إنَّ جوهر نجاح الأعمال التجارية هو بناء ثقافة قوية يتبنَّاها الفريق؛ إذ عليك إنشاء ثقافة تنظيمية تعترف بالقيم وتتبنَّاها، فضلاً عن المعايير والمعتقدات المشتركة التي تُميِّز أهداف المنظمة، والواقع أنَّها فكرة رائعة للتأكد من أنَّها تناسب أفضل الناس الذين يعملون في الشركة، فضلاً عن أنَّها تعطي انطباعاً إيجابياً للعملاء ولأي شخص آخر مرتبط بالعمل.
يعني تأسيس ثقافة تنظيمية تؤمن بها وجود رؤية واضحة ومتسقة ومعرفة الطريقة التي تريد أن ينظر بها الجميع في داخل الشركة وخارجها إلى تلك الشركة، وقد كان العديد من المديرين التنفيذيين والقادة في السابق يولون أهميةً كبيرة للعمليات التجارية، ويُفضِّلونها على الناس، دون أن يكترثوا أنَّ الناس هم الذين يجعلون العمل ناجحاً.
لقد أدى تعزيز إشراك الناس في عمليات المشاريع التجارية إلى مساهمات أكبر بكثير من جانب الموظفين، والتي أدت بدورها إلى زيادة تقدير العملاء؛ لذا فإنَّ عملك يتمحور حول الناس الذين يصنعون المنتجات ويُقدِّمون الخدمات للآخرين ما لم تكن تعمل بمفردك.
يُعَدُّ بدء التشاور مع مجلس الإدارة التابع لشركتك أو المؤسسين لتدوين قيم الشركة الأساسية، وكيف تُخطط لأن تجعلها جزءاً من قيم فريقك هي فكرة سديدة؛ فمن الهام أن يتمسك المؤسسون بالثقافة منذ البداية، وللقيام بذلك، يجب أن تكون الثقافة أكثر من مجرد رؤية مشتركة، ذلك لأنَّه إذا كانت لديك رؤية دون وجود استراتيجية، فسيبقى الأمر على حاله.
وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي تُشكل حجر الأساس لثقافة تنظيمية متينة:
1. الشفافية:
ينبغي أن تُراجِع المقاييس الرئيسة الخاصة بالشركة بأكملها، والهدف من ذلك هو أن يشعر الموظفون بأنَّهم على دراية بطريقة تفكير الشركة والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم والاستراتيجيات المتَّبعة فيها، كما يمكِنهم تبادل التغذية الراجعة مهما كان منصبهم.
ومن الأمور الأخرى التي تجلب مزيداً من الشفافية إلى المنظمة هي تخصيص يوم في الأسبوع تُجرى فيه محادثات بين الأطراف جميعاً، حيث يستطيع أي شخص أن يشارك ويطرح الأسئلة، وبما أنَّ الناس قد يشعرون بالخوف أو عدم الارتياح في جلسات طرح الأسئلة، يمكِنك إنشاء منتدى خاص يستطيع الموظفون من خلاله طرح أسئلة مجهولة المصدر.
2. السماح للموظفين بالابتعاد عن العمل:
جميعنا بحاجة إلى إعادة شحن طاقتنا بين الفينة والأخرى؛ لأنَّ الموظفين لا يمكِن أن يأتوا مبكراً ويغادروا في ساعة متأخرة يومياً دون أن يشعروا بالإجهاد في مرحلة ما، ورغم أنَّك تريد أن يعمل الموظفون جاهدين بأقصى طاقتهم دوماً، إلا أنَّك يجب أن تُدرك أهمية تحقيق تكامل بين العمل والحياة، لتحرص بذلك على أن يأتي الموظفون إلى العمل بذهن صافٍ وطاقة متجددة، ومن الهام معرفة أنَّ الحياة في مرحلة ما ستعترض طريق العمل، وينبغي أن تسمح للجميع بتولِّي زمام أمورهم الشخصية المُلحَّة.
3. التمكين والشعور بالاستقلالية والحرية:
يمكِن أن تُمكِّن الناس عبر تجنُّب إدارتهم إدارة تفصيلية، والالتزام بإعطاء الناس مبادئ توجيهية عامة بدلاً من التوجيهات المفصلة الصريحة؛ فكلما زادت حرية الناس في تحمُّل المهمات وإدارتها وإيجاد الحلول وتطبيقها، شعروا بأنَّهم جزء من الثقافة التنظيمية.
4. مساحة العمل:
إذا لم تُشاهد حديث الكاتبة "سوزان كين" (Susan Cain) على منصة "تيد" (Ted Talk) عن الانطوائيين، فينبغي أن تسارع لمشاهدته؛ ذلك لأنَّها تفتح عقولنا لفكرة أنَّ المكاتب في الشركات الأمريكية مبنية خصيصاً للاجتماعيين، حيث يظهر ذلك جلياً في اعتماد المكاتب المفتوحة، ورغم أنَّ بعض الناس يرى المساحات المفتوحة رائعة، إلا أنَّ الآخرين يحتاجون إلى أن يكونوا قادرين على الانزواء إلى مكتبهم الخاص ليُحققوا مزيداً من الإنتاجية؛ لذا فمن الهام النظر في ما يريح موظفيك قبل أن تُقرر مساحة العمل أو نوع المكاتب المناسبة.
5. التحدث مع العملاء والموظفين:
في رحلة اكتمال نمو الشركة، ستمرُّ بأسابيع أو أشهر تشعر فيها بالضياع، مثل تلك التي لم تختر فيها سوقاً لعرض منتجاتك بطريقة مناسبة، أو تواجه تحديات تتعلق بمنتجك أو حتى رؤية الشركة؛ وبالتالي، فإنَّك تميل إلى تحويل انتباهك إلى الأخطاء التي وقعتَ فيها أنت وفريقك؛ ولذا فالطريقة المناسبة للتخلص من هذه المشكلات هي أن تتحدث مع عملائك.
يقول المدير المالي في شركة "إنتغريت" (Integrate)، "ديفيد توميزوكا" (David Tomizuka): "أخرجُ لأتحدث مع العملاء، لأفهم ما الذي يؤدي إلى نجاح المنتج أو فشله؛ حيث تساعدك هذه الطريقة على تطوير طريقة عملك ومعرفة كيف تُسوِّق لمنتجاتك، والأهم من هذا كله أنَّه يحررك؛ وبذلك تتحمس لأن تكون مع العملاء وتتحدث أمامهم عن منتجك".
ومن الهام أن تُوضِّح هذا الأمر لموظفيك، حيث يضيف "توميزوكا": "من السهل أن تنشغل في توافه الأمور والعمليات اليومية لدرجة ألا تؤدي مهامك الحقيقية كقائد".
هناك العديد من القادة الذين لا يخرجون ليتحدثوا مع موظفيهم دون تحديد موعد مُسبَق ضمن جدولهم اليومي، ولكن ينبغي تخصيص وقت للتجول بين القاعات وأخذ فكرة عن الطريقة التي يعمل بها الموظفون، بالإضافة إلى بناء وتطوير العلاقات معهم؛ حيث إنَّ لهذه الأمور دور في إحداث فارق.
6. التصميم المتعلق بالتنظيم:
وهو يعني العمليات والبنية والتسلسل الهرمي الذي وضعتَه، والذي يسمح لك بوضع ثقافتك التنظيمية موضع التنفيذ؛ أي إنَّها الطريقة التي تجري بها الأمور، وهي تشمل التواصل وسياسات الشركة وبناء الفِرَق ومؤشرات الأداء، فضلاً عن تقييمات الأداء وتقسيم المسؤوليات وحتى كيفية جدولة الاجتماعات وتسييرها، على سبيل المثال: هل لديك اجتماع أسبوعي في الوقت والمكان نفسه؟ أم أنَّك لا تقيم اجتماعاً إلا عندما يكون هناك أمر جلل جدير بالمناقشة في اجتماع؟ وهل الاجتماعات تكون بحضور الموظفين ورؤساء الأقسام جميعا أم فقط بعض أعضاء الفريق؟ وهل تجتمعون دائماً في قاعات المؤتمرات وفي منطقة محددة من المكتب أو فقط عن طريق مكالمات الفيديو؟ وهل يكون الوضع حينها مغايراً؟
فإذا صمَّمتَ كل ذلك بشكل جيد، فيمكِن لكل شخص في مجال الأعمال أن يؤدي وظيفته بفاعلية أكبر، كما أنَّها ستُعزز ثقافتك التنظيمية إلى حد كبير إذا كان ذلك يُوضِّح السلطة والمسؤولية والمساءلة.
أضف تعليقاً