ما هو الكذب، وأسبابه، وعلاجه؛ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.
ما هو تعريف الكذب؟
هو حالة من تشويه الحقائق أو المعلومات، أو عدم الاعتراف بالحقيقة كاملة؛ وذلك من أجل الهروب من الألم أو طمعاً في سعادة محتملة.
والكذب يعني الإدلاء ببيان كاذب أو مضلل أو تقديم معلومات كاذبة أو مضللة مع العلم بكذبها أو تضليلها أو مع تجاهل حقيقتها أو دقتها.
وإذا انخرطت في الكذب، فأنت تفبرك أو تهرب أو تتحدث كذباً، وتتعمد الانحراف عن الحقيقة.
ما هي أنواع الكذب؟
سواء كانت كذبة بيضاء، أو كذبة رمادية، أو كذبة حقيقية، أو كذبة صغيرة غير مهمة، فإن الجميع ينغمسون في شكل من أشكال الكذب طوال حياتهم. ويبدو أن انتشار الكذب في كل مكان لا يتأثر برفضه الأخلاقي وإمكانية الإضرار بسمعة الفرد وعلاقاته. وعلى الرغم من أن العواقب المباشرة للكذب عادة ما تكون ضئيلة عندما لا يتم اكتشافها أو العقاب عليها، إلا أنه قد تظل هناك تكلفة نفسية مرتبطة بها.
وفيما يلي سوف نستعرض أبرز أنواع الكذب وماذا يعني كل منها:
1. الكذب الادعائي:
وفيه يدَّعي الإنسان ما ليس فيه، كأن يدَّعي امتلاكه لعقارات وممتلكات ومجوهرات، في حين أنَّه لا يملك أيَّاً منها على الإطلاق، ويعد الشعور بالنقص أهم مصدر من مصادر هذا الكذب؛ إذ يرى الإنسان ذاته أقل من الآخرين، كما يعد المفهوم المشوَّه للقيم عاملاً أساسياً في خلق هذا النوع من الكذب؛ حيث يُعطِي الإنسان الكاذب، المادةَ، الأهميةَ المطلقةَ في حياته، ويعدُّ المالَ العنصرَ الأول لإجراء تقييم بين الناس، في حين أنَّ المعيار الأساسي للتقييم بين الناس هو قيم الاستقامة والصدق والالتزام.
2. الكذب الدفاعي:
وهو الكذب الذي يلجأ إليه الإنسان من أجل دفع الضرر عن نفسه، أو من أجل تحقيق منفعة ما لنفسه، على سبيل المثال: كأن يكذب الطفل على والديه قائلاً: "لم أكسر التحفة، أخي الأصغر قد فعل ذلك"، في حين أنَّه مَن كسرها.
وهنا على الأهل تربية الطفل على أهمية الصراحة والوضوح، كما يجب إعطائه مساحة من الحرية بحيث يعبِّر عن ذاته ورغباته.
3. الكذب التخيلي:
ويقوم الفرد هنا بالخلط ما بين الحقيقة والخيال، بحيث يؤلِّف كذبة ما ويقوم بتصديقها تماماً ويعمل على أساسها.
4. الكذب المَرضي:
ويصل هنا الإنسان إلى حالة مَرضية، بحيث يشعر بقسرية الكذب وإلحاحه، ويكذب الإنسان هنا بدون وعي منه؛ أي أنَّه غير مستبصر في حالته ويستمر لفترات زمنية طويلة جداً، فقد يبدأ من سنوات عدة ويمتد أمد الحياة.
يتحول الكذب في هذه المرحلة إلى عادة متأصِّلة لدى الإنسان، بحيث لا يستطيع العيش لثانية واحدة بدون كذب، ويكون هدفه السيطرة على الآخرين وإلحاق الأذى بهم.
أنواع الكذب في علم النفس:
وصفت دراسة أجريت عام 2018 العملية النفسية وراء الأكاذيب على أساس عاملين: "المستفيد والدافع". حيث يمكن أن يكون الدافع وراء الكذب إما الحصول على نتيجة مرغوبة أو منع نتيجة غير مرغوب فيها.
وتوصل الباحثون إلى ستة أنواع من الأكاذيب بناءً على الأسباب التي تدفع الناس إلى الكذب:
1. الأكاذيب المفيدة الموجهة نحو الذات:
تُقال هذه الأكاذيب للحصول على نتائج إيجابية للنفس. على سبيل المثال، الادعاء بأن مبلغاً من المال الذي تم العثور عليه هو ملك له.
2. الأكاذيب الوقائية الموجهة ذاتياً:
تهدف هذه الأكاذيب إلى تجنب النتيجة السلبية أو الخسارة للنفس. على سبيل المثال، إنكار كذباً الاصطدام بسيارة أخرى أثناء وقوفها.
3. الأكاذيب المفيدة الموجهة نحو الآخرين:
تهدف هذه الأكاذيب إلى تأمين نتائج إيجابية أو تحقيق مكاسب للآخرين. على سبيل المثال، الكذب على أحد المشرفين لدعم ادعاء زميل العمل بالمرض.
4. الأكاذيب الوقائية الموجهة نحو الآخرين:
يتم التحدث بهذه الأكاذيب لحماية الآخرين من الخسارة أو النتائج السلبية. على سبيل المثال، إخبار الوالدين كذباً بأنه في حالة جيدة لمنعهم من القلق.
5. باريتو أكاذيب مفيدة:
تُقال هذه الأكاذيب لصالح الكاذب وكذلك لشخص آخر. على سبيل المثال، تزوير النتائج في مشروع جماعي للحصول على درجة أفضل.
6. أكاذيب باريتو الوقائية:
يتم التحدث بهذه الأكاذيب لمنع خسارة النفس وشخص آخر. على سبيل المثال، يخبر مدير الفريق رؤسائه في العمل أنهم لا يستطيعون الوفاء بموعد نهائي مهم بسبب مشكلات فنية، بدلاً من إلقاء اللوم على فريقهم لعدم إكمال المهمة أو تحمل المسؤولية الشخصية.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لكشف الكاذبين من حولك
ما هي أسباب الكذب؟
هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى اللجوء للكذب خلال حياتهم اليومية، وغالباً ما ترتبط الأسباب الكامنة وراء الأكاذيب مع أنواع الكذب والدوافع التي تجعل الأشخاص يكذبون.
وفيما يلي نستعرض أبرز أنواع الكذب:
1. الكبت:
تؤدي تربية الطفل بطريقة قاسية وظالمة إلى نتائج كارثية في حقِّه، كأن يتحول إلى كاذب لكي يضمن عدم تعرُّض الأبوين له وعدم اعتدائهم عليه؛ ولذلك على الأبوين التعامل مع طفلهما بأسلوب راقٍ وناضج، بحيث يعطونه مساحة كبيرة من الحرية والثقة والحب، مع تبيان قيم الحياة له (وأهمها الصدق) والأضرار الناتجة عن تجاهلها، ومع معاقبته بطريقة مدروسة في حال ارتكابه الأخطاء، فلا يستخدمان الضرب على الإطلاق؛ بل يستخدمان أسلوب الحرمان، كأن يحرمانه من النزهة مع أصدقائه مثلاً، الأمر الذي ينعكس على الطفل بنتائج إيجابية.
2. التقليد:
يُقلِّد الطفل والديه تماماً في كل تصرفاتهما، فإن كان أحدهما كاذباً؛ عليك أن تتوقع نشوء طفل كاذب بنسبة كبيرة جداً.
3. عدم الثقة بالنفس:
يكذب الكثير من الناس لعدم ثقتهم بأنفسهم؛ إذ إنَّهم يبنون حياة لا تشبه حياتهم من أجل كسب رضا الآخرين وإعجابهم.
ما هي الآثار النفسية والجسدية للكذب؟
يجعل الكذب الإنسان دائم القلق والتوتر والأرق؛ إذ يُصاب العقل بالاضطراب ما بين الكذبة والحقيقة، ممَّا يجعله أمام مجهود مضاعف؛ حيث يخاف الإنسان ويتوتر من احتمالية اكتشاف كذبته من قِبل الطرف الآخر، ومن ثم يستنفر الجسم ويفرز هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) بكثرة، كما يُفرَز الأدرينالين، مما يجعل الجسم في حالة تأهب إمَّا للدفاع أو للهروب، ويزداد معدَّل دقات القلب، ويتعرق الجسم، وتتسع العينان.
إضافة إلى تراجع الذاكرة وتدهورها؛ حيث لا يستطيع الكاذب تذكُّر كامل أكاذيبه، الأمر الذي يجعله يؤلف أكاذيب جديدة ويضيع أكثر وأكثر.
علاج الكذب:
في حال كان الكذب ليس مَرضياً، فهنا يجب على الشخص أن يتحمَّل مسؤولية الأمر، وأن يسعى إلى التخلص من هذه الآفة اللعينة التي تُفقِده ثقة الناس به واحترامهم له، كما تجعله في حالة من المشاعر السلبية الدائمة، وتبني علاقة مضطربة بينه وبين نفسه، فلا يمكن أن تجد شخصاً كاذباً؛ متوازناً نفسياً.
كما تؤثر في كل قيمه في الحياة، فلا يمكن أن تجد شخصاً كاذباً؛ لديه مبادئ ثابتة ويسعى إلى إسعاد الآخرين وتقديم النفع لهم، كما على الآخرين أن يساعدوا الشخص الكاذب في تخطِّي هذه الآفة من خلال مواجهته وعدم الانصياع لكذبته، كأن يضعوا له حداً، الأمر الذي يجعله لا يتمادى في كذبه.
أمَّا في حال كان الكذب حالة مَرضية؛ فعندها على المريض أن يطلب مساعدة متخصص نفسي في القضية، بحيث يُخضِعه لجلسات علاج معرفي سلوكي، ويحوِّله من حالة عدم الاستبصار إلى حالة من الوعي بحالته وخطورتها وضرورة اتخاذ خطوات جدية لعلاج الوضع.
ومن ثمَّ يفهم الطبيب النفسي السبب الحقيقي الكامن وراء إدمان الكذب، ويقوم بعد ذلك ببناء برنامج علاجي مشترك ما بينه وبين المريض وأهل المريض وأصدقائه، بحيث يطبِّق خطوات عملية مع المريض، وبمساعدة المحيط به يضمن الالتزام بتلك الخطوات.
في الختام:
إن كنت تتوقع أنَّ الكذب يساعدك على الوصول إلى ما تريد؛ فأنتَ واهم للغاية؛ وذلك لأنَّك عندما تكذب؛ تخسر نفسك وقيمك واحترام وثقة مَن حولك، كما تخسر أهم ما في الحياة وهو رضا الله، وتبتعد عن أغلى ما تملك وهي الإنسانية؛ فما نفع أن تصل إلى ما تريد، حين تكون قد خسرت نفسك وربك؟!
أضف تعليقاً