ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المُدوِّن كريس ماسيمين (Chris Massimine)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في النجاح.
يتشابه البشر كثيراً، لكن من المؤكد هناك ما يميز كل شخص، وهناك رسالة لكل واحد منا يجب أن يؤديها.
ما أن وصلتُ إلى 34 من عمري كنتُ قد حققتُ مستويات عالية من النجاح الذي يُعجَب به بعض الناس، ويحسده بعضهم الآخر، كما مارستُ أنواع الترفيه كلها، وعشتُ جميع أنماط الحياة التي يمكِن أن تتخيلها، من المسرح إلى السينما، ومن البيع بالتجزئة إلى التكنولوجيا، وأيَّاً كان ما قمتُ به من عمل، صغيراً كان أم كبيراً، فلقد تركتُ أثراً إيجابياً لا يُمحى، وفي حين أنَّ جزءاً من موهبتي يتمثل في تحديد مواهب الآخرين وتنميتها، لكن في الحقيقة ينبع نجاحي إلى حد كبير من المساهمة في المشاريع ضمن مجال تخصصي ما يُسهِّل عليَّ الفوز، وذلك لأنَّ معرفة القيود التي تَحدُّ من نجاحك أمر بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بتحقيق أهدافك أو حتى تجاوزها، وفي طريقك إلى ذلك قد تطوِّر المهارات الخطأ، أو تهدر وقتك وطاقتك ومواردك في المكان الخطأ، وعلى أي حال تستطيع النجاح، وتحتاج أن تضع هدفك نصب عينيك، وتسعى إلى تحقيقه وتوليه اهتمامك، كما يمكِنك توفير بعض الجهد عندما تعمل بذكاء، مما يمكِنك من متابعة شغفك في أوقات فراغك، وإذا سرتَ في طريقٍ تتوقَّع أنَّه يجب عليك السير فيه من المُحتمَل جدَّاً ألَّا تنجح إن لم تكن صاحب موهبةٍ فريدةٍ من نوعها، وهنا تكون إدارة التوقعات - والتي تُعَدُّ أهم ميزةٍ لدينا - في ذروتها، والأسوأ من ذلك كله، أنَّ المضي بمسار عشوائي سيكلفك الكثير من الوقت، وطاقة يمكِن أن تنفقها بشكل أفضل في مكان آخر؛ إذ يُفضَّل ألا تمضي في منحىً لا يناسبك، ويجب أن تملك حساً قيادياً يوجه طاقتك للمكان الصحيح.
من الهام جداً أن تعرف نفسك؛ إذ تقول عالمة علم النفس التنظيمي "تاشا يوريتش" (Tasha Eurich) في كتابها "التبصر" (Insight)، "لدى 15% فقط من الناس وعي بأنفسهم"، فالبشر بطبيعتهم فضوليون، ويبدأ ذلك منذ الولادة عندما يكون كل شيء جديداً ومثيراً بالنسبة إلينا، وبينما نتطور من مرحلة الغريزة البحتة إلى اكتساب المنطق، نبدأ في الشك الذاتي، أو في التدمير الذاتي، حيث نبدأ في قبول الأمور مثلما هي، بدلاً من التطلع إلى كيف يمكِن أن تكون الأمور، فلقد وضع المجتمع تصوُّراً لما هو "صحيح" وما هو "ليس بصحيح" كدليل للكثير منا لقبول الأمور بالطريقة التي حددها مسبقاً، وبالطبع، الرضوخ للمجتمع غير محبَّذ عندما يتعلق الأمر بالتطور على الصعيد المهني أو الشخصي، لكن إذا كنتَ مستعداً لإجراء نقلة نوعية في حياتك، إليك التالي:
يقضي الأشخاص الواقعيون القليل من الوقت في الإبداع / الاختراع، بينما يقضي الأشخاص المثاليون وقتاً طويلاً في التنفيذ، وللمضي قدماً، تحتاج إلى تحقيق التوازن الصحيح بين التفكير والعمل الفعلي؛ إذ تختلف الصيغة لهذه النسب من شخص لآخر، فأنا أقضي حوالي 70% من وقت عملي في التفكير المركَّز، و 30% في العمل الفعلي والتي تعادل 90% من عملي اليومي، وإنَّه أحد أسرار العقل الباطن عندما نمارس التفكير العميق، ويمكِن أن يمر الوقت بلمح البصر ما لم نتعلم كيفية التعامل مع ذلك، أما إذا تعلمنا التحكم به سننجز الكثير خلال وقت قصير، فكل ما تحتاج إليه هو الممارسة، والطريق الوحيد للممارسة هو معرفة الكثير عن نفسك حتى يصبح لديك وعي ذاتي حقيقي.
قد يبدو لك هذا وكأنّه عمل مجهد رغم أنَّي قد طلبتُ منك أن تعمل بذكاء وليس بجد، وفي الحقيقة لن تصل إلى هدفك أبداً إذا لم تكن على استعداد لبذل الجهد كخطوة أولى، ولن تكون قادراً على الارتقاء إلى مستوى إمكاناتك المثلى دون اكتشاف الذات.
لو سألتَني فيما إذا كنتُ أشعر بالانزعاج، سأجيبك بأنَّي كذلك، لأنَّني أستمتع عند الاعتراف بنقاط ضعفي، وهذه المواقف تدفعني إلى التفكير قبل التصرف؛ وبالتالي لن أنساها، حيث يمنحك قبول نقاط الضعف في الواقع قوةً هائلة، لتحويل الحالات الغامضة إلى حالات أكثر وضوحاً، وستتعلم المزيد عن نفسك عندما تتواضع وتتقبل نقاط ضعفك، وستتعلم كيف تتصرف دون الخوف من عدم المعرفة، بدلاً من رد الفعل الغريزي المبني على تجربة ذاتية مسبقة.
تعتمد إمكانية تسريع هذه العملية على مدى استعدادك لتحليل كل شيء تعلَّمتَه حتى هذه اللحظة، وإذا كنتَ من الأشخاص الذين يستكشفون أفكاراً جديدة بوقت قصير، حتى لو لم يفهموا كل شيء في البداية، فستتعلم بسرعة، أما إذا كنتَ من النوع الذي يراقب التفاصيل كلها، فستحتاج المزيد من الوقت لتتعلم، ويمكِنك أيضاً طرح أسئلة هادفة مثل: ما هو شعورك تجاه نفسك؟ أو كيف ترى الواقع؟ ومتى تنجح، وما الآلية لذلك؟ وما الثغرات التي تعاني منها؟ وهل أنت صادق مع نفسك فيما يتعلق بالأمور الجيدة والسيئة على حد سواء؟
تتكون الاستفسارات الذاتية من التساؤل عما تعرفه بشكل سطحي بدلاً من التعمق فيها، فبإمكانك تدوين تلك التساؤلات في مُذكَّرة، لتُحوِّل الإجابات من تصوراتٍ إلى حقائق ملموسة، وتُدمج التفكير في العمل، وتستوعب كل ما ذكرناه آنفاً.
ستعرف بالفعل إجابات العديد من الأسئلة التي تسألها بالفطرة، وطبعاً من المحتمل ألَّا تسأل نفسك الأسئلة الصحيحة؛ لذلك لا تحصل على الرؤى الصحيحة التي تؤدي إلى الاكتشافات التي ستحتاجها لتحقيق النجاح، وبدلاً من ذلك، تسير في الطريق الخطأ طويلاً، حيث تتَّبع الآليات التي أدت لنجاح الآخرين بدلاً من الآليات التي تؤدي لنجاحك، وعندما تجيب بصدق عن الأسئلة، ستجد هدوءاً فريداً في ذهنك، وعندما تتقبل نقاط ضعفك، ستكون على الطريق الصحيح.
أضف تعليقاً