إنَّ عالمنا متغيرٌ دائماً كما هو معلوم، لكنَّنا لا نلاحظ هذه التغيرات في معظم الأوقات؛ وذلك لكونها غير جامحة، أو لأنَّنا نتعامل معها تعاملاً جيداً إلى حدٍّ ما.
إنَّ التحدي العالمي الذي نواجههُ اليوم مختلفٌ جداً؛ لأنَّنا جميعاً متأثِّرون بما يحدث، فقد تسبَّب تفشِّي فيروس كورونا بفوضى على المستوى الاقتصادي والحياة المعيشية، وكذلك على مستوى خططِنا المُستقبلية التي بَدَت أنَّها غير قابلةٍ للإدارة بالنسبةِ إلى الكثير من الناس.
إنَّه لأمرٌ مغرٍ أن تجلس وتنتظر، حيثُ لا يمكنك أن تضع خطَّةً في حال كنت لا تعلم ماذا سيحدثُ فيما بعد؛ ومع ذلك، فإنَّ الأمر الوحيد الذي لم يتغير هو قُدرتنا على التكيُّف؛ لذا يمكننا استخدام هذه القُدرةِ في إيجاد أهدافٍ جديدة، ووضع خطةٍ تناسبنا في وقت الأزمات.
إنَّ القدرةَ على تغييرِ سلوكنا شيءٌ وُلِدَ معنا جميعاً، وتعدُّ واحدةً من أعظم الهدايا التي نمتلكها، وتتجلَّى في قدرتنا على الانتقال من مرحلة الحَبْوِ في بدايات مراحل الطفولة إلى مرحلة المشي.
إنَّها المهارة نفسها التي نستخدمها لغسل أيدينا مراراً، والحفاظ على مسافةٍ جسديةٍ آمنةٍ في الظروفِ الحالية، واتخاذ قرارٍ بعدم مشاهدة الأخبار، والاستماع إلى تسجيلاتٍ صوتية إيجابية بدلاً من ذلك؛ كما قد استخدَمَ معظم الناس القدرةَ على التكيُّف خلال فترة الحجر في الانتقال للعمل عبر الإنترنت.
تعدُّ المرونة السلوكية في الواقع واحدةً من المبادئ الخمسة للنجاح، حيثُ يمنحنا استخدامها -إلى جانب الوعي الحسي- أقصى الإمكانات لتحقيق النجاح.
يُمكِّنُك تبنِّي المرونة السلوكية من وضع خطةٍ في أيِّ ظرفٍ كان، ويشمل ذلك المرات التي تشعر فيها بأنَّك لا تملك السيطرة -تماماً كما هو الحال الآن- حيث يتعلَّق الأمر بإدراكك ما يدورُ حولك، والتكيف بينما تتقدَّم.
إليكَ كيفَ تبدأ:
1. خطِّط لنتائجك لهذه السنة:
يعدُّ "التخطيط بدءاً من النتائج، والعمل بشكل عكسي" استراتيجيةً معروفةً لتحقيق النجاح؛ وقد ذكرَ "ستيفن كوفي" هذه العادةَ -التي صمدت أمام اختبار الزمن- في كتابه "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" (7Habits of Highly Effective People)؛ إذ إنَّه لمن الصعب التخطيط لأهدافنا بشكلٍ مناسب أو التأثير فيما نحقِّقه، دون تحديدِ هذه الأهداف بدقَّة.
تعدُّ هذه العادةُ الفعَّالةُ ضرورية، حتَّى في ظلِّ الجائحة الحالية؛ فبغضِّ النظر عمَّا يحدث في بيئتك الخارجية، لا زال بإمكانك تحديد النتيجة التي تريدها.
عندما تحدِّد هدفك بوضوحٍ وتدوِّنه، تبدأ ملاحظة الفرص التي تساعدكَ لتحقيقه.
2. كُن واقعياً:
ضع في الاعتبار إطاراً زمنياً واقعياً عندما تحدِّد أهدافك، فقد تكون المواعيد النهائية -في معظم الأحيان- ضيقةً للغاية، وذلك استناداً إلى الأمور الخارجة عن سيطرتنا؛ ولكن لا يعني هذا أنَّنا لن نستطيعَ تحقيق أهدافنا.
بناءً على اختيارك للاستراتيجيات وعبء العمل، قد تكون قادراً على الإنجاز بموعدٍ نهائيٍّ قصيرٍ جداً؛ لذا ألقِ نظرةً عقلانيةً ومنطقيةً على هدفك، وقرِّر فيما إذا كان المخطط الزمني لها واقعياً، وغيِّر الموعد النهائي إذا لم يكن كذلك.
3. لا ترسم خطتك:
يُعدُّ هذا واحداً من أكبر الأخطاء التي نراها في أيِّ وقتٍ على مدارِ العام، إذ يرسم معظمُ الناس خططهم للعام بأكمله، يوثِّقون كلَّ خطوةٍ شهريَّاً؛ لكن قد يكون ذلكَ سبباً في تخلِّي معظمهم عن خططهم خلال الأزمات؛ وإذا فعلنا ذلك، فلن نترك أيَّ مساحةٍ للتكيف، وسيحدُّ ذلك من إمكاناتنا.
عندما نبدأ اتخاذ إجراءٍ ما، يمكن أن تتغير طريقة تفكيرنا أو بيئتنا الخارجية؛ ويعني هذا أنَّنا قد نحظى بفُرصٍ تساعدنا على تحقيقِ مزيدٍ من الأهداف، وعلينا ترك مساحةٍ لهذا الاحتمال.
يجبُ علينا أن نُقسِّم الخطة حينما نضعها إلى أجزاء، وأن نجعلَ مواعيدنا النهائيةَ أكثرَ مرونةً؛ إذ يترك هذا مجالاً للتعديلات، ويزيد من فرص نجاحنا.
4. ضع خطَّتك الأولى لمدة 90 يوماً:
يعني هذا تحويل أهدافك إلى خطّةٍ مدتها 90 يوماً، وذلك للربع الأول فقط من العام؛ فعندما تقوم بذلك، توفِّر مساحةً تمكِّنك من التكيُّف مع أيِّ تغيير قد تواجهه.
قد يستغرق الأمرُ 90 يوماً لبناء النشاط وخلق الزخم، ويعني هذا أنَّ الأمر سيستغرقُ ثلاثةَ أشهرٍ لرؤيةِ نتيجة الاستراتيجية التي استخدمناها. يمكننا استخدام هذا ليساعدنا في البقاء على المسار الصحيح والسير قدماً.
قسِّم عامك إلى أربعِ أرباعٍ بدءاً من هذه اللحظة، ثمَّ حدد لكلِّ هدفٍ مُدته 12 شهراً النتائجَ التي تريد تحقيقها خلال أول 90 يوماً فقط؛ ومن ثمَّ اكتب بعد ذلك الأهداف، وحدد الاستراتيجيات التي تريد استخدامها.
5. جزِّء أهدافك خلال الشهر الأول:
يُمكنُ لأجزاءَ مختلفةٍ من المعلومات أن تحفِّز أشخاصاً مختلفين، حيث يشعر بعض الناس بدافعٍ كبير تجاه الأهداف طويلة المدى، في حين يُحفَّز بعضهم الآخر بالأهداف قصيرة المدى.
لا يميل الأشخاص الذين يفضِّلون الأهداف طويلة المدى إلى تجزئةِ الأهداف، وقد يتخذون إجراءاتٍ عشوائيةً؛ بينما قد يجد أولئك الذين يحبُّون التفاصيل صعوبةً في التعامل مع الأهداف طويلة المدى، وقد يتعثَّرون في تحقيقها.
تتجسَّدُ الطريقة الأمثل لوضعِ خُطةٍ في تجزئتها إلى أقسامٍ كبيرةٍ وصغيرةٍ في نفس الوقت؛ إذ سيمنحك تجزئة أهدافكَ والنظرُ إلى ما تريدُ تحقيقه في كُلِّ شهرٍ على حدة، الشعورَ بالإنجاز خلال وقتٍ أبكرَ بكثير، ويبقيك على هدفك، ويُشجِّعك على تحقيق المزيد.
حدِّد أهدافك الربعية لمدة 90 يوماً، وأهدافك التي تتماشى معها خلال الشهر الأول؛ ثُمَّ سجِّلها في مخططك لتتذكرها باستمرار.
6. جزِّئها مرةً أخرى:
لاحظ كيف حدَّدنا الأهداف للبدايات، بحيث تتضمَّن أسبوعنا الأول.
إنَّه لمن الطبيعي أن ترغب في وضع خطة للشهر بأكمله؛ لكن لا تفعل ذلك، فقد يبقيك عالقاً، أو يضغط عليك كثيراً.
بالإضافة إلى ذلك، تذكَّر أنَّ هناك أكثر من طريقةٍ لتحقيق أيِّ شيء، وأنَّ هناك فرصاً لن نتمكَّن من رؤيتها حتَّى نحقِّق شيئاً آخر؛ ويعني هذا أنَّنا يمكن أن نقيد أنفسنا إذا ما رسمنا خطةً للشهر بأكمله.
يترك تحديد الأهداف للأسبوع الأول فقط مساحةً كبيرةً للأمور غير المتوقَّعة؛ ويعني هذا أنَّه يمكننا تعديل الأهداف بما يتناسب مع الظروف المتغيرة، ويُمكننا الشعور بالرضا تجاه أنفسنا في نهاية الأسبوع، إذ يحبُّ عقلنا اللاواعي ذلك.
اكتب نتائج الأسبوع الأول في مخططك؛ لتساعدك على تحقيق أهداف الشهر بأكمله.
7. خطِّط ونظِّم أسبوعك:
يخرج معظم الناس بدءاً من هذه النقطة عن مسارهم الصحيح، خاصةً عندما تتغير الأمورُ بسرعة؛ لذا سيشتت وجود قائمةٍ من الأهداف وعدم وجود هيكليةٍ لمتابعتها، انتباهك بسهولة؛ فإذا لم تخطِّط كلَّ يوم، فستشعر بعد مضيِّ الأسبوع أنَّك لم تصل إلى أيِّ مكان.
قد تؤدِّي هيكلة أسبوعنا وتشكيل روتينٍ للعمل إلى تحسين صحتنا تحسيناً كبيراً؛ إذ تتضمَّن الفوائد: تحسين مستويات التوتر، ونوماً أفضل.
عندما ننظِّم كلَّ أسبوعٍ وكلَّ يوم، سنشعر وكأنَّنا وصلنا إلى مكانٍ ما، وسيحفِّزنا هذا على المُضيّ قُدُمَاً حتَّى عندما يحدث ما هو غيرُ متوقَّع.
اكتب خطةً في دفتر يومياتك لما ستقوم به في كلِّ يومٍ من الأسبوع لتحقيق أهدافك؛ ويمكنك من هذه الخطوة رسم مخطّطٍ زمني يومي، وإنشاء روتينِ عملٍ لاتباعه.
8. اعكس وأعد تعديل خطتك:
إنَّه لأمرٌ نوصيك به في نهاية كلِّ شهر على الأقل؛ ومع ذلك، يعدُّ القيام بذلك بشكلٍ متكرِّرٍ أمراً ضرورياً، خصوصاً عندما تتغير الأمورُ بسرعة.
يمكننا تحقيقُ أقصى استفادةٍ ممكنةٍ من أيِّ موقفٍ باستخدام وعينا ومرونتنا، ومعرفة كيفية التأقلمِ مع التغيير، حيث يمكننا إجراء تعديلاتٍ لمواكبة تغيُّرات البيئة الخارجية والأمورِ التي لا نتحكَّم بها.
نحن قادرون بالتأكيد على معرفة الثغرة في خططنا التي وضعناها، وإذا كان بإمكاننا تعديل شيءٍ ما لتحسينِ النتائج؛ وهذا هو السبب في عدم وضعنا خطةً للعام بأكمله، والذي سيمنحُنا المزيد من المرونةِ للاستجابة بإيجابية للتغيرات الطارئة.
ابحَث في نهاية كلِّ شهر -أو بشكلٍ أكثر انتظاماً إذا أردتَ ذلك- عمَّا عملت به ونجح، وكيف يمكنك القيام بالمزيدِ منه؛ وفكِّر في ما لم ينجح، وكيف يمكنك تغييره. انظر إلى ما تحتاجه لبدء العمل أو التوقف عنه؛ ومن ثمَّ اكتب خطتك للأسبوع التالي، أو الأهداف للشهر التالي؛ لتضمين تلك التغييرات.
9. تحقَّق وكرِّر العملية:
تحقَّق من العملية عندما تصلُ إلى نهايةِ الربعِ الأول، وكرِّرها، وضع خطةً للأشهر الثلاثة التالية، وقسِّم أهدافك بالطريقة نفسها.
عندما تستمر في القيام بذلك، ستعزِّز نشاطك الذي بنيته بالفعل وستشعرُ بإحساسٍ كبيرٍ بالإنجاز، وسيحفِّزك ذلك على تحقيق المزيد.
ربَّما تُلاحظ في هذه المرحلة أنَّ بعض أهدافك قد تغيرت قليلاً، ولا بأس بذلك؛ لكن تذكَّر أنَّكَ عندما تتخذ إجراءاتٍ جديدة، سيتسع إدراكك لرؤيةِ إمكاناتٍ جديدة، وقد يغير هذا من أهدافك قصيرة المدى؛ ذلك لأنَّك وجدت شيئاً أفضل.
إنَّ هذه الاستراتيجيةَ جيدةٌ حقاً، فهي تُتيحُ لك مرونةً في التعاملِ مع أهدافك؛ لذلك ننصحُكَ باتباعها.
أفكارٌ أخيرة:
لا يزالُ بإمكانك تعديلُ خُطتك من خلال التكيُّف مع أزمة جائحة كورونا الحالية، أو أيِّ تحدٍّ آخرَ قد تواجهه؛ إذ يُمكن أن يكونَ التخطيط غيرُ المرنِ مُعيقاً في أيِّ ظرفٍ من الظروف، حتَّى في الأوقات الجيدة؛ لأنَّه لا يوجد شيءٌ ثابتٌ بالمُطلق.
منَ المؤكدِ أنَّك ستُحقِّقُ نتائجَ مُذهلةً عندما تضعُ خططاً مرنةً تسمحُ لكَ بالتكيُّف مع أيِّ تغييرات، مهما كانت الأزمات التي تواجهها.
أضف تعليقاً