تنمية العلاقات الشخصية:
إنَّه لمن الجيد أن نأخذ فكرة سريعة عن تعريف العلاقات الشخصية؛ فهي باختصار معرفة أو ارتباطات قوية أو وثيقة بين شخصين أو أكثر، ويمكن لهذه العلاقات أن تستمر لفترات زمنية وجيزة أو طويلة، ويمكن أن تشمل أفراد العائلة أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو الجيران أو الأندية، ويمكنها أن تكون ضمن أي سياق أو موقف.
فمثلاً: قد تكون لديك علاقات قوية لكنَّها قصيرة مع أشخاص عملت معهم على مشروع ما؛ وقد تعيش أنت وأفضل أصدقائك في مكانين مختلفين، لكنَّكما تجتمعان عدة مرات في السنة وتقضيان وقتاً رائعاً معاً؛ وقد تكون عملت مع منتور (mentor) منذ أكثر من عقد من الزمن، ولا تزال على تواصل معه لكونكما تنسجمان جيداً؛ وكل هذه أمثلة عن العلاقات الشخصية القوية.
سيتطرَّق هذا المقال بإيجاز إلى تنمية العلاقات الشخصية، ويُقال أنَّ أفضل طريقة للتعامل مع هذه العلاقات هي أن تكون صديقاً أو شريكاً جيداً حسب ما يقتضيه الموقف؛ فمثلاً: إذا كنت في فريق عمل جيد، فلتحرص على أن تكون شخصاً من الجيد العمل معه، وأدِّ دورك وساعد الآخرين عند الحاجة، ولتكن مُساهماً ومستعداً للمساعدة عندما يحتاجون إليك؛ فما عليك كصديق سوى أن تتبع النصيحة القديمة التي تقول: "كي يكون لديك صديق، فعليك أن تكون صديقاً أولاً".
إذا كنت عضواً في مجلس إدارة أو في جمعية، فمن الأفضل أن يكون ذلك شيئاً ترغب في المساعدة فيه؛ حيث سيجعلك اتخاذ موقف "الراغب في المساعدة" هذا تفكر بعقليات الأفراد الآخرين الذين من المحتمل أن تعمل معهم؛ وما عليك أن تتذكره هو أنَّه يمكن للعلاقات الشخصية الرائعة أن تتشكل في أي مكان أو موقف تتفاعل فيه مع أناس آخرين، وأن تبذل القليل من الجهد للتوافق مع الآخرين، وستندهش من الفوائد التي تعود عليك.
كيف تحافظ على علاقات شخصية قوية؟
إليك بعض النصائح التي تمكِّنك من الحفاظ على علاقة قوية مع الأشخاص في حياتك:
1. انفتح على الآخرين:
تحتاج أي علاقة قوية إلى أن تكون مستعداً للانفتاح على الآخرين، ويعني هذا أن تمتلك القدرة والرغبة في مشاركة أفكارك ومشاعرك حول مواضيع مختلفة.
هذا منطقي تماماً؛ فعندما تكون منفتحاً ومستعداً للمشاركة، سيُظهِر هذا للشخص الآخر كم أنَّك مهتم بالعلاقة معه، وراغب في إنشاء رابط وثيق يقوم على الثقة وتقبُّل أفكار ومشاعر الشخص الآخر.
فكِّر في بعض المحادثات التي أجريتها عبر السنين، وستكتشف أنَّك عندما تتحدث مع شخص يتكتم دائماً على الأشياء ولا يشارك إلَّا القليل من المعلومات أنَّ من الصعب معرفة ما يفكر أو يشعر به حقاً، ويخلق هذا إحساساً بالبعد عن هذا الشخص؛ لكن من ناحية أخرى، عندما تتفاعل مع شخص منفتح على ما يشعر به ويتفاعل معك بأريحية، فسيكون أقرب كثيراً إليك؛ ذلك لأنَّ الأمر يبدو كما لو أنَّه يهتم بدرجة كبيرة ومُستعد لمشاركة ظنونه وأفكاره ومشاعره معك، ويخلق هذا رابطاً أقوى بكثير.
2. أظهِر التعاطف:
إليك قولاً ربَّما سمعت به من قبل: "ينسى الناس ما تقوله وما تفعله، لكنَّهم لن ينسوا أبداً ما جعلتهم يشعرون به".
الرغبات الإنسانية قوية جداً، وإحدى أعمق هذه الرغبات هي أن يشعر الإنسان بأنَّ الآخرين يصغون إليه ويفهمونه؛ فعندما تتعاطف مع شخصٍ ما، تُظهِر له أنَّك تهتم بما يكفي لتحاول فهم مشاعره، ويُسهِم هذا إسهاماً كبيراً في إبقاء العلاقات قوية فيما بينكما.
تذكر أنَّ إظهار التعاطف كلما سنحت لك الفرصة ينعكس على علاقاتك، ويساعدنا هذا جميعاً كي نشعر بمزيدٍ من الدعم والتفهم، والتواصل والارتباط مع الآخرين.
شاهد بالفديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟
3. كن محترماً:
غني عن القول أنَّ عليك أن تكون محترماً من أجل بناء علاقات قوية والحفاظ عليها؛ فاحترام الآخرين وآرائهم ومشاعرهم وما إلى ذلك أمر في غاية الأهمية، خصوصاً في العلاقات الشخصية كالزواج أو الصداقة الوثيقة.
ينطبق الشيء نفسه على العلاقات الوثيقة التي تنشأ في المجموعات؛ فإذا كنت عضواً في فريق عمل، ستتحسن الأمور كثيراً وتتطور الصداقات بصورة أعمق إذا كنت تحترم الآخرين في المجموعة؛ فإلى جانب كونه الأمر الصحيح للقيام به، يُعدُّ الاحترام المتبادل خيارك الوحيد إذا أردت أن يحترم الآخرون وقتك وآراءك أيضاً، ممَّا يساعد في تطوير الشعور بالارتباط والثقة؛ لذا اعمل على كسب احترام الآخرين عموماً، وستبني علاقات أقوى بالتأكيد.
4. امنح الآخرين وقتك واهتمامك:
الوقت أثمن ما نملك، وأعظم هدية تمنحها للآخرين هي قضاء وقتك معهم.
تحدد كيفية قضاء هذا الوقت هويتك وصورتك في نظر الآخرين؛ فعندما تتواجد من أجل شخص، سيدرك أنَّك تقدِّره بما يكفي لقضاء وقتك معه، وأنَّك تثمِّن علاقتك به عالياً؛ ولهذا تأثير عظيم بالتأكيد، ويعود بالخير على علاقاتك الشخصية، ويُحافظ عليها متينة دوماً.
قد تعود أفضل علاقاتنا إلى أيام المدرسة، وربَّما نستمر في هذه العلاقة في الجامعة أيضاً، ثم في الوظيفة حيث نصبح أصدقاء حميمين حقاً، ونستمر حتى يصبح لدينا عائلات، وإلى ما بعد ذلك بوقت طويل؛ إذ من الرائع البقاء على تواصل والالتقاء بأصدقائك كل فترة.
قد يكلفك انشغالك خسارة صديق عزيز؛ فعندما لا تمنح الوقت الكافي لعلاقتكما، تهدد استمرارها؛ لذا تواجد مع أصدقائك، وامنحهم وقتك واهتمامك لدعم الروابط القائمة فيما بينكم.
5. ضع حدوداً:
تُعدُّ الحدود من الأشياء الضرورية في العلاقة الصحية، والتي قد تكون المعتقد أو طريقة الحياة أو القناعة بأنَّك تمتلك حدوداً.
إنَّه لمن الهام أن تكون واضحاً للآخرين فيما يخص حدودك، وعلى وجه الخصوص في العلاقات الشخصية القوية؛ لكون هذا يساعد على خلق احترام وتقدير الذات في العلاقة، ويُظهِر للآخرين ما تمثله وما الذي تسمح أو لا تسمح به في الحياة؛ وقد يكون طرح مثالين عن الأمر مفيداً هنا:
- في الزواج: يوضح أحد الزوجين لشريكه أنَّ المسؤولية المالية هامة جداً بالنسبة إليه، فربَّما بدأ العمل في سن مبكرة لأنَّه كان مسؤولاً عن تحصيل مصاريفه بمجرد أن بلغ الثامنة عشر. السبب ليس هاماً حقاً مهما كان، فما يهم فعلاً هو أنَّه يوضح لشريكه أنَّ هذا على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إليه؛ فقد يكون أحد الشريكين يقامر، وكثيراً ما تؤدي المقامرة إلى الإخلال بالمسؤولية المالية، ممَّا يحمل تأثيراً سلبياً على العلاقة بين الزوجين، فتدور الشكوك حول استمرار هذا الزواج في مرحلة ما.
- في فريق العمل: يوضح أحد الأعضاء أنَّ مشاهدة ابنه وهو يلعب كرة القدم الساعة السادسة من مساء يوم الأربعاء هام جداً؛ فهو على استعداد للعمل حتى وقت متأخر في أي يوم آخر من الأسبوع ما عدا يوم الأربعاء؛ حيث وضع الحدود بهذا، وسمعه أعضاء فريقه ومديره، وفهموا أنَّ بإمكانهم أن يطلبوا منه التأخر في العمل من وقت إلى آخر عدا يوم الأربعاء؛ وهذه حدود مبنية بطريقة جيدة وصحية.
6. كن مستعماً جيداً:
ربَّما قرأت مثل هذا كثيراً فيما مضى؛ إذ يوجد شيء يميل معظم الناس إلى التغافل عنه، وهو أنَّ الإصغاء نصف التواصل؛ فعندما تكون جيداً حقاً في الإصغاء، تكون قد قطعت نصف الطريق في التواصل؛ حيث يضيف الإصغاء الفعال الكثير إلى علاقاتك، وربَّما ينقلها إلى مستوى أعلى.
يساعد إظهار أنَّك تصغي حقاً على تعزيز تقدير الذات عند الآخرين؛ فهو يدلُّ على اهتمامك بما يقولونه، ممَّا يُشعِرهم بأهميتهم بالنسبة إليك؛ كما يُظهِر أنَّك تسعى إلى الفهم، وأنَّه من الهام بالنسبة إليك أن تعرف كيف يشعر الشخص الآخر حول شيء ما.
يشبه هذا الإطراء الصامت لشخص تتفاعل معه، مما يُشعِره بالدعم، وربَّما بالقيمة أيضاً؛ ويحمل هذا أهمية قصوى في العلاقات عموماً.
7. تقبَّل الاختلاف:
اعلم أنَّ الاختلاف مفيد ولا بأس به في العلاقات الشخصية القوية؛ فجميعنا مختلفون ولدينا مشاعر وآراء مختلفة، ولا تزدهر العلاقات في الواقع إلَّا عند حدوث بعض الخلافات والنزاعات.
الحل البديل ألَّا تتحدث، وأن تبقي مشاعرك حبيسة في داخلك؛ لكن هل تعرف ما يحدث إذا أبقيت مشاعرك وآراءك حبيسة داخلك لفترة طويلة؟ ستشعر بالاستياء، وينفجر هذا الاستياء المكبوت في النهاية بطريقة سيئة بالنسبة إلى الجميع.
قد تكون علاقتك مع ابنك قوية، وقد تختلفان أو تتجادلان صراحة إلى حد ما، وقد تخبره أنَّك لست معجباً بتصرفاته ولكنَّك تحبه دائماً، وقد يقول هو الشيء نفسه عنك، وهذا رائع؛ حيث تعزز القدرة على الاختلاف مع شخص ما علاقة أكثر انفتاحاً، ويشعر الجميع بالراحة لكونهم يتشاركون الطريقة التي يفكرون ويشعرون بها.
8. كن ممتناً:
لهذا معنى كبير، إذ يمكن لإظهار التقدير للشخص الآخر في العلاقة أن يجعل هذه العلاقة أقوى؛ فنحن نحب جميعاً أن نشعر بالتقدير والتفهم، كما أنَّنا نشعر بالرضا عندما يشكرنا شخص ما على شيء فعلناه أو قلناه، وعندما نعلم أنَّ جهودنا تجعل الشخص الآخر يشعر أنَّه أفضل، وأنَّه مدعوم من قِبلنا؛ ممَّا سيساعد بالتأكيد على الحفاظ على علاقاتنا الشخصية قوية.
شاهد بالفديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان
الخلاصة:
لا تنسَ أبداً مدى أهمية امتلاك علاقات قوية ومتينة لتتوج حياتك بالسعادة والرضا؛ فمن السهل جداً أن ننشغل بأعمالنا اليومية ونترك العلاقات في آخر سلم اهتماماتنا.
لقد ذكرنا في هذا المقال 8 نصائح رائعة ستساعدك في الحفاظ على علاقات شخصية قوية؛ لذا ألقِ نظرة عليها، وحدد ما قد يكون مفيداً لك في علاقاتك المختلفة، واستخدمها كما يجب للحفاظ على علاقاتك.
أضف تعليقاً