إذا بقيت في وظيفتك الحالية، فلن تضطرَّ إلى التعامل مع عواقب وتبعات الانتقال إلى وظيفة جديدة، وقد تحصل على الترقية التي كنت تعمل بجد من أجلها خلال السنوات الخمسة الأخيرة.
أمَّا إذا قبلت الوظيفة الجديدة فستربح مزيداً من المال، وتتحمَّل مزيداً من المسؤوليات، ويتعيَّن عليك تعلُّم نظام جديد وتكوين صداقات جديدة.
ماذا عليك أن تفعل؟ هل يجب أن تبقى بأمانٍ في وظيفتك الحالية؟ أم يجب عليك المخاطرة وقبول العمل الجديد؟ بماذا يُخبرك شعورك الداخلي؟ وهل يجب أن تُنصت إليه حقاً؟
ما هو الحدس؟
عندما تواجه قراراً صعباً، فأنت تعرف ببساطة ما الخيار الصحيح، حيثُ تشعرُ أنَّ الإجابة تنبعُ من داخلك، وهذا ما يشير إليه الخبراء على أنَّه "الحدس".
يُعرَّف الحدس بأنَّه "القدرة على فهم شيءٍ ما بصورة غريزية دون الحاجة إلى التفكير الواعي"؛ ورغم أنَّه قد يبدو عملية داخلية غريزية وغامضة، إلَّا أنَّه في واقع الأمر شكلٌ من أشكال التفكير اللاواعي، وعملية متأصلة في الطريقة التي تجمع بها أدمغتنا المعلومات وتخزِّنها وتولِّفها وتذكِّرنا بها.
المشكلة التي يعاني منها الكثير منا في الثقة بحدسنا هي مشكلة ذات شقين:
- أولاً: إنَّ العملية التي نمرُّ بها للوصول إلى "شعورنا الغريزي" عمليةٌ غير واعيةٍ تماماً؛ لذلك، نحنُ لا نمتلكُ فكرةً عن البيانات والعمليات التي استخدمناها للتوصل إلى الاستنتاج.
- ثانياً: غالباً ما نخلط بين الخوف والحدس، حيث نشعر حرفياً بالخوف في داخلنا، ويمكن أن يقودنا هذا الشعور إلى الاعتقاد بأنَّ حدسنا يُخبرنا بضرورة تجنُّب الخطر.
متى تثق بحدسك؟
متى ينبغي لك أن تثق بحدسك؟ وكيف تميز بين الخوف والشعور المشروع بالحسّ الداخلي؟
في ما يأتي ثلاثة نصائح تساعدك في تحديد الوقت الذي ينبغي عليك فيه أن تتبع حدسك، والوقت الذي ينبغي أن تحصل فيه على رأيٍ آخر.
1. قيِّم أفكارك:
يُعدُّ هذا هاماً للغاية؛ ذلك لأنَّ الحدس عملية لاشعورية تماماً، حيث يبني فهم كيفية تفكيرك ومعالجة المعلومات الثقة في عملية تفكيرك الداخلية، ويمكِّنك من استيعاب المعلومات واستخدام الاستدلال الاستقرائي والاستنباطي باستمرار؛ وتكمن الحيلة هنا في تحويل العملية من خلفية إلى واجهة وعيك.
فكِّر في مَهمَّة روتينية تقوم بها يومياً دون التفكير فيها فعلياً، مثل قيادة سيارة؛ فمثلما تقوم بكلِّ الإجراءات اللازمة لتشغيل السيارة دون التفكير في كلِّ واحدةٍ منها فعلياً، يمكنك -إذا طُلِب منك ذلك- إجراء هندسة عكسية لعملية التفكير، حيث يمكنك وصف الظروف والحالات ودوافع الآخرين وسلوكاتك باستخدام الافتراضات والحسابات التي تحدث بشكلٍ غير واعٍ.
وفي حين أنَّ هذه العملية صعبة بعض الشيء في البداية، لكن ستتمكَّن مع الوقت والممارسة من فهم طريقة تفكيرك وتعقُّبها بسرعة؛ لذا إليك بعض النصائح لمساعدتك في تقييم أفكارك:
- راقب أفكارك: راقب أفكارك واطرح أسئلةً مثل: "ما الذي يجعلني أفكر بهذه الطريقة؟ ما الاعتقاد الذي يشكل هذا الفكر؟ وما الضغط الذي يجعلني أعتقد أن افتراضي صحيح؟".
- تدرب على "عقلية المبتدئين": يعود أصل مفهوم "عقلية المبتدئين" إلى البوذية الزِنِيَّة -إحدى طوائف البوذية اليابانية- وهو يشجع على تبني منظور جديد عند النظر إلى الأمور، لتدرك أنَّها تنطوي على النظر في العديد من الاحتمالات. لذلك، حاول عند التفكير في اختياراتك اتخاذ موقف يعتمد على الانفتاح والحماس، والابتعاد عن التحيز الشخصي.
- العب دور محامي الشيطان: ابحث عن أسباب معقولة ومنطقية وشرعية لاختيار كلِّ خيار، وفكِّر لماذا يجب عليك اختيار خيار دون غيره. يمكنك القيام بذلك ببساطة عن طريق وضع قائمة بالإيجابيات والسلبيات لكلِّ قرار؛ ولفعل ذلك، قِس الإيجابيات والسلبيات، واعرف ما إذا كان استنتاجكَ المنطقيُّ يتناسب مع شعورك الغريزي.
كثيراً ما تؤدي ممارسة هذه التمرينات الذهنية إلى معرفة متى تثق بغرائزك، ومتى تطلب نصيحة الآخرين.
2. ميِّز الخوف عن الحدس:
عند محاولة التمييز فيما إذا كان شعورك الغريزي شيئاً بديهياً أم خوفاً قديماً، فكر في الجوانب الآتية:
- الخوف شعور عاطفي للغاية: عادةً ما يكون الخوف مشحوناً عاطفياً، وينطوي على مخاوفَ بشأن المستقبل أو الماضي، وغالباً ما يكون مُقلِقاً أو غامضاً أو ثقيلاً؛ فهو ينطوي على مضمون قاسٍ أو مهين أو وهمي، أو جروح عاطفية سابقة.
- الحدس محايد عاطفياً: لا يحمل الحدس مشاعر إيجابية أو سلبية بشكلٍ مفرط؛ فهو لطيفٌ ومنطقيٌّ وليس عاطفياً، ويركز على الحاضر فحسب، ولا يأخذ في الاعتبار جروح الماضي، ويتمحورُ حول جمع وفرز ودراسة الأدلة؛ وهو لا يتعلَّقُ بعواطفك، بل يمنحك الهدوء والسكينة.
واحدةٌ من أفضل طرائق تحديد ما إذا كُنت تشعرُ بخوفٍ نابعٍ من داخلك، أم أنَّك وصلت إلى استنتاجٍ منطقي؛ هي وضع قائمةٍ بكلِّ ما يُخيفك، حيثُ يسهل التعرف عليه عندما يشير الشعور الغريزي إلى أحد مخاوفك مقابل كونه منطقياً؛ فإذا كان ذلك مبنياً على الخوف، فاحصل على رأيٍ ثانٍ؛ وإذا لم يكن كذلك، فاتبع حدسك.
3. لا تتجاهل شَكَّك الداخلي:
تعدُّ غرائزنا الحوافز والإنذارات الداخلية الأساسية التي تساعدنا على البقاء على قيد الحياة؛ لذلك فإنَّ الاستماع وتفسير هذه الحوافز أمرٌ بالغ الأهمية عندما يؤثِّر القرار في سلامتك ورفاهيتك، كما في حالاتٍ مثل: المراحل الأولى من الخطبة والزواج، أو الاستعانة بشخصٍ ما لرعاية طفلك، أو القرارات المتعلقة بصحتك، أو عند اتخاذ قرارات الاستثمار.
باختصار: يجبُ أن تثقَ بحدسكَ عند اتخاذ أي قرارٍ يتطلبُ الوثوقَ بالآخرين.
لقد قلنا جميعاً شيئاً مشابهاً: "لو اتَّبعتُ حدسي، لما حَدَثَ هذا أبداً"، والحقيقة هي أنَّه في تسع مرات من أصل عشرة هناك علامات تحذيرية وأشياء تُشعِرك بضرورةِ "الابتعاد" عن موقف تختار رفضه؛ وقد يكون تجاهل هذه الميول أمراً مكلفاً.
يشرح المؤلف "غافن دي بيكر" (Gavin de Becker) في كتابه "هدية الخوف" (The Gift of Fear) كيف تعمل معركتنا البدائية أو استجابة الكرِّ والفر، ويُفسِّر أنَّ ما نُشير إليه بـ "الشعور" هو في الواقع نتيجة لمئات الحسابات السريعة التي أُجرِيت دون وعي، والتي يُعبَّرُ عنها كَرَدِّ فعلٍ جسدي، مثل أن نشعر بالخوف أو عدم الارتياح فجأة.
عندما لا يكون هناك تفسير منطقي للخوف -لا يرتبط بحدثٍ سابق أو حالي أو ندبة عاطفية- يجب أن تثق تماماً بحدسك، والذي يتمثل بالشعور بتسرع ضربات القلب، أو الشعور بألم في معدتكَ من الخوف؛ حيث يُجري دماغك الحسابات ويشعر بشيءٍ خاطئٍ ما حيال الموقف.
لقد وجد بيكر أنَّه في 85٪ من الوقت تكون حساباتنا دقيقة، وفي الـ 15٪ المتبقية لا تكون حساباتنا خاطئة بالضرورة، بل قد تكون مشكوك في صحتها قليلاً.
ترجع معرفة متى تثق بحدسك إلى بعض الأشياء الرئيسة:
- تعلُّم كيف تفكر وتصبح واثقاً من عملية اتخاذ القرار.
- التمييز بين الحدس والمخاوف الداخلية.
- الثقة في معركتك البدائية أو غرائزك، ورفض التغاضي عن الإنذارات.
فما الذي يُخبرك به حدسك إذاً؟
أضف تعليقاً