أما الأطفال الذين يفتقرون إلى تقدير الذات، ينتقدون أنفسهم ويشككون في قدرتهم على فعل الأمور بشكل جيد، ويشعرون بأنَّهم ليسوا جيدين مثل الأطفال الآخرين، ويتذكرون الأوقات التي فشلوا فيها بدلاً من النجاح، لذلك في مثل هذه الحالة فإنَّ مهمتك الرئيسة بصفتك والداً هي تعزيز رضى أطفالك عن أنفسهم، فتقدير طفلك لذاته يبدأ معك.
سوف نستكشف في هذا المقال تقدير الطفل لذاته وكيف يمكن للوالدين أن يكونوا المحرك الأساسي لهذا النمو الإيجابي، بدءاً من الحضن الدافئ والحب غير المشروط، وسنلقي نظرة على تأثير البناء الإيجابي للتقدير الذاتي في تطور الأطفال، ونقلب صفحة جديدة في فهمنا لدورنا بصفتنا آباء.
ما هو تقدير الذات؟
تقدير الذات يعني الطريقة التي نفكر ونشعر بها عن أنفسنا، فعندما نملك تقديراً جيداً أو عالياً للذات، نشعر بالرضى عن أنفسنا معظم الوقت، ونؤمن بأنفسنا وبصفاتنا وقوَّتنا، ونعتقد أنَّنا نستحق الأفضل وجديرون بكل الأشياء الجيدة في الحياة، بما في ذلك الحب والأصدقاء والمرح والسعادة.
أن يكون لديك تقدير ذات جيد لا يعني أن تكون سعيداً طوال الوقت أو أن تشعر دائماً بالثقة، فنحن جميعاً نمرُّ بأيام سيئة وأفكار سلبية في بعض الأحيان، لكن عندما يكون تقديرنا لذاتنا عالياً، نستطيع أن نتغلب على هذه الأحاسيس بأن نكون لطفاء مع أنفسنا ونطلب الدعم.
أمثلة عن التقدير العالي للذات:
- امتلاك صورة إيجابية عموماً عن ذاتك.
- الإيمان بأهميتك.
- الثقة في قواك.
- الشعور بالفخر بإنجازاتك.
- عدم القلق أو الاكتئاب بسبب الأمور التي لا تستطيع فعلها بشكل جيد.
- الإيمان بأنَّ لديك أشياء جيدة لتقدِّمها للآخرين، على سبيل المثال، الاعتقاد بأنَّك صديق لطيف وجيد.
- الاعتقاد بأنَّ آراءك تهم وتستحق الاستماع.
- الشعور بالقدرة على تجربة أشياء جديدة.
- وجود صوت داخلي لطيف ومتفهم عند ارتكاب خطأ.
- اللطف مع نفسك عندما تواجه صعوبات، ومن ذلك ممارسة العناية بالنفس وإعطاء نفسك استراحة.
- الشعور بالإيجابية أو الرضى معظم الوقت تجاه جسمك وكيفية ظهوره.
أمثلة عن التقدير المنخفض للذات:
- امتلاك صورة أكثر سلبية عن ذاتك، فقد تشعر أحياناً بالسوء أو القبح أو عدم القابلية للإعجاب أو الغباء.
- عدم الثقة بصفاتك وقواك، أو الشعور بأنَّك لست جيداً بما فيه الكفاية.
- الصعوبة في الشعور بالفخر بالأمور، أو الشعور في كثير من الأحيان بأنَّه يجب عليك أن تكون أفضل.
- وجود صوت داخلي أكثر سلبية عندما تواجه مواقف صعبة.
- الشعور بالحذر من تجربة أشياء جديدة.
- الإسقاط على نفسك، على سبيل المثال، بالقول: "أنا غبي" أو "لا أستطيع فعل ذلك".
- مقارنة نفسك مع الآخرين بطريقة سلبية.
- الشعور بالسلبية أو عدم الراحة حيال جسمك ومظهرك.
- الشك فيما إذا كنت تستحق أن تكون ذا قيمة أو محبوباً.
ما هي أسباب تقدير الذات المنخفض؟
يمر تقدير الذات لدى طفلك بفترات من الصعود والهبوط في نقاط مختلفة، فقد يؤثر الانتقال إلى مدرسة جديدة أو الانتقال إلى منطقة جديدة في ثقة الطفل، لكن مع الدعم، يمكنه عادةً التغلب على ذلك والشعور بتحسن مرة أخرى.
في بعض الأحيان، يمكن للطفل أو الشاب أن يعاني من تقدير ذات منخفض لفترة طويلة، فقد يصعب عليه من خلاله العناية بصحته العقلية، وقد يتركه في مواجهة تحديات مثل المزاج المتدني أو القلق.
قد يحدث ذلك عندما يسمع الشاب رسائل سلبية عن نفسه من الآخرين، فقد تأتي هذه الرسائل من الوالدين أو الأقارب أو الأقران أو المعلمين أو الأشقاء أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يكون لهذه الرسائل تأثير سلبي كبير؛ وذلك لأنَّ الشاب يطوع رأيه في نفسه من خلال الطريقة التي يتم التعامل فيها معه في علاقاته، وهذا ينطبق خاصةً في مرحلة النمو.
5 أنواع للرسائل التي تضر بتقدير الذات:
- أن يتم تلقيبه بتصنيفات أو ألقاب مثل " طفل عنيد، و"غبي"، و"قبيح"، و"سيئ"، و"غريب".
- أن يتعرض للانتقاد عند ارتكاب الأخطاء.
- أن يتعرض لضغط كبير لتحقيق النجاح أو القيام بكل شيء بشكل جيد، أو أن يتم تذكيره فقط عند فعل شيء سيئ.
- أن يشاهد كثيراً من الصور التي توضح كيف يبدو الشخص "جميلاً" أو "جذاباً"، بينما يكون هذا الشخص مختلفاً عنه.
- أن يتعرض للانتقاد عندما يستصعب فهم الدروس المدرسية.
لماذا يعد تقدير الذات هاماً؟
يمتلك الأطفال الذين يشعرون بالراحة مع أنفسهم الثقة لبذل قصارى جهدهم في أمور جديدة، ويشعرون بالفخر بما يستطيعون فعله، ويساعد تقدير الذات أيضاً الأطفال على التعامل مع الأخطاء، فيشعرون بالحافز للمحاولة مرة أخرى، حتى إذا فشلوا في البداية، كما يساعد تقدير الذات الأطفال على الأداء الأفضل في المدرسة، وفي المنزل، ومع الأصدقاء.
يشعر الأطفال الذين يعانون من انخفاض تقدير الذات بالشك في أنفسهم إذا كانوا يعتقدون أنَّ الآخرين لن يقبلوهم، فقد يسمحون للآخرين بمعاملتهم بشكل سيئ ويجدون صعوبة في الدفاع عن أنفسهم، وقد يستسلمون بسهولة أو قد لا يحاولون على الإطلاق، كما يجد الأطفال ذوو تقدير الذات المنخفض صعوبة في التصرف عند ارتكاب خطأ، وقد يخسرون أو يفشلون.
شاهد بالفيديو: 3 نصائح من براين تريسي لزيادة الثقة بالنفس عند أطفالك
كيف يتطور تقدير الذات؟
يبدأ تقدير الذات بالتطور عندما يحظى الرضيع بالاهتمام الإيجابي والرعاية الكافية، ويبدأ عندما يشعر الطفل بالأمان والحب والقبول. مع تقدم الأطفال في العمر، قد ينمو تقدير الذات لديهم في أي وقت يحاولون فيه البحث والتعلم والتحقيق، وقد يحدث ذلك عندما يحققون تقدُّماً نحو هدف، أو يتعلمون في المدرسة ويحصلون على درجات جيدة، أو يكوِّنون أصدقاء ومعارف، أو يمارسون نشاطاتهم المفضلة مثل: تعلم الموسيقى، والرياضة، والفن، والطهي، ومهارات التكنولوجيا.
احترام طفلك لذاته يبدأ معك:
تقدير الذات لدى طفلك هو الطريقة التي يشعر بها بنفسه وقدراته، ويؤثر ذلك في مرونة التعامل ومواجهة التحديات والتفاعل مع الآخرين، وبصفتك والداً، لديك تأثير كبير في تقدير طفلك لذاته من صغره.
فيما يأتي بعض النصائح التي يمكنك بها مساعدة طفلك على تطوير تقدير إيجابي وصحي للذات:
1. أظهِر الحب والقبول بشكل غير مشروط:
يحتاج طفلك إلى معرفة أنَّك تحبه بصرف النظر عن الظروف، وأنَّك تقدِّره لما هو عليه، لذلك عبِّر عن مشاعرك وتقديرك بشكل متكرر، وتجنَّب الانتقاد القاسي أو اللوم، واستمع لمشاعر وآراء طفلك، واحترم فرديته.
2. ساعِد طفلك على تعلُّم القيام بالأشياء:
عندما يتقن طفلك مهارة جديدة، مثل حمل الكوب، وركوب الدراجة، أو قراءة كتاب، يشعر بالفخر والثقة؛ لذا حث طفلك على تجربة أشياء جديدة وادعمه خلال طريقه، وقدِّر جهوده وتقدُّمه، لا النتائج فقط، ودعه يرتكب أخطاء ويتعلم منها، ولا تقارنه بالآخرين.
3. كن قدوة جيدة:
ينظر طفلك إليك ويتعلم من أفعالك وتصرفاتك، فإذا كنت تمتلك تقديراً إيجابياً للذات، فإنَّك تُظهر لطفلك ما هي قيمة نفسه وقدراته، وإذا كنت واثقاً ومتفائلاً ومتمسكاً، فإنَّك تعلِّم طفلك كيفية التعامل مع التحديات والعراقيل، وإذا كنت محترماً وطيباً وسخياً، فإنَّك تعلِّم طفلك كيفية التعامل مع الآخرين وأنفسهم.
4. ركِّز على المواهب والاهتمامات:
طفلك لديه مواهب وشغف فريد يجعله مميزاً؛ لذا ساعده على اكتشاف وتطوير هذه المواهب والاهتمامات، وقدِّم له الفرص ليبرع فيها، واحتفِ بإنجازاته ومواهبه، وحُثَّه على تحقيق أهدافه وأحلامه، ولا تضغط عليه ليكون جيداً في كل شيء، أو موافقاً لتوقعاتك.
5. نمِّ مفهوم النمو لدى طفلك:
النمو هو الاعتقاد بأنَّ القدرات والذكاء يمكن تحسينها من خلال الجهد والتعلم، فالطفل الذي يمتلك نمواً عقلياً مستمراً أكثر عرضة لاستقبال التحديات وطلب الملاحظات والمثابرة في مواجهة الصعوبات.
من ناحية أخرى، الطفل الذي يمتلك عقلية ثابتة، يميل إلى تجنب التحديات وتجاهل الملاحظات، والاستسلام بسهولة، ولتشجيع طفلك على النمو، امدح جهوده واستراتيجياته وتحسينها، وعلِّمه أنَّ الأخطاء هي جزء من العملية التعلمية، وأنَّه يمكنه دائماً التحسن من خلال التمرين والملاحظة.
تظهر أهمية تقدير الطفل لذاته في تحديد مسار تطوره ونجاحه في المستقبل، وبصفتكم آباء، تؤدون دوراً حاسماً في بناء تقييم إيجابي للنفس لديهم، بدءاً من مشاعر الحب والقبول غير المشروط، وصولاً إلى تشجيعهم على تجربة أشياء جديدة ودعمهم خلال التحديات، ويمكنكم صقل نظرة الطفل عن نفسه وبناء أسسٍ قوية لتقديره الذاتي.
في الختام:
عندما يكون لدى الطفل إيمان في قدراته ويشعر بقيمته الشخصية، يمكنه بناء علاقات صحية، والتعامل مع التحديات بكفاءة، والتطلع لمستقبل واعد؛ لذا ابدؤوا رحلة بناء تقدير الطفل لذاته مع حبكم ودعمكم، فأنتم القوة الدافعة التي ستلهمه ليكون نسخة أفضل من نفسه.
أضف تعليقاً