدٌ خلف كمبيوترك سيكون محبِطاً حقَّاً، وقد تبدو منتِجاً في هذه الحالة، لكنَّك في الحقيقة تضيِّع كثيراً من الوقت".

إذا كنتَ تقود فريقاً؛ فسينعكس أداؤك على عمله أيضاً، ومع انخفاض الإنتاجية تزداد صعوبة ممارسة القيادة. توصَّل عالم النفس وخبير تغيير السلوك رون فريدمان (Ron Friedman) في بحثه الذي أجراه حول تأثير العمل ساعاتٍ طويلة في القيادة إلى أنَّ القادة الذين يرهقون أنفسهم بالعمل يتخذون قراراتٍ سيئة وأحكاماً ضعيفة ويواجهون صعوبةً في ضبط عواطفهم.

شاهد بالفديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

سرعان ما يؤدي هذا إلى انخفاض الأرباح، والعائدات، ورضا العملاء؛ وبالتالي ليس من المُجدي من الناحية المادية العمل أكثر من 10 ساعات في اليوم، ولكنَّ الأكثر إثارةً للاهتمام هو آراء الناس في العمل ساعاتٍ طويلة ومتطلبات الوقت، وإذا قارنَّا بين العمل طوعيَّاً ساعاتٍ أطول وبين أن يفرض رب العمل على الموظف القيام بذلك؛ فسنجد نتائج مختلفةً تماماً على صعيدَي الصحة والسلامة، وقد يفسِّر هذا لماذا يَظهر الضعف الجسدي والنفسي على بعض الأشخاص الذين يعملون ساعاتٍ طويلة ولا يَظهر على غيرهم.

لقد بيَّنَّا في هذا الجزء من المقال ما العوامل التي تدفع الناس نحو العمل ساعاتٍ طويلة، وناقشنا الأسباب التي تفسر الحاجة إلى التوقف عن ذلك، فتابِع معنا قراءة الجزء الثاني من المقال لتتعرف إلى أبرز اقتراحات الخبراء للتخلُّص من عادة العمل ساعاتٍ طويلة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة