نحن نُدرِك أنَّ العملَ جزءٌ من حياة الإنسان، وجزءٌ هامٌّ أيضاً، ولكن لا يجب أن يطغى عليها كلِّها، وعلى الرَّغم من أهميَّة التفاني في أداءِ مهامنا الوظيفيَّةِ إلَّا أنَّ لأنفسنا علينا حقاً، ولا يجب أن نرهقَها في العمل إلى حدِّ الاحتراق، وقد تكون ممَّن يعانون الإرهاق في العمل دون أن تعلم ذلك؛ لذا إليك علاماتُ الإرهاقِ في العمل وكيفيَّة التعاملِ معها لتجد التوازن المطلوب.
علامات الإرهاق في العمل:
علامات الإرهاق في العمل هي مجموعةُ الأعراضِ والعلامات التي تظهر على الفرد الذي يعمل عملاً يفوق طاقته، وتنقسم إلى أعراضٍ جسدية وأخرى نفسية وأعراضٍ سلوكيَّةٍ، وسوف نستعرض معاً أهمَّ تلك العلامات:
أولاً: علامات الإرهاق الجسدية في العمل
تظهر علامات الإرهاق الجسدية في العمل على الشكل الآتي:
1. التعب المُزمِن:
هو الشعور بالتعب الشديد، حتى بعد النوم الكافي وأخذ قسطٍ من الراحة يبقى الإحساس بالتعب موجود.
2. الألم:
الشعور بالصُّداع وآلام مُتعدِّدةٍ في أنحاء الجسم كالظهر والرقبة وآلام في العضلات.
3. اضطرابات الجهاز الهضمي:
قد يؤدِّي الإرهاقُ الشديدُ إلى حرقةٍ في المعدة أحياناً إضافة إلى عُسر الهضم والإمساك.
4. التغيُّرات في الشهية:
ممكن أن يزيد ضغطُ العمل عند بعض الأفراد شهيَّتهم فيأكلون أكثر من المُعتاد، في حين يؤدِّي هذا الضغط عند أفراد آخرين إلى فقدان الشهية.
ثانياً: علامات الإرهاق النفسية في العمل
أما علامات الإرهاق النفسية في العمل فتظهر على الشكل الآتي:
1. صعوبة التركيز:
حيث يؤدِّي الضغطُ الزائد إلى نسيان المواعيد والمهام وصعوبة في اتِّخاذِ القرارات.
2. الشعور بالقلقِ والتَّوتُّر وصعوبةٌ في الاسترخاء والشعور بالإحباط والاكتئاب أيضاً:
فيؤدي الضغطَ الزائد في العمل إلى فقدان الاهتمام بالنشاطات المُمتِعة والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية أو الانسحاب منها، وهذا يسبِّب أيضاً الشعور بالوحدة عند الأفراد.
3. فقدان الدافع والاهتمام بالعمل:
وهذا يُولِّد الشعور بالملل أو عدم الرضى عن العمل الذي نقوم به.
ثالثاً: علامات الإرهاق السلوكية في العمل
أما علامات الإرهاق السلوكية في العمل فتكون كما يأتي:
- تغيُّراتٌ في السلوك، فقد يصبح الفردُ عصبيَّاً قليلَ الكلام مثلاً، ويؤدِّي إلى إهمال في المظهر الشخصي.
- زيادة استهلاك الكافيين أو المواد المُنشِّطة.
- التغيُّب عن العمل أو التأخر، وهذا يؤدِّي إلى انخفاض الإنتاجية في العمل.
شاهد بالفيديو: 7 استراتيجيات للتعافي من إرهاق العمل
كيفية التعامل مع الإرهاق في العمل:
إنَّ الإرهاقَ في العمل مشكلةٌ شائعةٌ، قد تكون مؤقتةً بسبب ظرفٍ مُعيَّنٍ في العمل أو مُدَّةٍ مؤقَّتةٍ كما هو حال المتاجر في مُدَّةِ الأعياد، أو قد يكون دائماً بسبب بيئة العمل السلبية والجو الضاغط المُستنزِف، بجميع الأحوال هنا يجب أن نرتِّب أولوياتنا ونتَّبع هذه الخطوات العلمية للتَّخلُّص من الإرهاق في العمل:
1. تحديد الأسباب التي أدَّت إلى الشعور بهذا الإرهاق:
من الممكن أن يكون سبب الإرهاق في العمل هو ضغطُ العمل أو الحملُ الزائد، وكما ذكرنا إنَّ هذا الضغط قد يكون مؤقَّتاً في فترة مُعيَّنةٍ، أو ربَّما يكون نظامُ العمل في الشركة مبنيَّاً على هذا الأساس؛ لذا يجب التأكُّد من أنَّ عبءَ العمل موزَّعٌ توزيعاً عادلاً بين أعضاء الفريق كيلا يتعرَّض شخصٌ واحدٌ فقط أو عدَّة أشخاصٍ لهذا الإرهاق وحدهم.
من الممكن أن يكون الإرهاقُ بسبب المواعيد النهائية القصيرة؛ أي وجود تسليم الأعمال خلال وقتٍ قصيرٍ، أو عدم وجود وضوحٍ في تنفيذ المهام، يمكن أيضاً أن تكون بيئة العمل بحد ذاتها مسبِّبةً للإرهاق، وتوصَف حينها بأنَّها بيئةُ عملٍ سامَّةٍ، أو ربَّما يكون السببُ الضوضاءَ أو الإضاءة غير المناسبة أو درجة الحرارة في مكان العمل.
من الممكن أيضاً أن تكون أسباب الإرهاق في العمل شخصية بحتةً ولا علاقة لبيئةِ العمل بها، فالنَّوم غير الكافٍ من أهمِّ الأسباب المؤدِّيةِ للإرهاق، كذلك الأمر بالنسبة إلى التغذية غير الصحية وقِلَّة ممارسة الرياضة أو المشكلات الصحية والضغوطات الشخصية أو نقصِ دعمِ الزملاءِ أو المدير وعدم الموازنة بين العملِ والحياة الشخصية.
2. تحديد استراتيجيَّات التَّخلُّص من الإرهاق:
بعد تحديد أسباب الإرهاق في العمل بدقَّةٍ يأتي دور تحديد الأولويات وإدارة الوقت والقيام بتفويض المهام، ومن الضروري أخذ فترات راحةٍ مُنتظَمةٍ لتفادي حدوث الإرهاق، وممارسة تمرينات الاسترخاء للحفاظ على نمط حياة صحي.
3. تعلم مهارات إدارة الإجهاد:
مهارات إدارة الإجهاد هي مجموعةٌ من المهارات الواجب تعلُّمها للتعامل مع الإرهاق في العمل، وتتضمَّن تخصيصَ وقتٍ لنفسك، ووضع حدودٍ بين العمل والحياة الشخصية، والتَّفاوض مع المدير، وطلب المساعدة من أخصائي في حال أصبح الإرهاقُ في العملِ لا يُطاق، وقد يكون من المُفيد الاستعانة بتطبيقاتِ الهاتف لإدارةِ الوقتِ وتطبيقات التأمُّل والاسترخاء ومجموعات الدعم.
4. وضع الحدود في العمل وعدم الخجل:
من الهامِّ وضعُ حدودٍ بين عملك وحياتك الشخصية، وتجنُّب العمل لساعات طويلة، كما يجب تجنُّب الدخول في تفاصيل العمل بعد انتهاء مواعيد الدوام؛ لذا تجنُّب تفقُّد بريدِ العمل الإلكتروني أو هاتف العملِ خارج ساعات العمل، ولا تخجل من قول "لا" للمهام الإضافية إذا كنت تشعر بالإرهاق، ومن الهامِّ أخذ إجازةٍ إذا كنت تشعرُ بالإرهاق الشديد، فيساعدك ذلك على الاسترخاء وإعادة شحن طاقتك من جديد.
أضرار الإرهاق في أثناء العمل على المؤسسة:
إنَّ الإرهاقَ الذي يتعرَّض له العمَّال في أثناء العمل لا تتوقَّف أضراره وآثاره السلبية على الموظَّفين فقط، بل إنَّه يؤثِّر سلباً في المؤسسة أو الشركة التي يعملون بها. ومن أهمِّ هذه الأضرار:
1. انخفاض الإنتاجية:
يصبحُ الموظَّفون أقلَّ قدرةٍ على إنجازِ مهامهم بكفاءة.
2. زيادة الأخطاء:
قد يرتكب الموظَّفون أخطاءَ أكثر بسبب قلَّةِ تركيزهم.
3. ارتفاع مُعدَّل دوران العمل:
قد يستقيل الموظفون بسبب شعورهم بالإرهاق والضغط.
4. زيادة تكاليف الرعاية الصحية:
قد تضطرُّ المؤسسةُ إلى دفع مزيد من المال لتغطية تكاليفِ علاجِ الموظَّفين الذين يعانون من أمراضٍ ناتجةٍ عن الإرهاق وارتفاع الضغط والسكر مثلاً.
5. تآكل الروح المعنوية:
قد يشعر الموظفون بعدم الرِّضى عن عملهم، وهذا يؤثر في سلوكهم وتفاعلهم مع بعضهم بعضاً.
6. فقدان الموظَّفين الموهوبين:
قد يترك الموظَّفون الموهوبون المؤسسة بحثاً عن بيئةِ عملٍ أكثر صحَّة ودعماً، وللهروب من ضغطِ العمل الذي يعانون منه، وهذا يؤثِّر سلباً في المؤسسة.
7. تدهور سمعة المؤسسة:
قد تصبح سمعةُ المؤسسة سيِّئةً بسبب معاملتها السيئة للموظَّفين.
يجب التنويه إلى أنَّه بإمكان المؤسسات أيضاً اتِّخاذ خطوات للحدِّ من الإرهاق في مكان العمل مثل توفير بيئة عملٍ صحِّيَّةٍ وداعمةٍ، وتحديد توقُّعاتٍ واضحةٍ للموظَّفين، وتوفير فرص التطوير والتدريب للموظفين، كما يمكن مكافأة الموظفين على إنجازاتهم، وتشجيع التواصل بين الموظفين والإدارة.
كيف أتجنَّب الإرهاق في العمل؟
إذا كنت موظفاً أو مديراً من الضروري أن تتَّبع هذه الإرشادات لتجنُّب الوصول إلى مرحلة الإرهاق في العمل:
1. أخذ فترة استراحة في أثناء العمل:
ليس من الضروري أن تنجِزَ مهامك دفعةً واحدةً، يمكنك تقسيمها إلى مهام أصغر والتوقُّف بين كلِّ مَهمَّةٍ وأخرى لأخذ استراحة قصيرة، تتحرَّك فيها من مكانك إذا ما كان عملك مكتبيَّاً، أو تجلس قليلاً إذا ما كنت موظَّف مبيعات في مول، ومن الهامِّ أن تأخذ استراحات قصيرة ولو لمدَّةِ خمس دقائق لتعيد شحن طاقتك.
2. رفض العمل الإضافي أو القيام بمهام الزملاء:
قد يكون الضغط في العمل مؤقَّتاً في فترة محدَّدةٍ، ولكنَّه قد يكون بسبب شعورك بالإحراج من رفض المهام الإضافية أو أداء مهام أُخرى نيابةً عن زملائك، فاعتذرْ بلباقةٍ وكنْ لطيفاً وحازماً في الوقت ذاته.
3. حاولْ أن تقومَ بخطواتٍ استباقيَّة:
إذا كانت فترة الضغط في العمل لا بدَّ منها، فحاولْ أن تقومَ بخطواتٍ استباقيَّة تيسِّرُ عليك الأمور في مُدَّةِ الضغط لتتجنَّبَ الإرهاقَ في العمل.
4. أخذ قسط كافٍ من الراحة والنوم والحرِص على تناول طعامٍ صحيٍّ:
فبعضُ الأطعمةِ وخاصةً الجاهزة تسبِّبُ لك التُّخمةَ والخمولَ، وشرب مقدار كافٍ من الماء، وتناول وجبات خفيفة من الفواكه والمكسَّرات إذا كانت ساعات عملك طويلة.
5. مكافأة نفسك على إنجازاتها (كافئ موظَّفيك إذا ما كنت مديراً):
فاذهبْ في رحلةٍ أو اخرجْ مع أصدقائك أو اقضِ وقتاً عائلياً لطيفاً مع أفراد أسرتك بعد يوم شاقٍّ من العمل، وتناولْ الوجبات التي تحبُّها، أو اشترِ لنفسك أشياء تُفضِّلها وتُشعِرك بالسعادة والتقدير، فهذا من شأنه أن يزيد من جاهزيَّتِك لتحمُّل مشاقِّ العمل والتخفيف من الإرهاق في العمل.
في الختام:
إنَّ الإرهاقَ في العمل أمر مُستنزِفٌ جسدياً ونفسياً؛ لذا من الهامِّ أن نتَّبعَ نهجاً شاملاً للتخلُّص من هذا الإرهاق ومحاولة تجنُّب بلوغه، ويجب أن نعي أنَّه لا توجد حلولٌ سريعةٌ، بل يتطلَّب الأمرُ الصبرَ والمثابرةَ، وذلك من خلال إجراءِ بعض التغييرات في بيئة العمل، ونمط الحياة، وطريقة التعامل مع الزملاء، وكذلك عن طريق تنظيم الوقت والعلاقات وتعلُّم مهاراتٍ جديدةٍ.
أضف تعليقاً