في إحدى فصول قصة أليس في بلاد العجائب، دار الحوار الآتي بين القط وأليس:
- القط: إلى أين أنتِ ذاهبة؟
- أليس (Alice): في أي طريق يجب أن أذهب؟
- القط: هذا يعتمد على المكان الذي ستتجهين إليه.
- أليس: لا أعرف.
- القط: إذاً، لا يهم في أي طريق ستذهبين.
تتحدث معظم كتب التطوير الشخصي عن قصة أليس والفكرة المذكورة في الحوار أعلاه، وهذا الأمر صحيح ويحدث في حياة معظم الناس؛ حيث إنَّ الخطوة الأولى لتحقيق ما تريده هي تحديده.
من المؤسف أنَّ معظم الناس غير واضحين بشأن هذا الأمر، وليس لديهم أي فكرة عمَّا يريدون تحقيقه وهذا هو السبب في أنَّهم غير متأكدين من وجهتهم.
يقول الكاتب توني روبنز (Tony Robbins) إنَّ الحياة مثل نهر سريع الجريان يركبه معظم الناس دون أن يعرفوا وجهتهم، لقد بدؤوا رحلتهم دون وجهة، وغالباً ما تشغلهم لحظات الحاضر مع ما تحمله من أحداثٍ ومخاوف وتحديات وغيرها.
يسير الناس مع التيار، ويصبحون كبقية الأشخاص الذين توجِّههم البيئة من حولهم، ولهذا السبب غالباً ما يشعر معظمهم بأنَّهم غير قادرين على السيطرة على أنفسهم؛ وذلك لأنَّهم يسيرون في الحياة بدون وجهة، ومنشغلون بالتعامل مع الأحداث الآنية التي تعصف بحياتهم.
يقول روبنز: "يبقى الناس في حالة اللاوعي هذه إلى أن توقظهم المشكلات التي يواجهونها، ويكتشفون أنَّهم على وشك الفشل، ولكن مع حلول ذلك الوقت يكون كل شيء قد فات، وعندها سيتراجعون، وفي بعض الأحيان قد يكون ذلك بمثابة فشل عاطفي، أو إرهاق جسدي، أو فشل مالي، ومن المحتمل أنَّ جميع التحديات التي تواجهك في حياتك الآن، كان من الممكن تجنُّبها من خلال اتخاذ قرارات أفضل منذ البداية".
إذا كان ما قاله توني يصف حياتك، فيجب أن تفعل شيئاً ما وتبدأ بالسيطرة على نفسك وحياتك الآن؛ لذا ابذل ما في وسعك لاتخاذ قرارات وخيارات أفضل والعثور على طريقٍ يوصلك إلى وجهتك.
يقول المؤلف الشهير نابليون هيل (Napoleon Hill): "يوجد ميزة واحدة يجب أن يمتلكها المرء لكي يربح، وهي تحديد الهدف ومعرفة ما يريده المرء والرغبة الشديدة في امتلاكه".
يبدأ النجاح بوضوح الهدف، فعندما لا تعرف ما تريده بالضبط، لن تتمكن من تحديد وجهتك.
لنفترض أنَّك ترغب في السفر إلى الخارج، ولكنَّك لم تقرر بعد إلى أي دولة ستذهب، في هذه الحالة هل يمكنك شراء تذكرة طيران أو تحديد مسار رحلتك؟ هل تعرف كم ستنفق من المال وأين ستمكث؟ هل يمكنك وضع خطة تنظِّم وصولك والمناطق التي ستزورها؟
إذاً، عندما لا تعرف وجهتك، لن تجد طرائق يمكنك من خلالها المضي قدماً، وينطبق الأمر نفسه على حياتك؛ عندما لا تعرف وجهتك، أو لا يوجد لديك وجهة واضحة، أو هدف واضح، فلن تصل إلى أي مكان وستظل ألعوبةً تحرِّكها أحداث الحياة.
إذا لم تحدد وجهتك، لن يمكنك وضع خطة للوصول إلى ما تريده.
نقدم لك فيما يلي أسباب أهمية وضوح الهدف:
1. يساعد على تحديد وجهتك:
عندما تعرف بوضوحٍ تام الهدف الذي تريد تحقيقه، يمكنك عندها وضع خطة فعَّالة للوصول إليه، واتخاذ الإجراء المناسب لتحقيق النتيجة المناسبة.
تخيَّل أنَّك تلعب كرة القدم في ملعب لا يوجد فيه مرمى، ماذا تعتقد بأنَّه سيحدث؟ ستركض أنت واللاعبون الآخرون في الملعب ذهاباً وإياباً، وتلاحقون الكرة، لكن لن تتمكنوا من تسجيل أهداف بسبب عدم وجود مرمى.
كذلك الحياة، عندما لا تعرف ما تريده، ستتحرك دون معرفة وجهتك ولن تتمكن من تحقيق شيء.
ومن ثم إذا كنت ترغب في تحقيق النجاح في الحياة وتحقيق نتائج رائعة، يجب أن تحدد بالضبط ما تريد تحقيقه؛ لذا حدِّد وجهتك حتى تتمكن من وضع خطة لتحقيق ما تريده.
2. التخلص من مصادر تشتيت الانتباه:
عندما تعرف بالضبط وجهتك، يمكنك تركيز جهدك وطاقتك للوصول إلى ما تريده.
يشبه الأمر إطلاق سهم، فبمجرد أن تعرف هدفك، يمكنك التركيز عليه، وهذا يؤدي إلى إزالة كل المشتتات، فأنت لا تهتم بما يقوله الآخرون أو ما يحدث؛ إنَّما تركز على هدفك وتمضي قدماً إليه.
يعد رجل الأعمال وارن بافيت (Warren Buffett) من أفضل المستثمرين في العالم؛ وذلك لأنَّه يمتلك القدرة على عزل نفسه عن العالم، والالتزام بقراراته الاستثمارية.
3. التحول إلى شخصٍ مُبادِر عوضاً عن التعامل مع الأمور بمبدأ رد الفعل:
عندما يكون لديك هدف واضح وتعرف ماذا تريد، فهذا يجعلك شخصاً مبادراً تؤدي دوراً فاعلاً في الأحداث التي تقع عوضاً عن انتظار وقوعها، والتجاوب مع كل ما يواجهك.
إذاً، عندما تعرف ما تريد ويكون لديك خطة عمل واضحة، يمكنك السعي إلى تحقيقها للحصول على النتائج التي تريدها؛ حيث يماطل معظم الناس ويفشلون في تحقيق نتائج استثنائية في الحياة؛ وذلك لأنَّهم لا يعرفون ماذا يفعلون، ومعظمهم لا يعرفون حتى ما يريدونه أساساً.
إذاً، هذه هي أسباب أهمية وضوح الهدف، والآن يجب أن تدرك فاعلية وضوح الهدف وكيف تصل إليه؛ لذا نقدم لك فيما يلي بعض الاقتراحات الجيدة التي يمكنك اتباعها:
1. تحديد النجاح الذي تريد إحرازه:
أنت تحتاج إلى تحديد النجاح الذي ترغب في تحقيقه؛ لذا اسأل نفسك: "ما الذي يجب أن يحدث حتى أشعر بالنجاح؟".
يمكن أن يختلف تعريف النجاح من شخص لآخر، فبالنسبة إلى بعضهم يعد امتلاكهم مليون دولارٍ في البنك نجاحاً كبيراً، لكن بالنسبة إلى غيرهم لا يُحدَّد النجاح بالمال الذي يكسبونه، وثمَّة آخرون لا يشعرون بالنجاح إلا عندما يبنون مشروعاً مربحاً ويحققون منه مئات الملايين.
لذلك يمتلك كل شخص تعريفاً خاصاً للنجاح، ويجب أن تحدد التعريف الخاص بك للنجاح ولا تقارنه مع نجاح الآخرين؛ فما يريده الآخرون يختلف عما تريده.
بعض الناس مهووسون بإدارة الأعمال التجارية، ويمكنهم العمل 24 ساعةً كل يوم، بينما يختار بعضهم الآخر عيش حياة أكثر توازناً؛ حيث يرغبون في قضاء المزيد من الوقت مع أسرهم وفي القيام بأمور أخرى؛ إذاً، يتعلق الأمر بك وليس بالآخرين؛ لذلك حدِّد معنى النجاح في حياتك.
2. تدوين الرغبات:
الاقتراح التالي هو كتابة النجاح الذي تريد تحقيقه، ولا يهم ما تكتب طالما أنَّك تكتب فعلاً، ويجب عليك القيام بذلك لكي تلتزم وتساعد نفسك على فهم الأمور التي تريد تحقيقها وفعلها وامتلاكها في حياتك.
يمكنك البدء بكتابة أحلامك وتصوُّراتك ومهامك وحتى كتابة 100 هدف تريد تحقيقه في حياتك، تماماً كما فعل المؤلف والمتحدِّث التحفيزي جاك كانفيلد (Jack Canfield).
الحل هو تدوين أفكارك على الورق بحيث تسمح لعقلك بالتفكير والتوصل إلى إجابة لتحديد هدفك في الحياة.
فقط تخيل أنَّك تمتلك الكثير من الوقت والمال، ماذا تريد أن تكون حينها، وماذا ستفعل، وما الذي تريد تحقيقه؟ سجِّل كل ذلك، عُدَّ ذلك بمثابة جلسة عصف ذهني لتحديد الأمور التي تريد تحقيقها في الحياة.
3. تصوُّر المستقبل:
من الطرائق الجيدة لاكتشاف هدفك في الحياة تصوُّرُ مستقبلك؛ فعندما تتخيل الحياة التي تريدها في المستقبل، يمكنك أن ترى بوضوح نوع الحياة التي ستعيشها.
ويمكنك بعدها إجراء تعديل في واقعك الحالي للوصول إلى المستقبل الذي تتمناه، وعندما تتخيل النجاح الذي تريده، فأنت تخبر عقلك بنوع الحياة التي تريد عيشها؛ لذلك تشعر بوضوح وجهتك وهدفك.
تذكَّر أنَّ تصوراتك وأفكارك لا حدود لها، والحدود موجودة فقط لأنَّك رسمتها في مخيلتك.
لهذا السبب، كثيراً ما يقول الناس: "كن طَموحاً وواثقاً بنفسك وفكر في أشياء جيدة وهامة"؛ وذلك لأنَّك ستفكر على أي حال؛ لذا كن طَموحاً، ومن يدري قد تتحقق أحلامك، وتعيش نجاحاً كبيراً في الحياة.
4. البحث عن الأشخاص والمنتورز الناجحين:
إذا كنت تريد أن تعرف كيف سيكون مستقبلك، يوجد استراتيجية بسيطة يمكنك استخدامها للتنبؤ به، والأمر بسيط وكل ما عليك القيام به هو إلقاء نظرة على رئيسك ويمكنك معرفة فيما إذا كنت تريد أن تكون مثله.
على سبيل المثال، إذا كنت مديراً تنفيذياً في شركتك، راقب أداء مديرك وما الذي يسعى إلى تحقيقه في الحياة؛ وذلك لأنَّك إذا فكرت في صعود السلم الوظيفي، فمن المحتمل جداً أن تصبح المدير فيما بعد، وستمر بما يمر به مديرك الآن.
لذلك إذا لم يناسبك ما يمر به مديرك الآن، فيجب عليك إيجاد حل للتغيير، وكل ما عليك القيام به هو إلقاء نظرة على أشخاص ضمن مجال عملك، والذين يسيرون بوتيرة سريعة ويمضون قدماً أكثر منك؛ حيث توجد فرصة كبيرة لأن تصبح مكانهم في السنوات القليلة المقبلة.
كما يمنحك القيام بذلك فكرةً واضحةً عن شكل حياتك الشخصية والمهنية مستقبلاً، فإذا لم تحب شكل الحياة المستقبلية التي تخيَّلتها، فأنت محظوظ لأنَّه لا يزال في إمكانك إجراء تغيير، وتعديل الحاضر لخلق مستقبل مختلف ومُرضٍ.
5. عيش الهدف:
قد لا يكون العثور على هدفك في الحياة أمراً صعباً كما تتخيل، وقد تحتاج أحياناً إلى تخيُّل وتصوُّر مستقبلك، وفي بعض الأحيان، تحتاج إلى الإنصات لنفسك واتباع قلبك، كما يوجد أوقات يتعلق الأمر فيها بالتجربة والخطأ وتحتاج إلى تجربة الأمور لاكتشاف فيما إذا كان هذا هو ما تريد تحقيقه بالفعل.
يجب أن تعرف أنَّ رحلة النجاح ليست طريقاً مستقيماً؛ إنَّما هي رحلة معقَّدة ومتعرِّجة ومليئة بالمصاعب.
لا يمكنك اكتشاف هدفك في الحياة ما لم تعشه، فكيف يمكنك معرفة فيما إذا كنت شخصاً مجتهداً أم كسولاً ما لم تكن تمارس العادات بالفعل، وتتعايش مع تلك الصفات، وعندما تقول بأنَّك تعمل بجد فذلك أمر لا فائدة منه حتى يصبح ذلك جزءاً منك وتفعل ذلك بالفعل.
ينطبق الأمر نفسه على إيجاد الهدف في حياتك؛ حيث لا يمكنك أبداً اكتشاف هدفك ما لم تكن تعيشه بالفعل، وقد يبدو هذا الأمر مربكاً قليلاً، لكنَّ الأمر كله يتعلق بالوعي بحياتك.
الأهم من ذلك أن تستمر في إحراز تقدُّمٍ، فإذا لم تكتشف الهدف من حياتك بعد؛ استمر في البحث عنه ولا تتوقف، فستحصل على الجواب عندما تسعى أكثر.
طالما أنَّك لا تزال تتحرك وتسعى وتستمر في إحراز تقدُّمٍ، فستصل في النهاية إلى هدفك، والحل هو الاستمرار في البحث وإجراء التعديل.
يقول الكاتب جوزيف كامبل (Joseph Campbell): "لا أعتقد بأنَّ الناس يبحثون عن معنى الحياة بقدر ما يبحثون عن الشعور بأنَّهم أحياء".
6. الإنصات لصوتك الداخلي:
يقترح المؤلف ليو بابوتا (Leo Babauta) الإنصات لصوتك الداخلي لاكتشاف هدفك في الحياة.
وللقيام بذلك، يجب عليك التدرب على العزلة؛ حيث يمكنك التخلص من جميع عوامل التشتيت، كأن تجلس في غرفتك وحيداً، وتوقف تشغيل التلفاز والهاتف، وتبتعد عن كل أمر آخر يُسبِّب لك الشعور بالتشتيت، وتمشي وحيداً في الحديقة، وما إلى ذلك، فالحل هو الابتعاد عن جميع المشتتات المحتملة، حتى تتمكن من التواجد وحدك.
عندما تنتهي من تخصيص هذه المساحة لنفسك، حاول الإنصات لصوت قلبك ولاحظ ما الذي ستشعر به.
ربما تشعر بالسعادة عندما تفكر في عملك، أو ربما تشعر بالاستياء عندما تتخيل نفسك تتعامل مع زملائك في العمل، أياً كان الأمر، يكفي أن تدع أفكارك وعواطفك تتدفق ثم تعتني بها.
7. المحاولة والخطأ:
يجب أن تدرك أنَّ هدفك في الحياة ليس مجرد وجهة فحسب؛ إنَّما هو رحلة، ومن ثم سيتوجب عليك أحياناً إجراء عملية معينة لاكتشاف هدفك.
عندما قرر ستيف جوبز (Steve Jobs) ترك الجامعة، كان قد اعتقد بأنَّه ليس طالباً جيداً، ولكن بسبب انسحابه من الصفوف الدراسية التي لا يحبها، فقد أصبح يمتلك الوقت لحضور الصفوف التي يحبها، ولا سيما حصة الخط.
اكتشف جوبز بعد سنوات عدة أنَّ قرار ترك الجامعة كان أحد أفضل القرارات التي اتخذها؛ وذلك لأنَّه تمكَّن من تعلُّم فن الخط وبعد سنوات عدة ابتكر عدة خطوط لأجهزة ماكنتوش (Mac).
كما اعترف بأنَّ طرده من شركة آبل (Apple) الشركة التي بدأ العمل معها، كان أمراً ضرورياً؛ وذلك لأنَّه سمح له باكتشاف شغفه الحقيقي والتعلُّم من فشله؛ حيث قال: "لا يمكنك ربط الأمور ببعضها بالتطلع إلى الأمام؛ إنَّما بالنظر إلى الخلف؛ لذلك يجب عليك أن تثق بأنَّ تلك الأمور سترتبط بطريقة ما مع بعضها في مستقبلك".
الحياة مليئة بالتجارب والأخطاء، ولن تعرف أبداً فيما إذا كنت على الطريق الصحيح حتى تتخذ القرار وتسير في الطريق الذي اخترته.
ومن ثم، اتبع نهج البندقية أو منهج التسويق المحدد (استراتيجية تسويق هدفها تركيز الجهود على أمر أو موضوع محدد بإحكام من أجل تحقيق هدف أو غرض محدد)، وجرِّب أكبر عدد ممكن من الأمور، فلن تعرف أبداً ما الذي يخبئه لك المستقبل وما الأمور المدهشة التي تنتظرك.
يعمل معظم الأشخاص الناجحين في جميع أنواع الوظائف قبل أن يكتشفوا هدفهم، على سبيل المثال:
- لقد مثَّلت جوليا روبرتس (Julia Roberts) إعلاناً للآيس كريم في مطعم باسكن روبنز (Baskin Robbins) في جورجيا (Georgia) قبل أن تصبح مشهورةً.
- كما مثَّل براد بيت (Brad Pitt) شخصية الدجاجة لمطعم إيل بولو لوكو (El Pollo Loco) قبل أن يصبح ممثلاً مشهوراً في هوليوود.
- وكان جورج كلوني (George Clooney) بائعاً متجولاً قبل أن يصبح ممثلاً حائزاً على جائزة الأوسكار.
لذلك لا تقلق إذا لم ترَ الأمور بوضوح ولم تكن متأكداً فيما إذا كنت على الطريق المناسب، وتحلَّ بالإيمان والصبر، وثق بنفسك، واستمر في البحث والتقدُّم، فالأفضل سيأتي قريباً.
أضف تعليقاً