قد تتساءلين عزيزتي الأم كيف تربين طفلاً مستقلاً، وعن الطرائق والسلوكات التي يجب عليك اتباعها من أجل تنمية الاستقلالية عند طفلك. ونحن هنا في هذا المقال، سنجيبك عن جميع تساؤلاتك، ونقترح عليك الخطوات التي من شأنها تنشئة طفل مستقل معتمد على ذاته.
مُعتَقد خاطئ لا بُدَّ أن ننوِّه إليه قبل أن نبدأ:
قد تظن الكثير من الأمهات أنَّ تأدية المهام نيابة عن أطفالهن هو نوع من الاهتمام والدلال، فيفعلن ذلك بكل طيبة وحسن نية. لكن قد يأتي زمن يلعب فيه الطفل ذو الأعوام الخمسة بألعابه، ثم يعمد إلى تركها في مكانها بعد انتهائه، لتطلب منه أمه الغارقة في زحام الواجبات والمسؤوليات ترتيبها وإعادتها إلى مكانها بشتى وسائل اللطف والعنف، فيرفض! بالطبع سيرفض؛ لأنَّه لم يعتد القيام بذلك بنفسه؛ وإنَّما كانت هناك أم لطيفة اعتادت القيام بهذه المهمة نيابة عنه في السابق؛ لذا دعينا نتفق أنَّ الخطوة الأولى لتربية طفل مستقل هي تعويده على أداء مهامه في سن مبكرة.
تعريف الاستقلالية عند الطفل:
الاستقلالية عند الطفل هي القدرة على القيام بالأنشطة واتخاذ القرارات بشكل مستقل دون الحاجة إلى المساعدة أو التوجيه المستمر من الكبار، خصوصًا من الوالدين أو الرعاة. يعتمد تحقيق الاستقلالية عند الأطفال على مجموعة من المهارات والقدرات التنموية والاجتماعية منها: القدرة على العناية بالذات، القدرة على اتخاذ القرارات البسيطة، القدرة على التواصل، تطوير المهارات الاجتماعية، وغيرها.
تُعَدُّ الاستقلالية عند الطفل قيمةً يجب غرسها في سن مبكرة؛ إذ لا يخفى على أحد أنَّ العلم في الصغر كالنقش على الحجر، وهذه المقولة قيمة جوهرية. والغاية من عملية التربية هي تنشئة إنسان مستقل قادر على خدمة نفسه وتقديم المساعدة إلى الآخرين، كما تقول الدكتورة "ماريا مونتيسوري"، التي نراها قد حرصت في منهجها على تعليم الطفل كيفية تلبية احتياجاته الشخصية منذ سن مبكرة، كتناول الطعام وارتداء الملابس والاعتناء بالنظافة الشخصية والالتزام بالقوانين؛ إذ يعلن الطفل لمربيه بطريقته عن جاهزيته للقيام بالمهمة، وهنا يجب على المربي التركيز على الإشارات التي يطلقها الطفل ليستغل هذه الفترة الحساسة.
تحقيق الاستقلالية عند الطفل هو عملية تطورية، وتتطلب دعمًا وتوجيهًا من الكبار، مثل الوالدين والمعلمين، لمساعدة الطفل على تطوير هذه المهارات والقدرات بشكل مناسب لعمره ومراحل تطوره.
نصائح لتنمية الاستقلالية عند الطفل:
1. ابدئي في سن مبكرة:
- يبدأ تطوير الاستقلالية عند الطفل عن طريق تعويده تناول طعامه بمفرده؛ إذ يستطيع الطفل في الشهر السابع أو الثامن البدء بإمساك الأشياء بأصابعه الصغرى، ويمكن استغلال هذه المهارة بتقديم ما يسمى "طعام الأصابع" إليه، وهو عبارة عن قطع من الفاكهة أو الخضار المطهوة القابلة للمسك وسهلة المضغ بالنسبة إليه، التي تُقطَّع على شكل مكعبات صغرى يقوم الطفل بتناولها بمفرده، بدافع الفطرة في تلك المرحلة العمرية التي تدفعه إلى اكتشاف الأشياء بفمه. ومع تقدُّمه في العمر يتم تعقيد مهمة إطعامه، ويندفع هو تجاه إمساك الملعقة عندما يطعمه أحد مصرَّاً على تناول الطعام بنفسه.
- وتلك المرحلة حيث تتحول عملية تناول الطعام إلى مجزرة من التنظيف هي مرحلة لا مهرب منها، فمتى وجدتِ في طفلك النزعة تجاه تناول الطعام بمفرده، وفِّري له كرسي طعام مريحاً وملاءةً تقي ثيابه من بقع الطعام، ودعي له حرية خوض هذه التجربة. يُعَدُّ التوقيت الأنسب لإسناد هذه المهمة إلى الطفل في الفترة التي يبدي استعداده لأدائها؛ لذا انتظري جهوزيته ولا تفرضي عليه ذلك إذا لم يُبدِ رغبته.
- أمَّا بخصوص شرب الماء، فيمكنك في عمر الثمانية أشهر تقديم الماء أو العصائر إليه بكوب مغلق له قبضتان، ليستطيع التحكم في تدفق الماء إلى فمه، ثم التدرج في تعليمه شرب الماء باستعمال الكأس في المراحل المتقدمة.
- وكذلك بالنسبة إلى ارتداء الملابس ودخول الحمام وغيرها من الاحتياجات الشخصية. تقول الدكتورة "ماريا مونتيسوري" إنَّ لسان حال الطفل "ساعدني لأفعل ذلك بنفسي"؛ لذا عندما نقوم بفعل شيء ما للطفل، يُفضَّل أن نشرح الخطوات له؛ لأنَّ دماغه يكون في وضعية التسجيل، وعندما يلمس في نفسه الجهوزية لفعل ذلك يبدأ محاولات الاستقلال.
2. كوني قدوة له:
تتنامى الاستقلالية عند الطفل بالقدوة؛ لذا كان الأفضل أن نفعل الشيء الذي نريد منه فعله قبل أن نطلب منه. فعلى سبيل المثال، إذا ما رأى الطفل أمه تنظف أسنانها قبل النوم، فسيقتنع بفعل ذلك أكثر ممَّا لو اتبعتِ معه أسلوب الإلحاح آلاف المرات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ترتيب الألعاب وإعادة الأغراض إلى مكانها. يميل الطفل إلى تقليد الكبار أكثر من إطاعة كلامهم؛ لذا فإنَّ إقحامه في أداء المهام يجب أن يكون بشكل تدريجي. ففي البداية، نطلب منه المساعدة في جزء من المهمة، ومن ثم نستطيع إيكال المهمة إليه بشكل كامل، حسب مرحلته العمرية.
3. أعطِ طفلك مهامَ تناسب عمره:
ينمي إعطاء الطفل مهام مناسبة لعمره شعوره بالاستقلالية ويعززه، وإنَّ إسناد مهمة محددة له، كمسح الطاولة أو توزيع الصحون على المائدة، سيُشعره بقيمته ويعزز من ثقته بنفسه أنَّ له دوراً هاماً في الأسرة. ثم بنمو الطفل تزداد مهامه، وخاصة تلك التي تخص تلبية متطلباته الشخصية ومساعدة الآخرين، ابتداءً من الحيِّز الضيق؛ أي الأسرة في مساعدة الأم والأب والأخوة، ومنها إلى الحيز الأكبر؛ أي المجتمع عن طريق مساعدة الجيران والمسنين.
4. امدحي فعله وليس شخصه:
إذا كنت تنوين تربية طفل مستقل، فلا بُدَّ لك من الانتباه إلى هذه النقطة؛ إذ إنَّنا وبشكل لا شعوري نمدح أطفالنا عندما يقومون بأداء عمل جيد، كأن نقول "أنت بطل" أو "أنت نشيط"، لكن إذا ما أردنا تنمية الاستقلالية عند الطفل، فيجب أن نمدح سلوكه، كأن نقول "انظر كم أصبحت غرفتك مرتبة بعد أن أعدت ألعابك إلى مكانها" أو "انظر كيف أصبحت الطاولة تلمع بعد أن مسحتها". يُنمِّي امتداح الفعل شعور الطفل بالإنجاز ويُشعره بأهمية ما فعله، فيزيد من ثقته بنفسه وشعوره باستقلاليته.
5. دعي طفلك يجرب ويفشل:
من طرائق تعزيز الاستقلالية عند الطفل، ترك الطفل يجرب شعور الفشل أو الوقوع في مأزق صغير. وبالطبع، يكون هذا بإشراف الأم وعلى مرأى عينها، كأن يسقط الطفل في أثناء لعبه فتترك له الأم المجال لأن ينهض بمفرده، أو أن يُحضر الكرة بنفسه إذا ما قذف بها إلى مكان تراه خارج الملعب. وقد يحاول الطفل بناء مجسم ما من خلال ألعابه، ولا يلبث هذا المجسم أن ينهار كلما شارف على الاكتمال، وهنا يكون دور الأم هو تشجيع الطفل على المثابرة والاستمرار في المحاولة ليستطيع بعد تجارب كثيرة من الفشل أن ينجح في أداء مهمته؛ وذلك بدلاً من أن تقوم هي بأداء المهمة نيابة عنه. تعزز هذه السلوكات استقلالية الطفل وتنمِّي اعتماده على نفسه وتحرره من أن يصبح طفلاً اتكالياً.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه
6. استشيري طفلك واتركي له حرية الاختيار:
من التصرفات التي تساعدك على تربية طفل مستقل، أن تسلِّمي إليه زمام الأمور في بعض الأحيان، مع التنبه إلى الاعتدال في ذلك لكيلا يتعود الطفل التسلط والسيطرة. إنَّ سؤالك طفلك عن طبق الغداء الذي ستُعدِّينه يساعد على تنشئة طفل مستقل، كذلك ترك حرية الاختيار له في الأمور التي تخصه، مثل الملابس التي يحب ارتداءها أو لون السجادة التي ستضعينها في غرفته. هذه التفاصيل ومهما بدت صغرى من شأنها أن تُشعر الطفل بالاستقلالية والسيطرة على أموره والتحكم فيها.
7. ارسمي الحدود العامة ودعي لطفلك حرية التنقل ضمنها:
إنَّ وضع القوانين أو الروتين الذي ينظم حياة الأسرة، يعلِّم الطفل الالتزام والانضباط. لكن في المقابل، تجعل الخطوط الحمراء الكثيرة الطفل منكمشاً على نفسه، ومتردداً في اتخاذ أيِّ خطوة؛ لذا يجب على الأم أو المربي من أجل تربية طفل مستقل، أن يقللوا من الممنوعات ويتركوا للطفل هامشاً من الحرية، خاصةً في المنزل، وأن يزيلوا ما يمكن أن يؤذيه من أدوات وأغراض، ويتركوا له حرية التنقل والمرح في المنزل من دون قيود كثيرة.
8. عوِّدي طفلك تحمُّل مسؤولية فعله:
يُعَدُّ تعويد الطفل تحمُّل نتيجة أفعاله واحداً من السلوكات التي تنمِّي لديه روح الاستقلالية. ونحن لا نعني بذلك معاقبته، أو تحميله مسؤوليات تفوق طاقته. على سبيل المثال، إذا ما قام طفلك بسكب الماء من دون قصد، فيجب أن تعلِّميه كيف يجففه باستعمال الفوطة المخصصة لذلك، بدلاً من تأنيبه أو لومه. وإذا اختار أيَّ قصة يريد أن يسمعها قبل نومه، فيجب أن يكون متأكداً من خياره، وعليك أن تكوني حازمة في حال قرر تغييرها، بأن تخبريه أنَّ القصة الأخرى ستقرئينها له غداً.
إنَّ هذه التصرفات وما يماثلها، ستعلِّمه التفكير ملياً قبل اتخاذ أيِّ قرار، وتنمِّي لديه الجاهزية لتحمُّل نتيجة اختياره، فتُربِّين بذلك طفلاً مستقلاً ومسؤولاً.
9. عودِّي الطفل على اللعب المستقل:
من وسائل تطوير الاستقلالية عند الطفل، تعويده اللعب بمفرده وبشكل مستقل، خاصةً وأنَّ الأم لا تستطيع أن تتفرع للعب مع طفلها طيلة الوقت؛ لذا فإنَّ تعوديه اللعب بشكل مستقل يفسح لها المجال لأداء مهامها، ويساعدها على تنشئة طفل مستقل. يكون ذلك في بادئ الأمر عن طريق وضع مجموعة من الألعاب الخاصة بالطفل في الغرفة نفسها التي توجد فيها الأم، فيتمكَّن من محادثتها متى أراد. ثم يتطور الأمر بتعويد الطفل قضاء وقته في اللعب بمفرده، بأن تتركه الأم يلعب في غرفته أو في الصالة، بعد أن تخبره أنَّها في الغرفة المجاورة تفعل شيئاً ما، وأنَّه يستطيع الذهاب إليها عندما احتاج إليها. يصبح الأمر أكثر سهولة بوجود طفلين أو أكثر.
في الختام:
تُعَدُّ تنمية الاستقلالية عند الطفل حجر الأساس في إنشاء إنسان مستقل، ويمكن ذلك عن طريق اتباع العديد من السلوكات والأساليب في التعامل مع الطفل. ولعلَّ الشرط الأهم في تربية طفل مستقل، هو البدء بهذه الممارسات في سن مبكرة؛ لأنَّ سن الطفولة هو السن الأكثر حساسية في حياة الإنسان، الذي يحدد مسار نموه وتطوره في حياته المقبلة.
أضف تعليقاً