الاكتئاب المعطِّل: أعراضه، وأسبابه، وطرق علاجه

نحن نغوص في تفاصيل الحياة وتحدياتها وعراقيلها، ونسمح لها بالتأثير السلبي في صحتنا، متناسين أنَّ صحتنا أهم كنز من كنوزنا، فنميل إلى تعريض صحتنا إلى الزوال والإصابة بكثيرٍ من الأمراض، غير عابئين بالمحافظة على أعظم قيمة من قيم حياتنا، ونسمح للمشاعر السلبية بالسيطرة على حياتنا وإعاقتها تماماً، فيتراجع أداؤنا المهني، ونُصاب بالخيبة وقلة الثقة بالنفس وقلة تقدير الذات، ويغيب الأمان عن حياتنا، ونفتقد المتعة والشغف والطاقة والحيوية.



كيف لنا أن نتعالج من حالة الاكتئاب الذي يعطِّل كل مسارات حياتنا، ويمنحها وتيرة قاسية ومزعجة، ويبني حاجزاً منيعاً بيننا وبين الحياة، بحيث نسير بالتوازي معها من دون أن نستطيع ملامستها والتقاطع معها.

ما هو الاكتئاب المعطِّل، وكيف نعالجه؟ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ما هو الاكتئاب المعطِّل؟

هو نوع الاكتئاب الذي يسبب إعاقة حقيقية في حياة الإنسان، بحيث لا يستطيع الاستمرار في أداء وظائفه اليومية الطبيعية، فيتحول الاستيقاظ إلى مهمة شبه مستحيلة، والسعي إلى الهدف والحلم والتشبث بالشغف، مهمة غاية في الصعوبة، في حين أنَّ التعامل مع الآخرين واحتواء مشكلاتهم والإصغاء إلى عراقيل حياتهم، مهمة مستنزفة للطاقة تماماً.

إنَّه الشلل الذي يصيب حياتك، والذي يضرب كل ناحية جميلة فيها، وينفث سُمَّه في كل تفصيل من تفاصيلها؛ حيث تفشل وردة الياسمين في إيقاظ تلك الحماسة التي كانت توقظه فيك فيما قبل، ولا يعود مشهد العصافير المتراكمة بجانب بعضها بعضاً، بينما يقوم صاحبها بتغذيتها، يبث فيك أيَّاً من الفرح والسرور.

ما هي أعراض الاكتئاب المعطِّل؟

لا يشبه الاكتئاب المعطِّل نوبة الاكتئاب العادية؛ بل يأتي بطريقة عنيفة ومبالغ فيها، فيطارد الصحة العقلية والجسدية، ومن أعراضه:

  1. العصبية الشديدة والتدقيق على أدق التفاصيل الصغيرة وغير الهامة.
  2. فقدان المتعة في أثناء ممارسة النشاطات والهوايات التي كانت مفضلة فيما قبل.
  3. عدم الشعور بالاستحقاق الذاتي، أو عدم الإحساس بأهمية العمل الذي يقوم به الإنسان.
  4. ضعف الإنتاجية والقدرة على التركيز والعطاء.
  5. ورود أفكار انتحارية وأفكار سلبية قاتلة.
  6. التشتت والضياع وانعدام الأمان.
  7. الحزن والقلق المستمر والفقدان التام للسعادة.

أعراض جسدية للاكتئاب المعطِّل:

تظهر بعض الأعراض الجسدية للاطتئاب المعطِّل، مثل:

  1. اضطرابات النوم والأكل.
  2. تقلبات الوزن.
  3. الصداع المستمر.
  4. مشكلات الجهاز الهضمي.
  5. فقدان الطاقة.
إقرأ أيضاً: معلومات وحقائق مهمة عن مرض الاكتئاب

تشخيص الاكتئاب المعطِّل:

يجب أن تستمر الأعراض مدة أسبوعين أو أكثر، لكي نُشخِّص الحالة على أنَّها اكتئاب معطِّل، وفي خلالها يعاني المريض من:

يُشخَّص الاكتئاب المعطِّل من قِبل المعالج النفسي، وبعد إجراء العديد من الفحوصات الجسدية، لاستبعاد احتمال الإصابة بمرض عضوي يؤدي إلى ظهور أعراض مشابهة للاكتئاب المعطِّل، مثل اضطراب الغدة الدرقية.

ما هي أسباب الاكتئاب المعطِّل؟

1. الرفض:

في داخل كل إنسان مكتئب مشاعر قوية من الرفض، كأن يرفض ماضيه أو يرفض التفكير الإيجابي في المستقبل، أو قد يملك مشاعر رفض للحاضر، وهذه هي قمة الاكتئاب؛ إذ لا يستطيع الإنسان حينها التعامل مع المحيط، ويُستَفزُّ من ضوء الشمس، فيفضِّل البقاء في غرفته، ويعشق حالة العزلة والانطواء.

2. التفكير السلبي:

يمتلك الشخص المكتئب مُعتقَداً قاتلاً هو: "الظروف أقوى منِّي"؛ الأمر الذي يجعله شخصاً تابعاً بدلاً من أن يكون فاعلاً، والأمر الذي يُضعِف من طاقته النفسية والذاتية، فبدلاً من أن يكون قوياً ومبادراً ويملك السيطرة على حياته، يتحول إلى إنسان عالة على الآخرين، غير منتج، وضعيف.

شاهد بالفيديو: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟

3. غياب القيمة الذاتية:

وراء الشخص المكتئب حالة من الضياع وعدم معرفة الذات؛ إذ إنَّه لا يعرف قيمته الذاتية، ومكامن قوَّته، ولا يستثمر وقته في البحث عن شغفه الحقيقي، والأمور التي تجلب الراحة والسعادة والمتعة إلى حياته.

4. عدم وضوح الغاية:

لا يؤمن الشخص المكتئب بوجود قوة مطلقة في الكون تُسيِّر كل أمر، وتعطي القيمة والهدف والغاية لكل شيء؛ بل يشعر بالعشوائية وانعدام الغاية في حياته؛ الأمر الذي يبعد الحماسة والرغبة عن كل فعل يقوم به.

5. انحراف القيمة:

لم يعد للداخل أهمية في وقتنا الحاضر؛ بل باتت الأهمية الكبرى للمظاهر والماديات والشكليات؛ الأمر الذي أفرغ الإنسان من حقيقته العميقة، وسطَّح عقله عن توليد الأفكار الإبداعية النيرة، وأبعد روحه عن مناشدة الرسالة ومقاربة المشروع الهادف الذي يتقاطع مع قيمه وشغفه، فلن يصل إلى السعادة الحقَّة، كل مَن سعى إلى الشكليات والمظاهر، وتجاهَل العمق والداخل وتنمية الذات.

6. عدم العطاء:

الشخص المكتئب هو شخص لم يؤمن بثقافة العطاء، واعتقد أنَّ العطاء ما هو إلَّا إرهاق لذاته وداخله، في حين أنَّ العطاء من أول أسباب السعادة على وجه الأرض، ولا يُقصد بالعطاء العطاء المادي فحسب؛ بل هو أيضاً العطاء المعنوي والنفسي؛ حيث ستتدفق السعادة إلى قلبك في كل مرة تضع فيها بسمة على وجه شخص، وفي كل مرة تزرع فيها خيراً في طريق شخص.

إقرأ أيضاً: قوّة العطاء

7. عدم القدرة على طلب المساعدة:

قد يكون السبب الأساسي للاكتئاب عدم قدرة الشخص على طلب المساعدة من الآخر، فقد يَعدُّ طلب المساعدة ضرباً من ضروب الضعف النفسي؛ لذلك يُحجم عنه حفاظاً على كرامته وعزة نفسه.

إقرأ أيضاً: كيف تطلب المساعدة عندما تخشى ذلك؟

علاج الاكتئاب المعطِّل:

1. بناء رسالة:

ابنِ رسالة لك، مشروعاً لك، وتبنَّ قضية ما، ابحث في ماضيك عن شغف لك وتمسَّك به، فمِن شأن ذلك أن يبني سعادتك وراحتك النفسية.

2. النفقات:

اضبط نفقاتك ضبطاً واعياً، فبدلاً من بذل المال في المظاهر والماديات والشكليات، ابذل مزيداً من المال في تنمية عقلك وذاتك وحياتك النفسية، وابنِ قيمتك الذاتية فهي المسؤولة عن انتشالك في لحظات الضعف.

3. القبول:

تقبَّل حياتك كما هي عليه، واسعَ إلى تغيير كل ما يمكنك تغييره، واعلم أنَّ الماضي ما هو إلا فرصة حقيقية لكي تتطور وتصبح أفضل على كل الأصعدة، وما المستقبل إلا صورة ذهنية نرسمها لحياتنا القادمة، تساعدنا على المحافظة على حماستنا وطاقتنا الإيجابية.

4. التحديد:

حدد الأمور التي ترفضها في الحياة، اكتب على كرَّاس لك هذه الأمور، واستشعر الأحداث المرفوضة، بكل ما تحمله من مشاعر سلبية، ومن ثمَّ ابكِ وفرِّغ كل الطاقة السلبية الناتجة عن الرفض وعدم القبول، ستشعر بالراحة لا محالة بعد قيامك بهذا العمل.

5. المساعدة:

اطلب المساعدة، وابنِ علاقات اجتماعية جيدة، فالحياة ناقصة من دون وجود أناس حقيقيين وصادقين، تشاركهم أحزانك وهمومك وأفراحك ومخاوفك.

6. المراقبة:

راقب أفكارك وكل ما يدخل في داخلك؛ حيث تساعدك عملية المراقبة على الانتباه للأفكار السامة التي تؤثِّر في حياتك من دون وعي منك، كما تضيف بعداً آخر إلى حياتك، بحيث تتحول إلى إنسان يتحمَّل مسؤولية كلماته وأفعاله، ولا يسمح للعشوائية بالسيطرة على حياته.

7. نسف المقارنات:

اعلم أنَّ لكل شخص قصته الخاصة، وبصمته الخاصة، فلا تضع نفسك في موضع مقارنة بأي شخص؛ بل اشتغل بذاتك، واحتفل بتجربتك وطوِّرها واصقلها، وستجد السعادة في طريقك.

8. بناء الحاجز:

عليك حماية مناعتك النفسية، من خلال الابتعاد عن أولئك الأشخاص من مُصدِّري الطاقة السلبية، الذين يتنافسون على إيصال الشكوى والتذمر والرفض لك، كما عليك تجاهُل أولئك ممِّن يمتصون طاقتك الإيجابية، كأن يجدوك في قمة النجاح والعطاء، فيقولون لك: "كيف لك أن تنجح في وسط كل هذه المنغصات؟"، "هل لديك مشكلات في الإحساس، بحيث لا تشعر بما يدور من حولك من متغيرات؟".

9. الأدوية:

آن الأوان للابتعاد عن الأدوية المضادة للاكتئاب، لما لها من آثار جانبية في جسم الإنسان، واللجوء إلى العلاج المعرفي السلوكي، القائم على تغيير الأفكار والمعتقدات التي يملكها الإنسان عن ذاته، بحيث يصبح مستبصراً بذاته واعياً لنقاط قوَّته وضعفه، وقادراً على إدارة حياته بالشكل الصحيح؛ لذا اعلم أنَّ كل الاضطرابات النفسية سببها إمَّا نقص في المعلومات، أو معلومات خاطئة، يرشدك المعالج النفسي إلى المعلومات الخاطئة التي تملكها عن نفسك والحياة، ويمدُّك بما ينقصك من معلومات لتكون أكثر كفاءة وفاعلية في الحياة.

الخلاصة:

السعادة قرار شخصي، نيَّة وعمل؛ لذا غيِّر الزاوية التي تنظر فيها إلى الأمور، وستتغير مشاعرك حيالها، ومن ثمَّ حياتك كلها.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة