يبدو أنَّ كل شيء جديد سيئ - سواء كان حدثاً شخصياً بسيطاً نتعامل معه بهدوء، أم حدثاً عالمياً سيئاً - يحمل في طياته عبء كل الأمور السيئة التي حدثت قبله، ونتيجةً لذلك، نشعر جميعاً بالانزعاج مراراً وتكراراً، ويصبح الأمر مُرهقاً.
إذا كنت تشعر بهذه الطريقة أيضاً، فأنت بالتأكيد لست الوحيد؛ حيث يقول جور-إل كارابالو (Jor-El Caraballo)، المستشار في مجال الصحة النفسية والطبيب النفسي وأحد مؤسِّسي شركة العلاج النفسي فيفا ويلنيس (Viva Wellness) في بروكلين (Brooklyn)، لمجلة سيلف (SELF): "نحن نعاني من التأثير التراكمي للعديد من المشكلات واسعة النطاق ونواجهه في وقت واحد، وسواء كانت السياسة أم واقع الوباء أم الظلم العنصري والعنف ضد السود، فنحن لم نشهد بالفعل أي فترات تحرُّر هامة".
كل ما سبق له تأثير في أدمغتنا وقدرتنا على التعامل؛ حيث تقول الدكتورة أندريا بونيور (Andrea Bonior)، عالِمة النفس ومؤلفة كتاب "التخلص من الأفكار السامة" (Detox Your Thoughts) لمجلة سيلف (SELF): "نحن عادةً عندما نواجه تهديداً ما، نشعر بالخوف والتوتر ونعاني من ردود فعلنا؛ لذلك، نأمل أن نستخدم استراتيجيات تأقلم جيدة للتغلب على تلك التهديدات، ولكن على أقل تقدير، سيزول التهديد في النهاية ويمكن أن تعود استجابتنا الفيزيولوجية للتوتر إلى الوضع الطبيعي، والفرق هنا هو أنَّنا لم نحتاج إلى العودة إلى الوضع الطبيعي؛ ولكن كل شيء يتراكم على أي حال".
كل ما يحدث منطقي ولكنَّه محبط نوعاً ما، وغالباً ما نجد أنفسنا قد وصلنا إلى نقطة الانهيار، وتستمر الأمور في الظهور، إذاً ماذا سنفعل؟ على الرغم من عدم وجود نصائح سهلة للصحة النفسية لجعل الأمور تسير بصورة مناسبة عندما لا نتمكن من أخذ قسط من الراحة، إلا أنَّه يوجد أمور صغيرة يمكننا القيام بها للاعتناء بأنفسنا في ظروف قاسية؛ لذا نقدم لك فيما يلي 9 نصائح لصحتك النفسية، نأمل أن تساعدك حتى لو جعلتك أقل شعوراً بالوحدة فقط:
1. احصل على قسط كافٍ من النوم:
إذا كنت ستعطي الأولوية لإحدى استراتيجيات الرعاية الذاتية، فيجب الحصول على قسط كافٍ من النوم، وقد يبدو هذا الأمر بسيطاً، لكنَّه يؤثر في صحتك النفسية كثيراً؛ حيث تقول بونيور: "كلَّما قلَّ عدد ساعات نومنا، زادت حساسيتنا للتهديد، فنحن نشعر بالكثير من القلق، وننظر إلى الأمور نظرة أكثر سلبية؛ إنَّها استجابة للوضع الحالي المرتبط بالوباء، لذلك إذا كنت لا تحصل على قسط كافٍ من النوم، فسيرى جسمك كل أمر على أنَّه تهديد لحمايتك".
لا بُدَّ أنَّ شعورك بالتوتر والقلق من كل أمر يجعل نومك متقطعاً؛ لهذا السبب، إنَّ إعطاء الأولوية للنوم ليس بالأمر السهل تماماً، لكنَّ الأمر يستحق بذل جهد إضافي للحرص على أن يكون نومُك منتظماً قدر الإمكان، سواء كان ذلك من خلال تعديل الوقت المخصص لاستخدام الأجهزة الذكية، أم زيادة تمرينات الاسترخاء قبل النوم، أم التحدُّث إلى طبيبك عن الخطوات الأخرى التي يمكنك اتخاذها؛ لذا ابدأ بهذه النصائح المتعلقة بالنوم متجاهلاً مشكلات القلق المرتبطة بالوباء.
2. لا تجلد ذاتك من أجل ما يجب وما لا يجب أن تشعر به:
يوجد الكثير من الكلام حول الطريقة التي تناسبنا للتكيف مع الوضع الطبيعي الجديد والعيش في ظل الوباء، وبالنسبة إلى الكثيرين فإنَّ هذا الأمر يدفعهم للشعور بالذنب ويشكك في صحة مشاعرهم، على سبيل المثال، ما الذي يعنيه التعود على أمر ما حقاً؟ تقول بونيور: "إنَّ الأمر أشبه بوجود حَجرة في حذائك دائماً، فقد تَعتاد على وجودها فيه، لكنَّ هذا لا يعني أنَّك لا تتألم في كل مرة تمشي فيها"؛ لذا التمس لنفسك عذراً إن كنت تتساءل: لماذا ما زلت أشعر بهذا السوء؟ ألا يجب أن تكون مشاعري تحت السيطرة الآن؟
والأكثر من ذلك، إذا وجدت نفسك تتفاعل مع الأمور تفاعلاً غير طبيعي، فذكِّر نفسك أنَّ الأمور غير طبيعية فعلاً، وبالتأكيد، ربما لم تتفاعل مسبقاً تفاعلاً سيئاً مع الأمور كافة مثلما تفعل الآن، على سبيل المثال، عندما تدخل في نقاش بسيط مع شريكك أو تتلقى تغذية راجعة سيئة من رئيسك في العمل، ستتصرف تصرُّفاً مبالغاً وهذا التصرف مفهوم في هذه الظروف؛ حيث تقول بونيور: "يوجد العديد من الأمور التي كنَّا سنتمكَّن من التعامل معها جيداً في الوضع الطبيعي، أما الآن فنحن في موقف ضعف؛ وذلك لأنَّنا استنفدنا طاقتنا ولم يعد لدينا ما نقدمه، فحتى خبر سيئ بسيط كنا نتعامل معه بسهولة أصبح يبدو لنا أزمة كبيرة".
شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
3. توقَّف عن التفكير بطريقة مأساوية:
يعرِّف الأطباء النفسيون عادةً التفكير المأساوي بأنَّه التفكير بأسوأ الأمور، كأن تفكر بأنَّ الطائرة التي ستسافر فيها ستتحطم، أو أنَّك ستصاب بمرض عضال، لكنَّ المزعج في الأمر، هو أنَّه في الأوقات المضطربة والصعبة، تصبح أفكارك الكارثية والمأساوية أكثر إيلاماً.
نظراً لأنَّ الكثير من الأدوات الشائعة لمحاربة مثل هذه الأفكار قد لا تكون مفيدة في الوقت الحالي، يوصي كارابالو بمحاولة تجنُّب التعثر في دوامة التفكير السلبي؛ حيث يقول: "عندما تلاحظ أنَّ أفكارك السلبية بدأت تتفاقم، حاول أن تشغل نفسك بأي شيء مثل هاتفك أو محادثة مع صديق".
4. تعامل مع المشكلات كل يوم بيومه:
بالحديث عن التفكير الكارثي والمأساوي، قد يكون من مصلحتك أن تركز أكثر على الحاضر أكثر من المستقبل في الوقت الحالي، وعلى الرغم من أنَّ القول أسهل من الفعل، لكن مع وجود الكثير من عدم اليقين بشأن كيف سيبدو المستقبل؛ فإنَّ محاولة تخيله أمر مجهد.
يقول كارابالو: "على سبيل المثال، فكر في الانتخابات حيث نشعر جميعنا بالقلق بشأن ما سيحدث، وفي بعض الأحيان، يكون أفضل ما يمكنك فعله هو أن تهيئ نفسك للأمور التي تعرفها وما يمكنك فعله اليوم".
وينطبق الأمر نفسه على أي شيء يستحوذ على تفكيرك، فإذا وجدت نفسك قلقاً بشأن تأثير خسارتك لوظيفتك في مسار حياتك المهنية، فهيِّئ نفسك للوظيفة التي يمكنك التقدم لها اليوم، أو حدِّث سيرتك الذاتية، وإذا كنت قلقاً بشأن مستقبل طفلك، توقف عن التفكير تفكيراً سيئاً وركز على مساعدته في أداء واجباته المدرسية أو قضاء بعض الوقت معه.
لذلك، حاول التعامل مع الأمور كل يوم بيومه، واتخذ الإجراءات اللازمة.
5. تذكَّر أنَّ الإنكار وتشتيت الانتباه أدواتٌ جيدةٌ أحياناً:
في بعض الأيام تحتاج فقط إلى التوقف عن مشاهدة الأخبار والتظاهر بأنَّ كل شيء يسير على ما يرام، فغالباً ما تشعر بالذنب حينما تصرف انتباهك عن العديد من مصائب العالم؛ وذلك لأنَّك تظن أنَّ عدم تفاعلك معها يعني أنَّك متواطئ، ولكن الآن هو الوقت المناسب لمحاولة التأقلم والتذكر بأنَّ الإنكار أو تشتيت الانتباه أو إظهار حس الدعابة أو غيرها هي أدوات مفيدة.
يقول كارابالو: "يعدُّ الإنكار آلية دفاعية لسبب ما، وكل ما عليك القيام به هو أن تنتبه إلى أنَّك لا تستخدمه على حساب الأدوات الأخرى، وطالما أنَّك لا تتجاهل ما يحدث لدرجة الوهم أو الجهل، وتمارس الرعاية الذاتية بطرائق أخرى؛ فيمكنك منح نفسك الإذن للتوقف عن التفكير أحياناً، ومع ذلك، احرص على التفكير جيداً عندما يحدث معك أمر هام.
6. امنح نفسك مساحة لمعالجة ما يحدث:
إنَّ تخدير مشاعرك تماماً سيؤدي إلى نتائج عكسية، لهذا السبب يعدُّ التوازن أمراً هامَّاً؛ حيث يقول كارابالو: "من الواضح أنَّنا نرغب في تجنُّب المشاعر السلبية من أجل الحفاظ على الذات، ولكن من الهام ألا ندع الأمور تمر دون أن نتصرف، فعندما تتجاهل أمراً ما تبقى المشاعر المرتبطة به تشغل تفكيرك، وفي النهاية، عندما تضعف مقاومتك، ستهاجمك تلك المشاعر المرتبطة بالأمور التي لم تعالجها فجأةً".
إذا كنت لا تعرف من أين تبدأ بمشاعرك دون الشعور بالإرهاق، فقد تكون هذه النصائح حول تنظيم عواطفك نقطةً جيدةً للبدء، كما يجب عدم التقليل من شأن البكاء أحياناً.
7. ابذل جهدك لملاحظة الأمور الجيدة:
أنت تعلم أنَّه لا يزال يوجد أمور جيدة في العالم، لكن هذا لا يجعل من السهل رؤيتها، فنحن لسنا مستعدين لذلك الآن، نتيجة استجابتنا للوضع الحالي المرتبط بالوباء؛ حيث تقول بونيور: "أدمغتنا مدرَّبة لتكون في حالة تأهُّب للتهديدات؛ لذلك نحن أكثر حذراً تجاه الأمور السيئة في الوقت الحالي، ومن الصعب ملاحظة الأمور الجيدة عندما يبدو أنَّ كل شيء سيئ".
لهذا السبب، قد يكون من المفيد بذل جهد فعَّال لتحقيق التوازن بين كل ما تمر به من خلال بعض المزاح والمرح؛ لذا ابدأ بممارسة الامتنان، وابذل قصارى جهدك لمشاهدة العروض والأفلام المضحكة، وتبادُل الذكريات الجيدة مع الأصدقاء، وافعل أي شيء بدلاً من قضاء وقتك في التركيز على الأخطاء التي تحدث.
8. غيِّر عاداتك على مواقع التواصل الاجتماعي:
على الرغم من أنَّ كثرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي تعدُّ أمراً سيئاً جداً للصحة النفسية، إلا أنَّه يصعب الجلوس دون متابعة آخر الأخبار على تطبيقي فيسبوك (Facebook) أو تويتر (Twitter)، فنحن في موقف صعب هذه الأيام، فوسائل التواصل الاجتماعي أداة للأخبار والمناقشات المحبطة، لكنَّها أيضاً وسيلة ضرورية للتواصل في ظل التباعد الاجتماعي، لهذا السبب ليس من السهل حذف تلك التطبيقات والتراجع عن استخدامها.
ومع ذلك، يواصل اختصاصيو الصحة النفسية دعوة الناس إلى تعديل عادات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم، فهذا الأمر شائع ضمن نصائح الصحة النفسية لسبب وجيه، فإذا كنت لا تستطيع الالتزام باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بصورة أقل، يقترح كارابالو على الأقل استخدامها استخداماً مختلفاً، فربما يمكنك قضاء المزيد من الوقت على تطبيق تيك توك (TikTok) بدلاً من استخدام تويتر لأنَّه يجعلك تضحك أكثر، أو ربما يمكنك إنشاء حساب ثانٍ تتابع فيه الصفحات المضحكة فقط، وربما يمكنك ترك تعليقات إيجابية على مشاركات الأشخاص الذين تتابعهم أو على الصور الشخصية لأصدقائك، ويقول كارابالو: "يمكنك إيجاد طرائق صغيرة للتغلب على بعض الأمور السلبية المرتبطة بثقافة الإنترنت".
9. خصِّص بعض الوقت في يومك بعيداً عن التفكير بالأمور السيئة:
قد نصل جميعاً إلى مرحلة نكون مستعدين فيها لتلقي الأخبار السيئة أو البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو خيبة الأمل من شخص ما، وبالنظر إلى كل ما يحدث من حولنا، يبدو أنَّ هذا الأمر هو حالة ذهنية منطقية، ولكن لا يعني أنَّه لا يمكننا تخصيص مساحات محمية من هذه المشاعر السلبية، مهما كانت صغيرة.
لذا تقترح بونيور تحديد هدف يومي، تقول: "يمكن أن نخصِّص أقل من خمس دقائق في اليوم للتفكير بعيداً عن الأمور السيئة، حتى لو شعرت أنَّ كل شيء يخرج عن نطاق السيطرة ويسير بطريقة خاطئة، يمكنك قضاء خمس دقائق في اليوم بعيداً عن كل ما هو سيئ، خمس دقائق بعيداً عن هاتفك ودون التفكير بالكوارث التي تحدث؛ خمس دقائق لا تفعل فيها شيء سوى الاستلقاء في السرير والاستماع للموسيقى التي تحبها، أو اللعب مع حيوانك الأليف أو أطفالك، أو ممارسة التأمل أو أي أمر آخر".
قد يبدو كل ما سبق أمراً بسيطاً، ولكن في الوقت الذي تتراكم فيه الأمور، يمكنك التنفيس عن نفسك أيضاً.
أضف تعليقاً