فقدَ الزواج اليوم الغاية الأسمى لوجوده وهي السكينة، فبدلاً من التعامل معه على أنَّه البيئة الحاضنة للأزواج، والملاذ الآمن لهم؛ تحوَّل إلى المنفِّر الأول لهم ومصدر الهم والغم والتعاسة.
وبعد أن كان الطلاق الخيار الأكثر رفضاً واستهجاناً من قِبل المجتمع كله والقرار الأكثر تهوراً وتسرعاً بين الأزواج؛ بات اليوم الخيار الأكثر شيوعاً بين أغلب شريحة المتزوجين، والقرار الذي فقد خاصية المفاجأة بحيث إنَّه لم يعد قادراً على خلق تلك الصدمة المجتمعية، ترى ما الذي يوصل الشريكان إلى اتخاذ قرار الطلاق، وهل بالفعل هناك حالات يتحوَّل فيها الطلاق إلى حل وعلاج؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.
ما الذي يوصل الشريكان إلى التفكير بالطلاق؟
1. التوقعات العالية:
يبني الكثير من الشباب والشابات توقُّعات خيالية عن مؤسسة الزواج قبل الدخول فيها، كأن تتوقَّع الفتاة اختبار مشاعر الرومانسية والحب وحياة السهر والهدايا والسياحة على مدار السنة، ويتوقع الشاب اختبار الحميمية والدفء والاهتمام والدلال على مدار الساعة، لِيفاجؤوا بعد الزواج بحقيقة الأمر ومدى جديته، فيكتَئبون ويختارون الطلاق كأسهل حل للهروب من المسؤولية.
الزواج مؤسسة قائمة على الحقوق والواجبات، وتتطلب الكثير من الوعي والنضج وتحمُّل المسؤولية، وهو الميثاق الذي يتعهد فيه كلا الزوجين أمام الله بالسعي الحقيقي والصادق إلى تحقيق سعادة الطرف الآخر.
2. عدم وجود منهجية لإدارة الخلاف:
يتعامل أزواج اليوم بالكثير من العصبية والانفعال مع أي مشكلة قد تقع بينهم، فبدلاً من حل المشكلات بالعقل والحكمة والحوار الراقي، وبدلاً من غلبة التسامح واللين على الموقف؛ يميل معظمهم إلى الصراخ والشتم والعصبية المفرطة وتحطيم الأشياء في كثير من الأحيان، الأمر الذي يولِّد ضغطاً نفسياً كبيراً لدى الطرف المُتعرِّض للإهانة مما يدفعه لاتخاذ قرار الطلاق.
يستطيع كل من الطرفين التدرب على فن إدارة الخلاف، من خلال الالتحاق بدورات تدريبية أو قراءة الكتب أو مشاهدة المحاضرات الإلكترونية، ومن ثم يصلان إلى حل مثالي لحالتهما.
3. الخيانات المتكررة:
قد يعتاد الكثير من الرجال خيانة زوجاتهم بدافع التغيير والتجديد والمغامرة، وقد يتكرر الأمر كثيراً، الأمر الذي يدفع الزوجات لطلب الطلاق لحفظ كرامتهن المجروحة.
على المرأة في حالة خيانة الزوج لها، أن تعلم علم اليقين أنَّه يخون الله ولا يخونها؛ وذلك لأنَّ ميثاق الزواج الذي وقَّعه هو تعهُّدٌ مع الله عز وجل بحفظ الزوجة وإسعادها والإخلاص لها، ومن ثمَّ عليها عدم التسرُّع وطلب الطلاق؛ بل التريث والتفكير تفكيراً عقلانياً وليس عاطفياً، فقد يكون للرجل إيجابيات كبيرة تجعله مُستحِقاً لفرصة ثانية، وقد يكون هنالك أطفالٌ في سن حرجة بحاجة إلى أسرة دافئة يكبرون فيها، وقد لا يكون للمرأة موردٌ ماليٌ تستند إليه في حال طلاقها؛ لذلك في جميع الأحوال عليها التريث ريثما تستطيع محاكمة الأمر واتخاذ القرار المناسب.
4. عدم وجود الحب:
يعدُّ الحب أحد أهم أساسيات الزواج، ومن دونه تغدو الحياة رتيبة وبلا معنى، ولكن على المرأة التفكير ملياً في قرار الطلاق حتَّى في حال عدم وجود مشاعر حب بينها وبين شريكها، فإن كان هنالك أطفالٌ؛ عليها أن تسأل نفسها: "ما مدى تأثير الطلاق في شخصية الأولاد، وإن كانا كزوجين قادرين على التعامل الراقي والاهتمام بالأطفال حتَّى مع وجود طلاق؟"، إن كان جوابها بالإيجاب، وتجد أنَّهما قادران على العناية بالأطفال وبجدية حتَّى في ظل وجود طلاق؛ فعندها تستطيع أن تطلب الطلاق.
أما إن كان الطلاق سيؤثر في شخصية الأطفال، تحديداً إن كانوا ضمن الفترة العمرية ما بين 4 إلى 12 سنة، وكان الوالدان لا يتميزان بالوعي لعيش طلاق صحي وراقٍ؛ فعندها لا ينصح بالطلاق أبداً.
وإن كانت الأنثى تعيش في مستوى معيشي جيد جداً، كأن يكون لديها منزل فاره وسيارة ورصيد في البنك، وإن كانت الأنثى ستخسر هذا المستوى في حال الطلاق، ولن يكون باستطاعتها العيش بتلك الطريقة مطلقاً؛ فعندها يعدُّ اتخاذ قرار الطلاق تسرعاً وتهوراً حتَّى في حال عدم وجود الحب.
وإن كانت الأنثى تحظى بمكانة اجتماعية مرموقة وبوضع مادي جيد من خلال هذا الزواج، وستخسر تلك المكانة الاجتماعية في حال الطلاق؛ فعندها عليها ألَّا تطلب الطلاق حتى في حال عدم وجود الحب، أما إن لم يؤثر الطلاق في مكانتها الاجتماعية والمادية، كأن تكون ابنة عائلة كبيرة وحاصلة على درجات علمية عالية؛ فعندها تستطيع أن تطلب الطلاق لعدم توفر الحب.
5. النرجسية وعدم الاعتراف بالأخطاء:
إن كان الزوج نرجسياً فهذا يعني أنَّه لا يعشق إلَّا ذاته، ولا يستطيع حب غيره على الإطلاق، ولا يستطيع الاعتراف بأخطائه، ويرى نفسه الشخص الوحيد الواعي والفاهم في الحياة، ويسعى النرجسي بكل قوته إلى جعل شريكة حياته تابعة له، عديمة الشخصية، ومهزوزة الثقة بنفسها، وتعدُّ العلاقة مع نرجسي من أصعب العلاقات على الإطلاق.
6. الإهمال العاطفي:
يعد شعور المرأة بالإهمال وعدم الاهتمام شعوراً قاتلاً؛ حيث يؤدي عدم اهتمام الرجل بتفاصيلها، وعدم مشاركته اهتماماتها وأحلامها، وعدم حديثه معها؛ إلى انطفائها وتفكيرها في الطلاق جدياً، ومن جهة أخرى، يحتاج الرجل إلى الاهتمام أيضاً، وقد يفكر في الطلاق في حال إهمال المرأة له وعدم اكتراثها باحتياجاته.
7. عدم الاحترام:
عندما يقلِّل أحد الشريكين احترام الشريك الآخر، كأن يصفه بصفات غير لبقة، أو يهزأ بأفكاره واقتراحاته، أو لا يعبأ برغباته وخصوصيته، أو لا يحترم اختلافه؛ فعندها ستنشأ مشاعر سلبية لدى الطرف الآخر وقد يصل معه الأمر إلى طلب الطلاق.
8. فقدان الأمان:
يعد الأمان أهم الاحتياجات النفسية لدى الأنثى، وباللحظة التي تفقد فيها هذا الاحتياج؛ تفقد معه كل شيء، وتشعر الأنثى بفقدان الأمان؛ عندما لا يتحمل الرجل مسؤولية كلامه وأقواله ولا يكون جدياً في حياته ومتوافقاً مع توقعاتها.
9. تكرار الإدمان:
عندما يكون الرجل مدمناً لشيء ما مثل: الكحول، أو المخدرات، وما إلى ذلك، ولا يملك الإرادة ولا النية للإقلاع عن إدمانه؛ فعندها سيخلق هذا الأمر كارثة في المنزل وشرخاً كبيراً في العلاقة الزوجية.
10. العزلة:
عندما يطلب الرجل من المرأة أن تكون معزولة تماماً عن أهلها وأصدقائها وجيرانها؛ فهذا يُشعر المرأة بالضيق وعدم الراحة والكآبة في معظم الأحيان، وصولاً إلى طلبها الطلاق.
11. الضرب والإهانة:
الضرب من أفظع أساليب التعامل بين البشر، والرجل الذي يضرب زوجته لا يُصنَّف من البشر مطلقاً، ولا يجوز أن تبقى معه زوجته لحظة واحدة في المنزل ذاته.
13. الشح وعدم النفقة:
مَن يبخل على زوجته ولا يعطيها حقوقها في النفقة، فهو لا يتقي الله فيها، ولا يستحق أن تبقى معه.
14. المفهوم المشوَّه للطاعة:
ينظر الكثير من الرجال إلى الطاعة على أنَّها سيطرة تامة على إرادة المرأة، وكسر حريتها في التعبير عن ذاتها، الأمر الذي يصنع امرأة ضعيفة ومكبوتة وغير سعيدة.
15. الهجر:
في حال قام الرجل بهجر المرأة والبعد عن العلاقة الحميمة معها ومن دون سبب؛ فهنا تستطيع المرأة أن تطلب الطلاق، والعكس صحيح.
متى يكون الطلاق حلاً؟
في الحقيقة لكل حالة من حالات الزواج خصوصيتها، ولكن عموماً يكون الطلاق حلاً في حال استحالة العيش مع الطرف الآخر لوجود مظاهر مثل: البخل، والعزلة، والضرب والإهانة، وفقدان الأمان، وتكرار الإدمان، والنرجسية، والهجر، أما في حالات مثل: الخيانات المتكررة، وعدم وجود الحب، والإهمال العاطفي، وعدم الاحترام، والتوقعات العالية، وعدم وجود فن لإدارة الخلاف، فعلى الشريكين السعي إلى إصلاح العلاقة بشتى الطرائق، كأن يستهديان بالله ويقرران البدء من جديد بعلاقة راقية وناضجة، أو يطلبان مساعدة متخصص نفسي أو مساعدة أحد الأقرباء ممَّن يتمتعون بالحكمة والوعي.
كما على المرأة التفكير بطريقة عقلانية بحيث تحلِّل وضعها وتتخذ القرار المناسب لها، فالإهمال العاطفي على سبيل المثال حالة صعبة جداً، ولكن عليها الصبر وعدم التسرع وطلب الطلاق، ففي إمكانها أن تسعى إلى تدريب زوجها على الاهتمام بها، أو تطلب منه حضور دورة تدريبية عن الاختلاف بين الذكر والأنثى وآلية التعامل مع كل منهما.
كما قد تصبر المرأة على زوجها الذي لا يحترمها، وتسعى إلى أن تكون محترمة وراقية معه، فإن تغيَّر معها وأصبح محترماً فهذا مؤشر على أنَّ عدم الاحترام أمر طارئ على شخصيته، أما في حال عدم تغيره واستمراره في حالة عدم الاحترام؛ فحينها من حقِّها الانفصال عنه.
إذاً؛ على كل من الطرفين التفكير في الإصلاح وفي الحفاظ على قداسة العائلة ودفء المنزل، قبل أن يفكروا في الطلاق والانفصال، وفي حال فشَل كل المحاولات للاستمرار فحينها لا بد من اتخاذ قرار الطلاق.
في الختام:
الزواج رابطة مقدسة تجمع بين طرفين، فاحترموا هذه الرابطة واعملوا على تغذيتها بالمعاملة الحسنة والتقدير والصدق والإخلاص والالتزام، فمن أكبر الإنجازات في الحياة؛ الزواج الناجح والعائلة السعيدة.
أضف تعليقاً