قد تعتقد أنَّ هذا طبيعيٌّ تماماً والواقع أنَّه كذلك؛ ولكن حينما يَلُفُّ شيءٌ من الغموض حياتنا، نبدأ بالاعتماد في قراراتنا وسير حياتنا على نَيل قبول الآخرين.
أبسط مثالٍ على ذلك حينما تتخذ قراراً ما وتسارع إلى طرح السؤال المعتاد على أصدقائك وعائلتك: "هل تعتقد أنَّها فكرة سديدة؟".
رغم معرفتنا أنَّها بالفعل فكرة رائعة لكنَّنا ما نزال نسعى إلى نَيل قبول دائرة الأشخاص المحيطين بنا وموافقتهم، ورغم معرفتنا أنَّ آراء الآخرين والطريقة التي يرسمون بها وجهات نظرنا تحظى بتقديرنا، يظلُّ نَيل قبول الآخرين يثير فينا حماسةً أكثر من التي يثيرها فينا الحدس، والسؤال هنا، ما سبب ذلك؟
شاهد بالفيديو: 25 نصيحة فعالة لتعزيز الثقة بالنفس
قوة التأثير الخارجي:
يرجع كل ذلك إلى فكرة الانتماء إلى العالم والمجتمع ودائرة الأصدقاء والعائلة؛ وذلك لأنَّه عندما يكون لدينا إحساس بالانتماء، يزداد حبنا للآخرين ولأنفسنا، وهذا ما يغذِّي تقديرنا لذاتنا ويحفزنا أيضاً لنكون أشخاصاً أفضل ونقدِّم أداءً أفضل في هذا العالم.
يشير مصطلح تحقيق الذات إلى قدرتنا على تحقيق كامل إمكاناتنا وتطوير مهاراتنا ومواهبنا لخدمة قوانا الكامنة؛ وبعبارةٍ أخرى، إنَّها المنصة التي ننطلق منها إلى إمكانات لا حدود لها؛ وذلك لاعتقادنا بأنَّنا جديرون بها ولدينا ما يلزم لإنجازها في النهاية.
ولكن ما علاقة هذا بالتأثير الخارجي والرغبة في نَيل القبول؟
يعتقد عالم النفس "أبراهام ماسلو" (Abraham Maslow) والذي صاغ فكرة التحفيز الذاتي أنَّه علينا تلبية احتياجاتنا الأساسية أولاً لتحقيق المستوى الأعلى من الوعي، وتشمل تلك الاحتياجات الأساسية الغذاء والمأوى والمياه والشعور بالأمان والإحساس به، لكنَّه أضاف إليها أيضاً احتياجاتٍ نفسية مثل الشعور بالانتماء والحب وتقدير الذات.
إذاً ليس من المستغرب أن تجعلنا أيَّ فجوة في هذه الاحتياجات النفسية الأساسية نسارع إلى طلب نَيل قبول الآخرين؛ فعندما ينخفض تقديرنا لذاتنا ونفقد الإيمان بقوَّتنا نلجأ إلى المجتمع طلباً للمساعدة، ويعد هذا قراراً حكيماً في النهاية؛ حيث تدعمنا مجتمعاتنا وترفع معنوياتنا عندما نكون في حالة إحباط.
مع ذلك، هناك توازن دقيق بين طلب المشورة والاعتماد عليها لرسم مسار حياتنا، وعندما نبدأ الاعتماد على هذه الرغبة في نَيل القبول باعتبارها المحرك الرئيس؛ فإنَّنا نسلِّم قوة حياتنا كلها لها.
آثار السعي إلى نَيل قبول الآخرين:
إنَّنا نعلم بالفعل أنَّ الاعتماد على نَيل قبول الآخرين قد يتسبب في عجزنا عن عيش حياتنا، ولكن هناك بعض الآثار المترتبة على حياة السعي إلى نَيل القبول، ومن الهام أن نعرف أنَّ لهذه الآثار رسائل تحذيرية حتى نتمكن من تجنبها؛ وذلك لأنَّ المعرفة والملاحظة هما سلاح بين أيدينا.
عندما نسعى باستمرار إلى نَيل القبول لدى أشخاص آخرين فنحن نمهِّد الطريق لمزيد من القلق والاكتئاب في حياتنا، وقد نسعى إلى نَيل القبول لدى الآخرين شخصياً من خلال الدخول مثلاً في حواراتٍ أو الانضمام إلى مجموعات، لكن في ظل انتشار التكنولوجيا في أيامنا هذه؛ أضحينا نفعل ذلك عبر الإنترنت في كثيرٍ من الأحيان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال.
يؤدي القلق والاكتئاب دوراً عندما لا ننال ما يكفي من القبول أو عندما ننتظر نَيله بدافعٍ من القلق والإدمان، وهذا لا يجرِّدنا من قدرتنا على اتخاذ القرارات فحسب؛ بل يضيف أيضاً ضغوطات لا ضرورة لها في حياتنا، ورغم أنَّ هذا الاحتمال قد يبدو نادراً ولكن يستخدم ما يقارب من 70% من سكان الولايات المتحدة وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة.
من خلال الميزات المُتاحة عبر منصاتٍ مثل فيسبوك وإنستغرام، يستمر الناس في تبادل منح القَبول، مع العلم أنَّ هذا لا يعني أن اللوم يقع على عاتق وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل هي مجرد مرآةٍ تعكس بوضوح السبب الأساسي الذي لطالما كان موجوداً.
ومن العوامل البارزة الأخرى التي ينبغي النظر فيها أنَّ النصائح التي نتلقاها من الآخرين ليست حيادية؛ فعندما نعقد العزم على اتخاذ قراراتنا بناءً على آراء الآخرين فنحن نأخذ تجاربهم أيضاً.
على سبيل المثال، قد تسعى إلى الحصول على موافقة عائلتك عندما تقرر ترك المدرسة لمدة سنة والسفر حول العالم، وقد يظنون أنَّها فكرة سيئة؛ وذلك لأنَّ عمك سبق أن خاض مرَّةً هذه التجربة وفشِل، وقد اعتمد في رأيه على تلك التجربة، لذلك ستكون نصيحته متأثرةً بها، ولن تكون حيادية، فيقع على عواتقنا نحن مسؤولية إدراك ذلك، لكنَّ الأمر ليس دائماً بتلك السهولة.
وأخيراً إنَّ الأهم من ذلك كله أنَّ السعي إلى نَيل قبول الآخرين يَحُول بيننا وبين الاستماع إلى حدسنا والأفضل أن نتبع إحساسنا عندما نفكر في المضي قدماً، ولا بأس من طلب المساعدة عندما نحتاج إلى التعامل مع قضيَّة ما من وجهة نظر جديدة، لكن يجب ألا ندع هذا الدعم يصبح عكازاً نتكئ عليه؛ بل أن نتبع حدسنا ونثق بأنفسنا.
كيف نتخلص من الحاجة إلى نَيل تقدير الآخرين؟
أولاً وقبل كل شيء، نحن بحاجة إلى النظر داخلنا ومعرفة احتياجاتنا الأساسية لنرى إذا ما كانت تُلبَّى، وإدراك حقيقة شعورنا بالانتماء حيث نحن في الحياة، وإن لم نشعر بهذا الانتماء؛ فيجب معرفة الأمور التي تقف في طريقنا، كأن نتأكد من أنَّنا نتلقَّى الحب كما نعطيه، والأهم من ذلك أن نتعلَّم كيف نقدِّم الحب لأنفسنا.
يُعَدُّ تعزيز تقديرنا لذواتنا إجراءً فعالاً يحتاج إلى استعادة زمام المباردة استعادةً كاملةً، وقد يعني هذا الابتعاد عن مجموعة من الأشخاص نشعر حينما نتواجد معهم بالتوتر، أو الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كما يُعَدُّ التأمل إجراءً آخر فعالاً أيضاً يعزز صدق حدسنا وثقتنا بالمستقبل.
غالباً ما نسمع أنَّ أجوبة كل أسئلة الحياة التي تراودنا موجودةٌ لدينا، والتأمُّل هو الوسيلة للحصول على تلك الأجوبة، كما يعد الاستماع إلى الحدس القبول الوحيد الذي يستحق أن نسعى إلى نَيله؛ وذلك لأنَّه نابعٌ من داخل نفوسنا.
أما حينما يتعلق الأمر بتنمية تقدير الذات، فسنمر بأوقات تتأرجح فيها قوَّتنا وتهتز ثقتنا، وهذه التقلبات طبيعية عندما نريد أن نعيش حياة حقيقية، ولكن إذا بقينا على هذا المنوال واتجهنا نحو هذه الاحتياجات سوف ندرك في مرحلةٍ من المراحل أنَّ قوَّتنا الداخلية هي أعظم ثرواتنا.
ومن هذا المُنطلَق، يجب أن نعرف أنَّ في إمكاننا إحراز أي هدف ننوي إحرازه وأن ننجح في ذلك، ويُدعى هذا تقدير الذات وقد يأتي على شكل تلقِّي الحب والنِعَم، وعلينا أن نتعلم أنَّنا نستحق كل الخير في هذه الحياة؛ لذا ففي المرة القادمة التي تتلقى شيئاً مثل العناق أو الكلمة الرقيقة أو المجاملة أو حتى القبول فتقبَّله وقدِّره، ولا تتسرع في رفضه بل بادر بالشيء نفسه لمن منحك إياه، فكلما استقبلت ذلك بصدر رحب أصبح من السهل عليك أن تؤمن بأنَّك جدير به.
وأخيراً، تقبَّل وجهة نظر الآخرين لكن لا تعتمد عليهم لإنارة طريقك لأنَّك الوحيد الذي تعرف ما هو الأفضل لك، وهذا يأتي بعد أن تزيد ثقتك وتتبع حدسك؛ وذلك لأنَّه لن يخيِّبك وسيقودك إلى الوجهة الصحيحة.
الأفكار الأخيرة:
إنَّ السعي إلى نَيل القبول منحدر زلق ويبدأ عندما نطلب آراء الآخرين في قراراتنا في الحياة، ويصبح الأمر معقداً عندما نعتمد على هذا السعي ونعيش حياتنا لإرضاء الناس وتلبية توقعات الآخرين وهذا لا يؤدي إلى حرماننا وحسب؛ بل يضيف مزيداً من التوتر والقلق والاكتئاب إلى حياتنا.
واستناداً إلى الدراسات النفسية التي أجراها ماسلو، فإنَّنا نحتاج إلى تلبية احتياجاتنا الأساسية من الأمان والبقاء والحب والشعور بالانتماء إلى مجتمعاتنا، وهذا ما يسمح لنا بالميل إلى احترام الذات والاستماع إلى حدسنا، ومن هنا يمكننا قطع حبال الاعتماد على السعي إلى نَيل القَبول وبدلاً من ذلك نبدأ برسم طريقنا الخاص في الحياة والنجاح مستقبلاً.
أضف تعليقاً