تخطِّط سوزان للإبقاء على عملِ كلِّ شخصٍ في فريقها؛ لذلك تشارك قصَّةً شخصيَّةً للمساعدة في تهدئة مخاوف أعضاء فريقها: فقبل عدَّة سنوات، كانت ضحيَّة تسريحٍ قسريٍّ للموظفين، وقد أخبرتهم كيف شعرت بالضيق، وبالوعد الذي قدَّمته لنفسها للقيام بكلِّ ما في وسعها للتأكُّد من ألَّا يشعر أحدٌ من فريقها بالطريقة ذاتها التي شعرت بها حينها.
كان بإمكان سوزان أن تُطمئن أعضاء فريقها أنَّهم لن يفقدوا وظائفهم، ولكن عندما شاركت هذه القصَّة الشخصيَّة، فقد أقنعت فريقها بأنَّها ستبذل قُصارى جهدها من أجلهم.
إذا قمنا بذلك بشكلٍ صحيح، فإنَّ الإفصاح عن الذات يمكن أن يغيِّر الآراء، ويقوِّي العلاقات، ويبني الثقة؛ ولكن إذا قمنا بإفصاحٍ غير حكيمٍ أو غير مناسبٍ أو في غير وقته، فيمكن أن يكون لهذا تأثيرٌ معاكس.
في هذه المقالة، سنلقي نظرةً على مزايا الإفصاح عن الذات، وسوف نقدِّم الاستراتيجيَّات التي يمكنك استخدامها لمشاركة المعلومات الشخصية بطريقةٍ مناسبةٍ ومدروسة.
ما هو الإفصاح عن الذات؟
تُعرِّفُ كلٌّ من الباحثات" "كاثرين غرين"، و"فاليريان ديرليغا"، و"أليشا ماثيوز" الإفصاحَ عن الذاتٍ بأنَّه: "تفاعلٌ بين شخصين على الأقل، حيث يكون هناك فردٌ ينوي إفشاء شيءٍ شخصيٍّ عن عَمَدٍ للآخر".
يمكن أن يتضمَّن الإفصاح عن الذات بعض المعلومات السطحية مثل: طعامك أو برنامجك التلفزيوني المفضَّل، وقد يتضمَّن معلوماتٍ شخصيَّةً عميقةً مثل: تاريخك أو معتقداتك الدينية. تُعدُّ جميع أنواع الإفصاح هامَّةً عندما تريد تطوير العلاقات ونقلها إلى مستوى أكثر إلفة.
يمكن أن يكون الإفصاح عن الذات لفظياً أو غير لفظي. على سبيل المثال: يُفصِح الناس لفظياً عن ذاتهم عندما يخبرون شخصاً آخر عن أفكارهم، وعواطفهم، ونواياهم، ومخاوفهم، وأحلامهم، وأهدافهم، وإخفاقاتهم، ونجاحاتهم، وما يحبِّون، وما يكرهون.
كما يُفصِح الناس عن ذاتهم بشكلٍ غير لفظي بأشياء مثل: الوشم والمجوهرات والملابس، والتي غالباً ما تكشف عن معلوماتٍ شخصيَّةٍ أو مَخفيَّة.
ما مزايا الإفصاح عن الذات؟
يمكنك استخدام الإفصاح عن الذات لبناء الثقة والصلةِ مع الناس، وتشجيع الآخرين على التعرُّف عليك على مستوى أعمق، وتطوير العلاقات عندما تكون جزءاً من فريقٍ يعمل عن بعد؛ كما يمكنك استخدامه أيضاً لتعزيز الاتصالات مع العملاء والزبائن، والحصول على دعمِ الآخرين في مؤسستك.
وجدت الباحثات أيضاً أنَّ الإفصاح الحكيم عن الذات يمكن أن يزيد من قابليَّة الإعجاب بك في العمل، ويشجِّع الأشخاص على مشاركة المعلومات معك؛ وهذا يمكن أن يخلق فُرصاً في حياتك المهنيَّة، وأن يساعدك في الحصول على المعلومات التي تريدها عندما تحتاجها بالفعل، أو حتَّى في وقتٍ مُبكِّر.
إنَّ الإفصاح الصادق عن الذات مفيدٌ بشكلٍ خاصٍّ عندما تكون في دورٍ قيادي؛ لأنَّه يُظهِر للآخرين أنَّك مُتعاطفٌ ورحيمٌ وأصيل.
كما قد يكون مفيداً أيضاً خلال العمل على العلن. على سبيل المثال: تخيّل أنَّ عليك التحدُّث أمام وسائل الإعلام عن سحبِ مُنتجٍ أثَّر سلباً في عملائك. عندما تشرح أنَّ هذا الحدث أثَّر سلباً فيك على المستوى الشخصي أيضاً، فيمكن لهذا أن يؤدِّي إلى استعادة سمعتك وإظهار أنَّك ستفعل كلُّ ما يلزم لتصحيح الأمور للناس.
ما مخاطر الإفصاح عن الذات؟
أنت بحاجةٍ إلى التمتع ببعض الحكمة حينما تخبر الناس بأشياء خصوصيةٍ عن نفسك، فإذا فعلت ذلك بشكلٍ غير حكيم، أو في الوقت الخطأ؛ فيمكن أن يَضُرَّ الإفصاح عن الذات بسمعتك.
تحتاج أيضاً إلى التفكير في الشخص الذي تشارك المعلومات معه، فقد يكون من المريح تفريغ الأفكار أو العواطف أو التجارب الشخصية المؤلمة، لكنَّ هذه المعلومات يمكن أن تصبح عِبئاً على الآخرين، إذ يمكن للإفصاح المفرط إجهاد أو إنهاء العلاقات إذا لم تختر الوقت المناسب، أو إذا كشفت الكثير جدَّاً.
عندما تعلمُ معلوماتٍ شخصيَّةً عن الآخرين، فإنَّك تخاطر أيضاً بكسر الثقة؛ لهذا السبب يجب أن تحافظ على التوازن عند الإفصاح، فأنت بحاجةٍ إلى الإفصاح عن الذات لبناء الثقة، ولكن يجب أن تكون قادراً على الثقة بالشخص الذي تفصح له، وأن تكون هذه الثقة لحدٍّ بعيدٍ وفي محلِّها.
كيف يُستَخدَم الإفصاح عن الذات؟
اتَّبع النصائح أدناه في مكان العمل لمشاركة المعلومات الشخصيَّة بشكلٍ مناسبٍ مع الأشخاص الآخرين.
1. أعِر انتباهك:
إذا كنتَ غير مرتاحٍ عندما تشارك المعلومات الشخصيَّة، أو إذا كنت جديداً في دورك الوظيفي، أو إذا لم تكن متأكِّداً ممَّا يجب أن تكشفه للآخرين؛ فأعِر الانتباه إلى مقدار ما يشاركه زملاؤك أو عملاؤك معك. ما المعلومات الشخصيَّة التي يتواصلون بها مع الآخرين؟
من المُحتمل أن يختلف هذا بناءً على علاقتك بكلِّ شخص، ولكن إذا لاحظت مدى انفتاح زملاء العمل على بعضهم بعضاً، يمكن أن يمنحك ذلك أدلَّةً هامَّةً حول مقدار المشاركة.
عندما تلاحظ إفصاح الآخرين عن ذواتهم، ستشعر براحةٍ أكبر عندما تقوم أنت شخصياً بالإفصاح.
2. تمهَّل:
فكِّر كيف شعرتَ في الماضي عندما شاركك شخصٌ لم تكن تعرفه جيِّداً قصَّةً طويلةً وشخصيَّةً للغاية. غالباً جعلك هذا التبادل تشعرُ بعدم الارتياح.
عندما يتعلَّق الأمر بالإفصاح عن الذات، فإنَّ التوقيت هو أمرٌ في غاية الأهمية؛ فإذا كنت تشارك الكثير بشكلٍ مبكِّرٍ جدَّاً، فقد تربك الناس؛ وإذا انتظرت طويلاً، فيمكنك أن تجعل الناس يرتابون أو يشكِّكون بك.
إذا انضممت إلى منظمةٍ أو فريقٍ جديد، فقدِّم نفسك إلى الناس في وقتٍ مبكِّر، وتبادل المعلومات الشخصيَّة حول عائلتك وأصدقائك وهواياتك واهتماماتك، وضع في اعتبارك أنَّ هذه المعلومات السطحيَّة تبني العلاقات، وتتيح لك مشاركة معلوماتٍ شخصيَّةٍ أكثر عمقاً لاحقاً.
3. تبادل الإفصاح:
تُظهر الدراسات أنَّ الإفصاح المتبادل يقوِّي العلاقات، ويمكن له مساعدتك في بناء الثقة مع الآخرين.
4. أصغِ جيِّداً:
عندما يشارك الأصدقاء أو الزملاء المعلومات الشخصية معك، امنحهم انتباهك الكامل. استخدم مهارات الإصغاء الفعَّال والإصغاء التعاطفي لجعلهم يشعرون أنَّه قد جرى سماعهم وفهمهم.
ولكن احرص على عدم خيانةِ ثقة الأصدقاء وزملاء العمل؛ فإذا لم تكن واثقاً ممَّا إذا كان يجب عليك مشاركة معلومات حول شخصٍ آخر، اسألهم أولاً، أو لا تشاركها على الإطلاق.
5. استخدم وسائل التواصل الاجتماعي بعناية:
إنَّ المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي هي شكلٌ آخر من أشكال الإفصاح عن الذات. تعطي الأفكار والعواطف التي تشاركها على "فيسبوك" (Facebook)، و"لينكد إن" (Linkedin)، و"تويتر" (Twitter) والمواقع الأخرى للناس نظرةً ثاقبةً عن شخصيتك وكيف تفكِّر، ويمكن أن يكون لهذا تأثيرٌ إيجابيٌّ وسلبيٌّ على حدٍّ سواء.
ضع في اعتبارك أنَّ المعلومات التي تشاركها عبر الإنترنت قد تبقى موجودةً هناكَ لسنوات، وقد يراها أشخاصٌ لا تعرفهم؛ لذا فكِّر دائماً مرَّتين قبل النشر أو التعليق، فإذا كنت لا تريد نشرَ هذه المعلومات على الصفحة الأولى لجريدةٍ عامّة، فلا تشاركها.
أضف تعليقاً