كيف يمكن أن يعزز الإصغاء الفعال حياتك المهنية؟

يفترض الناسُ كثيراً أنَّ ما يقولونه في مقابلات العمل أو خلال حديثهم مع المشرفين أو زملاء العمل هو كل ما يهمُّ؛ إذ لن تتمكَّنَ من إثبات نفسك وقدراتك دون إخبار الناس بكلِّ ما تعرفه أولاً، أليس كذلك؟ ولكن ماذا لو أخبرناك أنَّ مفتاحَ إحراز التقدُّم في حياتك المهنية لا يعتمد على ما تقوله فحسب؛ بل على طريقة إصغائك أيضاً؟ ولا سيَّما مدى إتقانك لمهارة الإصغاء الفعَّال.



ما هو الإصغاء الفعَّال؟

تقول المحاضِرةُ الجامعيةُ والكوتش المتخصِّصة في التدريب المهني ناديا إبراهيم تاني (Nadia Ibrahim-Taney): "إنَّ الإصغاءَ الفعَّال هو ببساطةٍ الإنصاتُ باهتمامٍ واستراتيجيةٍ محدَّدة"؛ فهي تقضي أيامها في تعليم الطلاب كيفية الحصول على وظيفةٍ والنجاح في الحياة المهنية، وتأمَل أن يكونَ فنُّ الإصغاء الفعَّال أحدَ الدروس التي يتذكَّرها ويستفيد منها طلابها حينما يغادرون الفصل الدراسي.

يُعرِّف الباحثون الإصغاء الفعَّال بأنَّه "أعلى مستويات الإصغاء وأكثرها فاعلية"، ويصفونه بأنَّه الإنصاتُ بهدف فهم فحوى الحديث ونيَّة ومشاعر الشخص الذي تُصغي إليه. حيث تبيِّن الكوتش المتخصِّصة في إدارة المشاريع والقيادة لي إسبي (Leigh Espy)، والتي تتمتع بخبرةٍ تزيد عن 20 عاماً: "إنَّها طريقةٌ لتجمع مزيداً من المعلومات والبيانات لتلقي نظرةً أعمق على ما قد يشعر به الشخص الآخر أو يقوله".

لا يتعلق الإصغاء الفعَّال بما تتذكَّره من المحادثات فحسب؛ بل بكيفية إظهار اهتمامك للشخص الذي تتحدث إليه، وذلك من خلال جميع الإشارات اللفظية وغير اللفظية؛ حيث تقول إسبي (Espy): "يكمن سرُّ الإصغاء الفعَّال في استخدام لغة الجسد والكلمات لتُظهرَ للآخرين بأنَّك تُصغي إليهم وتتفاعل وتهتم لِما يقولونه".

يمتلك بعضُ الناس مهارةَ الإصغاء الفعَّال بالفطرة أكثر من غيرهم، ولكن يمكن أن يطوِّرها الجميع من خلال التدريب المستمر؛ الأمر الذي عليك فعله أيضاً لتنمية حياتك المهنية.

إقرأ أيضاً: الفرق بين السماع والاستماع والإصغاء والإنصات

لماذا يُعدُّ الإصغاء الفعَّال هامَّاً لحياتك المهنية؟

يُعدُّ الإصغاء الفعَّال هامَّاً في بيئة العمل من نواحٍ عديدةٍ؛ إذ من الممكن أن يفيدَ عملك اليومي وحياتك المهنية على الأمد الطويل؛ حيث يمكن أن يساعدَك في الأمور الآتية:

1. الحصول على المعلومات التي تحتاجها:

حينما تتعلم ممارسةَ أسلوب إصغاء تتفاعل من خلالِه مع المتحدِّث قلباً وقالباً، ستتمكَّن من جمع جميع المعلومات التي تحتاجها لإنجاز مشروعك بنجاح؛ حيث سيوفِّر عليك في بعض الحالات عناءَ العودة إلى مشرفك لتطرحَ عليه أسئلةً إضافية؛ وأمَّا في حالاتٍ أخرى، فسيضمن أنَّك تعرف الوقتَ الذي تحتاج فيه إلى مزيدٍ من المعلومات بالفعل. وفي كلتا الحالتين، تُتيح لك هذه المهارة تقديمَ نفسك كمبادرٍ ذكيٍّ رصين بوسعه إنجاز المهمة على أتمِّ وجهٍ.

2. التعاون بفاعلية:

تقول ناديا إبراهيم تاني (Ibrahim-Taney): "يُعدُّ الإصغاء الفعَّال كفاءةً أساسيةً لضمان تحقيق التعاون الفعَّال والنجاح في العمل؛ فإذا كنتَ لا تفهم الآخرين أو لا يفهمونك، سيصعُب عليك وعلى فريقك أو عميلك المضي قدماً في العمل".

3. تقليل سوء الفهم والجهد الذي يضيع هباءً:

إذا كنتَ تصغي بفاعلية وتعمل كي تتقِنَ فنَّ التواصل، فإنَّ إحدى الفوائد التي ستعود عليك هي انخفاضُ احتمالات سوء الفهم الذي قد يَحُول دون إنجاز العمل بفاعليةٍ أو بصورةٍ صحيحةٍ؛ فحينما يفهم الجميع التوقعات والنوايا والأهداف الأساسية والتفاصيل الصغيرة الأخرى التي تتمحور حول ما يُقال؛ سيزيد احتمال إتمام العمل بصورةٍ صحيحةٍ من المرة الأولى.

4. بناء علاقات عملٍ ناجحةٍ:

يمكن أن يساعدَ الإصغاء الفعَّال أيضاً في التخفيف من حدة حالات التوتر السائدة، وتعزيز الروح المعنوية بين أعضاء فريق العمل؛ فحينما يرى الناس أنَّك تمنحهم وما يقولونه الأولوية، فسيعزِّز ذلك شعورهم بأنَّك تسمعهم وتقدِّرهم؛ ممَّا يساعد في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، ويُساهم في تحقيق الألفة بين زملاء العمل الذين تتواصل معهم، ويمكن أن يؤدي إلى تحقيق نتائج أفضل في نهاية المطاف.

5. جعلك شخصاً يرغب الناس في العمل معه ويوصون به:

يمكن أن يؤثِّر الإصغاء الفعَّال في حياتك المهنية على الأمد الطويل؛ حيث يجعلك شخصاً يهتمُّ الآخرون بالعمل معه سواءً في الوقت الحاضر أم في المستقبل.

فحينما تصغي باهتمامٍ وتركيزٍ، سيشعر الناسُ بأنَّك تلاحظ وجودهم وتنصتُ إليهم وتدعمهم؛ ممَّا يعزِّز الولاء بين زملائك في العمل والمشرفين، حتى في مواجهة الأزمات وحين ارتكاب الأخطاء. صحيحٌ أنَّ جودةَ عملك هامةٌ للغاية، إلَّا أنَّ الناس يتذكرون مدى سهولة أو صعوبة العمل مع زملائهم وكيف شعروا حينما كانوا يعملون معك أكثر؛ إذ يعزِّز تمتُّعك بمهارات الإصغاء احتمال أن يلجأَ إليك الناس مجدداً أو يوصوا بك لإنجاز المشاريع أو التوظيف أو أي فرص أخرى.

شاهد بالفديو: 7 أسرار للإصغاء الفعال

كيف يمكن أن يساعدك الإصغاء الفعَّال في العثور على وظيفة؟

يستغرق بناءُ العلاقات وقتاً ويتطلَّب إجراءَ نقاشات متنوعة على مدار فترة العمل معاً؛ إلَّا أنَّ ذلك لا يعني أنَّ الإصغاء الفعَّال لا يفيدك في حالاتٍ قصيرة الأمد كمقابلات التوظيف؛ إذ تقول ناديا إبراهيم إنَّ الافتقارَ إلى مهارة الإصغاء الفعَّال يمكن أن يَحُولَ في كثيرٍ من الأحيان بينك وبين حصولك على الوظيفة التي تحلم بها.

وتستكمل قائلةً: "يُظهر الإصغاءُ الفعَّال في مقابلات العمل أنَّك حاضرُ الذهن ومهتمٌّ وتشارك في المحادثة بكلِّ فاعلية، دون أن تفكِّرَ في الإجابة التالية التي ترغب في تقديمها أو السؤال التالي الذي تأمل في طرحه؛ فتوجيه انتباهك الكامل نحو ما يقوله المُحاوِر يُشعِره بأنَّكما منسجمان في المقابلة معاً، ويصبح الأمر بمثابة حديثٍ ودِّيٍّ اعتياديٍّ". فحينما يشعر مديرو التوظيف بالرضا عن المتقدِّم، يزيد احتمال أن يؤهِّلوه إلى المراحل التالية من عملية التوظيف.

كما يمكن أن يزوِّدك الإصغاء الفعَّال حينما تتقدَّم بطلبِ توظيفٍ بتفاصيلَ أكثرٍ حول الوظيفة والأشخاص الذين ستعمل معهم، والتي يمكن أن تساعدَك في تحديد ما إذا كان المنصبُ سيناسبك بالفعل أم لا.

إقرأ أيضاً: ماهي حركات الجسد التي يجب تجنبها أثناء التواصل مع الآخرين؟

كيف يمكنك أن تُظهر أنَّك تُصغي بفاعلية؟

إذا كان أحدُ الأهداف الأساسية للإصغاء الفعَّال يتمثَّل في جعل الناس يشعرون بأنَّك تُصغي إليهم بحق، فالطريقة التي تُظهر من خلالها مهارات الإصغاء التي تتمتع بها تُعدُّ هامةً للغاية.

قد يبدو الأمر بسيطاً من الناحية النظرية؛ إذ تقول إسبي (Espy): "يمكنك أن تمارسَ الإصغاء الفعَّال من خلال إتقان القيام بنشاط واحدٍ فحسب: ألا وهو الإنصات إلى ما يقوله المتحدِّث بالفعل"؛ إلَّا أنَّ الأمرَ ليس بتلك البساطة؛ حيث تُكمِل إسبي (Espy) حديثَها قائلةً: "من السهل أن يتشتَّتَ انتباهك بعوامل أخرى أو تفكِّر فيما ستقوله بعد ذلك؛ إذ يتطلَّب الإصغاء الفعَّال جهداً منك".

إنَّه جهدٌ يمكنك أن تبذلَه من خلال التركيز على التواصل غير اللفظي مع المتحدِّث عبر القيام بما يلي:

  • الحفاظُ على التواصلِ البصري.
  • الالتفاتُ بجسدك نحو الشخصِ الذي تحادثه.
  • الإيماءُ برأسك لتُظهر بأنَّك تفهم أو تتَّفق مع ما يقوله.
  • تسجيلُ ملاحظاتٍ قصيرةٍ إذا كان الحديثُ يتعلق بالعمل، حيث يُعدُّ الاحتفاظُ بالمعلومات هاماً لإنجاز مشروعٍ مستقبلي.
  • التفاعلُ باستخدام تعابير الوجه المناسبة؛ كأن تبتسمَ حينما يقول المتحدِّث شيئاً مضحِكاً.
  • إعارةُ انتباهك إلى لغة جسد المتحدِّث؛ فهل ثمَّة أمر يحاول إيصاله إليك دون أن يقولَه؟ إذ تقول إسبي (Espy): "إذا أخبرك شخص ما أنَّه يشعر بالراحة، ولكن يبدو عليه التوتر في الحقيقة، فثمَّة مؤشرات تخبرك بخلاف ذلك". وقد تمنحك هذه المؤشرات فرصةً لطرح الأسئلة التي تُظهر أنَّك منتبهٌ له.

يقودنا ذلك إلى طرائقَ يمكنك من خلالها ممارسة الإصغاء الفعال لفظياً، الأمر الذي يتجلى أهميته في أثناء الاجتماعات عن بُعد وجلسات العصف الذهني الافتراضية والمحادثات الأخرى التي تجريها دون الحاجة إلى الجلوس مع الآخرين في الغرفة ذاتها؛ حيث تقول ناديا إبراهيم: "هناك طريقة رائعة للتعبير اللفظي عن الإصغاء الفعال؛ ألا وهي تلخيصُ وتأكيد الفكرة التي يحاول الشخصُ إيصالها لك"؛ حيث تقترح القيام بالأمور الآتية لتحقيق ذلك بأفضل صورةٍ ممكنة:

  • طرح أسئلة لتوضيح الاحتياجات والأمور التي تُثير القلق: فإذا طُلب منك مثلاً تولِّي مَهمَّة التخطيط لمناسبةٍ سنوية في الشركة، فقد يتعيَّن عليك أن تسأل عن الأهداف والنتائج المرجوة من المناسبة؛ إلى جانب العقبات التي واجهها المخطِّطون في الماضي.
  • استخدام المعلومات التي تتلقاها من إجاباتهم لإعادة صياغة المشكلة أو توضيحها: فإذا أخبروك بأنَّ أكبر مشكلة واجهها المخططون السابقون هي اختيارُ موقع نهائي لإقامة المناسبة فيه، فيمكنك أن تقترح التركيز على تحديد الموقع قبل النظرِ في أي خدمات لوجستية أخرى والانتهاء من إعداده بحلول تاريخٍ معيَّنٍ، وذلك لضمان حسن سير العملية بصورةٍ صحيحةٍ.
  • تقديم بعض الحلول المحتملة بناءً على المعلومات التي جمعتَها: قد تقترح في هذه المرحلة التواصل مع المواقع التي نجحتَ في السابق لتكتشف ما إذا كانت متاحةً مجدداً قبل التواصل مع فنادق محلِّيَّة أخرى بشأن غرف المؤتمرات المتاحة لديهم؛ حيث يُعدُّ ذلك فرصةً رائعةً لتأكيد أولوياتك في اختيار موقع نهائي قبل أي شيء.

تقول ناديا إبراهيم التي تستخدم هذه التقنيات بشكلٍ دائمٍ في مجال عملها: "حينما أصبحتُ كوتشاً متخصِّصة في التدريب المهني، كان عليَّ أن أتعلم الصبر ومهارات الإصغاء الفعَّال". فعلى سبيل المثال؛ "إذا أخبرني العميل أنَّه يشعر بالاستياء لأنَّه لا يستطيع الحصول على وظيفة، فسأطرح عليه على الأرجح خمسة أو ستة أسئلة استيضاحية للتركيز على العوامل التي تقِف وراء مشكلته".

ورغم أنَّها تعرف أنَّ المشكلةَ الأساسية هي رغبته بنيل وظيفةٍ وأنَّه مستاءٌ لعدم نجاحه في العثور عليها، إلَّا أنَّها تقول إنَّه من خلال طرح هذه الأسئلة قد تكتشف أنَّ ما يعيقه هو وجود مشكلة في سيرته الذاتية أو مهاراته في إجراء المقابلات أو ملفُّه الشخصي على منصَّة "لينكد إن" (LinkedIn).

تُعدُّ هذه الأمور عبارة عن مشكلاتٍ محدَّدة يمكن حلها، والتي يمكن تحديدها من خلال حضورها ذهنياً، وتسجيل الملاحظات، وطرح أسئلة استراتيجية لتقصِّي الحقائق؛ وبعد أن تحصل على هذه المعلومات، فإنَّها تُعيد صياغةَ هذه المخاوف والهواجس إلى عميلها وتقدِّم اقتراحاتٍ لمعالجتها، وهذا ما ينجح غالباً في حل المشكلة من جذورها.

إقرأ أيضاً: السؤال الذي سيجعلك مستمعاً أفضل

كيف يمكنك تعزيز مهارات الإصغاء الفعَّال؟

إليك النبأ السار: حتى لو كنتَ تشعر أنَّك لا تتقن فنَّ الإصغاء، فهي مهارة يمكن تطويرها؛ حيث تقول ناديا: "يُعدُّ الإصغاء الفعال مهارةً مكتسَبةً شأنها شأن جميع المهارات الأخرى، وبالتالي يمكن تعزيزها من خلال الممارسة والتغذية الراجعة"؛ فبدلاً من انتظار اجتماعك مع مديرك في العمل أو إجراء مقابلة للحصول على وظيفة أحلامك، ابدأ بممارسة الإصغاء الفعال في كل محادثةٍ تُجريها مع الناس بدءاً من اليوم، وابحث عن أشخاص يرغبون في الجلوس معك لمدة خمس إلى عشر دقائق ليتحدثوا عن يومهم فحسب، وركِّز خلال تلك الأحاديث على الإصغاء باهتمامٍ دون تشتيت انتباهك، ثمَّ تدرَّب على طرح الأسئلة وإعادة صياغة ما استخلصتَه من الحديث.

كما يمكنك التسجيل في دورات لتطوير المهارات الشخصية التي تتمحور حول تطوير مهارة الإصغاء الفعال؛ أو الانضمام إلى مجموعات خاصة بالتواصل بحيث يكون هدفك الأساسي هو تطبيق مهارات الإصغاء الفعال عملياً.

مهما كانت طبيعة المكان الذي تختار التدرُّب فيه، اعلم أنَّك كلَّما تدرَّبتَ أكثر، سيسهل عليك الأمر وستشعر بأنَّها مهارةٌ فطريةٌ أكثر منها مكتسَبة. وكلَّما شعرتَ بالراحة والثقة أكثر في أثناء ممارسة الإصغاء الفعال، سيعود عليك ذلك بفائدةٍ أكبر في حياتك المهنيَّة.

المصدر




مقالات مرتبطة