يظهر هوَس الناس بتقليد المشاهير في هذا المثال وغيره من الأمثلة الكثيرة، فباتت الشركات الإعلانية وبعد أن أدركت فاعليَّة تأثير المشاهير في العامَّة تستعينن بهم لترويج منتجاتها، فرأيناهم يُروِّجون لمعجون الأسنان والشَّامبو والماركات الرياضية والملابس والموضة والعطور.
إلى هنا يمكننا عدَّ الأمرِ طبيعياً، أمَّا حين نرى عمليات التجميل التي تهدف إلى التشبُّه بشخصٍ منهم في ملامح الوجه أو شكل الجسد وخاصَّة عند السيدات، نُدرِك أنَّنا صرنا في مرحلة خَطِرَة من الهَوَسِ بالمشاهير والتَّشبُّه بهم على حساب فقدان الهويات الشخصية.
نعي أنَّ الأمر تحوَّل إلى ظاهرة سلبية لا بدَّ من الوقوف عندها مطوَّلاً، خاصَّةً عندما يصبح أبناؤنا جمهوراً يسعى إلى تبنِّي هويَّةٍ مختلفةٍ على حساب هويَّتِه الفريدة؛ لذا سنناقش في هذا المقال ظاهرة هَوَسِ تقليد المشاهير وكيفيَّة التعامل معها.
هَوَسُ تقليد المشاهير:
هَوَسُ تقليد المشاهير هو سلوك قهريٌّ يتميَّز برغبة مُلِحَّة في تقليد كلِّ ما يفعله المشاهير، من مظهرهم الخارجي إلى أسلوب حياتهم وطريقة تفكيرهم، وتظهر أعراض هَوَسِ تقليد المشاهير على هيئة:
- قضاء وقتٍ طويلٍ في قراءة أخبارهم ومشاهدِة صورِهم وفيديوهاتهم، ومتابعة كلِّ ما يفعلونه على منصَّات التواصل الاجتماعي.
- محاولةُ تقليد تسريحة شعرهم، وطريقة لبسهم، واستخدام مستحضرات التجميل نفسها، حتَّى تقليد نبرة صوتهم ولغة جسدهم.
- الشعور بالغيرة من حياتهم المثالية، والشعور بالنقص.
- إنفاق مبالغَ كبيرةٍ من المال لشراء الملابس والإكسسوارات نفسها التي يرتديها المشاهير.
- إهمال الدراسة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية؛ بسبب الانشغال بمتابعة أخبار المشاهير وتقليدهم.
أسباب هَوَسِ تقليد المشاهير:
هناك عددٌ من الأسباب التي قد تدفع الشخص إلى ظاهرة هَوَسِ تقليد المشاهير، وتشمل:
1. البحث عن الهوية:
قد يلجأ بعض الأشخاص إلى تقليد المشاهير بوصفها طريقة للبحث عن هوية خاصة بهم، فقد يشعرون بالضياع أو عدم اليقين بشأن من هم وماذا يريدون في الحياة، ويظنُّون أنَّ تقليدَ المشاهير يساعدهم على إيجاد هويَّتهم الخاصة.
2. الشعور بالنقص:
قد يلجأ بعض الأشخاص إلى تقليد المشاهير بوصفها طريقة لتعويض شعورهم بالنَّقصِ وعدم الرضى عن أنفسهم، فقد يشعرون بأنَّهم غير جذَّابِين أو غير ناجحين، ويظنُّون أنَّ تقليدَ المشاهير سيجعلهم أكثر جاذبيةً وقبولاً من قبل الآخرين.
3. التأثُّر بالثقافة الشعبية:
تُروِّج وسائلُ الإعلام ترويجاً كبيراً لصورةٍ مثاليَّةٍ للمشاهير، وهذا قد يدفع بعض الأشخاص إلى تقليدهم، فتُصوِّرهم وسائل الإعلام على أنَّهم جميلون، ناجحون، وسعداء، وهذا قد يجعل بعض الأشخاص يشعرون بالضغط لتقليدهم.
4. ضعف الثقة بالنفس:
قد يلجأ بعض الأشخاص إلى تقليد المشاهير بوصفها طريقة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، فقد يشعرون بعدم الأمان أو عدم الثقة بأنفسهم، ويظنُّون أنَّ تقليدَ المشاهير سيجعلهم يشعرون بالثقة والجاذبية.
شاهد بالفديو: 5 أمور تُشير إلى أنك تعاني من قلّة الثقة بالنفس
5. الشعور بالوحدة:
قد يلجأ بعض الأشخاص إلى تقليد المشاهير بوصفها طريقة للشعور بالانتماء، وقد يشعرون بالوحدة أو العزلة، ويظنُّون أنَّ تقليدَ المشاهير سيساعدهم على الشعور بالارتباط بأشخاص آخرين.
6. اضطرابات نفسية:
قد يكون هَوَسُ تقليد المشاهير علامةً على اضطرابٍ نفسيٍّ أكثر خطورةً، مثل اضطراب الشخصية الحدية أو اضطراب الشخصية النرجسية، فقد يعاني الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات من شعور قوي بالفراغ، والبحث عن الانتباه، والحاجة إلى الشعور بالثقة.
7. عوامل اجتماعية:
قد تؤدِّي العوامل الاجتماعية دوراً أيضاً في هَوَسِ تقليد المشاهير، فيشعر بعض الأشخاص بالضغط من أصدقائهم أو عائلاتهم لتقليد المشاهير.
8. سهولة الوصول إلى معلوماتهم:
إنَّ سهولةَ الوصول إلى المعلومات عن المشاهير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون والصحف والمجلات، تجعل تقليدَهم أبسط من أيِّ وقت مضى.
من الهام أن ننوِّه إلى أنَّ هَوَسَ تقليد المشاهير ليس ظاهرة جديدة، فهو قد كان موجوداً منذ مدةٍ طويلة، لكنَّه أصبح أكثر انتشاراً في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
مخاطر هوس تقليد المشاهير:
إنَّ هوسَ تقليد المشاهير ينطوي على عددٍ من المخاطر أهمُّها:
1. فقدان الهوية:
يؤدِّي هَوَسُ تقليد المشاهير إلى فقدان الشخص لهويَّته الخاصة، فقد يصبح الشخص مهووساً بتقليد المشاهير لدرجة أنَّه ينسى من هو وماذا يريد في الحياة.
2. الشعور بالضغط:
قد يشعر الشخص بالضغط لمحاولة مواكبة أسلوب حياة المشاهير، وهذا قد يؤدي إلى الشعور بالقلق والاكتئاب، فقد يشعر الشخص أنَّه لا يمكنه أبداً أن يكون جيداً بما يكفي، وهذا قد يؤدي إلى مشاعرَ سلبية.
3. الإنفاق المُفرِط:
قد يؤدي هَوَسُ تقليد المشاهير إلى إنفاق مبالغَ كبيرةٍ من المال لشراء الملابس والإكسسوارات نفسها التي يرتديها المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى مشكلات مالية، خاصة إذا لم يكن لدى الشخص القدرة على تحمل تكلفة أسلوب حياة المشاهير.
4. إهمال المسؤوليات:
قد يؤدي هَوَسُ تقليد المشاهير إلى إهمال الشخص لمسؤولياته الدراسية أو المهنية أو الاجتماعية، وقد يصبح الشخصُ مهووساً بمتابعة أخبار المشاهير وتقليدهم لدرجة أنَّه ينسى واجباته الأخرى.
5. مخاطر صحية:
قد يؤدي هَوَسُ تقليد المشاهير إلى مخاطرَ صحيةٍ، مثل اضطرابات الأكل واضطرابات النوم، فقد يحاول الشخص تقليد سلوكات المشاهير غير الصحية، مثل اتِّباع نظام غذائي مقيَّد أو عدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.
6. مخاطر اجتماعية:
قد يؤدِّي هَوَسُ تقليد المشاهير إلى مخاطرَ اجتماعيةٍ، مثل العزلة الاجتماعية والتنمُّر، وقد يصبح الشخصُ مهووساً بمتابعة أخبار المشاهير وتقليدهم لدرجة أنَّه ينسى أصدقاءه وعائلته.
7. مخاطر نفسية:
قد يؤدي هوس تقليد المشاهير إلى مخاطر نفسية، مثل اضطراب الشخصية الحَدِّية واضطراب الشخصية النرجسية، وقد يعاني الأشخاص الذين يعانون من هذه الاضطرابات من شعور قوي بالفراغ والبحث عن الانتباه والحاجة إلى الشعور بالثقة.
كيفية التعامل مع هوس تقليد المشاهير:
يمكن أن يكون التعامل مع هوس تقليد المشاهير أمراً صعباً، لكنَّه ليس مستحيلاً إليك بعض النصائح التي قد تساعدك:
1. اعترف بوجود المشكلة:
الخطوة الأولى هي الاعتراف بوجود المشكلة، فقد يكون هذا صعباً، لكنَّه ضروري للبدء في حلها.
2. حدِّد سببَ المشكلة:
حاول أنْ تفهمَ سببَ هوسِك بتقليد المشاهير، فهل تشعر بالنقص؟ هل تبحث عن الهوية؟ هل تتأثر بالثقافة الشعبية؟
3. حدِّدْ أهدافاً واقعيةً:
حدِّدْ أهدافاً واقعيةً لنفسك، فلا تحاولْ تقليدَ المشاهير في كلِّ شيء، بل ركِّز على تحسين نفسك وتحقيق أهدافك الخاصة.
4. قلِّلْ من متابعة أخبار المشاهير:
قلِّلْ من الوقت الذي تقضيه في متابعة أخبار المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، وركِّز على حياتك الخاصة وأصدقائك وعائلتك.
5. ابحثْ عن هوايات جديدة:
ابحثْ عن نشاطات وأشخاصٍ جُدُدٍ تركز عليهم، ستساعدك الهوايات الجديدة على اكتشاف نفسك وتحقيق أهدافك الخاصة.
6. تذكَّر أنَّك فريدٌ من نوعك:
لا أحد مثلك فكنْ فخوراً بنفسك، لا تقارن نفسك بالمشاهير، ركز على نقاط قوتك وقدراتك الخاصة.
7. اطلبْ المساعدة:
إذا كنت تواجه صعوبةً في التعامل مع هَوَسِ تقليد المشاهير، فلا تتردَّد في طلب المساعدة من شخص تثق به، مثل صديقٍ أو أحد أفراد العائلة أو معالِجٍ نفسي.
نصائح إضافية للتعامل مع هَوَسِ تقليد المشاهير:
8. تحدَّث إلى شخصٍ تثق به:
تحدَّث إلى صديقٍ أو أحد أفراد العائلة أو معالِجٍ نفسي عن شعورك.
9. اقرأ كتباً عن تطوير الذات:
ستساعدك هذه الكتب على فهم نفسك فهماً أفضل وتحسين ثقتك بنفسك.
شاهد بالفديو: 20 قول رائع في تحفيز وتطوير الذات
10. مارس الرياضة بانتظام:
تساعدك الرياضة على الشعور بالتحسُّن وتحسين صحتك العقلية.
11. تناول طعاماً صحياً:
سيساعدك تناول الطعام الصحي على الشعور بالتحسُّن وتحسين صحتك العقلية.
12. احصلْ على قسطٍ كافٍ من النوم:
سيساعدك الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم على الشعور بالتحسُّن وتحسين صحَّتِك العقلية.
تذكر أنَّ التعامل مع هَوَسِ تقليد المشاهير يتطلَّب وقتاً وصبراً؛ لذا لا تستسلم استمرَّ في العمل على نفسك وستتمكن من التغلب على هذه المشكلة.
كيف نحمي أبناءنا من هَوَسِ تقليد المشاهير؟
يُعَدّ هَوَسُ تقليد المشاهير ظاهرةً مُقلِقَةً قد تؤثِّر في أطفالنا، لذلك من الهامِّ اتِّباع بعض الخطوات لحمايتهم من مخاطرها إليك بعض الطرائق:
1. التحدُّث مع أطفالك:
من الهامِّ التحدُّث مع أطفالك عن مخاطر هَوَس تقليد المشاهير وشرح أهمية كونهم أنفسهم.
2. تشجيع التفكير النقدي:
ساعد أطفالك على تطوير مهارات التفكير النقدي حتى يتمكَّنوا من تقييم المعلومات التي يتلقَّونها من وسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز تقييماً نقدياً.
3. التركيز على القيم الإيجابية:
غرس القيم الإيجابية مثل الثقة بالنفس والاحترام الذاتي في أطفالك، يساعدهم على مقاومة ضغوطات تقليد المشاهير.
4. قضاء وقتٍ ممتعٍ مع أطفالنا:
قضاء وقت ممتع مع أطفالنا سيجعلهم يشعرون بالحب والدعم، وهذا يساعدهم على مُقاوَمة ضغوطات تقليد المشاهير.
5. تشجيع الهوايات والاهتمامات:
شجِّع أطفالك على الانخراط في الهوايات والاهتمامات التي تُعبّر عن شخصياتهم، فهذا يساعدهم على الشعور بالثقة بالنفس والرضى عن أنفسهم.
6. تقييد وقتِ مشاهدة التلفاز:
خصِّص وقتاً محدَّداً لمشاهدة التلفاز، خاصةً البرامج التي تُركِّز على المشاهير.
7. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي استخداماً مسؤولاً:
ساعد أطفالك على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي استخداماً مسؤولاً، وشجِّعهم على متابعة الأشخاص الذين يُقدِّمون محتوى إيجابياً وملهماً.
8. محاولة أن تكون قدوة حسنة:
كن قدوةً حسنةً لأطفالك من خلال إظهار سلوكات إيجابية مثل احترام الذات والتفكير النقدي.
9. طلب المساعدة:
إذا كنت قلقاً بشأن هَوَسِ تقليد المشاهير عند أطفالك، فلا تتردَّد في طلب المساعدة من مُعالِجٍ أو مختص في التربية.
بتطبيق هذه الخطوات، تُساعد أطفالك على تطوير مهارات التفكير النقدي والثقة بالنفس، وحمايتهم من مخاطر هَوَس تقليد المشاهير.
في الختام:
إنَّ هَوَسَ تقليد المشاهير ليس ظاهرةً جديدةً، بل هو ظاهرةٌ قديمةٌ بُنيَت على أساسها فكرةُ التأثير والمؤثِّرين، ولكنَّ الذي ساعد على تفاقهما بهذا الشكل هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت متاحة للجميع في كل زمان ومكان، وهذا زاد من فترات التعرض لحياة المشاهير.
كما أنَّ وسائل الإعلام تتحمَّل مسؤوليات كبيرة في الترويج لهم وتصديرهم لنا على أنَّهم أيقونات مثالية في كل شيء، وختاماً نذكر أنَّ اقتباس بعض التصرفات الحسنة منهم مثل الاعتناء بالغذاء أو مساعدة الضعفاء ليس أمراً سيِّئاً، ولكنَّه يكون ذا تأثيرٍ سيِّئ إذا ما حدث بسبب التقليد فقط ودون أي محاكمة عقلية من قبلنا.
أضف تعليقاً