العلاج المركز عاطفياً: تعريفه، ومراحله، وتقنيات تطبيقه

تُعَدُّ العواطف إحدى أكثر العمليات البيولوجية تعقيداً لدى البشر؛ فهي تؤثر في الجسد، وتتأثر بالأفكار، وتوجِّه أفعالنا وسلوكنا، كما تسمح لنا بالتواصل مع الآخرين تواصلاً يساعدنا على التعافي والفرح والاستمتاع بالحياة، ونظراً لأنَّ العواطف مؤثرة جداً، قد يكون العلاج المركَّز عاطفياً وسيلةً مفيدة خاصةً للعلاقات؛ لذا سنقدِّم لك في هذا المقال تعريف العلاج المركَّز عاطفياً، وتقنيات مفيدة لاستخدامه.



ما هو العلاج المركَّز عاطفياً وهل هو فعَّال؟

العلاج المركَّز عاطفياً أو العلاج المرتكز على العاطفة (EFT) عبارة عن مجموعة من الأساليب العلاجية للأفراد والأزواج والعائلات، ويتضمَّن عناصر من العلاج التجريبي مثل الأساليب المتعلقة بعلم النفس الغشتالتي والتي تركِّز على الفرد، والعلاج المنهجي، ونظرية التعلق.

تستند هذه العلاجات إلى فكرة أنَّ المشاعر الإنسانية مرتبطة باحتياجات الإنسان؛ لذا قد تساعد الأفراد على تغيير الحالات العاطفية المؤلمة وتحسين العلاقات الشخصية، ويكون العلاج المركَّز عاطفياً عادةً علاجاً قصير الأمد يتراوح من 8 إلى 20 جلسة.

لقد طوَّرَت عالمة النفس الكندية "سو جونسون" (Sue Johnson) العلاج المركَّز عاطفياً في الثمانينيات، وقد ركَّزَت على العواطف؛ وذلك لأنَّها عادةً ما تُستبعَد من المبادرات، لا سيَّما تلك التي تركز على العلاقات، ولقد صُمِّم هذا النوع من العلاج للأزواج الذين يسعون إلى فهم عواطفهم وعواطف شركائهم فهماً أفضل، بينما يعالج العلاج العاطفي احتياجات الأزواج، طوَّر كلٌّ من "ليزلي جرينبيرج" (Leslie Greenberg) و"روبرت إليوت" (Robert Elliott) العلاج المركَّز عاطفياً لتلبية الاحتياجات الفردية.

وطوَّر كلٌّ من "سو" و"جرينبرغ" نهج العلاج المركَّز عاطفياً من خلال مراجعة مقاطع فيديو لجلسات العلاج الزوجي وتحليل المهام لتحديد العناصر التي أدَّت إلى التغيير الإيجابي، واتَّخذا منهجاً تجريبياً منظَّماً من خلال النظر إلى المشكلات على أنَّها تعزيز مُتكرِّر للأساليب والتفاعلات بين الشركاء، كما يُنظَر إلى العواطف على أنَّها ظاهرة فردية وجزء من نظام كامل أنشأَته التفاعلات بين الشركاء.

فاعلية العلاج المركَّز عاطفياً:

وفقاً لجمعية علم النفس الأمريكية، يُعَدُّ العلاج المركَّز عاطفياً علاجاً مجرَّباً للاكتئاب، والمشكلات المتعلقة بالعلاقات، واضطراب الشخصية الانعزالية، والصدمات، ويزعم الأطباء أنَّ كلاً من الأفراد والأزواج يُظهرون تحسُّناً كبيراً بعد العلاج؛ ممَّا يشير إلى أنَّه وسيلةٌ فعَّالة لقيادة الأفراد إلى علاقات آمنة على الدوام.

كما وجد تحليل لدراساتٍ خضع لها العلاجَ المركَّز عاطفياً أنَّه حقَّق نجاحاً مع الأزواج أكثر من أي علاج آخر في ذلك الوقت، وأنَّه يقلل من استجابة الدماغ للتهديد من الطرف الآخر.

شاهد بالفديو: أسس الذكاء العاطفي بين الزوجين

خطوات العلاج المركَّز عاطفياً:

يهدف العلاج المركَّز عاطفياً إلى مساعدة الأشخاص على معالجة حالات عدم الأمان، وتعلُّم كيفية التفاعل مع الآخرين من خلال تسع خطوات مقسَّمة إلى ثلاث مراحل:

1. الحد من التصاعد:

تساعد هذه المرحلة الزوجين على فهم كيف تؤدي تفاعلاتهما السلبية إلى زوبعةٍ من مشاعر الحزن، ويتمثَّل الحل في 4 خطوات:

  • تحديد المشكلات والمخاوف الرئيسة.
  • الكشف عن أساليب التفاعل السلبية التي تنشأ عند ظهور هذه المشكلات، وهنا حيث يبحث المعالج عن المشكلة الفعلية التي تُسبِّب الانفصال أو التوتر بين الزوجين.
  • تحديد المخاوف غير المعترَف بها، والعواطف السلبية المتعلقة بأساليب التفاعل السلبية، ليستكشف الشركاء مشاعر بعضهم بعضاً ومدى ارتباطها بالتفاعل السلبي.
  • قيام المعالج بإعادة صياغة المشكلات الرئيسة، والأساليب السلبية، والعواطف، والمخاوف الكامنة المرتبطة باحتياجات كل فرد.

2. تغيير أنماط التفاعل:

هذه هي مرحلة تحديد الأنماط الأساسية التي تؤدي إلى المشاعر السلبية، وتتمثَّل في الخطوات الآتية:

  • تعبير الأفراد عن رغباتهم واحتياجاتهم وعواطفهم العميقة.
  • تعليم الشركاء طرائق للتعبير عن القبول، والتعاطف مع احتياجات وعواطف الشخص الآخر.
  • استمرار الشركاء في تعلم كيفية التعبير عن الاحتياجات والعواطف بينما يتعلمون أيضاً طرائق لمناقشة المشكلات التي عادةً ما تُسبِّب الصراع.

3. الاتحاد والاندماج:

تتمثَّل الخطوتان الأخيرتان في:

  • تدريب المعالج للزوجين على استخدام أساليب تواصل جديدة لمناقشة المشكلات القديمة وإيجاد حلول جديدة.
  • ممارسة الزوجين لمهارات علاجية خارج الجلسات، ووضع خطة لجعل أساليب التفاعل الجديدة جزءاً أساسياً من حياتهم.
إقرأ أيضاً: كيفية تجاوز مشاكل الطلاق وإعادة الدفء للعلاقة الزوجية

5 تقنيات مضمونة للعلاج المركَّز عاطفياً:

في العلاج المركَّز عاطفياً، تُستخدَم مجموعةٌ متنوعة من الأساليب العلاجية لتحقيق أهداف محدَّدة بناءً على حالة الفرد أو الزوجين، وتُعرَف هذه التقنيات أيضاً باسم "المهام العلاجية"، وقد اكتُشِفَت من خلال تحليل نصوص جلسات العلاج النفسي.

لقد حاول هذا التحليل وصف عملية التغيير المعرفي والعاطفي الذي طرأ على العميل لتزويد المعالجين بحالة أكثر موثوقيةً للعلاج، وتُصنَّف هذه الأساليب أو المهام إلى خمس مجموعات: التقنيات القائمة على التعاطف، والمرتبطة بالعلاقات، والتجربة، وإعادة المعالجة، والعمل.

1. التقنيات القائمة على التعاطف:

تستخدم التقنيات القائمة على التعاطف الاستكشاف التعاطفي للتجارب المتعلقة بالمشكلة، والتأكيد التعاطفي لتحويل العواطف المؤلمة إلى عواطف تساعد على تقدير الذات، على سبيل المثال: ينتقل تحديد الشعور بالضعف (عاطفة مؤلمة تتعلق بالذات) إلى تقدير ذاتي يجعل العميل يشعر بالأمل والقوة وبأنَّ ما يقوله يلقى آذاناً صاغية.

2. التقنيات المرتبطة بالعلاقات:

تهتم التقنيات المرتبطة بالعلاقات بتأسيس علاقة علاجية مثل خلق بيئة عمل مُنتجة، واستكشاف الأهداف، وانتهاز فرصة العلاج لفهم الذات فهماً أكبر، وتُستخدَم هذه التقنيات عادةً في المراحل الأولى من العلاج، ولكنَّها تمتد أيضاً إلى المراحل التي قد يواجه فيها العملاء صعوبةً أو رغبةً في الانسحاب، وفي هذه الحالات، تحتاج العلاقة إلى الإصلاح الذي يمكِّن المرء من إيجاد فرصة لمزيد من الفهم الذاتي وتكوين علاقات أعمق.

3. تقنيات التجربة:

تشمل تقنيات التجربة تصفية الذهن، والتركيز على التجارب، وتعليم العميل الشعور بعواطفه والتعبير عنها، وقد تُستخدَم استراتيجيات مثل إثارة العواطف والذكريات بأسلوب منهجي أو استراتيجيات الكراسي (chair work) لمساعدة العملاء على التعبير عن عواطفهم تعبيراً مناسباً.

4. تقنيات إعادة المعالجة:

تُعَدُّ مهام إعادة المعالجة ظرفيةً وإدراكية على حدٍّ سواء، وهي تشمل التعامل مع التجارب الصعبة أو المؤلمة من خلال إعادة سرد الصدمات، بالإضافة إلى ذلك، قد تشمل المهام التعامل مع ردود فعل إشكالية، والتي تُعرَف باسم "احتجاجات المعنى"، عندما ينتهك حدث ما في الحياة معتقَداً مقدساً، مثل إنجاب طفل خارج إطار الزواج؛ ممَّا ينتهك العديد من أنظمة المعتقدات الدينية.

5. تقنيات العمل:

تُعَدُّ هذه التقنية موجَّهةً نحو العمل، وتتضمن تقنيات الكراسي (Chairwork Technique)؛ والتي تعني أن يُجري المرء حواراً مع نفسه أمام كرسي فارغ، والانتقال من كرسيٍّ إلى آخر لأداء الدورين؛ أي عمل انقسام وهمي من أجل التقييم الذاتي والتعبير عن المشاعر المكبوتة، وتساعد تقنية الكرسي الفارغ على التعبير عن الاستياء وعدم التسامح، وبعد ذلك، التهدئة الذاتية والتخلص من المعاناة والقيود.

قائمة نشاطات العلاج المركَّز عاطفياً:

في العلاج المركَّز عاطفياً، ثمَّة نشاطات محدَّدة للمراحل الثلاث من العملية.

  1. لقد صُمِّم النشاط الأول لخلق الوعي من خلال الوصول إلى التجارب العاطفية وربطها بأساليب التفاعل من خلال طرح أسئلة مثيرة للعواطف تسمح للعميل بالرد؛ ممَّا يؤدي إلى ظهور التجربة، كما سيتحقَّق المعالج من صحة الحقائق التي يذكرها العميل واستجاباته العاطفية.
  2. النشاط الثاني هو تخفيف التوتر من خلال النظر إلى أسباب النزاعات مثل القلق والتهرب، وفي أثناء عملية التهدئة هذه، سيوجه المعالج الحوار بين العملاء لاستكشاف الاحتياجات والرغبات الأساسية، وتعزيز تجربة جديدة تساعد على السلامة والتمكين، فالهدف هو دمج المشاعر السابقة وتخفيف الأجزاء الحرجة وترسيخ هذا الاندماج.
  3. يتضمن النشاط النهائي توحيد النماذج المطوِّرة للذات التي وُضِعَت حديثاً؛ ممَّا يسمح بدورات تفاعل إيجابية داخلية وخارجية، كما سيكون السرد الإيجابي متناقضاً مع الطرائق القديمة في التأقلم والتفكير والشعور؛ ممَّا يؤدي إلى تعزيز الشعور بالأمان، وهو الهدف النهائي.

تقديم المشورة للأزواج والعائلة:

يُشار إلى أنماط النزاع التي تحدث في أثناء التفاعل بين الأزواج وأفراد الأسرة على أنَّها "رقصة" في كتابات "سو جونسون" (Sue Johnson)، ويتضمن العلاج المركَّز عاطفياً التي وضعَته للأزواج أنموذج الخطوات التسع نفسه المذكور آنفاً، وتناقش "سو" قيادة الزوجين أو الأسرة من خلال هذه الخطوات بطريقة حلزونية؛ أي كل خطوة تؤدي إلى أخرى، وتعتمد سرعة التنقُّل عبر الخطوات والمراحل على مستوى الانزعاج في العلاقة أو الأسرة.

في أثناء العمل مع الأزواج والعائلات، قد يكون تتبُّع المشكلات مفيداً عادةً من أجل تحديد المخاوف الأساسية مثل المشكلات المتعلقة بالقيمة الذاتية أو احتياجات التحقق من صحة هذه المخاوف، وعندما يكون الأمر كذلك، يمكن علاج الفرد والأسرة علاجاً أفضل باستخدام أساليب علاجية موجَّهة نحو الذات بدلاً من التفاعلات بين أفراد الأسرة.

على سبيل المثال: إذا كانت العاطفة الأساسية للفرد هي الشعور بالعار، فقد يكون تهدئة الشريك أو أحد أفراد الأسرة مفيداً، ولكنَّه لن يحل المشكلة في النهاية؛ لذا من أجل إجراء التغيير العاطفي التام، يجب على الفرد تغيير وجهة نظره عن نفسه من أجل حدوث تحسن في ديناميكية الأسرة.

إقرأ أيضاً: 6 قواعد أساسيّة لنجاح العلاقة الزوجيّة

نقاط القوة ونقاط الضعف في استخدام العلاج المركَّز عاطفياً:

العلاج المركَّز عاطفياً هو علاج تعاوني يستخدم مزيجاً من النهج النظري والنهج القابل للتطبيق، وتتحدَّد استراتيجيات التغيير والنشاطات بوقت معيَّن في عملية العلاج النفسي باستخدام تسع خطوات في ثلاث مراحل.

بالإضافة إلى ذلك، لقد تحقَّق الباحثون من صحة العلاج المركَّز عاطفياً من خلال 30 عاماً من البحث، والتي تشمل عملية التغيير والتنبؤ بالنجاح، كما تُعَدُّ تقنية العلاج المركَّز عاطفياً فعَّالةً في مواجهة المشكلات الزوجية، وقد طُبِّقَت بنجاح على العديد من المشكلات بين الأفراد والسكان.

يتمثل أحد الانتقادات الرئيسة للعلاج المركَّز عاطفياً في فرضيته التأسيسية القائلة بأنَّ التنظيم العاطفي هو جانب رئيس من جوانب التغيير العلاجي، وأنَّه أمر هام للغاية لنجاح العلاج النفسي، ولكنَّ عالم النفس "بروس إيكر" (Bruce Ecker) لا يتفق مع هذا الادعاء، بحجة أنَّ العنصر الرئيس للتغيير العلاجي يتلخص في عدم التوافق الملحوظ بين أنماط السلوك المتوقَّعة والملموسة، وأنَّ المشكلات تحدث عندما يكون هناك تصوُّر بأنَّ العالم يسير سيراً مختلفاً عن الأنموذج الذي تعلَّمه المرء؛ لذا لا يعتمد التناقض على العاطفة، ولكن على التعلم والخبرة السابقة.

بالإضافة إلى ذلك، قُدِّمَت ادعاءات تفيد بأنَّ العلاج المركَّز عاطفياً سوف يُعزَّز من خلال تضمين عوامل إضافية تعمل على تحسين العلاج لمشكلات الصحة العقلية الأكثر خطورة، وأنَّ هذا النوع من العلاج لا يهتم بالتنوع الذي يشمله مفهوم "علم نفس الأمراض"، كما أنَّه ليس مصمَّماً للاستخدام مع الأزواج العنيفين أو الأفراد الذين يعانون من خلل وظيفي كبير أو أولئك الذين قرَّروا بالفعل الانفصال أو الطلاق.

في الختام:

يتميز المعالج الذي يعالج علاجاً مركَّز عاطفياً بالنشاط، والتفاعل، والمرونة، وامتلاك خبرة إكلينيكية عملية، والتعاون مع الأفراد والأزواج لاكتشاف إمكانات مذهلة للتغيير والتقدُّم.

تُعَدُّ المشاعر مؤثرةً للغاية، وتؤثر مباشرةً في السلامة الجسدية والنفسية والاجتماعية، كما توفِّر العواطف - وفقاً للعلاج المركَّز عاطفياً - نظرةً ثاقبة للهوية الشخصية والاختيار واتخاذ القرار، ويمكن استخدام العلاج العاطفي المركَّز عاطفيَّاً لتحسُّن الوعي العاطفي والتنظيم لتجنُّب الانزعاج والتوصُّل إلى المعلومات الهامَّة التي قد توفرها العواطف.

المصدر




مقالات مرتبطة