الآثار الخطيرة للمحليات الصناعية على صحة الجهاز الهضمي

بعد سنوات من التحري عن مخاطر المُحلِّيات الصناعية كتبتُ كتاباً بعنوان "الخداع الحلو: لماذا قد تكون المُحلِّيات من نوع "سبليندا" ومنتجات "نوترا سويت" ووثائق إدارة الغذاء والدواء خطرة على صحتك" (Sweet Deception: Why Splenda, NutraSweet, and the FDA May Be Hazardous to Your Health)، وقمت بنشره في عام 2006. ومنذ ذلك الوقت كنت أحذِّر العالم، وألفت نظرهم إلى الأدلة المتزايدة عن الضرر الذي تُشكِله المُحلِّيات الصناعية على الصحة من نواحٍ عدة، ووجد بحث جديد حالياً أنَّ تلف "ميكروبيوم" الأمعاء الناجم عن المُحلِّيات الصناعية أكبر مما كان يُعتقد سابقاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الطبيب "جوزيف ميركولا" (Joseph Mercola)، ويتحدَّث فيه عن أضرار المُحلِّيات الصناعية على الجهاز الهضمي.

وجد العلماء أنَّ ثلاثة من المُحلِّيات الصناعية الأكثر شيوعاً، ومنها "السكرالوز" مثل "سبليندا" (Splenda)، و"الأسبارتام" مثل: "نوترا سويت" (NutraSweet) و"إيكوال" (Equal) و"شوجر توين" (Suqar Twin)، و"السكرين" مثل: "سويت إن لو" (Sweet’n Low) و"نيكتا سويت" (Necta Sweet) و"سويت توين" (Sweet Twin) لها تأثير مُمْرِض في نوعين من بكتيريا الأمعاء.

استعمل البحث بيانات المختبر، ونُشِرَ في "المجلة الدولية للعلوم الجزيئية" (International Journal of Molecular Sciences)، وأظهرت البيانات أنَّ هذه المُحلِّيات الشائعة يمكن أن تُحفز البكتيريا المفيدة لتصبح مُسبِبة للأمراض، وربما تزيد خطر الإصابة بحالات صحية خطيرة؛ هذه هي الدراسة الأولى من نوعها التي أوضحت كيف يمكن أن يصاب نوعان من البكتيريا المفيدة بالمرض، ويغزوان جدار الأمعاء.

دُرِس نوعان من البكتيريا؛ البكتيريا الأولى تُسمى بـ "العصيات القولونية" والبكتيريا الثانية تُعرف باسم "المكورات المعوية البرازية"، ووجد الباحثون أنَّ "السكرالوز" قلَّل من عدد بكتيريا الأمعاء بنسبة 47,4% بالحد الأدنى، وزاد من مستوى الحموضة في الأمعاء، ووجدت دراسة أخرى أنَّ "السكرالوز" له تأثير أيضي في البكتيريا، ويمكن أن يمنع نموَّ أنواع معينة منها.

عبوتان فقط من المشروبات الغازية المُحلاة صناعياً يمكن أن تحوِّل البكتيريا المفيدة إلى بكتيريا ممرِضة:

وجد البحث الجزيئي الحالي الذي أجراه مجموعة من الباحثين في "جامعة أنجلينا روسكين" (Angelia Ruskin University)، أنَّه عندما أصبحت العصيات القولونية والمكورات المعوية البرازية مُسببة للأمراض، فقد هاجمت خلايا (Caco-2) - نوع من الخلايا يوجد في القولون والمستقيم وتُبطِّن جدار الأمعاء - وخضع "السكرالوز" سابقاً للكثير من الأبحاث، التي أظهرت حدوث تغيير في بكتيريا الأمعاء.

لكنَّ ما تتميز به الدراسة الحديثة، أنَّها أظهرت أنَّ مجرد تناول عبوتين من المشروبات الغازية المُضاف إليها أي نوع من المُحلِّيات الصناعية التي ذكرناها، يمكن أن يزيد زيادة كبيرة من قدرة العصيات القولونية، والمكورات المعوية على الالتصاق بخلايا (Caco-2)، وزيادة تطوير الأغشية الحيوية البكتيرية.

عندما تبني البكتيريا غشاءً حيوياً، فإنَّها تصبح أكثر قدرة على غزو جدار الخلية المعوية، إضافةً إلى أنَّ الأغشية الحيوية ترفع من مقاومة البكتيريا للعلاج، وتصبح البكتيريا أكثر قابلية للتحول إلى عامل مُمرض.

كل المُحلِّيات الثلاثة التي اختُبِرَت، حفَّزت البكتيريا على مهاجمة خلايا (Caco-2)، باستثناء نوع واحد من المُحلِّيات.

وجد الباحثون أنَّ "السكرين" لم يكن له تأثير كبير في العصيات القولونية، التي تغزو خلايا (Caco-2)، وقد تحدَّثت "هافوفي شيشر" (Havovi Chichger)، المحاضِرة الرئيسة في "جامعة أنجيلينا روسكين" عن نتائج الدراسة في بيان صحفي وقالت: "يمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى أن تهاجم البكتيريا الموجودة في الأمعاءِ الأمعاءَ نفسها؛ الأمر الذي يرتبط بحدوث العدوى والإنتانات والفشل في وظائف العديد من الأعضاء".

إقرأ أيضاً: 8 بدائل طبيعية يمكن استعمالها عوضاً عن السُكّر

المُحلِّيات الصناعية يمكن أن تهدم أهداف نظامك الغذائي:

لسوء الحظ أصبح تناول المُحلِّيات بالنسبة إلى الكثيرين نوعاً من الإدمان، بالإضافة إلى استمرار مجال صناعة الأغذية في إنتاج أطعمة شهية جداً وبأسعار زهيدة، وهذه الأغذية تمرُّ بمراحل عدة من العلاج الصناعي، وتكون مليئة بالسكر والمُحلِّيات الصناعية.

وهكذا فقد أصبحت صناعة الأغذية لها سوق عمل بحد ذاته، ومشاريعها مدِّرة للأموال، ويروَّج لهذه الأنظمة الغذائية على أنَّها منخفضة السعرات الحرارية، وصُنِّعت في المختبرات، وأنَّها تساعد على إنقاص الوزن.

وجدت إحدى الدراسات التي أُجرِيَت في "كلية معهد ميلكن للصحة العامة" (Milken Institute School of Public Health) في "جامعة جورج واشنطن" (George Washington University) في عام 2017، أنَّ هناك زيادة ملحوظة في عدد البالغين الذين استعملوا المُحلِّيات منخفضة السعرات الحرارية من عام 1999 حتى عام 2012 بنسبة 54%، وتمثِّل هذه النسبة 41,4% من مجموع البالغين في "الولايات المتحدة الأمريكية" (United States) في ذلك الوقت، أو ما يقارب 129,5 مليون شخص.

وقفز هذا العدد بحلول عام 2020 إلى 141,18 مليون؛ أي ما يمثِّل 42,6% من مجموع السكان.

يتَّضِح من هذه الأرقام أنَّ القفزة التي حدثت في أعداد البالغين الذين يستخدمون المُحلِّيات منخفضة السعرات الحرارية، التي حدثَت من عام 1999 حتى عام 2012، ظلت ثابتة حتى عام 2020، وربما يرجع ذلك في جزء منه إلى الأدلة المتزايدة على أنَّ المُحلِّيات منخفضة السعرات الحرارية، مثل "سبليندا" تساهم مساهمة كبيرة في تزايد عدد الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة.

ومع استمرار ارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة، وما يرتبط بها من ظروف صحية، فإنَّ المصنِّعين يبحثون عن "أغذية مُصَمَّمة تصميماً مثالياً" لزيادة الاستهلاك، ومن ثمَّ زيادة المبيعات.

فالسمنة بوصفها وباءً هي من تحديات الصحة العامة العالمية اليوم، وترتبط بـ 4,7 مليون حالة وفاة مبكِّرة في العالم خلال عام 2017، وتشير الأبحاث الحديثة إلى أنَّ المُحلِّيات الصناعية تساهم في مجموعة من الحالات الصحية أكبر مما عُرِف حتى الآن.

إقرأ أيضاً: فوائد النعناع الأخضر للجهاز الهضمي

التأثيرات الأيضية للمُحلِّيات الخالية من السعرات الحرارية:

من الضروري معرفة أنَّه مع أنَّ المُحلِّيات الصناعية تحتوي على سعرات حرارية قليلة جداً أو معدومة، فإنَّها تكون نشطة في عملية التمثيل الغذائي.

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) أنَّ "إدارة الغذاء والدواء الأمريكية" (FDA) أعلنت أنَّها حظرت استعمال "السكرين" في الأطعمة والمشروبات في عام 1977؛ وذلك لأنَّه مرتبط بتطور أورام المثانة الخبيثة في حيوانات المختبر.

ومع ذلك، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في وقت لاحق على استعمال "السكرين" مُتذرعةً بأنَّ النتائج التي توصَّلَت إليها لدى الفئران، ليست ذات صلة بالبشر، وأنَّ "السكرين" آمن للاستهلاك البشري.

لكن لمجرد أنَّ إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أعطت التصريح لشيء ما؛ فهذا لا يعني أنَّه جيد للصحة، فقد أوضحت العديد من الدراسات أنَّه يوجد ارتباط بين المُحلِّيات الصناعية، وازدياد خطر الإصابة بالسمنة، ومقاومة الأنسولين، ومرض السكري من النوع 2، ومتلازمة التمثيل الغذائي.

وخاصةً أنَّه قُدِّمت ورقة بحثية، ونُشِرَت في مجلة "فيزيولوجي آند بيهيفر" (Physiology and Behavior)؛ تُظهر ثلاث آليات تعمل من خلالها المُحلِّيات الصناعية على تعزيز الخلل في التمثيل الغذائي، وهي كالآتي:

  • تتداخل المُحلِّيات الصناعية مع الاستجابات المُكتسبة، التي تساهم في التحكم بالجلوكوز وتوازن الطاقة، وتؤدي إلى تدمير الجراثيم المعوية، والتحريض على عدم تحمُّل الجلوكوز، وتتفاعل مع مستقبلات الطعم الحلو التي توجد في جميع أنحاء الجهاز الهضمي، التي تؤدي دوراً في امتصاص الجلوكوز وتحفيز إفراز الأنسولين.
  • كما أظهرت الدراسات السابقة والحديثة، فإنَّ المُحلِّيات الصناعية لها تأثير مختلف تماماً في ميكروبيوم الأمعاء، وهذا التأثير يفوق كثيراً تأثير السكر؛ فإذا كان السكر ضاراً لأنَّه يغذي الميكروبات الضارة، فإنَّ تأثير المُحلِّيات الصناعية أسوأ بدرجات؛ إذ تُعَدُّ ذات تأثير سام في بكتيريا الأمعاء.
  • أُجرِيَت دراسة واحدة على الحيوانات ونُشِرَت في مجلة "موليكيولز" (Molecules) لتحليل ستة مُحلِّيات صناعية، ومن ذلك "السكرين" (saccharin)، و"السكرالوز" (sucralose)، و"الأسبارتام" (aspartame)، و"النيوتام" (neotame)، و"أدفام" (advantame)، و"أسيسولفام البوتاسيوم - ك" (acesulfame potassium-K)

وأظهرت البيانات أنَّها تسببت جميعها في تلف الحمض النووي، وتداخلَت مع النشاط الطبيعي والصحي لبكتيريا الأمعاء.

المشروبات المُحلاة صناعياً تزيد من خطر الوفاة المُبكِّرة:

وجدت إحدى الدراسات التي استغرقت 20 عاماً، التي شملت 451743 شخصاً من 10 دول أوروبية، أنَّ هناك ارتباطاً بين المشروبات المُحلاة صناعياً والوفيات، وقد استبعد الباحثون من النتائج الأشخاصَ الذين أصيبوا سابقاً بالسرطان أو السكتة الدماغية أو السكري.

وكان 71.1% من المشاركين في الدراسة من النساء، وأظهرت النتائج ارتفاع معدل الوفيات لأسباب مختلفة لدى الأشخاص الذين شربوا كأسين أو أكثر كل يوم من المشروبات الغازية، سواء كانت مُحلاة بالسكر أم بالمُحلِّيات الصناعية.

قاس الباحثون كوباً واحداً بما يعادل 250 مليلتر، وهي كمية أقل من التي تُباع؛ إذ تحتوي العُلبة على 330 مليلتر؛ وهذا يعني أنَّ الدراسة استندت إلى كمية أقل من عبوتين في اليوم.

ووجد الباحثون أنَّ 43.2% من الوفيات كانت بسبب السرطان، و21.8% بسبب أمراض الدورة الدموية، و2.9% بسبب اضطرابات الجهاز الهضمي، وبالمقارنة مع أولئك الذين شربوا كمية أقل من المشروبات الغازية؛ أي أقل من علبة واحدة في الشهر؛ فإنَّ أولئك الذين يشربون عبوتين أو أكثر يومياً كان أغلبهم صغاراً في السن، ومدخنين ونشطين بدنياً.

وأظهرت البيانات أنَّ هناك صلة بين المشروبات الغازية المُحلاة صناعياً والوفاة بسبب أمراض الدورة الدموية، وأنَّ هناك علاقة بين المشروبات الغازية المُحلاة بالسكر والوفاة بسبب أمراض الجهاز الهضمي.

وهذا يوضِّح أنَّ الاستراتيجية التي تهدف إلى تقليل استهلاك السكر، قد يكون لها عواقب وخيمة عندما يستبدل المصنِعون السكر بالمُحلِّيات الصناعية.

آثار صحية أخرى مُرتبطة بالمُحلِّيات الصناعية:

الدراسة نفسها وجدت أيضاً ارتباطاً بين تناول المشروبات الغازية وداء باركنسون.

"الأسبارتام" من المُحلِّيات الصناعية أيضاً، دُرِس في العقود الماضية، وفي إحدى الدراسات طلب الباحثون من مجموعة من البالغين الأصحاء اتباع نظام غذائي غني بـ "الأسبارتام" لمدة ثمانية أيام، ثمَّ يليه عملية تنظيف لمدة أسبوعين، ثم اتباع نظام غذائي منخفض "الأسبارتام" لمدة ثمانية أيام أيضاً.

عانى الأفراد من الاكتئاب والصداع وسوء الحالة المزاجية؛ وذلك خلال الفترة التي اتبعوا فيها نظاماً غذائياً مرتفع "الأسبارتام"، وكان أداؤهم سيئاً في اختبارات التوجيه المكاني؛ وهذا يشير إلى أنَّ "الأسبارتام" له تأثير كبير في الصحة العصبية السلوكية.

وقيَّمت دراسة ثانية ما إذا كان الأشخاص المصابون باضطرابات المزاج، المُشخصة تشخيصاً طبياً أكثر حساسية لتأثيرات "الأسبارتام".

تضمَّنت الدراسة 40 شخصاً يعانون من الاكتئاب أحادي القطب، وآخرون ليس لديهم تاريخ من الاضطرابات النفسية، وقد أُوقِفَت الدراسة بسبب الاعتراض الشديد عليها، وردود الفعل الشديدة.

كما أنَّه ظهرت على الفئران التي تتغذى بمياه الشرب المليئة بـ "الأسبارتام"، أعراض مُتلازمة التمثيل الغذائي، ووجدت دراسة أخرى على الحيوانات أنَّ "الأسبارتام" له تأثير سلبي في تحمُّل الأنسولين، ويؤثر في التركيب الميكروبي في الأمعاء.

وتوصلت دراسة أخرى أُجرِيَت على الحيوانات، إلى أنَّ "السكرالوز" يؤثر في الكبد الحيواني؛ وهذا يشير إلى وجود تأثيرات سامة في عملية الهضم المنتظمة، وتشير الدراسات إلى أنَّه يجب تناوله بحذر لتجنب تلف الكبد.

وجد العلماء قائمة طويلة من الأعراض المرتبطة باستهلاك "السكرالوز"، وقد اشتملت على الصداع النصفي، وزيادة خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وتضخم الكبد والكلى.

شاهد بالفديو: أسوأ خمس مشروبات يمكن أن يتناولها الأشخاص المصابون بالسكري

البديل الطبيعي للسكر له تأثير رائع في مستوى سكر الدم:

هناك العديد من البدائل النباتية للسكر، ومنها "الستيفيا" (stevia)، وعشبة "لو هان كو" (Lo Han Kuo)، و"الأليلوز" (allulose).

وعشبة "الستيفيا" هي عشبة حلوة الطعم، وموطنها الأصلي هو "أمريكا الجنوبية" (South America)، وتُباع كمُكمِّل غذائي، ويمكن استعمالها لتحلية معظم الأطباق والمشروبات.

وعشبة "لو هان كو" مشابهة لعشبة "الستيفيا"، لكنَّها أغلى قليلاً، والخيار الطبيعي الثالث هو "الأليلوز"، ومع شهرته في "اليابان" (Japan)، فإنَّه غير معروف تقريباً في الغرب.

عُثِر على مادة "الأليلوز" بكميات قليلة في بعض الفواكه، وقد صُنِّفت عموماً على أنَّها آمنة من قِبل "إدارة الغذاء والدواء".

وقال الباحثون إنَّ هذه المادة خالية تقريباً من السعرات الحرارية؛ وهذا يعني أنَّ هذا السكر النادر قد يكون مفيداً بوصفه مُحلياً للأشخاص الذين يعانون من السمنة المُفرطة، ويساعدهم على إنقاص الوزن.

بالإضافة إلى أنَّ "الأليلوز" خالٍ تقريباً من السعرات الحرارية، فإنَّه يثير استجابة فيزيولوجية قد تساعد على خفض نسبة الجلوكوز في الدم، وتقليل الدهون في البطن، وتقليل تراكم الدهون حول الكبد.

المصدر




مقالات مرتبطة