لقد كشفت أبحاث جديدة بأنَّ متوسط إنتاجية الموظفين في بعض البلدان يصل إلى ساعتين و53 دقيقة فقط يومياً، وهذا صادم ومدهش؛ ولكنَّ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو "كيف يقضي الناس أوقاتهم في العمل".
لقد أكدت نسبة كبيرة من الناس أنَّهم يمضون وقتاً طويلاً في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة المواقع الإخبارية، والدردشة، وتحضير المشروبات الساخنة، وإجراء المكالمات الشخصية، وغيرها من عوامل تشتيت الانتباه الأخرى.
لذا، ولتغيير طريقة عملك، وإنجاز مزيد من العمل في أقل وقت ممكن؛ يجب أن تكون منفتحاً على احتمالية أنَّ أساليب عملك ليست فعالة كما ينبغي؛ ويتطلب هذا الأمر تقييم أساليبك الحالية لاكتشاف ما يصلح منها، وما يمكن تحسينه؛ فبمجرد القيام بذلك، يمكنك البحث عن طرائق لتحقيق مزيد من الإنجازات دون زيادة الضغط على قائمة مهامك.
يعدُّ الالتزام بالمواعيد أمراً هاماً إذا كنت جاداً حقاً في إنجاز مزيد من الأعمال كلَّ يوم:
"تُعرَّف الإنتاجية بأنَّها الاستثمار المدروس والاستراتيجي لوقتك ومواهبك وذكائك وطاقتك ومواردك وفرصك بطريقة محسوبة تقربك بشكل ملموس من الأهداف المجدية" - دان كينيدي (Dan S. Kennedy).
تتمثل الخطوة الأولى لزيادة إنتاجيتك في إنشاء روتين شخصي يتزامن مع الأوقات التي تكون فيها في أفضل حالاتك كلَّ يوم، ويتعلق النمط الزمني (Chronotype) -أو ما يُعرَف بالاختلافات الفردية في أوقات النوم والأولويات- بمستوى الطاقة لديك في أوقات محددة من اليوم؛ حيث وجدت دراسة أجراها عالم الأحياء كريستوفر راندلر (Christopher Randler) أنَّ نحو 50٪ من النمط الزمني للشخص يرتبط بجيناته؛ وبينما يمكن تدريب الأشخاص على تغيير هذه الأنماط الزمنية إلى حد ما، إلا أنَّ التكيف مع نمطك الزمني الخاص يحمل في طياته قيمة لا يمكن إنكارها.
إنَّ الأشخاص الذين يشتركون في نمطهم الزمني -سواءً الصباحي أم المسائي- لديهم المواعيد نفسها للأنشطة التي يقومون بها، مثل: النوم، وتناول الطعام، والتمرينات الرياضية، والدراسة، والعمل، وغيرها.
يعني هذا أنَّك إذا كنت تعمل جيداً في وقت متأخر بعد الظهر أكثر من عملك في وقت مبكر، فمن الأفضل لك تعديل جدولك الزمني ليتلاءم مع الساعات التي تكون فيها أكثر نشاطاً، بدلاً من محاولة العمل ضد نظامك البيولوجي الطبيعي.
ربَّما تعلم الوقت الأنسب من اليوم الذي تكون فيه أكثر إنتاجية وتركيزاً وحيوية، حيث يكون معظم الناس منتجين في الساعات الأولى من اليوم؛ فهم ينجزون الكثير ويعملون بشكل أفضل قبل منتصف النهار.
وصف عالم السلوك دان آريلي (Dan Ariely) في برنامج اسألني أيَّ شي (AMA) على موقع ريديت الإخباري (Reddit) "الساعتين الأكثر إنتاجية" قائلاً: "يكون الناس أكثر إنتاجية في الصباح عموماً، ومن المحتمل أن تكون الساعتان اللتان تليان الاستيقاظ هما الأفضل".
تعدُّ هذه النصيحة مناسبة لي، فأنا شخص يفضل وقت الصباح، حيث أنجز معظم أعمالي المكتبية في الصباح الباكر، ولقد جعلت هذا جزءاً من روتيني الصباحي الاعتيادي؛ ومع ذلك، لا يكون الجميع في أفضل حالاتهم في ساعات الصباح الباكر، ويكمن السر في العمل مع ما يناسب طبيعة جسمك، وليس العكس.
1. ابدأ يومك بنشاط عالٍ:
هل تساءلت يوماً لماذا تنجز الكثير من الأعمال أول أيام الأسبوع أكثر ممَّا تنجزه في نهايته؟
ربَّما يعود ذلك إلى مستويات الطاقة العالية التي تدعم نشاطك في بداية الأسبوع، حيث يعدُّ أهم جزء في لغز الإنتاجية هو الانخراط في هذه الحلقة من النشاط والخمول ومدها بالطاقة اللازمة؛ فإذا كنت متعباً بالفعل، فلن يساعدك جسدك على العمل عند حاجتك إليه؛ ومن الطبيعي تماماً قضاء بضع أيام راحة، والشعور بالإرهاق بعد مرور عدة أيام من الأسبوع.
ولكن إذا حصلت على قسط كافٍ من الراحة، فستكون على أتم الاستعداد لمواجهة قائمة مهامك اليومية، وحتى الأمور الصعبة؛ إذ من المفيد قضاء بعض الوقت بعيداً عن العمل كلَّ يوم، والانفصال التام عنه في المساء، والحصول على 8 أو 9 ساعات من النوم الجيد.
لا تقلل من أهمية النوم؛ حيث إنَّ أغلبنا لا ينام بما يكفي بعد إنجاز المهام اليومية والاجتماعات كافة؛ لكن تعدُّ الراحة القصوى في عطلات نهاية الأسبوع أفضل شيء تقوم به من أجل إنتاجيتك؛ لذا عليك أن ترفض التحقق من رسائل البريد الإلكتروني أو تحديثات وسائل التواصل الاجتماعي.
لا شك أنَّ الأمر قد يكون صعباً إذا كنت نادراً ما تقضي عطلات نهاية الأسبوع دون الهاتف والكمبيوتر المحمول؛ لكن الخبر السار أنَّك ستعود لعملك بمزيد من الطاقة في كلِّ مرة إذا تمكنت من الالتزام بذلك.
2. افصل قائمة مهامك اليومية عن القائمة الرئيسة:
قد تكون المهام ضمن قائمتك الرئيسة مرهقة جداً؛ لذا ركز فقط على الوقت الحاضر؛ فإذا كنت لا تخطط ليومك مسبقاً وتلقي نظرة على مهامك الرئيسة كل صباح، فلن تعلم من أين ستبدأ؛ لذا لا تجعل يومك أكثر انشغالاً ممَّا هو عليه.
ضع قائمة بأهم الأشياء بالنسبة إليك قبل أن تغادر عملك، وخصص حوالي 20 دقيقة لكتابة خمسة أشياء تريد تحقيقها في اليوم التالي على الأكثر.
تؤيد جولي مورجنسترن (Julie Morgenstern) -مؤلفة كتاب "لا تتحقق أبداً من البريد الإلكتروني في الصباح" (Never Check Email In the Morning)- فكرة قائمة المهام الليلية، وتقول: "إذا كنت تنتظر حلول الصباح كي تنظم يومك، فاعلم أنَّ الأوان قد فات، وقد ضاع منك يومك بالفعل"؛ إذ من خلال وضع قائمة للمهام في نهاية يومك، ستتمكن من إنجازها مباشرة في اليوم التالي.
كطريقة أفضل، ضع قائمة بكلِّ ما تريد إنجازه في الأسبوع في قائمتك الرئيسة، ثمَّ انقل بعض المهام ذات الأولوية العالية من القائمة الرئيسة إلى قائمتك اليومية كلَّ ليلة؛ فبالإضافة إلى توضيح الأولويات أمامك كل صباح، يسهِّل عليك وجود قائمة لأولوياتك الانتقال من مَهمَّة إلى أخرى بسهولة وسرعة أكبر.
عندما تكون منشغلاً، لا تبدأ يومك بوضع قائمة للمهام التي يمكنك القيام بها؛ وإنَّما ركز على ما يجب القيام به اليوم، وابدأ العمل بمجرد أن تكون جاهزاً.
3. تحكم بطاقتك وليس بوقتك:
أنا شخص يفضل الصباح، إذ تبدأ طاقتي بالتضاؤل مع حلول منتصف النهار، ومن المحتمل ألَّا أنجز أيَّ شيء لا أريد القيام به بعدها؛ لذلك أحاول دائماً القيام بالمهام الصعبة أو الأكثر أهمية أبكر ما يمكن.
تجبرك إدارة الطاقة على التفكير في النتائج باعتبارها وظيفة للطاقة، وليست استثماراً للوقت؛ إذ يمكن للعمل المكثف لفترة قصيرة أن يحقق نتائج أكثر من العمل لعدة أيام وأنت متعب ومشتت الانتباه؛ ولا يمكنك القيام بعمل فعال ومنتج إلَّا إذا كنت تعرف أفضل الطرائق لإدارة طاقتك ووقتك واهتمامك.
عندما تبذل مزيداً من الطاقة في عملك دون تخصيص وقتٍ للراحة أو الاسترخاء، فسوف ينفد نشاطك وتتعب؛ وإذا لم تستعد نشاطك الحقيقي وتجدد حيويتك على مدار اليوم، ستتأثر إنتاجيتك سلباً، وتنخفض طاقتك ودوافعك ورغبتك في العمل مع تقدم اليوم؛ لذا من الهام التخطيط وفقاً لذلك، والعمل بأفضل مستوى لديك في وقت مبكر من اليوم.
قسِّم عملك إلى مهام يمكن إدارتها، وأجبر نفسك على القيام بمَهمَّة واحدة تفي بالغرض في أوقات محددة، وخصص وقتاً للاستراحات وفقاً لحاجتك؛ فعندما تعمل بجد وتبذل الكثير من الطاقة في مَهمَّة ما دون أن تستريح، ستتعب دون أن تحقق أيَّ تقدم يُذكَر.
وعليه: تُحدَّد إنتاجيتك الحقيقية من خلال إدارة طاقتك بشكل جيد، بدلاً من قضاء مزيد من الوقت في مكتبك؛ فعندما تشعر بتراجع طاقتك عند الساعة الثالثة مساءً كلَّ يوم، لا تحاول التغلب على ذلك والمتابعة، لأنَّ ذلك سيضرك أكثر ممَّا ينفعك، ويؤدي إلى نتائج سلبية، ولا يسمح لك بالعمل بكفاءة؛ لذا بدلاً من ذلك، جرب المشي السريع، أو حتى أخذ قيلولة لمدة 10 إلى 20 دقيقة كي تستعيد نشاطك.
شاهد بالفيديو: 6 طرق للتخلص من انخفاض طاقة الجسم منتصف النهار
4. ابنِ روتين "الاستعداد للعمل":
يمثل بدء العمل عقبة شائعة تواجه العديد من الناس؛ فإذا كنت لا تعرف ما يتوجب عليك القيام به منذ الصباح، فمن المحتمل أن تماطل وتضيع وقتك خلال اليوم؛ وأحد الطرائق التي تسهل عملية البدء هي: "بناء روتين الاستعداد للعمل الذي يخبر عقلك وجسمك أنَّ وقت العمل قد حان".
يمكن أن يكون روتينك عملية بسيطة مثل: الذهاب إلى العمل، أو تناول كوب من القهوة، أو توضيب مكتبك، أو إلقاء نظرة على قائمة مهامك والبدء بها؛ ويمكنك استخدام أمر محفز يوصلك إلى وضع التركيز؛ فمثلاً: إذا كان لديك سماعة رأس، فيمكنك استخدامها كمحفز؛ وبمجرد تشغيلها، لا تشتت انتباهك بأي شيء يمنعك من تحقيق مهامك اليومية؛ كما يمكنك أيضاً تخصيص ألبوم أو قائمة أغاني معينة تجعلك في مزاج جيد للعمل، بحيث يصبح الاستماع إليها جزءاً من روتينك كلَّ صباح.
5. قسِّم ساعات عملك وخذ فترات استراحة:
ستشعر بالتعب وفقدان التركيز إذا جلست خلف مكتبك أو حدقت في الشاشة لمدة ثماني ساعات أو أكثر، حيث يشعر أيُّ شخص يعمل بشكل متواصل حتى الساعة الثالثة عصراً بذلك؛ وقد أظهرت الأبحاث أنَّ أخذ فترات راحة قصيرة بانتظام يؤدي إلى تحسين التركيز بنسبة تصل إلى 16٪.
أظهرت دراسة أجراها بيريتس لافي (Peretz Lavie) أنَّ جلسات مطولة من العمل المنتج، تليها فترات راحة قصيرة لمدة 15 دقيقة أو نحو ذلك؛ تتزامن مع طبيعة جسمنا المخصصة للعمل، وتساعدنا في الحفاظ على تركيزنا طوال اليوم؛ لذا من الهام أن تأخذ استراحة وتسترخي قليلاً بعد جلسة طويلة من العمل.
عندما تستريح لتستعد للقيام بمهام جديدة، فإنَّك ستعود مجدداً وأنت جاهز للعمل بأفضل كفاءة ممكنة؛ حيث تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أنَّ أخذ استراحات بانتظام يحسن الإبداع لديك، وأنَّ إلغاء وجودها يمكن أن يؤدي إلى الإجهاد والإرهاق والعرقلة الإبداعية.
6. ضع موعداً نهائياً إجبارياً لتنفيذ مهامك:
لا يعني العمل لوقت إضافي بالضرورة إنجاز مزيد من الأعمال؛ حيث أظهرت الدراسات أنَّ تخصيص وقت محدد للعمل يزيد من سرعة تنفيذه.
فكر في الأمر: عندما تخصص وقت الصباح كله أو فترة بعد الظهيرة لإنجاز مَهمَّة ما، فإنَّك ستنهيها؛ ولكن من المحتمل أن تحظى باستراحة لشرب القهوة أو تفقُّد بريدك الإلكتروني أو القيام بتحديثات لبعض المواقع بين الحين والآخر؛ لكن إذا كان لديك ساعة واحدة فقط للقيام بمَهمَّة ما، فإنَّك ستنجزها وتنهيها في الوقت المحدد؛ حيث يفيدك تحديد مواعيد نهائية للعمل في هذه الحالة في إنجاز ما ينبغي عليك القيام به.
إذا كنت تعمل وفقاً لموعد نهائي ضيق جداً، فهذا أمر رائع، ومن المحتمل أن تحقق مهامك وفقاً لهذه المدة؛ وإذا لم تكن كذلك، فحدد طرائق لإنجاز مهامك، وخصص وقتاً للقيام بها؛ إذ يمكن أن يؤدي تحديد وقت مخصص للعمل إلى تغيير طريقة عملك كلياً؛ وتذكر دائماً أنَّ وجود موعد نهائي ثابت يجبرك على التركيز.
الخلاصة:
عندما تبني روتين عملٍ أفضل، وتدير طاقتك بحكمة، وتعمل وفقاً لما يناسب جسمك وليس العكس؛ ستكمل عملك في أقصر وقت ممكن، وتنجز مزيداً من المهام كلَّ يوم، وتهدر وقتاً أقل، وتكسب مزيداً من وقت الفراغ، وتتحكم بيومك، وتخفف توترك؛ إذ يمكن لتحديد الأولويات وإتمام الأعمال الهامة كلَّ يوم أن يجعلك أكثر فعالية وكفاءة في العمل.
أضف تعليقاً