وعلى الرغم من أنَّه لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي تُوفِّر منصات تساعدنا على التواصل مع الأصدقاء والعائلة، فقد تطورت بصورة كبيرة وأضحت تتضمَّن إعلاناتٍ ومقاطع فيديو وروابط تدفعنا إلى الانتباه إلى أحدث الصيحات أو المنتجات وأضخمها.
وفقاً لمقال نشرته مجلة فوربس (Forbes) مؤخراً، فإنَّ وجود استراتيجية فعالة لوسائل التواصل الاجتماعي أمر بالغ الأهمية للشركات والمستهلكين على حد سواء، فنحن نتخذ قدراً هائلاً من قرارات الشراء بناءً على المحتوى المقدم لنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وبالمثل، فإنَّنا نميل أيضاً إلى "اتباع القطيع" عندما يتعلق الأمر بالتوجهات والأفكار والأزياء الجديدة؛ وفي حين أنَّ الجانب الإيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي هو أنَّنا نتمتع الآن بقدر أكبر من حرية التعبير، إلا أنَّ الجانب المظلم لا يزال موجوداً، وهو أنَّه يمكننا بسهولة أن نفقد إحساسنا بالتفرد.
إنَّه مسار صعب وغالباً ما يؤدي إلى عواقب وخيمة، وغالباً يستغرق إدراكه وتغييره بعض الوقت والنتائج، وهذا هو السبب في أنَّ مصطلح "إدمان وسائل التواصل الاجتماعي" قد ترسخ في مجالَي الصحة والسلامة كأحد أسباب مشكلات الصحة العقلية.
إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيره في الصحة:
لقد تغيرت طريقة استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي بصورة جذرية منذ ظهور بعض المواقع مثل فيسبوك (Facebook)، ففي البداية، كان موقع فيسبوك طريقة بسيطة للتواصل مع الأصدقاء والعائلة ونشر الصور أو تحديثات الحالة. لكن مع مرور الوقت، ومع ظهور موقع أكثر توجهاً نحو نشر الصور مثل الإنستغرام (Instagram)، زادت المخاطر، ومن هنا ظهرت العواقب التي ما زلنا نتعامل معها في الوقت الحالي.
ألقِ نظرة على بعض أشهر الخصائص الحالية في الإنستغرام؛ فمن المحتمل أن ترى نمطاً من الصور المُعدَّلة والتصميمات المثالية التي يتابعها ملايين المستخدمين، فقد أصبح هذا هو هدف التطبيق؛ ليتكرس بهذا فكرة أنَّ الصور الجميلة تعني أنَّ المستخدم سعيد باستخدامه.
نحن نعلم أنَّ الأمر ليس كذلك، ولكن تعد هذه العقلية والرغبة في خلق حياة مثالية على الإنترنت ليراها الجميع، سبب زيادة الاكتئاب والقلق وتدنِّي تقدير الذات. وبالمثل، فإنَّ ذلك يجعلنا نفقد إحساسنا بالمصداقية والواقعية؛ لأنَّ مشكلات العالم الواقعي لا تعني نشر منشورات جميلة على وسائل التواصل الاجتماعي، فبدلاً من ذلك، نحن نختبئ وراء الجمال الذي يخفي شعورنا بالحزن والكآبة والوحدة؛ ونظراً لأنَّنا أنشأنا عالماً مُصمَّماً بعناية عبر الإنترنت، فبهذه الحالة نكون ابتعدنا عن عالمنا الحقيقي؛ حيث إنَّ إدمان وسائل التواصل الاجتماعي هو ممارسة الهروب من الواقع.
إذاً، كيف تستعيد زمام السيطرة على حياتك وتحد من الوقت الذي تقضيه في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتوقف عن إدمانها؟ نقدم لك فيما يلي بعض الخطوات في هذا الصدد:
1. التفكير في سبب رغبتك في التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي:
كل ما نقوم به في الحياة يرتبط بالنية: لماذا تريد أن تفعل شيئاً ما؟ وماذا سيحقق لك؟ وينطبق الشيء نفسه على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يكون من السُخف طرح مثل هذا السؤال عند التفكير في إنشاء حساب فيسبوك (Facebook) أو إنستغرام (Instagram)، ولكن إذا كنت تريد التحكم حقاً في وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بك بدلاً من أن تتحكم بك، يكون طرح هذا السؤال أمراً مثيراً للانتباه بالفعل.
هل تريد التواصل مع الأصدقاء، أم تريد الترويج لعملك؟ سيساعدك تحديد جوهر سبب اتصالك بالإنترنت على تحديد الوقت الذي تقضيه بفاعليَّةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي بوضوح والتخلص من أي أمر آخر.
2. التدقيق بشأن من تتابع وما تنشره وتشاركه:
يعد الانتباه أعظم أمر تملكه؛ حيث إنَّ كل ما تنقر عليه أو تضع له إعجاباً على صفحات التواصل الاجتماعي يصبح جزءاً من المحتوى الذي سيعود إلى الظهور لك، فلهذا السبب يجب أن تنشر وتتابع نوعاً محدداً من المعلومات التي تناسبك وتناسب احتياجاتك ووقتك، فنحن غالباً ما نتابع باندفاع الأشخاص الذين لا يخدمون مصالحنا.
امنح نفسك الإذن بإزالة كل المتابعات التي لا تفيدك من حين لآخر، وبدلاً من مواجهة مواقف صعبة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، ألغِ متابعة أي شخص لا تتواصل معه؛ فذلك أفضل بكثير لصحتك العقلية ويساعدك على التخلص من إدمان وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالمثل، احذر من نشر معلومات خاطئة؛ إذ مثلما تُخطِّط لإزالة بعض جهات الاتصال الخاصة بك، ثمَّة من متابعيك من يفكر في فعل الشيء نفسه معك؛ لذا اجعل من أولوياتك مشاركة ونشر الأمور التي تهمك وتخدم الآخرين أيضاً.
شاهد بالفيديو: 6 طرق للتواصل الذكي على السوشيال ميديا
3. تقليص الوقت الذي تقضيه على الإنترنت:
إذا كانت لديك قائمة طويلة بالأمور التي يتعين عليك إنجازها ولكنَّك أمضيت الساعات الثلاث الأخيرة في تصفح آخر الأخبار، فقد حان الوقت لإغلاق التطبيق أو الكمبيوتر؛ لذا اضبط مؤقِّتاً على هاتفك إذا كان هذا الأمر يساعدك على التخلص من إدمان وسائل التواصل الاجتماعي.
وما إن تبدأ ممارسة التحرر من الاتصال بالإنترنت، ستلاحظ أنَّك توفر الكثير من الوقت، ولطالما كان هذا الوقت موجوداً، لكنَّك كنت تستخدمه بصورة سيئة، ولا يعني ذلك أنَّه ليس لديك ما يكفي من الوقت؛ وإنَّما يعني أنَّك تقضي الكثير من الوقت في تصفح الإنترنت بدلاً من أن تكون منتجاً.
4. تغيير إعدادات الإشعارات:
إذا كانت إنتاجيتك تتأثر بسبب تشتُّت انتباهك باستمرار بالأصوات الصادرة عن إشعاراتك، فيوجد طرائق لإيقاف تشغيل هذه الإشعارات في إعداداتك، والأفضل من ذلك، يمكنك دائماً حذف التطبيقات من هاتفك والتحقق من إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي على حاسوبك، فبهذه الطريقة، يمكنك إنهاء عملك دون أن تغريك الرغبة في التحقق من رسائلك وإشعاراتك.
5. لا يجب نشر كل شيء ومشاركته:
غالباً ما نشعر أنَّنا في حالة دائمة من "الشعور بالقلق" عندما يتعلق الأمر بالنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن إذا حدث أمر ما ولم ننشر عنه؛ فإنَّ الحياة ستستمر بالتأكيد.
نحن غير مُلزَمين بإطلاع متابعينا دائماً على آخر مستجدات حياتنا، فهذه خيارات يجب أن نتخذها بوعي وبما يتوافق مع رغباتنا.
6. من الجيد ترك هاتفك جانباً والاستمتاع بالحياة:
في الواقع، يمكن أن تساعدك هذه النقطة البسيطة جداً في التخلص من إدمان وسائل التواصل الاجتماعي؛ فاللحظات الثمينة في حياتك فريدة من نوعها، مثل مراقبة المؤثرين أو رؤية ابتسامة الشخص المفضل لديك؛ حيث تعد هذه اللحظات حساسة للغاية، ولا تحدث بنفس الطريقة مرتين في حياتك.
لا تركض نحو هاتفك لتوثيق تلك اللحظة؛ وإنَّما راقبها بعينيك وقلبك بدلاً من ذلك، ودعها تصبح ذكرى جميلة، واستمتع باللحظة التي تحرص على مشاركتها مع الآخرين وبدلاً من ذلك امنح الأولوية لمشاركتها مع نفسك.
أفكار أخيرة:
يمكن أن يؤدي إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، عند تركه دون رادع، إلى الاكتئاب ونقص تقدير الذات والمصداقية، وإذا فعلنا ما يقوم به معظم الناس بحثاً عن حياة مثالية عبر الإنترنت؛ فإنَّنا نبتعد عن فكرة أن نكون على طبيعتنا، ويؤدي هذا إلى الكثير من العواقب، والتي يمكن أن تتضاعف مع مرور الوقت وتؤدي إلى عقبات أسوأ في حياتنا.
عندما نتعلم طريقة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى أي درجة يجب استخدامها، وما الغرض من استخدامها، يمكننا السيطرة عليها قبل أن تسيطر علينا.
أضف تعليقاً