1. الوقت:
أولاً، دعنا نقيِّم كيفية قضائك للوقت عندما لا تكون نائماً أو في العمل؛ فقد أظهرت الأبحاث أنَّ الناس -وسطياً- يقضون ثلاثة وثلاثين عاماً من عمرهم في أسِرَّتهم (سبع سنوات منها في محاولة النوم)، وسنةً وأربعة شهور في التريُّض، وأكثر من ثلاث سنوات في قضاء الإجازات، كما تقضي النساء قرابة 136 يوماً في الاستعداد للخروج من المنزل، بينما يحتاج الرجل إلى 46 يوماً فقط، إنَّ هذه الأرقام مجرد تقديرات بالطبع، ولكن خياراتنا اليومية تُحدِّد مقدارها تراكمياً.
2. وسائل الإعلام:
عندما تُجري تدقيقاً لتفاصيل حياتك، ربما تكتشف أنَّك تقضي قدراً كبيراً من الوقت في القراءة أو في مشاهدة وسائل الإعلام؛ إذ تقدِّر الأبحاث أنَّ الإنسان يقضي أكثر من 11 عاماً من عمره وسطياً وهو يُحدِّق في شاشات التلفاز والهواتف الذكية، وقد تبدو وسائط الإعلام التي تختار مشاهدتها عادية؛ بيد أنَّ الوقت يعكس قيمك من خلالها.
تختلف أشكال استخدام وسائط الإعلام؛ ولكنَّ معظمنا لا يبالغ في مشاهدة الأفلام أو البرامج التلفزيونية أو قراءة المجلات؛ بل في استخدام الهواتف الذكية؛ لذا -لحسن الحظ- تُتيح أجهزة الآيفون (iPhone) تتبُّع الوقت الإجمالي الذي يقضيه كل شخص في استخدامها، وللوصول إلى هذه الميزة، ما عليك سوى الذهاب إلى الإعدادات (Settings)، والاطلاع على تقارير "وقت الشاشة" (screen time report) في الأسبوع الماضي، وسترى مقدار الوقت الذي قضيته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب والبريد الإلكتروني وتصفح الانترنت.
وفي حال لم يعجبك الوضع، يمكنك تقييد استخدامك للتطبيقات؛ ففي الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد (Android)، يمكنك إلقاء نظرة على استخدام البطارية ضمن "الإعدادات" (Settings)، ثم النقر من القائمة على زر "الاستخدام الكامل للجهاز" (Show full device usage)، أو يمكنك تثبيت تطبيقات مثل "سوشال فيفر" (Social Fever) أو "ماي أديكتوميتر" (MyAddictometer) لتتبع الاستخدام.
3. المال:
كالوقت تماماً؛ يمكنك تحديد القيم التي تحيا بها من خلال النظر إلى طريقة إنفاق أموالك؛ لذا، ألقِ نظرةً على إنفاقك التقديري بعد استخراج المصاريف الضرورية التي تنفقها على منزلك وسيارتك وطعامك وإعالة عائلتك ودفع فواتيرك وديونك، ومن الجميل النظر وسؤال نفسك هذه الأسئلة: ما هو أكبر استثمار قمت به هذا الشهر؟ وأي المجالات التقديرية تكلِّفك أكبر قدر من المال؟ وهل تتوافق نفقاتك مع ما هو هام حقاً بالنسبة إليك؟
نحن غالباً ما ننفق أموالنا على أمور قد نظن أنَّها هامة في البداية، ليتضح عند الاطلاع على كامل نفقاتنا أنَّها مصاريف غير معقولة؛ فمثلاً، قد يشتكي أحدهم من مقدار المال الذي تنفقه العائلة على أنشطة الأطفال بعد الدوام المدرسي ليكتشف فيما بعد أنَّه ينفق مقداراً أكبر من المال في شراء الأحذية.
يتعلق الأمر برمته في كيفية رؤيتك الأمور؛ لذا عندما تتفحص نفقاتك الشهرية، فكِّر فيما إذا كانت نفقاتك التقديرية عبارة عن استثمارات طويلة أم قصيرة الأمد؛ فهل كان العشاء اللذيذ الذي تناولته في الخارج أو دروس الرقص التي أخذتها بغرض التسلية أم اكتساب المعرفة؟ وإذا كانت لديك عضوية في صالة الألعاب الرياضية، ولم تذهب إليها سوى مرة واحدة خلال الشهر كله، بل وأنفقت مبلغاً أكبر على شراء أشياء أقل أهمية؛ ففي هذه الحالات عليك أن تُعيد التفكير في أمورك.
شاهد بالفيديو: كيف تضع ميزانية تساعد على الادّخار؟
إعادة النظر في قيمك:
ستتمكن عبر إجراء تدقيق لذاتك من اكتشاف القيم التي تتسلل إلى حياتك تلقائياً دون وعيك، والخطوة التالية أن تحدد قيمك، وتحرص على أن تغرس القيم العليا في نفسك، وتتأكد من أنَّها تتوافق وخياراتك؛ إذ ثمة نوعان من القيم: القيم العليا والقيم الدنيا (هذا إن صحَّت تسميتها قيم).
ترتقي القيم العليا بنا نحو السعادة والرضا وتحقيق أهداف أسمى، وهي: الشجاعة وصفاء الذهن والامتنان والإحسان والقبول والتضحية والتفكير العميق والزهد والاستقامة والودُّ والصدق والحِلم ورجاحة العقل والابتعاد عن تقصِّي عيوب الناس والرحمة تجاه جميع الكائنات والرضا والدماثة واللطف والنزاهة والعزم؛ في حين تسحبنا القيم الدنيا نحو القلق والاكتئاب والمعاناة، وهي ست قيم تتضمن: الجشع والشهوة والغضب والغرور والوهم والحسد.
إنَّ الجانب السلبي للقيم الدنيا هو أنَّها يُمكن أن تستحوذ علينا كلياً عندما نفسح لها المجال لفعل ذلك؛ ولكنَّ الجانب الإيجابي هو أنَّها قليلة بالمقارنة مع القيم العليا؛ إذ تفوق الطرائق الكفيلة بالارتقاء بنا عددَ الطرائق القادرة على إحباطنا ودفعنا إلى السلبية.
لا يُمكننا أن نخلق حزمة قيم من العدم، ولا أن نجري تغييرات جذرية بين عشية وضحاها، بل علينا أولاً التخلص من القيم الزائفة التي تكتسح حياتنا من خلال مراقبة الطبيعة، والتفكُّر في خلق الله سبحانه وتعالى؛ إذ تنبت الأوراق، ثم ما تلبث أن تتساقط؛ كما أنَّ الزواحف تُغيِّر جِلدها، والطيور ريشها، والثدييَّات فراءها؛ فالتخلي عن الأمور يُعدُّ جزءاً من توازن الطبيعة.
يتعلق الإنسان بطبعه بأشخاص أو أفكار أو ممتلكات مادية ظناً منه أنَّ التخلي عنها أمر غير طبيعي؛ ولكنَّ تركها هو السبيل الوحيد لننعم بالهدوء والسكينة؛ لذا، علينا أن ننفصل عاطفياً -وجسدياً إن أمكن- عن الناس والأفكار التي تستحوذ على حياتنا، ثم نقضي بعض الوقت في التفكر فيما تمليه علينا طبيعتنا البشرية.
تحوطنا الخيارات يومياً؛ لذا علينا أن نبدأ في نسج القيم لخياراتنا قبل اتخاذها؛ ويجب علينا كلما اتخذنا قراراً، سواءٌ كان كبيراً كالزواج، أم صغيراً كمجادلة صديق؛ أن نفرِّق بين القيم التي تدفعنا إلى فعل ذلك فهل هي من القيم العليا أم القيم الدنيا؛ وعندما ننجح في اتخاذ هذه الخيارات، فهذا يعني أنَّ قيمنا تتوافق وأفعالنا؛ ولكن عندما تتدهور الأمور، عليك أن تُعيد النظر في الأسباب التي دفعتك إلى اتخاذ هذا القرار والعمل على معالجتها.
أضف تعليقاً