قد لا تختار الأسرة لنفسها هذا المصير البائس، وقد لا يعرف الزوجان عواقب هذا "السجن الزوجي" اللذين فرضاه على نفسيهما وعلى أطفالهما، وقد يكون الطلاق الصامت هو الحل الذي لم تختره الأسرة، وقد يكون خيارها الأنجع بعد حسابات عدة مالية واجتماعية، وظنون الوالدين بأنَّهما يفعلان ما هو الأفضل لأطفالهما.
وهناك كثير من التساؤلات عن الطلاق الصامت، وأعراضه، وأسبابه وحلوله، وسنتحدَّث عنها في هذا المقال.
ما هو الطلاق الصامت؟
الطلاق الصامت هو التعبير المرادف للطلاق العاطفي، وهو نوع من الحياة الزوجية القسرية التي يُرغَم فيها الزوجان على تشارُك المسكن، دون أي روابط أو مشاعر عاطفية تربط بينهما.
ويضرب الطلاق الصامت عرض الحائط بالتعريف الأكثر توصيفاً للزواج بأنَّه رباط المودة والرحمة والسكينة الذي قدسه ديننا الإسلامي. ومن هنا نتبين أن الطلاق الصامت في الإسلام ينافي مبدأ الزواج الصحيح القائم الذي أمر به وحض عليه. فهو يستبدل المشاعر الدافئة التي يفترض أن تعمَّ جو الأسرة، بجوٍّ من الجفاء وانعدام الكلام والصمت المطبق، وقد يتعداه إلى كلمات أبعد ما تكون عن تأدية غرض التواصل، وتكون بدورها حواجز إضافية بين الزوجين، وتأتي هذه الكلمات على شكل جمل من السخرية أو الاستهزاء بالآخر، أو عبارات تنمُّ عن جهل كامل بطباع من يفترض به أن يكون "شريك حياة".
يزيد الطلاق الصامت سوءاً وجود أطفال في الأسرة، تلك الأرواح النقية والشخصيات التي في طور الصقل والتطوُّر وتكوين الصور والأفكار عن العلاقات والحياة عموماً؛ إذ إنَّ هؤلاء الأطفال هم الحلقة الأضعف في هذا الطلاق العاطفي؛ وذلك لأنَّ والديهم يغرسون - بقصد أو بغير قصد - صورة خاطئة جداً عن الزواج والأسرة والحياة المشتركة.
لا بدَّ أن نشير هنا، إلى أنَّ مساعي الزوجين في إخفاء طلاقهما العاطفي عن أطفالهما ستبوء بالفشل مهما اجتهدا في إخفائها؛ وذلك لأنَّ الأطفال أذكى مما يتصوران، ولن يغيب عن ألحاظهم جو الجفاء السائد في الأسرة والحديث بين الأبوين - إن وُجد - وسيتحمل الزوجان مسؤولية التأثيرات النفسية والسلوكية الناتجة عن ذلك في شخصيات أطفالهم.
شاهد: 5 علامات تدلّ على أنك وجدت شريك العمر
أضرار الطلاق الصامت:
تشمل أضرار الطلاق الصامت:
- قلة التواصل وانعدام الدعم العاطفي بين الزوجين.
- زيادة الاكتئاب والقلق والشعور بالعزلة.
- تفاقم المشاكل الزوجية.
- التأثير السلبي على الأطفال بسبب البيئة العائلية غير الصحية.
- تشوه العلاقة وتقليل فرص إعادة بناء العلاقة من جديد.
- التأثير السلبي على صحة الزوجين العامة، النفسية والجسدية.
علامات الطلاق الصامت:
من علامات الطلاق الصامت التي تؤكد أنَّ هذين الزوجين يعانيان الانفصال العاطفي، نذكر ما يأتي:
- سيطرة الصمت على الجلسات التي يجتمع فيها الزوجان معاً.
- العجز عن الوصول إلى اتفاق أو اتحاد في رأي الزوجين بخصوص أي موضوع، سواء كان صغيراً أم كبيراً.
- سيطرة الشعور بالغربة على كل من الزوجين؛ إذ يشعر كل منهما أنَّ الآخر غريب عنه لا يعرف عنه شيئاً.
- وجود كثيرٍ من العوائق النفسية والسلوكية والفكرية التي تتزايد يوماً بعد يوم وتزيد المسافة بين الزوجين.
- عدم الإعجاب بأي تصرُّف أو موقف أو فكرة تصدر عن الطرف الآخر.
- انتقاد الطرف الآخر باستمرار.
- صعوبة التقبُّل النفسي والجسدي للطرف الآخر وعدم القدرة على ذلك.
- إغلاق أبواب الحوار في وجه الطرف الآخر، وعدم الاستعداد لتذكُّر أيام الصفاء التي جمعت الزوجين.
- تبادُل الانتقادات الشديدة بين الزوجين.
- إبداء الرفض والجفاء في وجه محاولات التودد من الطرف الآخر.
- الاقتصار عن التعامل مع الطرف الآخر، وتجنُّب أي سبب يؤدي إلى ذلك.
- حدوث انفصال جسدي بين الزوجين، وامتناعهما عن النوم في غرفة واحدة.
- تجنُّب الحديث مع الطرف الآخر، وإذا ما اضطر أحدهم إلى الحديث مع شريكه، تعامَل بنبرة جافة ووجه عبوس مستخدماً كلمات مختصرة.
- خلو أي حديث من التطرُّق إلى المشاعر الودية الطيبة.
أسباب الطلاق الصامت:
عديدة هي الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق الصامت، ونذكر منها ما يأتي:
- الفشل في الاستحواذ على إعجاب الطرف الآخر واهتمامه؛ وهذا بدوره يسبب انكفاء كل طرف على نفسه، وزيادة الهوَّة والفراغ بين الزوجين.
- عدم التوفيق في اختيار الشريك الذي يمكن الانسجام معه، ووجود كثيرٍ من الفوارق والاختلافات الفكرية بين الزوجين.
- عدم اكتراث الزوجين لعلامات الملل والبرود التي تبدأ بالدخول إلى حياتهما، وانشغالهما عن معالجة هذه العلامات، وهذا بدوره يفسح المجال أمامها للتفاقم والتضخم.
- الانجراف في الحب قبل الزواج إلى درجة فقدان الرؤية العاقلة والحكيمة لصفات الطرف الآخر وعيوبه، وبعد الزواج وبعد أن تهدأ فورة الحب يبدأ كل طرف بالتماس العيوب في شريكه.
- تحميل أحد الطرفين مسؤولية سعادة الزواج، واتكال الطرف الآخر عليه للعثور على هذه السعادة، فيمضي العمر دون أن يعي الزوجان أنَّ السعادة قرار مشترك يستلزم تعاون جهديهما لبلوغه.
- الخوف من نظرات المجتمع وخاصة الدائرة الأقرب ومعرفتهم بوجود مشكلات بين الزوجين، وفي مثل هذه الحالات تكون المرأة هي الحلقة الأضعف؛ نتيجة لوم المجتمع لها واتهامها بالتقصير؛ لذا، تنطوي على ذاتها وتعيش الطلاق الصامت.
- عدم لجوء الزوجين إلى الصراحة والشفافية في حل مشكلاتهما، والتهرب دائماً من تحليلها تحليلاً مشتركاً وحيادياً؛ وذلك لأنَّ هذا التحليل سيؤدي في نهاية المطاف إلى تبادُل اللوم والاتهامات.
- وجود اختلافات كبرى بين الزوجين من ناحية الميول الثقافية والمنشأ الاجتماعي، وغيرها من الاختلافات التي يترتب عليها اختلاف في طرائق التفكير، وعدم استعداد أي من الطرفين لتقبُّل اختلاف الطرف الآخر، ومطالبة كل منهما للآخر بأن يكون نسخة عنه.
- عدم التقبُّل للاختلافات السيكولوجية في موضوع العلاقة الحميمة، فالرجل يَعُدُّ العلاقة حقَّه، وأنَّها أمر مفصول عن الخصام والخلاف، أما المرأة فلا تستطيع تقبُّل هذه العلاقة إلا إذا اندفعت لممارستها بفعل العاطفة.
- وجود معتقدات وتصورات مسبقة خاطئة عن الزواج راسخة في أذهان الزوجين وخاصة الزوجات، التي تكون ناتجة عن تأثرها بالأفلام والمسلسلات الرومانسية، فتنصدم بأنَّ الزواج لا يشبه الصورة التي رسمتها له في مخيلتها فتشعر بالإحباط وتظن أنَّ زواجها فاشل.
- العنف الجسدي أو اللفظي بين الزوجين وما يؤدي إليه من مشاعر الكره والنفور.
- عدم تقبُّل الأزواج لفكرة أنَّ "الاختلاف ليس خلاف"، وأنَّه من الطبيعي جداً ومن المنطقي ألا يتفق الزوجان في كل شيء، وأنَّ من أهم أسرار العلاقات الناجحة هو "احترام الاختلاف".
علاج الطلاق الصامت:
إنَّ علاج الطلاق الصامت ليس بالأمر السهل، ولكنَّه في الوقت ذاته ليس أمراً مستحيلاً، وإنَّ خطة الحل تكون عن طريق إعادة تأهيل لكل طرف من أطراف الزواج للحياة المشتركة مع شريكه، وهذا يستلزم جهوداً يجب بذلها على صعيد التغيير الشخصي، وأخرى يجب بذلها على صعيد التعامل مع الطرف الآخر، ومن خطوات الحل ما يأتي:
- إخلاص النية من قِبل الزوجين كليهما بإعادة حياتهما الزوجية إلى ما كانت عليه قبل هذا البرود العاطفي.
- عدم الخجل أو التردد في استشارة اختصاصي زواج وأسرة عند الحاجة إلى ذلك.
- المبادرة بالحديث إلى الطرف الآخر، وتقديم الدعم له عند حاجته إليه.
- طرح الأسئلة على الشريك والاستفسار عمَّا يشغل باله وعن أحلامه وأفكاره وتطلُّعاته؛ إذ تبدو الأسئلة حلاً مناسباً لإعادة التواصل بين الزوجين، الذي انقطع في فترة الطلاق الصامت.
- جعل إعادة التوازن والدفء للحياة الزوجية هو الهدف الرئيس، وتجاهُل جميع إشارات الاستفزاز التي قد تصدر من الطرف الآخر، وتجدر الإشارة إلى أنَّه عندما يأخذ أحد الطرفين على عاتقه إنقاذ الحياة الزوجية من الطلاق الصامت، فلا بدَّ أن يواجه بعض المقاومة والاستفزاز من قِبل الطرف الآخر ليسبر جديته في مساعيه؛ لذا، من الواجب تجاهُل هذه الاستفزازات لأنَّه أول بوادر الحل.
- عقد العزم على بدء صفحة جديدة وعدم الالتفات إلى الوراء وتذكير الآخر بتصرفاته الماضية الخاطئة؛ بل يجب على الزوجين محاولة التسامح معها ليتسنى نسيانها.
- عقد جلسة مصارحة بين الطرفين يعترف كل منهما للآخر بما يزعجه وما يحبه، ليكون كل شيء بينهما واضحاً ومفهوماً.
- الصبر ثم الصبر ثم الصبر؛ وذلك لأنَّ اتخاذ مثل هذه الخطوة يحتاج إلى كثيرٍ من الوقت وإعادة المحاولة؛ لأنَّ النتائج ستثمر إذا كانت المساعي جادة ولا يتخللها اليأس.
خاتمة:
إنَّ الطلاق الصامت هو هوَّةٌ يسقط فيها الأزواج الذين صُدِموا بالحياة الزوجية الحقيقية البعيدة عمَّا كان في تصوُّراتهم، وإنَّ السعادة الزوجية واللحظات الدافئة والحميمية التي تسود جو الأسرة في خضم المسؤوليات والمهام تستحق آلاف محاولات الإنقاذ.
ولا بدَّ من التأكيد على أهمية التعرف المنطقي إلى شريك الحياة في فترة ما قبل الزواج، وعدم الإنجرار خلف المشاعر فقط؛ وذلك لأنَّ مسؤولية الحياة الزوجية وتنشئة الأطفال هو أمر يحتاج إلى الحكمة والوعي.
أضف تعليقاً