الأمراض النفسية الشائعة وتشخيصها

من المؤكد أنَّك عانيت مرة في حياتك على الأقل من الرعشة أو احتقان الأنف أو ألم في البلعوم أو السعال أو حتى الحمى؛ حيث تعرف حينها أنَّك إما مصاب بالرشح أو الإنفلونزا أو ربما فيروس ما ينتشر في الأرجاء؛ في جميع الأحوال، أيَّاً كانت الأعراض، لم تكن على ما يرام ولهذا حاولت معالجتها إما بالدواء أو تناول الحساء الدافئ أو كأس من الزهورات وبعض الراحة حتى تشعر بتحسُّن؛ لكنَّ البحث عن علاج لأعراض الأمراض النفسية أمر مختلف تماماً؛ إذ يبدو أنَّ هناك اختلاف كبير في نظرتنا إلى علاج الجسد والعلاج النفسي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان جارشور" (Evan Jarschauer)، والذي يُحدِّثنا فيه عن أكثر الأمراض النفسية شيوعاً، وكيفية التعرف إليها من أعراضها.

هناك شعور بالعار مرتبطٌ بالأمراض النفسية؛ حيث يواجه الناس عموماً صعوبة في الاعتراف بأنَّهم يعانون من مشكلة نفسية؛ فجميعنا نريد أن تبدو حساباتنا الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي رائعة تملؤها صورنا من رحلات مثيرة، وتناول أطباق طعام راقية، ونواكب آخر صيحات الموضة، وبالطبع صور وجوهنا المبتسِمة الملتقَطة من الزاوية المناسبة لنبدو جميلين.

نحن ننفر بطبيعتنا من مشاركة مشاعرنا الحقيقية أو التواصل مع شخص آخر على مستوى عاطفي، وخاصة حين نمر بوقت عصيب في حياتنا؛ ربما السبب هو أنَّنا نخشى التعبير عن مشاعرنا الصادقة العميقة؛ لأنَّ ذلك يجعلنا عرضة للأذية، أو ربما لأنَّنا لا نريد أن نكون عبئاً على الآخرين.

إضافة إلى ذلك، تعرَّض العديد من الأشخاص الذين عانوا من أمراض نفسية عبر التاريخ إلى النفي أو عاملهم المجتمع كمنبوذين؛ ونتيجة لذلك يتجنَّب العديدون اليوم طلب المساعدة حتى آخر لحظة كي يتفادوا استهزاء الآخرين أو نظرات الازدراء التي قد توجَّه نحوهم؛ والأسوأ من ذلك، عوضاً عن تحديد موعد مع معالج نفسي معتمَد، يلجأ هؤلاء إلى التداوي الذاتي باستخدام المخدرات أو الكحول ليتمكَّنوا من تحمُّل أعراض مرضهم.

نحن جميعاً نتمنَّى أن نتمتع بجسد وعقل سليمَين وأن نتمكَّن من التصرُّف باستقلالية دون الحاجة إلى الاعتماد على مساعدة أيِّ أحد أو شيء؛ لكن إذا كنت تعاني من أعراض مرض نفسي يجب عليك أن تستجمع عزيمتك وتعثر على طريقة لطلب المساعدة قبل أن تصل تلك الأعراض إلى درجة لا يمكنك السيطرة عليها.

وأخيراً، على الرغم من أنَّه يمكننا النظر إلى أي موقف نواجهه في الحياة بحيادية، لكنَّ هذا مستحيل حين يتعلَّق الأمر بتحديد نوع ومدى خطورة أعراض أمراضنا النفسية؛ وذلك لأنَّ طبيعة هذه الأمراض بحد ذاتها قد تشوِّش منظورنا؛ بمعنى آخر على الرغم من أنَّ أعراض المرض النفسي قد تكون موجودة، لكنَّك قد لا تستطيع إدراك ماهيتها؛ وذلك لأنَّ المرض يعوق قدرتك على ذلك.

أنا أعمل كمتدخِّل محترف في التشخيص المزدوج (dual-diagnosis interventionist) - المتدخِّل هو اختصاصي صحة نفسية يساعد على تشخيص المرض النفسي ووضع استراتيجية لعلاجه، ويتطلَّب المريض وجود متدخِّل على التشخيص المزدوج عندما يُشخَّص بمرض نفسي إضافة إلى كونه يتعاطى المخدرات - ومعالج نفسي معتمَد، وأتمتع بخبرة تمتد لعقدين من الزمن في مساعدة المرضى على محاربة أعراض الأمراض النفسية والإدمان، أضف إليها معرفتي الشخصية عن الموضوع؛ وأنا واثق، الآن أكثر من أي وقت مضى، أنَّك ستجد من المفيد تعلُّم كيفية التعرف إلى الأعراض المرتبطة بأكثر سبعة أمراض نفسية شيوعاً.

1. اضطراب ما بعد الصدمة (Post-traumatic Stress Disorder):

"اضطراب ما بعد الصدمة" (Post-Traumatic Stress Disorder) هو "اضطراب قلق" (anxiety disorder) يتصف باسترجاع ذكريات الماضي باستمرار والتعرُّض لكوابيس متعلِّقة بحدث أو أحداث كارثية تهدد الحياة عايشها الشخص أو كان شاهداً عليها؛ لتشخيص الفرد بهذا المرض، يجب أن تكون الأعراض شديدة لدرجة أن تؤثر في قدرته على أداء النشاطات اليومية وتلبية الالتزامات الشخصية، ومن الأعراض الشائعة لهذا المرض هي:

  • ذكريات متكررة وغير مرغوبة عن الحادث.
  • عيش لحظات من الحادث وكأنَّها تحصل الآن.
  • الكوابيس المتعلِّقة بالكارثة.
  • رد فعل جسدي على أمور قد تذكِّر بالحادث.
  • تجنُّب المحادثات المتعلقة بالحادث الأليم.
  • تجنُّب الأشخاص والأماكن والأمور التي تدفع إلى التفكير في الحادث.
  • الشعور باليأس.
  • فقدان الذاكرة الكامل أو الجزئي لأمور وقعت خلال الحادث أو متعلقة به.
  • الإحساس بعدم الارتباط في العلاقات.
  • تضاؤل الاهتمام بالأنشطة اليومية الطبيعية.
  • اليقظة المفرطة.
  • الإحساس بأنَّ هناك خطراً محدقاً طوال الوقت.
  • ضعف التركيز.
  • الانفعال.
  • الإجفال بسهولة.
  • الأرق.
  • التعاطي والإدمان.
  • السلوكات الخطيرة.
إقرأ أيضاً: ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟

2. اضطراب الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder):

"اضطراب الوسواس القهري" (Obsessive-Compulsive Disorder) هو اضطراب قلق يتصف بأفكار دائمة وغير مرغوبة يتبعها الحاجة إلى التصرف بناءً على تلك الأفكار بشكل متكرر؛ لتشخيص الفرد بهذا المرض، يجب أن تكون الأعراض شديدة لدرجة أن تؤثر في قدرته على أداء النشاطات اليومية وتلبية الالتزامات الشخصية، ومن الأعراض الشائعة لهذا المرض هي:

  • الشعور بالقلق حين يكون أي غرض ليس في مكانه أو ترتيبه الصحيح.
  • شكوك متكررة ومتعاقبة ما إذا كانت الأبواب موصدة.
  • شكوك متكررة ومتعاقبة ما إذا كانت الأجهزة الإلكترونية مطفأة.
  • مخاوف متكررة ومتعاقبة من العدوى أو التسمم.
  • تجنُّب التفاعلات الاجتماعية والخوف من ملامسة الآخرين.
  • الإفراط في غسل اليدين.
  • عد الأرقام.
  • تفقُّد الأشياء.
  • تكرار الأقوال.
  • ترتيب المقتنيات وفقاً لنظام صارم.

3. اضطراب الاكتئاب الشديد (Major Depressive Disorder):

"اضطراب الاكتئاب الشديد" (Major Depressive Disorder) هو "اضطراب مزاجي" (mood disorder) يتصف بنوبات اكتئاب تدوم لفترة تعوق خلالها الأداء الوظيفي؛ لتشخيص الفرد بهذا المرض، يجب أن تكون الأعراض شديدة لدرجة أن تؤثر في قدرته على أداء النشاطات اليومية وتلبية الالتزامات الشخصية، والأعراض الشائعة لهذا المرض هي:

  • شعور عارم باليأس والتعاسة.
  • فقدان الاهتمام وعدم الاستمتاع بالأنشطة التي كان يستمتع بها الشخص في العادة.
  • شعور عارم بالذنب وتدنِّي تقدير الذات.
  • اضطرابات النوم مثل الأرق أو النوم المفرط.
  • شعور عارم بالانفعال والعصبية.
  • ضعف التركيز.
  • فقدان الشهية أو إفراطها.
  • الأفكار الانتحارية.
إقرأ أيضاً: 6 طرق ترشدك إلى كيفية التعامل مع الشخص المزاجي

4. الاضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder):

"الاضطراب ثنائي القطب" (Bipolar Disorder) هو اضطراب مزاجي يتصف بتقلبات مزاجية لا يمكن السيطرة عليها من نوبات الاكتئاب الحاد إلى نوبات الابتهاج غير الطبيعي؛ لتشخيص الفرد بهذا المرض، يجب أن تكون الأعراض شديدة لدرجة أن تؤثر في قدرته على أداء النشاطات اليومية وتلبية الالتزامات الشخصية، ومن الأعراض الشائعة لهذا المرض هي:

  • تشتت الانتباه بسهولة.
  • تسارع الأفكار.
  • شعور مبالغ به بالثقة بالنفس يبعث على الابتهاج.
  • الانفعال بسهولة.
  • الإفراط في التحدُّث.
  • زيادة مستوى النشاط زيادةً ملحوظةً.
  • شعور عارم باليأس والتعاسة.
  • فقدان الاهتمام وعدم التلذذ بالأنشطة التي كان يستمتع بها الشخص في العادة.
  • شعور عارم بالذنب وتدنِّي تقدير الذات.
  • اضطرابات النوم مثل الأرق أو النوم المفرِط.
  • شعور عارم بانعدام الراحة والعصبية.
  • ضعف التركيز.
  • فقدان الشهية أو إفراطها.
  • الأفكار الانتحارية.

5. الفصام (Schizophrenia):

"الفصام" (Schizophrenia) هو "اضطراب فكر" (thought disorder) يتسم بانفصال بين المعتقدات والمشاعر والسلوكات، التي تسببها الهلوسات والأوهام؛ لتشخيص الفرد بهذا المرض، يجب أن تكون الأعراض شديدة لدرجة أن تؤثر في قدرته على أداء النشاطات اليومية وتلبية الالتزامات الشخصية، ومن الأعراض الشائعة لهذا المرض هي:

  • "وهام" (delusion) تصاحبه معتقدات خاطئة.
  • "هلوسات" (hallucination) تصاحبها إدراكات حسية غير موجودة في الواقع.
  • أفكار مشتتة وأنماط تواصل دون معنى وغير مفهومة.
  • السلوك العشوائي و"الجامود" (Catatonia) والوضعيات الغريبة والانفعال المفرط.
  • تبلُّد المشاعر.
  • تجنُّب ملاقاة أعين الآخرين.
  • عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية. 

6. فقدان الشهية العصابي (Anorexia Nervosa):

"فقدان الشهية العصابي" (Anorexia Nervosa) هو"اضطراب أكل" (eating disorder) يتصف بالرغبة الوسواسية في خسارة الوزن ورفض تناول الطعام والتمرُّن المفرط؛ لتشخيص الفرد بهذا المرض، يجب أن تكون الأعراض شديدة لدرجة أن تؤثر في قدرته على أداء النشاطات اليومية وتلبية الالتزامات الشخصية، ومن الأعراض الشائعة لهذا المرض هي:

  • خسارة الوزن إلى ما دون الحد الطبيعي.
  • المظهر الشاحب والهزيل.
  • تآكل الأسنان.
  • هزولة الشعر.
  • الإصابة بالدوار.
  • تجمُّع السوائل في الأطراف مما يؤدي إلى التورم.
  • الجفاف.
  • ترقُّق العظام.
  • تهيُّج الجلد عند مفاصل اليد.
  • التجويع الشديد للنفس.
  • الإفراط في ممارسة الرياضة.
  • إجبار المريض نفسه على التقيؤ.
  • الخوف غير المنطقي من اكتساب الوزن.
  • ارتداء طبقات من الملابس لإخفاء عيوب الجسد.

7. النهام العصبي (Bulimia Nervosa):

"النهام العصبي" (Bulimia Nervosa) هو اضطراب أكل يتصف بالرغبة في خسارة الوزن بسبب صورة مشوهة للجسم في ذهن المريض؛ حيث يستهلك كميات كبيرة من الطعام يتبعها التقيؤ الذاتي؛ لتشخيص الفرد بهذا المرض؛ يجب أن تكون الأعراض شديدة لدرجة أن تؤثر في قدرته على أداء النشاطات اليومية وتلبية الالتزامات الشخصية، ومن الأعراض الشائعة لهذا المرض هي:

  • التقيؤ الذاتي.
  • استهلاك كميات كبيرة من الطعام بهدف التقيؤ.
  • الخوف الدائم من اكتساب الوزن.
  • الإفراط في ممارسة الرياضة.
  • الاستخدام المفرط للمسهِّلات ومدرَّات البول من أجل خسارة الوزن.
  • التجويع الشديد للنفس.
  • مشاعر الخجل والندم.
إقرأ أيضاً: 6 علامات تدل على ضرورة استشارة الطبيب النفسي

في الختام:

من الاضطراب ثنائي القطب وحتى النهام والاكتئاب الشديد والاكتئاب الجزئي، هناك تشخيص نفسي للأعراض التي تعاني منها، وهناك أيضاً مجموعة من اختبارات التقييم الذاتي على الإنترنت التي يمكنك تجربتها، لكن إذا كنت تبحث عن تشخيص احترافي، أنصحك بحجز موعد مع خبير صحة نفسية في محيطك للحصول على قراءة شاملة ومؤكدة؛ فمثلها مثل الأمراض الجسدية، التشخيص المبكِّر وعلاج الأمراض النفسية يحسنان تحسيناً ملحوظاً فرص الشفاء؛ وكما قلت مسبقاً يستحيل أن ينظر الإنسان بطريقة موضوعية تماماً عند تشخيص الأعراض النفسية التي يعاني منها هو أو شخص يكترث لأجله.

علاوة على ذلك، على الرغم من أنَّ الصيدليات تحتوي على العديد من العقاقير التي يُدَّعَى أنَّ في إمكانها مساعدتك على النوم بسرعة ولمدة أطول، لكن لا تستطيع الأدوية حلَّ المشكلات التي تسبب هذه الاضرابات في النوم في الأساس؛ فكما تقول الكلمات الخالدة للمخترع "توماس أديسون" (Thomas Edison): "لا يوجد بديل للعمل الجاد"؛ لذا حاول أن تخصص وقتاً قدر الإمكان للاهتمام بنفسك، فأنت الوحيد القادر على مساعدة نفسك، وصحتك النفسية والجسدية هي رأس مالك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة