6 نصائح للتواصل الإيجابي

عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، التحقت ببرنامج لدراسة اللغة الإنجليزية في ولاية آيوا (Iowa) النائية في الولايات المتحدة، وكوني ترعرعتُ في فرنسا (France) وسويسرا (Switzerland)، لم أكن أعرف شيئاً عن اللغة الإنجليزية، ففي ولاية "آيوا"، لم أستطع فهم ما يقوله لي الناس، ولم أستطع التعبير عن نفسي، ومن ثمَّ لم أستطع التواصل أو التفاعل أو تكوين صداقات معهم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الأستاذ في التواصل التطبيقي جولين سي ميرفيل (Julien C. Mirivel)، والذي يُحدِّثنا فيه عن أهمية التواصل الإيجابي.

لقد واجهت بعضاً من أصعب الأشهُر في حياتي؛ وذلك لأنَّني كنت أحياناً لا أفهم ما يقال لي أو لا أستطيع التعبير لفظياً عما أريد قوله، لكن علمَّتني تلك التجربة أجمل جوانب التواصل البشري، فعندما تعلَّمت التحدث والإصغاء والتواصل، تمكَّنت من إنشاء شبكة اجتماعية من حولي، لقد كان التواصل البشري هو الذي حرَّرني.

ومنذ ذلك الحين، أمضيت حياتي المهنية بأكملها في البحث، ومشاركة ما أعرفه عن التواصل الأخلاقي المؤثر، وتتضمن بعض الأسئلة التي أثارت الحماسة في عملي ما يلي: ما سلوكات التواصل التي تجسد أفضل إمكاناتنا بصفتنا بشراً؟ ما الإجراءات البسيطة التي تساعدنا على التفاعل بفاعلية أكبر؟ ما سلوكات التواصل التي لها تأثيرات متواترة ومتبادلة؟

استناداً إلى بحثي، سأشارك 6 نصائح عملية يمكنك تطبيقها في حياتك اليوم لتحسين تواصلك في العمل أو المنزل، وقد تساعدك هذه النصائح على البدء بإلهام الناس من حولك والتأثير فيهم، وكذلك على النمو وتغيير نفسك، مما يسمح لك بتعزيز علاقاتك وإنشاء عالم اجتماعي أفضل من حولك:

1. رحِّب بالآخرين:

التواصل في أذهان معظم الناس هو وسيلة لنقل الأفكار؛ حيث يكون لديك فكرة لإرسالها، وبمجرد إرسالها، تكون قد أنجزت الهدف من التواصل، لكنَّ التواصل لا يقتصر على نقل الأفكار فحسب؛ بل يؤدي إلى اكتساب الخبرات وتكوين العلاقات أيضاً، ومن دون تواصل لا يوجد علاقات، وعندما نتواصل تتكَّون العلاقات.

غالباً ما تبدأ عملية التواصل بالتحية، وهو سلوك بسيط ولكنَّه هام ويبدأ مع اللحظة التي تبدأ فيها عملية التواصل، ومن أكثر الأشياء التي قد يفعلها الطبيب مثلاً وتنم عن قلة الاحترام هي عدم تحية المرضى عند معاينتهم، وعندما يحيي المعلمون طلابهم، فإنَّ ذلك يؤثر في عملية التعلم، وبناءً عليه، يوفر أفضل المديرون والقادة فرصاً للتواصل؛ حيث يتفقَّدون موظفيهم ويسألون عن أدائهم، ويعملون باستمرار على بناء العلاقات.

كجزء من مشروع استخدام اللغة في مكان العمل، درس الباحثون أكثر من 500 رسالة بريد إلكتروني من مؤسستين: إحداهما كانت تعاني من صراعات عدة، وانخفاض الروح المعنوية، ودوران العمالة، والأخرى تتمتع بثقافة تنظيمية إيجابية للغاية؛ وبعد التدقيق، لاحظ الباحثون شيئاً مذهلاً؛ حيث بدت رسائل البريد الإلكتروني في المؤسسة التي لم ينسجم فيها الموظفون مع بعضهم بعضاً على النحو التالي:

يبدأ الاجتماع في الساعة 3:00 ظهراً. فقط، لا رسائل غيرها، ولكن في المؤسسة التي كان فيها الموظفون منسجمين مع بعضهم بعضاً، بدت رسائل البريد الإلكتروني على النحو التالي:

مرحباً بكم.

أتمنى أن تكونوا بخير، أتطلع إلى لقائكم في اجتماعنا يوم الجمعة في الساعة 3:00 ظهراً.

استمتعوا بوقتكم.

مع أطيب التحيات.

جون (John).

المحتوى هو نفسه، لكن تساعدنا التفاصيل الصغيرة التي نضيفها على إدارة علاقاتنا مع الآخرين، فهي ليست مجرد وسيلة نقل للمعلومات، ولتطبيق ذلك، بادر للتواصل مع ثلاثة أشخاص لا تعرفهم معرفة جيدة، لكنَّهم من أصحاب المصلحة في مؤسستك.

اختر أشخاصاً في التسلسل الهرمي التنظيمي، رحِّب بهم، واسألهم عن أحوالهم، وتواصل معهم من خلال مكالمة فيديو عبر الإنترنت، أو ادعهم لتناول الغداء؛ أي خصِّص بعض الوقت للتواصل معهم، فإن مارست هذه العادة، فستتمكن من إقامة علاقات وثيقة مع الأشخاص من حولك ومن توسيع شبكة تأثيرك.

شاهد بالفديو: مهارات التواصل مع الآخرين

2. اسعَ إلى اكتشاف المجهول:

نحن عندما نطرح أسئلة، فإنَّنا في مهمة بحث عن الأجوبة؛ حيث نضع أنفسنا في مكان يسمح لنا باكتشاف المزيد والتعلم من منطلق التواضع والفضول.

إجمالاً، يمكننا التمييز بين الأسئلة المغلقة والأسئلة المفتوحة؛ حيث تميل الأسئلة المغلقة مثل: "أتحب اللون الأزرق أم الأصفر؟" إلى تقليص التفاعل البشري والتحكم به، من ناحية أخرى، تميل الأسئلة المفتوحة إلى التوسع وتمنح الأشخاص الحرية في تقرير ما يريدون مشاركته وما لا يريدون مشاركته، مثل: "أخبرني عن بعض تجاربك المفضلة في حياتك" أو "ما المحادثات التي أثرت فيك؟".

تتمثل إحدى طرائق تحسين تواصلك في تعلُّم تحويل الأسئلة المغلقة إلى أسئلة مفتوحة، ففي المراجعات السنوية، على سبيل المثال، من المغري جداً أن تسأل: "هل كانت هذه السنة سنة خير؟" ولكن ماذا لو قلبنا السؤال وقلنا: "كيف يمكننا مساعدتك على الوصول إلى إمكاناتك؟ ماذا يمكننا أن نفعل هذا العام لخدمتك ومساعدتك على النمو؟" لقد تعلَّمت هذا من إحدى المؤسسات التي كانت تستخدم هذا الأسلوب؛ حيث لم تكن المؤسسة قادرة على الاحتفاظ بموظفيها فحسب؛ بل تمكنت أيضاً من إيجاد طرائق لمساعدتهم على النمو داخلياً وبناء ثقافة تنظيمية إيجابية للغاية.

كمثال آخر، أُجري بحث مع إحدى المؤسسات التي تحاول المساعدة على إحداث تحوُّل شخصي في الأفراد حول العالم ومساعدتهم على القضاء على الفقر في مجتمعاتهم، وبدلاً من طرح السؤال: "هل تحتاج إلى مساعدة؟"، يبدؤون عملية التغيير بسؤال الناس: "ما هي أحلامكم؟ ما هي آمالكم؟".

3. أطرِ على الآخرين:

إنَّ الحقيقة الوحيدة الأكثر أهمية في مجال التواصل البشري هي أنَّ ما نقوله وما نفعله يؤثر في حاضر الناس وفي مستقبلهم؛ لذا أفكر كثيراً في هذا الأمر بصفتي أباً لثلاثة أطفال صغار.

المجاملة هي مجرد سلوك واحد من بين العديد من السلوكات التي توضِّح قدرتنا على التأثير في الناس تأثيراً إيجابياً، ففي بعض الأحيان، عندما أُجري التدريبات، يسألني القادة عن عدد الإطراءات التي يجب أن يقدِّموها لموظفيهم لتشجيعهم على تلبية ما يطلبونه منهم، لكن لا ينبغي استخدام المجاملات استخداماً آلياً، وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون أسلوب حياة، فالمجاملة هي خيار التأثير في شخصيات الآخرين ومستقبلهم وإحساسهم بأنفسهم، وفي الواقع، تشير الأبحاث إلى أنَّنا نستخف بتأثير المجاملات في تحسين شعور الآخرين.

ما هي أفضل مجاملة تلقَّيتها على الإطلاق؟ ما الذي قاله لك أحدهم وأثَّر فيك تأثيراً إيجابياً؟ وجدتُ في بحثي أنَّ تلك المجاملات تصدر غالباً عن القادة أو المديرين أو المشرفين أو المعلمين، فعندما يُثني علينا الناس الذين نحترمهم، نسعد بما قالوه ونتقبله ونتبناه.

لتطبيق ذلك ووضع بصمتك الخاصة، اختر ثلاثة أشخاص تقدِّرهم، وقدِّم لهم مجاملة معبرة حول نقاط قوَّتهم، أو أرسل بريداً إلكترونياً إلى فريقك وقُل: "أريد الاحتفال بالعمل الذي أنجزتموه، والقوة التي أظهرتموها، خاصة في وقت الشدائد"؛ حيث يتلخص التواصل الإيجابي بالرغبة في التواصل، وبصفتك قائداً أو أباً أو شريكاً أو صديقاً، يمكنك اختيار كلمات طيبة نابعة من القلب تشجِّع الآخرين وترفع روحهم المعنوية.

إقرأ أيضاً: الإطراء... كلمات سحرية تدغدغ الوجدان لكنها قد تدمره!

4. أفصح عما بداخلك:

الحقيقة الثانية الهامة حول التواصل هي أنَّ العلاقة والتقارب مع الآخرين لا يُعبران عن حالة يمكننا المحافظة عليها؛ بل هما شيء نقوم به، والطريقة التي نتبعها في تفعيل هذا الإحساس بالحب والزمالة هي من خلال الإفصاح؛ أي الكشف عن طريقة تفكيرنا وشعورنا وهويتنا بصدق.

ليس لجميع عمليات الإفصاح الوظيفة نفسها، ولكنَّها تحتوي على بعض العناصر المشتركة، أولاً، يجب أن يكون الإفصاح صادقاً، وأن يعكس التطابق بين شعورك الداخلي وما يحدث في الخارج؛ لذا يجب أن يكون التواصل حقيقياً وصادقاً وشخصياً، ويعكس ما تفكر فيه وما تقدِّره.

يجب أن يتحلى الإفصاح بالنزاهة، والأهم من ذلك، يجب أن يمس إنسانيتنا، وكلما كانت تجربتك تعكس إنسانيتنا المشتركة، فَهِمَها الآخرون أكثر حين تتحدث عنها.

تشير الأبحاث التي أجراها روبرت أولمر (Robert Ulmer)، وهو خبير التواصل في الأزمات إلى أنَّه عندما يمارس القادة الإفصاح الصريح والصادق، فإنَّهم يستجيبون للأزمات بفاعلية أكبر، ففي إحدى الحالات التي درسها، تعامَل الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات مع حريق التهم العديد من المباني الصناعية من خلال التواصل علناً وصراحةً مع أصحاب المصلحة؛ حيث قال: "سنواصل العمل في هذا المكان، لقد أُتيحت لنا فرصة الانتقال إلى مكان آخر منذ سنوات عدة، لكنَّنا لم نفعل ذلك حينها ولن نفعل ذلك الآن"؛ حيث تُظهِر الصراحة والصدق أنَّنا نهتم بأصحاب المصلحة وأنَّنا نريد التعلم من الأزمة.

لتطبيق هذا الأمر، فكر في شخص يمكنك إرسال رسالة نصية إليه الآن تُعبر فيها عن امتنانك له، كن صريحاً وصادقاً معه، وقل فقط: "أنت على البال دوماً، وأردتك أن تعرف أنَّني ممتن لوجودك في حياتي"، واحذر من المشاعر والأفكار التي تدور في داخلك مثل: هل يجب أن أفعل ذلك؟ أم ينبغي ألا أفعله؟ ما ردة فعلهم؟ على الرغم من كل ذلك، لا تخشَ التعبير عن الامتنان؛ هذا هو الإفصاح.

إقرأ أيضاً: الإفصاح عن الذات، تعريفه، مزاياه، مخاطره، وكيفية استخدامه

5. شجِّع على تقديم الدعم:

أنا أزعم أنَّ التواصل البشري وسيلة ملموسة مثلها مثل إعطاء المال، فنحن نستخدم التواصل لمنح الحب والمودة، وعندما نريد تشجيع الآخرين، فإنَّنا نستخدم التواصل لمنح الناس الدعم الاجتماعي الذي يحتاجون إليه للتطور والنجاح، وأعتقد أنَّه يمكننا تحويل كل لحظة عادية إلى لحظة استثنائية من خلال ما نقوله ونشاركه مع الآخرين بغض النظر عن دورنا.

هذا مثال من مسيرتي الخاصة: لسنوات عدة، كلما عانى طلابي، كنت أقول دائماً: "لماذا لا نركب الموجة قليلاً؛ أي نتصالح مع مشاعرنا؟"، وفي عام عمل شاق للغاية، وصلت إلى مكتبي ذات يوم ووجدت بريداً إلكترونياً من زوجتي تقول فيه: "اركب الموجة، يا عزيزي"، مع صورة معدَّلة بالفوتوشوب تُظهِرني راكباً للموجة، أتذكر تلك اللحظة حتى يومنا هذا.

هذه هي قوة التشجيع، فلا يؤثر ما نقوله ونفعله فقط في تلك اللحظة، وإنَّما يبقى مصدر دعم لسنوات قادمة.

6. أصغِ إلى تجاوز الاختلافات:

إنَّ تعلُّم كيف تصبح مستمعاً أفضل ليس بالأمر اليسير، لكن يتفق الخبيرون على أنَّها سمة مشتركة للقادة المتميزين، فإذا كان في إمكانك اختيار الاستماع بعناية، فيمكنك تجاوز الاختلافات المتصوَّرة الموجودة بينك وبين الآخرين.

يمكنك أن تتعلم الاستماع بعناية من خلال تقبُّل وجهات نظر الآخرين، وكذلك عدم إطلاق الأحكام على الناس وأفعالهم؛ حيث أطلق اختصاصي علم النفس كارل روجرز (Carl Rogers) على هذا "الاهتمام الإيجابي غير المشروط"، وهو أسلوب للتعامل مع الناس بلطف دون شروط؛ فإن رغبت في الإصغاء بكامل جوارحك، عليك تنمية التعاطف العميق، والنظر إلى وجهات نظر الآخرين ليس لمعرفة ما إذا كانوا على صواب أو خطأ، ولكن لفهم وجهة نظرهم.

أخيراً، عليك أن تتعلم كيف تمنح شخصاً ما انتباهك الكامل؛ حيث يساعدك حَني جسدك على الإصغاء باهتمام أكبر، وإذا شعرت بالإحباط، ضع يدك على الطاولة، وافتحها قليلاً كإشارة جسدية على الانفتاح، وقد يكون الإصغاء غير مريح، ولكنَّ هناك الكثير لنتعلَّمه إذا أسكتنا كل ما يحدث داخلنا ووجَّهنا انتباهنا إلى الآخرين.

أعتقد أنَّك إذا مارست التواصل الإيجابي، فسوف يساعدك ذلك على النمو على المستويين المهني والشخصي، وعلى إقامة علاقات متميزة في العمل والمنزل، وعلى القيادة بفاعلية أكبر، فعندما تتخذ هذه الإجراءات البسيطة، ستبدأ التأثيرات المتواترة والمتبادلة، وستغير برنامج تفاعلاتك؛ مما يؤثر في العلاقات التي تهتم بها، والمجموعات التي تعمل لديها، والمجتمعات التي تنتمي إليها، وإذا فعلنا ذلك جميعنا معاً، فسنشارك في بناء مجتمع أفضل لنا ولأطفالنا.

المصدر




مقالات مرتبطة