سوف يتعمَّق هذا المقال في جذور هذا السلوك، ويستكشف كيف يؤدي التساهل وانعدام الحدود إلى إفساد تصرفات الطفل، والأهم من ذلك، أنَّها سوف تسلط الضوء على القوة التحويلية لتعليم المسؤولية، وهو العلاج الذي يعيد ضبط بوصلة الطفل من التركيز على الذات إلى الاعتماد على الذات.
من خلال غرس الشعور بالواجب والمساءلة والتعاطف، يمكن للآباء والمعلمين توجيه الجيل القادم نحو مستقبل يساهمون فيه في المجتع، ويقدرون أيضاً القيمة الجوهرية للعمل واحترام الآخرين، ومن ثم فإنَّ هذا الخطاب ليس مجرد فحص لنمط سلوكي، بل هو مخطط لتنشئة أفراد مسؤولين ومجهزين لمواجهة تحديات عالم دائم التطور.
من هم الأطفال المدللون؟
غالباً ما يتميز الأطفال المدللون بمجموعة من السلوكات التي تعكس مستوى مفرطاً من التساهل من آبائهم أو مقدمي الرعاية لهم.
عادةً ما يواجه هؤلاء الأطفال صعوبة في قبول كلمة "لا" بوصفها إجابة، وهذا يظهر إحساساً بالاستحقاق والتوقع لتحقيق ما يريدون في معظم المواقف، وقد يظهرون أيضاً عدم تقدير لما لديهم، ويرغبون دائماً في المزيد، ونادراً ما يشعرون بالرضى عن ممتلكاتهم أو تجاربهم.
قد يركز الأطفال المدللون على الأخذ أكثر من التركيز على العطاء، ويظهرون القليل من الامتنان أو الاهتمام بجهود الآخرين.
غالباً ما ينبع هذا السلوك من أساليب الأبوة والأمومة التي قد تحمي الطفل عن غير قصد من التحديات، وهذا يقلل من فرصه في تطوير المرونة والتعاطف، وقد يطلب هؤلاء الأطفال إشباعاً فورياً، ويظهرون أياً سلوكاً غير محترم، ويردون، ويفقدون أعصابهم بسهولة عندما لا تتم تلبية مطالبهم على الفور، وتمتد عواقب الدلال إلى مرحلة البلوغ، وهذا يؤدي إلى أنانية الأفراد، وعدم سعادتهم، وصراعهم مع العلاقات.
مع ذلك، من الهام ملاحظة أنَّ هذه المواقف يمكن تعلمها ويمكن التخلص منها، فيمكن للوالدين العمل على "التراجع" عن الإفساد من خلال وضع حدود واضحة، وقول "لا" دون الشعور بالذنب، وتعليم مراعاة الآخرين والاهتمام بهم، ومن خلال تعزيز أهمية التعاطف والامتنان، يمكن للوالدين توجيه أطفالهم ليصبحوا أفراداً محترمين ومتكاملين.
كيف نعلم الأطفال المدللين تحمل المسؤولية؟
يكون تعليم المسؤولية للأطفال المدللين عملية صعبة ولكنَّها مجزية، وهو يتضمن مزيجاً من وضع توقعات واضحة، والانضباط المستمر، والتعزيز الإيجابي.
أولاً، من الهام وضع مجموعة من القواعد والمسؤوليات المناسبة لعمر الطفل، ويشمل ذلك الأعمال المنزلية أو الواجبات المنزلية أو مهام الرعاية الذاتية، والاتساق هو المفتاح، فيجب على الآباء أو الأوصياء تطبيق القواعد بشكل موحد ومتابعة العواقب في حالة عدم الالتزام بها، وهذا يساعد الأطفال على فهم أهمية الحفاظ على كلمتهم وتأثير أفعالهم.
يؤدي التعزيز الإيجابي دوراً حاسماً أيضاً، فإنَّ الاعتراف بالجهود المبذولة لتحمل المسؤولية والإشادة بها يحفز الأطفال على الاستمرار في مثل هذه السلوكات، ومن المفيد أيضاً إشراك الأطفال في عمليات صنع القرار، فهذا يسمح لهم بتجربة نتائج اختياراتهم بشكل مباشر.
يتراوح هذا من اختيار ملابسهم الخاصة إلى إدارة قرار صغير، ومن الممكن أن تعزز مثل هذه التجارب الشعور بالملكية والمساءلة.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ القيادة بالقدوة هي أداة تعليمية قوية، فغالباً ما يقلد الأطفال سلوك البالغين من حولهم، وإنَّ إظهار السلوك المسؤول والاعتراف بأخطائك يُظهر للأطفال أنَّ المسؤولية هي ممارسة مدى الحياة.
الصبر ضروري أيضاً، فلن يحدث التغيير بين عشية وضحاها، وستحدث بعض الانتكاسات، ومع ذلك، مع مرور الوقت والمثابرة، يمكن للأطفال المدللين أن يتعلموا تحمل المسؤولية ويتطوروا إلى أفراد يتمتعون بضمير حي.
أخطاء شائعة يرتكبها الآباء عند تربية الأطفال:
من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الآباء عند تربية أطفالهم والتي قد تؤدي إلى إفسادهم ودلالهم ما يأتي:
1. عدم وضع حدود واضحة:
من دون حدود واضحة، قد يتطوَّر لدى الأطفال شعور بالاستحقاق ويتوقعون تلبية رغباتهم دون مراعاة الآخرين.
2. الانضباط غير المتسق:
الآباء الذين لا يطبقون القواعد بشكل موحد أو لا يتابعون العواقب يخلقون ارتباكاً بشأن السلوك المقبول.
3. الإفراط في الدلال:
الإفراط في تلبية رغبات الطفل يمنعه من تعلُّم تقدير الأشياء والاعتماد على نفسه.
4. الفشل في تعليم الامتنان:
الأطفال الذين لم يتعلموا الشكر قد لا يدركون أو يقدرون جهود الآخرين.
5. الاستسلام للمطالب:
الاستسلام المستمر لمطالب الطفل يعزز فكرة أنَّه يستطيع دائماً تحقيق ما يريده.
6. عدم السماح بالعواقب الطبيعية:
حماية الأطفال من عواقب أفعالهم تعوق قدرتهم على التعلم من الأخطاء.
7. الهدايا المادية المفرطة:
قد يؤدي تقديم كثير من الممتلكات المادية إلى عدم الرضى عما لديهم.
تتضمن معالجة هذه القضايا وضع قواعد واضحة، وتطبيق متسق، وتعليم الامتنان، والسماح للأطفال بتجربة نتائج اختياراتهم، وهذا يساعدهم على تطوير الشعور بالمسؤولية واحترام الآخرين.
شاهد بالفيديو: 8 أخطاء شائعة في تربية الأطفال
هل يكون لتدليل طفلك آثار طويلة الأمد في سلوكه؟
نعم، يكون لتدليل الطفل عدة تأثيرات طويلة الأمد في سلوكه، فإنَّ الإفراط في الدلال والإفساد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية، مثل:
1. التبعية:
قد يصبح الأطفال المدللون معتمدين بشكل مفرط على والديهم، ويكافحون من أجل العثور على السعادة بشكل مستقل بصفتهم بالغين.
2. عدم المسؤولية:
غالباً لا يتعلَّمون السلوكات المسؤولة، والتي تظهر في صورة صعوبة في إدارة الشؤون المالية والعمل والمسؤوليات العائلية في مرحلة البلوغ.
3. عدم الاحترام والتحدي:
قد يُظهر الأطفال المدللون عدم الاحترام والتحدي، وهذا يؤدي إلى سلوكات سلبية مثل التذمر أو الاستجداء أو التلاعب لتحقيق مرادهم.
4. مهارات العلاقات الضعيفة:
عدم معرفة الأطفال أنَّ العلاقات تنطوي على الأخذ والعطاء، فقد يواجه الأطفال المدللون صعوبة في تكوين صداقات ذات معنى والحفاظ عليها.
إذا لم تتم معالجة هذه السلوكات، فمن الممكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ، وهذا يؤثر في تفاعلات الفرد الاجتماعية، وسلامته العاطفية، ونجاحه بشكل عام في الحياة؛ لذا من الهام أن يسعى الآباء جاهدين لتحقيق تربية أبوية متوازنة تضع حدوداً واضحة وتعزز التعاطف وتعزز المسؤولية للتخفيف من هذه التأثيرات.
هل يؤدي تدليل الطفل إلى مشكلات نفسية في وقت لاحق من الحياة؟
إنَّ تدليل الطفل يساهم بالفعل في مشكلات الصحة النفسية في وقت لاحق من الحياة، فالإفراط في الدلال وعدم وجود حدود يؤدي إلى صعوبات مثل:
1. التنظيم العاطفي:
قد يواجه الأطفال المدللون صعوبة في التحكم في عواطفهم، وهذا يؤدي إلى الإحباط والتعاسة عندما لا تتم تلبية رغباتهم على الفور.
2. تحديات العلاقات:
قد يواجهون صعوبة في تكوين علاقات صحية بسبب ضعف المهارات الاجتماعية ونقص التعاطف.
3. المشكلات السلوكية:
قد تظهر سلوكات مثل الإسراف في الإنفاق، والمقامرة، والإفراط في تناول الطعام، وتعاطي المخدرات بوصفها آليات للتكيف.
4. الضيق النفسي:
قد يعاني الأفراد المدللون من مستويات أعلى من التوتر وعدم الرضى، ويشعرون بالخيانة إذا لم يتم تحقيق توقعاتهم.
من الهام ملاحظة أنَّه على الرغم من أنَّ الفساد والدلال يكون عاملاً مساهماً، إلا أنَّ الصحة العقلية معقدة وتتأثر بالعديد من العوامل، فتساعد معالجة السلوك الفاسد مبكراً على تخفيف التأثيرات السلبية المحتملة في الصحة العقلية.
لماذا نفسد أطفالنا بالدلال؟
قد يفسد الآباء أطفالهم بالدلال لعدة أسباب، غالباً ما تنبع من رغبة عميقة في تقديم الأفضل لأبنائهم، وأحد الأسباب الشائعة هو الميل إلى إعطاء الأطفال ما افتقر إليه الوالدان في أثناء تربيتهما، ويتجلى ذلك في الرغبة في حماية أطفالهم من المشقة وخيبة الأمل، وهذا يؤدي إلى الإفراط في الدلال.
العامل الآخر هو الخوف من أن يؤدي وضع الحدود أو رفض الطلبات إلى الإضرار باحترام الطفل لذاته أو الإضرار بالعلاقة بين الوالدين والطفل، فقد يقوم بعض الآباء أيضاً بإفساد أطفالهم بسبب الشعور بالذنب، خاصة إذا كانوا غير قادرين على قضاء الوقت الذي يرغبون فيه مع أطفالهم بسبب العمل أو التزامات أخرى.
في هذه الحالات، قد يعوض الآباء ذلك من خلال التساهل المفرط أو الاستسلام لمطالب أطفالهم؛ لتجنب الصراع وتحقيق أقصى استفادة من وقتهم معاً.
إضافة إلى ذلك، يمكن للضغوطات المجتمعية الحديثة والتأثير المنتشر لثقافة الاستهلاك أن تشجع الآباء على شراء مزيد من المتطلبات لأطفالهم، ومساواة الممتلكات المادية بالحب والرعاية، فإنَّ الإشباع الفوري برؤية سعادة الطفل عندما يحصل على شيء يريده يكون مجزياً للوالدين، وهذا يعزز دائرة الدلال.
مع ذلك، يحذر الخبراء من أنَّه على الرغم من أنَّ النوايا الكامنة وراء هذه الإجراءات قد تكون حسنة، إلا أنَّها تؤدي إلى تنمية الاستحقاق ونقص المرونة لدى الأطفال؛ لذا من الهام للآباء تحقيق التوازن بين الرعاية ووضع الحدود المناسبة لتعزيز الاستقلال والتعاطف لدى أطفالهم.
في الختام:
رحلة الأبوة والأمومة محفوفة بالتحديات، وقد يكون إغراء تدليل الطفل قوياً، ومع ذلك، من الضروري أن نقاوم هذه الرغبة ونركز بدلاً من ذلك على غرس الشعور بالمسؤولية في أطفالنا الصغار.
قد يوفر تدليل الطفل إشباعاً فورياً، لكنَّه يضر بنموه على الأمد الطويل وقدرته على التعامل مع تعقيدات الحياة، فمن خلال تعليم الأطفال قيمة العمل الجاد، وأهمية التعاطف، والرضى عن الإنجاز من خلال جهود الفرد، فإنَّنا نضع الأساس لهم ليصبحوا بالغين معتمدين على أنفسهم، ومرنين، ورحيمين.
إنَّ المهمة ليست سهلة، ولكن المكافآت لا تُقدَّر بثمن، ليس فقط للفرد، بل للمجتمع ككل، بينما نوجِّه أطفالنا نحو مرحلة البلوغ المسؤولة، فإنَّنا نساهم في مستقبل مشرق بأفراد مستعدين للمساهمة بشكل إيجابي وهادف في العالم من حولهم.
أضف تعليقاً