لقد باتت هذه الضغوطات النفسية جزءاً من الحياة وأحياناً من روتينها اليومي، وهي أمر طبيعي، لكنَّ خطورتها تكمن في عدم قدرة الإنسان على التعامل معها؛ لذا يختلف تأثيرها من شخص لآخر كلٌّ حسب صحته النفسية ومستوى وعيه، فمن الضروري أن نعرف أكثر عن كيفية التعامل مع الضغط النفسي دون أن ندعه يعوق أداءنا ويُثبِّط طاقتنا.
أولاً: ما هو الضغط النفسي (Psychological Stress)؟
الضغط النفسي: هو شعور الإنسان بالتوتر والقلق والإجهاد الجسدي والنفسي الناتج عن استجابته لظروف معينة يتعرض لها أو لفكرة تُراوده تسبب له القلق أو الغضب، أو هو حالة من عدم التوازن النفسي التي يصاب بها الإنسان بسبب شعوره بالعجز عن تقبُّل وضع ما أو فكرة ما، أو شعوره بالعجز عن السيطرة على حياته.
الضغط النفسي كما عرَّفه علماء النفس:
1. عرَّفه "ماك جراف":
"يُعبِّر الضغط النفسي عن خلل مُدرك بين المطالب والإمكانات تُصاحبها مجموعة من المظاهر السلبية مثل الغضب والقلق والإحباط".
2. عرَّفه "والتر جملش":
"هو التوقعات والأفكار المسبقة التي تتكون عند الفرد تجاه عجزه أو عدم قدرته على إظهار الاستجابات المناسبة للمثيرات التي قد يتعرض لها، أو الآثار الجانبية والأعراض التي تنتج عن الاستجابات غير الصحيحة والخاطئة".
3. عرَّفه "جيمس كويك":
"الضغوطات النفسية هي الاستجابات التي تشمل حالة اللاشعور التي يمر بها الفرد؛ إذ تتطلب منه استنزاف واستنفار كافة أشكال الطاقة الطبيعية في جسم الإنسان لتهيئته لمواجهة الظروف الصعبة".
4. عرَّفه "مونتا لازاروس":
"هو حالة تنتج عن عدم حدوث توازن بين المطالب البيئية والداخلية والموارد التكيفية للشخص".
هل النساء أكثر عرضة للضغط النفسي من الرجال؟
تشير الدراسات والإحصاءات إلى أنَّ النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بالضغط النفسي، وتفسير ذلك أنَّ طبيعة المرأة العاطفية تجعلها أكثر حساسية وتأثراً من الرجل، إضافة إلى زيادة مسؤولياتها في الوقت الراهن بين دورها في رعاية الزوج والأولاد ومهام المنزل وبين وظيفتها وعملها الخارجي.
ثانياً: أسباب الضغط النفسي
يحدث الضغط النفسي لأسباب عديدة، مثل:
1. المشكلات المالية:
تُعَدُّ المشكلات المالية أحد أبرز أسباب الشعور بالضغط النفسي، كالفقر وكثرة الديون وعدم القدرة على الوفاء بها، أو التعرض للخسارة الكبيرة أو الإفلاس.
2. ظروف العمل:
تؤثر ظروف العمل التي يعمل بها الإنسان في شعوره بالضغط النفسي، فإن كان يعاني من العمل لساعات طويلة وكثرة المهام، أو من علاقة سيئة مع المدير أو الزملاء، أو من دخلٍ متدنٍ لا يتناسب مع مجهوده، أو عدم شعوره بالأمان الوظيفي، أو عمله غير المتناسب مع رغبته أو ميوله، سيكون وقوعه تحت الضغط النفسي نتيجة مؤكدة.
3. كما تُعَدُّ البطالة:
أي عدم حصول الإنسان على عمل من أهم أسباب شعوره بالضغط النفسي.
4. العائلة:
العائلة هي مصدر سعادة أو شقاء الإنسان، فمشكلات الطلاق أو العلاقة الصعبة مع أحد أفراد العائلة لا بد أن تكون نتيجتها تعرضه للضغط النفسي.
5. العلاقات السامة:
العلاقة السامة سواء كانت مع شريك عاطفي أم صديق أم أي شخص هي من أشد أسباب الضغط النفسي، والعلاقة السامة هي العلاقة التي تجعل الإنسان في حالة نفسية سيئة.
6. مشكلات صحية:
قد يعيش الإنسان تحت الضغط النفسي بسبب إصابته بمرض معين أو خوفه من الإصابة بمرض معين.
7. الخوف من الأحداث الخارجية:
يسبب الخوف من الهجمات الإرهابية أو الظروف الأمنية غير المستقرة شعورَ الإنسان بالضغط النفسي.
8. تغيير جذري في حياة الإنسان:
غالباً ما يشعر الإنسان بالضغط النفسي عند حدوث تغيير جذري في حياته، مثل الزواج أو الإنجاب أو تغيير العمل أو الدولة التي يعيش فيها.
9. صدمة نفسية:
قد ينتج الضغط النفسي عن تعرض الإنسان لصدمة نفسية كفقدان شخص عزيز أو رفضه أو خذلانه من شخص عزيز.
10. أسباب بيئية:
كتقلبات الطقس وحالات التلوث.
شاهد: 7 مؤشرات تدلّ على أنّك تحت ضغط نفسي شديد
ثالثاً: أعراض الضغط النفسي
الأعراض النفسية، وتتمثل بـ:
- النسيان وصعوبة التركيز.
- الشرود الدائم.
- الاكتئاب وفقدان حس الدعابة.
- انخفاض الرغبة الجنسية.
- صعوبة باتخاذ القرار.
- اضطرابات النوم.
- الميل للانعزال والوحدة.
- قلة أو كثرة الأكل.
- الانفعال والعصبية لأتفه الأسباب.
- عادات قضم الأظافر والضغط على الأسنان.
- إدمان الكافيين والتدخين أو شرب الكحول أو تعاطي المخدرات.
الأعراض الجسدية، وتتمثل بـ:
- شعور بالتعب والإرهاق.
- صداع في الرأس.
- شعور بالغثيان.
- انخفاض مستويات الطاقة.
- توتر وألم في العضلات.
- مشكلات وألم في المعدة.
- زيادة في معدل ضربات القلب.
- ارتفاع ضغط الدم.
- عدم وضوح الرؤية.
- ضيق في التنفس.
- مشكلات في الدورة الشهرية لدى النساء وتساقط الشعر.
رابعاً: أنواع الضغط النفسي
ينقسم الضغط النفسي إلى الأنواع الآتية:
1. الضغط النفسي الحاد:
هو من أكثر أنواع الضغط النفسي شيوعاً، فهو الضغط الذي يحدث لفترة زمنية قصيرة ويزول سريعاً، ويحدث لدى جميع الأشخاص، ويكون ناتجاً عن التفكير بالماضي أو القلق من المستقبل، ويصاحبه شعور بالتوتر أو الصداع أو اضطرابات في المعدة.
2. الضغط النفسي الحاد النوبي:
يعاني الشخص في هذا النوع من الضغط من الإجهاد الحاد المتكرر، وهو يحدث للأشخاص الذين يقلقون أكثر من اللازم أو من تقع على عاتقهم الكثير من الالتزامات ويكونون غير قادرين على التنظيم، ويؤثر الضغط النفسي الحاد النوبي في علاقة الشخص بالآخرين، وقد يسبب مشكلات صحية كارتفاع ضغط الدم أو أمراض القلب.
3. الضغط النفسي المزمن:
هو النوع الأكثر خطورة مقارنة بالأنواع الأخرى من الضغط، وغالباً ما يحدث عندما يكون الشخص عاجزاً عن الهروب من وضع مؤلم معين أو إيجاد حلول له، كالمشكلات والمعاناة العائلية أو الفقر والحاجة.
قد يدفع الضغط النفسي المزمن بصاحبه إلى تبني السلوك العنيف أو التفكير بالانتحار، أو قد يُعرِّضه للإصابة بالسكتات الدماغية أو النوبة القلبية، ويحتاج هذا النوع من الضغط النفسي إلى زيارة اختصاصي نفسي.
خامساً: اختلاف مستوى التأثر بالضغط النفسي من شخص لآخر
يختلف مستوى التأثر بالضغط النفسي من شخص لآخر للأسباب الآتية:
1. الدعم المعنوي:
كلما كان الإنسان محاطاً بأشخاص داعمين له من العائلة والأصدقاء كان أكثر قدرة على تحمُّل الضغط النفسي ومواجهته، على عكس الإنسان الذي يشعر بالوحدة؛ إذ يكون أكثر عرضة للضغط النفسي.
2. إدارة العواطف (الذكاء العاطفي):
الإنسان الذي يمتلك القدرة على إدارة عواطفه والتحكم بردود فعله وتهدئة نفسه والمحافظة على ثباته الانفعالي عند الغضب والحزن، يكون أقل عرضة للضغط النفسي.
3. الوعي:
كلما كان الإنسان أكثر وعياً ومعرفةً كان أكثر قدرة وتقبلاً لظروف الحياة المختلفة وتقييمها والتعامل معها بمرونة.
4. طريقة التفكير:
تُعَدُّ طريقة تفكير الإنسان من أكثر العوامل التي تؤثر في قدرته على تحمل الضغط النفسي، فصاحب التفكير الإيجابي والمتفائل يكون أقل عرضة للضغط النفسي، أما من تكون نظرته سلبية للأمور فهو مُعرَّض للإصابة بالضغط النفسي والانفعال أغلب الأحيان.
شاهد أيضاً: 6 نصائح علميّة للتخلص من الضغط النفسي
سادساً: كيفية التعامل مع الضغط النفسي
كثيراً ما نسمع على لسان الشخص الانفعالي جملة: "أنا خُلِقت هكذا ولا يمكن أن أتغير"، وهذا الاعتقاد خاطئ تماماً، فسلوكاتنا قابلة للتغيير وأفكارنا هي التي تتحكم بها، والتغيير يبدأ من داخلنا؛ إذاً فالتعامل مع الضغوطات النفسية ليس سلوكاً فطرياً؛ وإنَّما سلوك مكتسب، وطبعاً هنا نتكلم عن الشخص السوي نفسياً وليس من يعاني من أمراض نفسية وغير قادر على التحكم بردود فعله.
هذه مجموعة من الأساليب التي يقدمها خبراء النفس للتعامل مع الضغط النفسي والتغلب عليه:
1. تحديد مصدر الضغط النفسي:
أول خطوة في التعامل مع الضغط النفسي هي تحديد مصدره وأسبابه لمحاولة إيجاد الحلول لها، مثل إنهاء علاقة سامة كانت تُشكِّل مصدر الضغط النفسي في حياتك.
2. أخذ استراحة:
يُنصح بأخذ فترات استراحة بين فترة وأخرى من العمل ومن واجبات الحياة اليومية، والذهاب في رحلة إلى مكان هادئ مريح للأعصاب كالبحر أو طبيعة خضراء.
3. ممارسة الرياضة:
يُنصح بممارسة الرياضة بانتظام وخاصة المشي في الهواء الطلق والسباحة؛ وذلك لفوائدها الكثيرة في تنشيط الدورة الدموية وتفريغ الطاقة السلبية، فهي تقلل إفراز هرمون الإجهاد "الكورتيزول"، وتزيد إفراز "الإندورفين" الذي يُحسِّن المزاج ويُسكِّن الألم.
4. التنفس العميق:
تساعد تمرينات التنفس العميق على تخفيف الشعور بالضغط النفسي كونها تُعزز الشعور بالاسترخاء والهدوء، ويكون ذلك من خلال الجلوس باستقامة ووضع اليدين على الركبتين وإغماض العينين وأخذ نفس عميق ببطء عن طريق الأنف مع حبس النفس لثوانٍ ثم إخراجه ببطء عن طريق الفم.
5. التفكير الإيجابي:
أن يكون تفكيرك إيجابياً هو أحد أهم الأسلحة في مواجهة الضغط النفسي، وأن تنظر دائماً إلى النصف المليء من الكأس وتكون متفائلاً، فمهما كان الظرف صعباً فلا بد أن ينتهي، وما من مشكلة إلا ولها حل، وحتى الفشل هو درس نتعلم منه لنبدأ من جديد بشكل أقوى.
6. تقليل استخدام الأجهزة الإلكترونية:
وخاصة الهواتف الذكية؛ إذ أثبتت الدراسات التأثير السلبي لكثرة استخدام هذه الأجهزة في الحالة النفسية للإنسان.
7. الضحك:
يُعَدُّ الضحك من الوسائل الناجحة في التغلب على الضغط النفسي؛ لذا ينصحك خبراء النفس بحضور أفلام كوميدية أو الجلوس مع صديق يتمتع بحس فكاهي ورسم الابتسامة على وجهك لو أنَّها مُفتعلة؛ لأنَّك ستخدع جهازك العصبي وتجعله سعيداً؛ لذا فهي كفيلة بتحسين مزاجك.
8. إدارة الوقت:
من أكثر أسباب شعور الإنسان بالضغط النفسي كثرة الأعباء والمهام المطلوبة، وعدم وجود الوقت الكافي لإنجازها؛ لذا الحل هنا بتعلُّم إدارة الوقت وتنظيمه، فضع برنامجاً ليومك واتبع مبدأ الأولوية في تنفيذ مهامك.
9. العائلة والأصدقاء:
عندما يعاني الإنسان من الشعور بالضغط النفسي غالباً ما يميل إلى العزلة؛ وهذا يزيد الوضع سوءاً؛ إذ ينصحك خبراء النفس بقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء؛ وهذا يُحفِّز إفراز "الأوكسيتوسين" الذي يزيل التوتر.
10. قَول "لا":
من لا يقول كلمة "لا" يقضي أغلب وقته مضغوطاً نفسياً؛ لذا تعلَّم أن تقول "لا" عندما تتعرَّض لما لا يناسبك أو يُشكِّل عبئاً عليك، ولا تجامل أو تهتم لإرضاء الآخرين على حساب أعصابك وراحتك النفسية.
11. الكتابة:
عندما تشعر بالضغط النفسي أمسِك ورقة وقلماً وأفرِغ على الورق كل ما بداخلك من أفكار ومشاعر سلبية، وعند انتهائك من الكتابة قُم بالتخلص من الورقة، فهذه الطريقة أثبتت فاعليتها في التخلص من الشعور بالضغط النفسي.
12. النوم الجيد:
من الضروري أن تحرص على الحصول قسط كافٍ من النوم؛ إذ تجعل قلة النوم جهازك العصبي في حالة إجهاد وتوتر؛ وهذا يجعلك أكثر انفعالاً وعصبية وعرضة للضغط النفسي.
13. ممارسة هواية تُحبِّها:
إن كنت تشعر بالضغط النفسي فابحث عن هواية تحبها ومارسها، فإن كنتَ من هُواة السفر فاحزم أمتعتك وانطلق في رحلة ما، وإن كنت من هُواة الموسيقى فاذهب لحضور عرض موسيقي ما، وإن كنت من هواة الرقص فانضم إلى فرقة راقصة جميلة.
14. نظام غذائي صحي:
يجب اتباع نظام غذائي صحي مُكوَّن من أطعمة ومشروبات تساعد على الاسترخاء وتحسين المزاج، مثل الفاكهة والحبوب الكاملة والزبادي والأفوكادو والأسماك الغنية بالأوميغا 3 والمكسرات والشوكولا الداكنة وشرب الشاي الأخضر الذي يساعد على الاسترخاء، فهو يزيد مستوى السيروتونين في الجسم؛ وهذا يقلل الشعور بالتوتر والإجهاد النفسي.
15. الابتعاد عن الأطعمة والمشروبات التي تزيد التوتر، مثل:
- الحلويات: إذ تسبب نسبة السكر العالية في الحلويات ارتفاعاً مفاجئاً في مستوى السكر في الدم؛ وهذا يزيد الشعور بالقلق والتوتر.
- الكافيين: يلجأ أغلب الناس إلى تناول المزيد من الكافيين عند الشعور بالضغط النفسي، وهو ما يضرهم لأنَّه يزيد من التوتر؛ لذا يُنصح بتقليل القهوة والشاي ومشروبات الطاقة وكل ما يحتوي على الكافيين.
16. زيارة اختصاصي نفسي:
لا مانع من زيارة الاختصاصي النفسي عند الشعور بالحاجة إلى ذلك.
الضغوطات النفسية جزء من الطريق:
حياتنا عبارة عن رحلة فيها الفرح والحزن، والحُلو والمُر، والنجاح والفشل، والربح والخسارة، والألم والراحة، والثقة والخذلان، والأمل واليأس، ويخطئ كل من يعتقد أنَّ حياته يمكن أن تبقى بوتيرة واحدة، فالعاقل منا مَن فهمَ فلسفة الحياة وكان واعياً فاستعَدَّ لمواجهة رياحها العاتية وطرقها الوعرة بكل قوة وإصرار، وحصَّن نفسه أمام الضغوطات النفسية؛ لأنَّه يعلم أنَّها جزء من الطريق ويجب تجاوزه للمتابعة؛ وذلك بتقوية مناعته النفسية والتمتع بالإيجابية والتفاؤل والإيمان بأنَّ الإنسان أقوى من ظروفه، والنجاح الحقيقي لا يكون في الظروف السهلة أو بمحالفة الحظ له؛ بل هو في المرات التي تعثَّر فيها وعاكسته الظروف ولكنَّه نهض وأكمل المسير.
أضف تعليقاً