أقسى الضغوطات التي نتعرض لها في الحياة وبعض النصائح للتعامل معها

الضغوطات الكبيرة في الحياة هي تلك التي نخشى جميعاً أن نتعرض لها في مرحلةٍ ما، فقد تحرمنا السيطرة على كل شيء في حياتنا، وتغيِّر شخصياتنا ونظرتنا إلى العالم إلى الأبد، لكن يمكن أيضاً أن نخرج منها أقوى إذا عرفنا كيف نتعامل معها.



نعلم جميعاً أنَّ التوتر جزء من الطبيعة البشرية، الجزء الذي يرغب معظمنا بالتخلُّص منه، ويتفاوت تأثير التوتر من شخص لآخر باختلاف سِمات الشخصية والحالة المزاجية والطريقة التي نستجيب بها للمواقف التي تؤدي إلى التوتر.

فيما يكون بعض الأشخاص أكثر مرونةً، فإنَّ بعضهم الآخر أكثر حساسية وتأثراً بالتوتر، لكن بمقدورنا اتخاذ إجراءات تُحسِّن من مرونتنا في مواجهة التوتر، وذلك بحسب ما تشير إليه الدراسات، ونُشير بتحفظ إلى أنَّ أحد هذه الإجراءات تُسمى "التحصن من التوتر".

أكثر 10 أحداث إثارةً للتوتر في الحياة:

قبل أن نناقش كيف نطوِّر مرونتنا ونتعامل مع الضغوطات، يجب أولاً أن نعرف ما هي هذه الضغوطات، وفيما يأتي سنذكُر أقسى 10 ضغوطات قد يتعرَّض لها الإنسان:

1. موت شخص عزيز:

يُعدُّ هذا أقسى حدث قد يعيشه الإنسان، وهو عندما يموت شخص عزيز علينا، ففي هذه الحالة نشعر بفيض من المشاعر، ونواجه صعوبةً في تخيُّل أنَّنا سنتمكن من متابعة حياتنا دون هذا الشخص، ولكون الحزن واحد من المشاعر بالغة التعقيد ويختلف من شخص لآخر، فإنَّ التعامل مع حادثة موت شخص مقرَّب يتطلَّب الصبر والتفهُّم والتعاطف مع الذات.

2. الطلاق أو الانفصال:

يمكن أن يكون الطلاق أو الانفصال صدمة نفسية لأسباب عدة، فهو يسبب لمعظمنا شعوراً بالعجز وإحساساً بالخذلان والارتباك وجروح عاطفية، وهو في ذلك يشابه موت شخص عزيز؛ إذ يشعر الشخص بأنَّه يكاد يكون مستحيلاً أن يكمل حياته دون الشخص الذي انفصل عنه.

3. بيع المنزل أو شراء منزل جديد:

إنَّ بيع أو شراء منزل أو الانتقال من منزل إلى آخر، قد يسبِّب ضغوطات تؤثِّر في أكثر الناس هدوءاً، لذلك ليس غريباً أن يصرِّح 40% من الأمريكيين أنَّ شراء منزل هو أكثر الأحداث التي تسبِّب توتراً في حياتنا العصرية.

4. المرض أو الإصابة الشديدة:

يمكن لهذه الحادثة التي تشكِّل مرحلة مفصلية في الحياة أن تؤثِّر فينا بقوة من خلال نواحٍ عدة، فمن ناحية تتأثر قدرتنا في العمل، ثمَّ في كسب المال، كما يتأثر تفاعلنا مع المجتمع ومدى مساهمتنا فيه ووصفنا أشخاصاً فاعلين، ناهيك عن الشعور بعدم اليقين بشأن المستقبل والشعور بالضيق بسبب الاعتماد على الآخرين.

5. خسارة الوظيفة:

عندما يخسر الشخص عمله فإنَّه يشعر كما لو أنَّه خسر جزءاً من هويته، خاصةً في هذا الزمن؛ إذ أول سؤال يُطرح عليك: "ما هو عملك؟"؛ إذ تؤثِّر خسارة العمل في قدرتنا على تأمين موارد العيش لأنفسنا ولعائلاتنا، ما يسبِّب حالة من عدم اليقين عن المستقبل، وتعزز مشاعر انعدام الأمان.

إقرأ أيضاً: الأمان الوظيفي: أهميته، وإيجابياته، والعوامل التي تؤثر عليه

6. الزواج:

الزواج حدثٌ سارٌّ، لكنَّه لطالما كان حالة تتطلب منَّا كثيراً من الجهد من أجل التكيُّف مع الوضع الجديد، فقد يكون من الصعب بالنسبة إلى بعضهم تعلُّم العيش مع شخص آخر، والاعتياد على الحياة الزوجية، بما في ذلك المسؤوليات الجديدة وتزايد المتطلبات.

7. تزايد الأعباء المالية ووجود قرارات مالية هامة:

يمكن أن يؤدي تحمُّل كثير من الأعباء المالية واتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالمال إلى شعورنا بعدم الأمان والقلق، بسبب ما ينتج عنها من شعور بعدم الوفرة وانخفاض في تقدير الذات.

علاوةً على ذلك، فإنَّ تقلُّص هامش الحرية في الحياة الوظيفية والشعور بالحاجة دوماً إلى بذل جهود مضاعفة للوفاء بالالتزامات المالية، يمكن حقاً أن يجعلا أكثر الأشخاص هدوءاً يصاب بالتوتر لدرجة الأرق المزمن.

8. التقاعد:

قد يكون التفكير في التقاعد أمراً مُمتعاً، فمعظمنا يخطِّط طوال حياته لهذه اللحظة؛ فنتوقع أنَّنا سننعم أخيراً بحياة دون عمل، لكن في الوقت نفسه، قد يحمل هذا التغيير توتراً بالنسبة إلى الشخص المتقاعد، بسبب التحول في الحياة والهوية، فقد تكون فكرة الحصول على دخل ثابت وإدراك أنَّك في سنِّ التقاعد أمراً مرهقاً من الناحية النفسية.

9. واجب الرعاية تجاه مسن أو مريض:

هذه الحالة ليست مرهقة من الناحية العاطفية والجسدية فحسب، بل قد تصل عواقبها إلى حدود كارثية بالنسبة إلى الشخص الذي يقدِّم الرعاية، فمع ازدياد المسؤولية ازدياداً كبيراً على مدار الساعة، فإنَّ معظم مقدِّمي الرعاية لا يتمكَّنون من تقديم العناية الكافية لأنفسهم، وهذا يزيد كثيراً من احتمال إصابتهم بمشكلات صحية بدنية ونفسية.

10. حادث مأساوي مثل كارثة طبيعية، جريمة وغيرها:

تفوق الصعوبات التي تترافق مع هذه الحوادث ما يمكن تعداده هنا، لكن عموماً تنشأ كلها من شعور الضحية بالعجز.

كيف نتعامل مع التوتر؟

نظراً لأنَّ تأثير التوتر يتفاوت ويختلف من شخص لآخر، فإنَّ الحلول الناجعة أيضاً تتفاوت من شخص لآخر، وهذا يعني أنَّه لا توجد استراتيجية أو حل يلائم جميع الأشخاص؛ إذ يُعَدُّ برنامج التعامل مع الضغوطات المُصمَّم استراتيجياً على أساس حاجات وظروف واستجابة كل فرد، هو أفضل الحلول وأكثرها فاعليةً، ومن الهام أن نلاحظ أنَّ حُسن إداراتنا لضغوطات حياتنا اليومية تدلُّ على مقدار حُسن إدارتنا للأحداث المتغيرة في حياتنا.

فالمثابرة على تطبيق العادات الصحية هي حجر الأساس في إدارة الضغوطات، فالانتظار حتى وقوع حدث صادم، ثمَّ تنفيذ استراتيجيات إدارة الضغوطات، يقلِّل من فاعلية هذه الاستراتيجيات.

يشبه الأمر المنافسة في الألعاب الرياضية، فإذا لم تكن مثابراً في التدريب، فليس من الوارد أن تصل إلى المراحل النهائية في المنافسة، وينطبق الشيء نفسه على إدارة الضغوطات، فإذا انتظرت حتى وقوع حدث صادم، ثمَّ حاولت تطبيق عادات جديدة، فقد يكون الحصول على النتيجة المرجوة أمراً شبه مستحيل.

شاهد بالفديو: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟

فيما يأتي 12 نصيحة عن كيفية التعامل مع الضغوطات في الحياة بأسلوب فعَّال:

1. كن واعياً لمشاعرك:

كن واعياً لمشاعرك، واسمح لنفسك بمعالجة العواطف التي تقتصر على الحدث الصادم، وهذه النقطة هامة جداً لإدارة الضغوطات؛ إذ يمكن أن تثير هذه الأحداث عواطف عاصفة، وستتمكَّن من خلال الوعي بهذه العواطف والسماح لنفسك بالتعبير عنها من المضي قُدماً.

قد تكون أنت من النوع الذي يحب الكتابة، أو التحدُّث مع صديق عمَّا ينتابك، أو التعبير عنها بالرسم، أمَّا إذا لم تكن متأكِّداً من الطريقة التي تناسبك في التعبير عن مشاعرك، فاختر طريقة ما وجرِّبها لمدة تتراوح بين خمس إلى عشر دقائق، ومن ثمَّ قرِّر إمَّا المتابعة أو اختيار طريقة أخرى.

2. تحدَّث مع نفسك:

الحديث مع الذات هام جداً بوصفه جزءاً من عملية تفسير ما نمرُّ به من ضغوطات وكيف تنعكس على ذواتنا، لذا تحدَّث مع نفسك عن عواطفك ومشاعرك، لكن احذر من استخدام عبارات سلبية أو إطلاق أحكام على نفسك عن الموقف أو كيفية تعاملك معه، فهذا يزيد من الضغوطات لديك.

حاول التوقف عن إعطاء تعليقات سلبية، وكن لطيفاً مع نفسك، واستمر بتشجيعها عندما تمرُّ بهذا الوقت العصيب في حياتك تماماً كما لو كنت تشجِّع صديقاً أو شخصاً عزيزاً عليك.

3. تناوَل طعاماً صحياً:

يساعد الغذاء الصحي على دعم جهاز المناعة، ويرفع مستويات الطاقة، ويساعد على تنظيم مستويات الكورتيزول، فمن المُلاحظ أنَّنا عندما نشعر بالتوتر، فإنَّنا نشتهي تناوُل الأطعمة التي تخفِّف من التوتر آنياً، إلا أنَّها تكون سيئة على الأمد الطويل، مثل السكريات والأطعمة المُصنَّعة؛ لذا استبدل هذه الخيارات بالأطعمة المفيدة للصحة، مثل: الوجبات الغنية بالبروتين، والأطعمة الغنية بفيتامين ب.

إقرأ أيضاً: كيف نتخلص من التوتر والإجهاد باستخدام الأطعمة الطبيعية؟

4. حافظ على رطوبة الجسم:

أكثر ما يجب أن تحذره عندما تشعر بالتوتر هو أن تُصاب بالجفاف؛ إذ يمكن أن يسبِّب الجفاف حتى لو كان خفيفاً الشعور بالقلق والاكتئاب وانخفاض الطاقة وصعوبة في التفكير بوضوح.

5. احصل على قسط وافر من النوم:

نحن قادرون على إجبار أنفسنا على شرب المياه، لكنَّ الأمر ليس بهذه السهولة عندما يتعلَّق النوم في لحظات التوتر؛ إذ نقع في دوَّامة من التفكير.

فقد يساعد الحصول على قسط كافٍ من النوم على تسهيل عملية إدارة الضغوطات والتعافي من الحدث الصادم بسرعة أكبر، لكن كما قلنا ليس الأمر بهذه السهولة، فقد يكون من المفيد أن نذكُر أنَّ التصميم على الحصول على قسط وفير من النوم يساعد حقاً على ذلك.

6. مارِس التمرينات الرياضية:

يوجد كثير من الأبحاث التي تدعم حقيقة أنَّ ممارسة التمرينات الرياضية تساعد على التعامل مع التوتر؛ إذ ثَبُت أنَّ النشاط البدني يزيد من تدفق الأندروفين، وهو الهرمون المسؤول بشكل أساسي عن تسكين الألم، ويحسِّن جودة النوم، ويرفع الحالة المزاجية، ويمنح صفاءً ذهنياً، ويساعد على التخلص من الآثار السلبية للإجهاد.

شاهد بالفديو: 6 إرشادات هامة لتحسين الحالة المزاجية

7. اختر البيئة والأشخاص الذين تتعامل معهم:

وهذا يشمل بيئتك المكانية والأشخاص الذين تتعامل معهم، والبرامج التلفزيونية التي تشاهدها وحتى الأخبار التي تقرأها، وهذا هو أحد مبادئ المرونة العصبية؛ فأدمغتنا مثل قطعة إسفنج، تمتصُّ كل ما تتعرَّض له، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ما يتلقاه دماغنا يشكِّل بدوره عالمنا الداخلي.

لذلك عندما يتعامل دماغك مع بيئات وأشخاص هادئين ومسالمين ولطفاء، فإنَّه يتلقى ذلك ويعكسه على داخلك لتشعر بالسلام، في حين إذا تركت دماغك عرضة للتعامل مع أشخاص أو بيئات سامَّة، فإنَّه سيمتصُّ السموم أيضاً، وستنعكس داخلك بمزيد من المشاعر السلبية.

8. ضع حدوداً صارمة:

يجب معرفة ما يمكنك تحمُّله خلال الأوقات العصبية، ووضع حدود وقيود صارمة والالتزام بها وعدم تجاوزها، من أجل تجنُّب الوصول إلى مرحلة الانهيار.

فلا تخجل من التصريح عن رغباتك وحاجاتك في هذه المرحلة، فمن المُفترض أنَّ الآخرين سيتفهمون وضعك، أمَّا إذا لم يفعلوا فلا يتبقى سوى التعبير بصراحة عن الحدود التي وضعتها والالتزام بها بصرامة.

9. مارِس تمرينات التأمل والتنفس والاسترخاء:

مارِس تمرينات اليقظة الذهنية خلال يومك لتزيد من تركيزك وتقلِّل من التوتر، فقد أظهرت الدراسات أنَّ هذه التمرينات تغيِّر بطريقة ملحوظة من نشاط الدماغ، وبطريقة خاصة تزيد من نشاط المناطق المسؤولة عن الانتباه والتنظيم العاطفي.

10. تواصَل مع الأشخاص الذين تثق بهم:

تواصل مع الآخرين، فقد أثبتت التجارب والدراسات أنَّ التواصل مع الأشخاص الذين نثق بهم يُعَد وسيلة فعَّالة في إدارة الضغوطات، ولأنَّه يعزِّز مشاعر الثقة والأمان والراحة ويقلِّل من استجابة الجسم للتوتر.

11. اتَّبِع روتيناً ثابتاً قدر الإمكان:

يساعد عدم خروج أحداث حياتك اليومية عن المتوقع على تقليل القلق والتوتر، إضافةً إلى ذلك فالروتين يمكن أن يكون مُمتعاً ومعزِّزاً للصحة البدنية والنفسية عموماً.

إقرأ أيضاً: كيف تغيّر الروتين اليومي بسهولة

12. تقبَّل التوتر:

تُظهر إحدى الدراسات الحديثة التي قامت بها الأستاذة المساعدة في كلية علم النفس في "جامعة ستانفورد" (Stanford University) "علياء كروم" (Alia Crum) أنَّه من الضروري تقبُّل التوتر بوصفه رد فعل طبيعي على الحدث الصادم.

توصي "كروم" بأن نعمل جاهدين على تقبُّل التوتر، وقد يبدو هذا الطرح غريباً بعض الشيء للوهلة الأولى، لكنَّ تقبُّل التوتر أمرٌ هامٌّ، لأنَّ الطريقة التي ننظر بها للتوتر تؤثَّر في كيفية تعاملنا معه في النهاية.

لذلك، توصي "كروم" بمحاولة تبنِّي عدة معتقدات عن التوتر مثل، الإيمان بقدرتنا على التعامل مع التوتر، والنظر إلى ما حدث بوصفه فرصة للتعلُّم وتطوير الذات، وفي النهاية والأهم من كل ذلك النظر إلى التوتر على أنَّه جزء طبيعي من الحياة، واعتماداً على ما تعتقده عن التوتر فإنَّك تكون قادراً على تطبيق ما يُسمَّى تحصين النفس ضد التوتر والضغوطات.

فقد اتضح أنَّه بعد الحدث الصادم تقوم أدمغتنا بإعادة هيكلة للمعتقدات والسلوكات التي اعتدنا عليها، وتستمر عملية إعادة الهيكلة هذه لساعات عدة، فتخلق مسارات عصبية جديدة في الدماغ، تساعدنا على التعامل مع الحدث الصادم في المرة المقبلة، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنَّ الدراسات تُظهر أنَّه عندما ننظر إلى التوتر على أنَّه ضار، فمن المرجَّح أن نتجه نحو وسائل سيئة للتكيف، مثل الكحول والمخدرات.

في الختام:

لأنَّنا بشر، فمن المحتمل أن نواجه بعض الأحداث الكبيرة التي تغيِّر حياتنا، فلا يمكن لأي شخص الاستعداد لهذه الأحداث تماماً، لكنَّ اتباع عادات يومية جيدة، يمكن أن يسهِّل عملية التعافي من الصدمة.

ففي بعض الأحيان، يمكن أن تصل الضغوطات إلى مراحل مرهقة جداً، وفي هذه الحالة يُرجى التأكد من إخبار طبيبك بما تشعر به والتواصل معه للحصول على المساعدة إذا كنت تحتاج إليها.

المصدر




مقالات مرتبطة