6 أسرار لتكوين صداقات من خلال الذكاء العاطفي

يُعَدُّ وجود الأصدقاء في حياتنا أمراً هاماً، ولكن ما مدى أهمية الأصدقاء حقاً؟ إنَّ وجود الأصدقاء ضروريٌّ لتحقيق السعادة.



استعرضَت "جوليان هولت لونستاد" (Julianne Holt-Lunstad)، الأخصائية في علم النفس، 148 دراسةً وبائيةً تشمل أكثر من 300000 مريض، وركَّزَت على الأشخاص الذين ماتوا.

وقد طرحَت الدراسة على المرضى الكثير من الأسئلة لمعرفة الأمور المتعلقة بالأشخاص الذين ماتوا؛ كالوزن، والشرب، والطعام، والتمرينات الرياضية، وتلوُّث الهواء وغيرها من المعلومات، ولكن يمكِنك تجاهل معظم هذه الأسئلة، حيث يوجد أمران فقط أحدثا فرقاً كبيراً وهما: الدعم الاجتماعي ومدى اندماجهم في مجتمعهم.

حتى بعد الإصابة بنوبات قلبية أو سكتات دماغية، كان لدى الأشخاص الذين يمتلكون أصدقاء فرصةً أكبر للبقاء على قيد الحياة بنسبة 50%، وقد شرح "روبن دنبار" (Robin Dunbar)، الأستاذ في علم النفس في "جامعة أوكسفورد" (Oxford)، الحاصل على شهادة في العلوم الاجتماعية، النتائج بهذه الطريقة:

"ممَّا لا شك فيه أنَّ ما سأقوله سيوقعني في مشكلة في مهنة الطب، ولكن ليس من المبالغة أن أقول: إنَّه يمكِنك أن تأكل بقدر ما تريد، وتفشل كثيراً، وتقصِّر في أداء تمريناتك، وتعيش في جو ملوَّث، وبالكاد ستلاحظ الفرق، ولكن عدم وجود أصدقاء أو عدم المشاركة في الأنشطة جماعيةً سيؤثر كثيراً في المدة التي تعيشها".

قد يكون أحد العوامل في مدى نجاح فاعلية لقاح كورونا (COVID) هو عدد الأصدقاء من حولك.

أظهرَت "سارة بريسمان" (Sarah Pressman)، الأستاذة في علم النفس، وزملاؤها في "جامعة كارنيغي ميلون في بيتسبرغ" (Pittsburgh’s Carnegie Mellon University) أنَّ للوحدة عواقب وخيمة تؤثر في جهاز المناعة، ووجدوا أنَّ الشعور بالوحدة بين الطلاب الجدد سبَّبَ انخفاض الاستجابة المناعية عندما أُعطِيَ الطلاب لقاح الإنفلونزا.

لقد عانينا جميعاً بطريقة مختلفة من إجراءات الإغلاق وتناقصَت رغباتنا في إنشاء علاقات اجتماعية؛ لهذا السبب، يمكِننا طلب بعض المساعدة.

لقد اتضح أنَّه يوجد بعض القواعد للصداقة ويجب أن نتعلمها جيداً، ولكي نحصل على المعلومات المفيدة، سنعتمد على كتاب نشره "دنبار" وهو "الأصدقاء: فهم فاعلية أهم علاقاتنا" (Friends: Understanding the Power of our Most Important Relationships).

رقم دنبار:

تشير الدراسات إلى أنَّ الشخص العادي يرسل بطاقات عيد الميلاد إلى 154 شخصاً، وتشير بيانات الاستطلاع من شركة "ذا نوت" (The Knot) إلى أنَّ متوسط ​​حفلات الزفاف يضم حوالي 144 ضيفاً، ويبلغ متوسط ​​عدد الأصدقاء على موقع "فيسبوك" (Facebook) وجهات الاتصال على البريد الإلكتروني بين (150-250).

وجد "روبن" أنَّ كل دراسة تقريباً تُظهِر أنَّ المجتمعات البشرية الطبيعية، والشبكات الاجتماعية الشخصية يبلغ عدد أفرادها النموذجي حوالي 150 فرداً، ولكن من أين جاء هذا العدد؟ يرتبط هذا العدد بالعائلة ككل (أبناء وآباء وأجداد).

سيقول بعض الأشخاص: "لكنَّني لا أمتلك سوى 5 أصدقاء مقرَّبين، وربما 12 شخصاً يهمني أمرهم حقاً". لكنَّ هذا يناسب النموذج المذكور أعلاه أيضاً، فهي ليست مجرد كتلةٍ واحدةٍ كبيرةٍ مكوَّنةٍ من 150 شخصاً، وإنَّما عبارة عن دوائر متداخلة واسعة النطاق، حيث يمتلك معظم الأشخاص حوالي 5 أصدقاء يتصلون بهم أسبوعياً، وحوالي 15 صديق يتحدثون معهم شهرياً، وحوالي 50 يسألونهم عن أخبارهم كل ستة أشهر، وحوالي 150 يتواصلون معهم سنوياً.

انظر حولك وسوف ترى هذا العدد من الأشخاص، فعندما وضع عالما النفس الاجتماعيين "كريستيان بايز" (Christian Buys) و"كينيث لارسن" (Kenneth Larsen) قائمةً بالأشخاص الذين قد يزعجهم موتهم بالفعل، كانت الإجابة 12 شخصاً. إذاً، عدد الأشخاص الذين يهمك شأنهم هو حوالي 12 شخصاً، وليس 15 شخصاً بالضبط ولكنَّه قريب بدرجة كافية ليُظهِر لك أهمية وجودهم في حياتك.

لا يُعَدُّ العالم الاجتماعي عشوائياً كما نعتقد؛ إذ يوجد قواعد ثابتة للجوانب العميقة لعلاقاتنا، ولا نستطيع إدراكها بوعي؛ لهذا السبب، سنكون أفضل حالاً إذا فهمنا القواعد الخفية التي تكمن وراء علاقاتنا.

إذاً، ما الذي يمكِن أن نتعلمه أيضاً من "روبن"؟ إذا لم تهتم بعلاقاتك فستخسرها، وغالباً ما تكون علاقات الصداقة هشةً وضعيفةً، فكيف نحد من خسارتها؟

نقدِّم لك فيما يلي 6 أسرار لتكوين صداقات من خلال الذكاء العاطفي:

1. البقاء على تواصل:

لم يسبق وأن قال أحدنا إنَّه يود فقدان المزيد من الأصدقاء، ولكن على الرغم من ذلك، ستفقد صديقاً جيداً كل عامين تقريباً.

بحسب كتاب "الأصدقاء" (Friends) لـ "روبن":

"تشير بياناتنا وسطياً إلى أنَّه يمكِنك توقُّع فشل علاقة من طرف واحد كل سنتين أو ثلاث سنوات".

يجب أن تعلم أنَّ ستة أشهر من الانفصال عن صديق، يجعله يبتعد عن دائرة المقرَّبين منك وهذا الأمر لا ينطبق على الأسرة، فعلاقة الصداقة أكثر هشاشةً وتحتاج إلى مزيد من الرعاية، ومن المؤكَّد أنَّك تتواصل مع بعضهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتضع إعجاباً على صورهم، ولكن بالنظر إلى البيانات، يشعر "روبن" أنَّ هذا الأمر يؤدي إلى تدهور العلاقات، فنحن نحتاج إلى التواصل مع الآخرين وجهاً لوجه.

يجب أن تبقى على تواصل مع الأصدقاء، وتحافظ على ثبات علاقاتك، فقد يكون من الصعب التنبؤ بالعلاقات التي يمكِن الحفاظ عليها، ولكنَّ تواصلك بانتظام مع الأصدقاء الذين تريد الاحتفاظ بهم سيدفعهم للشعور بأنَّهم هامون بالنسبة إليك.

إذاً، ما الذي تفتقده معظم صداقاتنا؟

إقرأ أيضاً: 9 نصائح لتحويل علاقاتك إلى علاقات مثمرة

2. الامتنان:

ألقى العالمان اللغويان "سيميون فلويد" (Simeon Floyd) و"نيك إنفيلد" (Nick Enfield) نظرةً على 1500 محادثة حيث كان الناس يطلبون امتلاك بعض الأشياء في حياتهم. وبحسب الإحصاءات، تبيَّن أنَّ الناس يستخدمون الامتنان في حياتهم بنسبة 5.5% من وقتهم، والمحادثات التي ناقشوها كانت مع الأصدقاء والعائلة؛ ممَّا يعني أنَّنا نُظهِر امتناناً للغرباء أكثر من الأشخاص المقرَّبين منَّا.

بحسب كتاب "الأصدقاء":

"نحن نتوقع ببساطة من العائلة والأصدقاء الاستجابة لطلباتنا كجزءٍ من طبيعة العلاقة التي تربطنا بهم، لذلك لا داعي لإظهار الامتنان لهم. في الواقع، نحن غالباً لا نبدأ طلباتنا باستخدام كلمة "من فضلك"، بالإضافة إلى عدم استخدام كلمة "شكراً" بعد ذلك، فنحن ببساطة نتوقع منهم أن يقدِّموا لنا تلك الخدمات من باب الالتزام، وتحقَّق من هذا الأمر بنفسك، فنحن نعبِّر عن الامتنان للغرباء أو الأصدقاء الأقل قرباً منَّا، والذين لا نتوقع منهم أن يتصرفوا معنا بإيثار".

القليل من الامتنان يمكِن أن يساعد في الحفاظ على العلاقات لمدة طويلة، وإذا فشلتَ أحياناً، فيمكِنك الاعتذار، وإذا كان الوقت يساعد على شفاء الجروح كلها، فلن يخسر أحد؛ لذلك، تأسَّف عندما تخطئ ولا تدع المشاعر السيئة تتراكم بينك وبين أصدقائك.

لقد حقَّق "رقم دنبار" شهرةً واسعةً، ولكن للأسف وُجِدَ أنَّ عدد الأصدقاء لا يهم بقدر نوعية العلاقات.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك 

3. نوعية العلاقات مقابل عددها:

هل تعرف ذلك النوع من علاقات الصداقة التي لم يلتقِ فيها الأصدقاء ببعضهم بعضاً لفترة طويلة، ولكن لا تزال مشاعرهم موجودةً عند اللقاء وكأنَّ شيئاً لم يحدث؟ تُعَدُّ تلك الصداقات رائعةً، ولكن ما هي الكيمياء الكامنة وراء تلك العلاقات وكيف نكوِّن المزيد منها؟

أظهرَت دراسةٌ أُجرِيَت على المجتمعات المحلية وأصدقاء الفيسبوك نتائج متماثلةً؛ حيث إنَّ التواصل المتكرر لم يكن بأهمية عمق العلاقات نفسها. وفيما سبق، كان يمضي الأشخاص الكثير من الوقت مع بعضهم، ولكن يبدو أنَّ العنصر الهام هو تبادل التجارب والأحداث العاطفية مع بعضهم بعضاً، والتحدث عن الأمور التي كانوا يواجهونها في الأوقات العصيبة، فعندما يتشارك الأشخاص النجاحات والإخفاقات الشديدة التي مروا بها، سيترك ذلك علامةً تؤكِّد بأنَّ علاقاتهم لن تفشل مع مرور الوقت.

لذلك، لا يوجد مشكلة في إظهار ضعفك أحياناً، وطلب المساعدة والاستشارة، ومشاركة ما تمرُّ به عاطفياً. تعتمد نوعية العلاقات على نوعية التفاعلات فيها؛ فهذا الأمر يساعد على تكوين صداقات تستمر لفترة طويلة.

يُعَدُّ إهمال قضاء الوقت مع الأصدقاء وجهاً لوجه تفكيراً خاطئاً، والآن بعد أن بدأ الوضع يتغير وتعود الحياة إلى طبيعتها، ضع خططاً لمقابلة أصدقائك.

إذاً، تتفوق نوعية العلاقات بذلك على عددها.

4. إعطاء الأولوية لأقرب الأصدقاء:

عندما نتعمق في التأثيرات الموسَّعة لـ "رقم دنبار"، فمن الواضح تماماً أنَّنا نمتلك عدداً ثابتاً من العلاقات، فقد يكون للأشخاص المنفتحين أصدقاء أكثر، لكنَّ صداقاتهم أقل قرباً من صداقات الأشخاص الانطوائيين، فلا يسعنا إلا أن نعطي الكثير للقليل من أصدقائنا.

وسطياً، نحن نقضي 3.5 ساعةً يومياً في التفاعل الاجتماعي، ونخصِّص 40% من وقتنا لأقرب 5 أشخاص، ويحصل العشرة الآخرون في المجموعة المكوَّنة من 15 شخصاً على نسبة 20% من وقتنا، وفي حال كانت دائرة علاقاتنا مكوَّنةً من عدد أكبر من الأشخاص، فنخصِّص لهم أقل من 20 دقيقةً شهرياً، وعندما نتزوج نفقد صديقَين مقرَّبَين.

يجب أن يكون الدرس هنا واضحاً ومؤلماً، فلا يمكِنك تغيير الوقت؛ وإنَّما يمكِنك توزيعه بطريقةٍ مختلفةٍ، ولسنا بحاجة إلى رؤية الجميع كل يوم أو كل أسبوع، ولكن يجب أن تدرك مَن هو الشخص الهام بالنسبة إليك، وتمنحه الأولوية من وقتك.

إقرأ أيضاً: كيف تحافظ على علاقات شخصية قوية؟

5. الاحتفال مع الأصدقاء:

ما هي أفضل الأمور المشترَكة بين الأصدقاء؟

بحسب كتاب "الأصدقاء":

"ظهرَت أمور عدَّة كعوامل مشتركة تؤكِّد مدى رضا الأشخاص عن المناسبة التي يوجدون فيها مع أصدقائهم، وهي: عدد الأشخاص الموجودين لتناول الطعام، وكثرة الضحك، واسترجاع ذكريات الماضي".

النصيحة هنا: أَكثِر من الأصدقاء المرحين والمضحكين الذين يستعيدون ذكريات الماضي معك، وتخلَّص من الأحاديث القصيرة، فالأصدقاء الذين تلتقي بهم بعد فترة من الوقت، تحتاج إلى أن يكون الحديث فيها طويلاً وهادفاً، فهذا الأمر لا يجعل تجمُّع الأصدقاء ممتعاً فحسب؛ وإنَّما يحسِّن الرضا العام عن الحياة.

بحسب كتاب "الأصدقاء":

"لقد أكدَّ الطلاب الذين قضوا وقتاً أقل بمفردهم، وكانت معظم نقاشاتهم تدور حول أحاديث هادفة، بأنَّهم يتمتعون بصحة جيدة جداً، وعلى الرغم من أنَّ الوقت الذي يقضونه في حديث قصير لا يرتبط بمدى رضاهم عن حياتهم، إلا أنَّ الوقت الذي يقضونه في المحادثات الهادفة سيحقق لهم بالفعل الرضا العام عن الحياة".

لهذا السبب، نحن نعلم أنَّ علاقات الصداقة جميعها لا يمكِن (ولا ينبغي) أن تكون متساويةً.  

6. تحسين حياة أصدقائك المقرَّبين:

عندما حلَّل الطبيب "نيكولاس كريستاكيس" (Nicholas Christakis) وعالم النفس "جيمس فولر" (James Fowler) البيانات المأخوذة من دراسة فرامنغهام للقلب (Framingham Heart Study) أدركا أنَّ سلوكنا يتأثر بقوة (وغالباً دون وعي) في الأشخاص القريبين منَّا.

بحسب كتاب "الأصدقاء":

"لقد وُجِدَ أنَّ فرصك في أن تصبح شخصاً سعيداً أو مكتئباً أو بديناً مستقبلاً، بالإضافة إلى احتمالية الإقلاع عن التدخين، كانت جميعها مرتبطةً بقوة بتغييرات متماثلة تحدث لدى أقرب صديق لك".

إنَّ أفضل الأصدقاء وأقربهم أشبه بمتسلقي الجبال المربوطين ببعضهم بعضاً بحبل، وعندما يصعدون تصعد معهم، وإذا سقطوا (لا قدَّرَ الله)، فمن المرجح أن تسقط معهم أيضاً.

عندما تتحسن أمور أحدكما، تتحسن أمور كلاكما، إنَّها علاقة تأثير متبادلة؛ لذلك، ساعِد أصدقاءك على أن يصبحوا أفضل في الحياة، وقدِّم لهم مهاراتك وتجاربك لتتمكنوا من الوصول إلى القمة معاً.

الخلاصة:

فيما يلي طريقة تكوين صداقات من خلال الذكاء العاطفي:

  • البقاء على تواصل: الصداقة ليست عبارة عن حَلبة يجب أن تقاتل فيها بشراسة لتتمكن من الحصول عليها.
  • الامتنان: إذا كنَّا أكثر لطفاً مع الغرباء من الأصدقاء، فنحن بالتأكيد نفعل أمراً خاطئاً.
  • نوعية العلاقات أهمُّ من عددها: شارِك تجاربك العاطفية، فهذا سر تلك الصداقات التي يمكِنك فيها الاستمرار بعد الانقطاع لفترات.
  • إعطاء الأولوية للأفضل: وقتك محدود ويجب أن توزِّعه بحكمة؛ لذلك تخلَّص من الأشخاص الذين لا تريدهم في حياتك.
  • الاحتفال مع الأصدقاء: تناوَل الطعام معهم واضحك، واستعِد الذكريات، وتجنَّب الأحاديث القصيرة، وابحث عن الأشخاص الأكثر مرحاً.
  • تحسين حياة أقرب أصدقائك: ستؤثر أنت وصديقك في بعضكما بعضاً أكثر ممَّا تتصور؛ لذا كن جيداً، وساعِد في تحسين علاقتكما.

المصدر




مقالات مرتبطة