وبالإضافة إلى ذلك، ثمة الكثير من الكلام المتناقض الذي يصف الطريقة التي يجب على المرء اتباعها للتعبير عن أفكاره العقلية والعاطفية؛ حيث تَذكُر بعض الدراسات أهمية أن تكون صريحاً، وتعبِّر عن كل ما تشعر به، بينما يؤكِّد بعضها الآخر على أهمية التحلي بروح بنَّاءة، والوعي والتحكم بردود أفعالك؛ ولكنَّ الحقيقة هي أنَّنا لا نأخذ الوقت الكافي لتحليل نوع العواطف التي تنتابنا قبل أن نعبِّر عنها، وبعبارة أخرى: نحن لا نربط الطاقة المناسبة بالعواطف، ذلك لأنَّنا عمَّمناها على كل شيء.
من معاني الحزن العميق مثلاً؛ أنَّه حينما يجتاحك من الطبيعي ألا تكون سعيداً، أو ألا تسير الأمور على نحو ما توقعتها، ولكن ثمة درجات عميقة للحزن، كخيبة الأمل، أو الكآبة، أو البؤس، أو اليأس، أو الإحباط، أو الاكتئاب؛ وترتبط جميع هذه المشاعر بالحزن، ولكنَّنا لا نعبِّر عنها سوى بالحزن.
صحيح أنَّه قد يكون التعبير عن مشاعرك صعباً في لحظات الانفعال، ولكنَّ إمكانية التعبير عن المشاعر الصحيحة ستفيدك كثيراً.
لقد كان هذا العام عصيباً للغاية:
لقد بدأت تحلُّ الأزمات مع انتشار جائحة فيروس كورونا، ثم تبعته أعمال الشغب في بعض بقاع العالم، والعديد من المخاوف التي عانت منها العائلات في معظم البلاد، حيث يجتاح النفس البشرية فيضٌ من المشاعر المختلفة، ولا يعرف 90% من الناس كيف يعبِّرون عن مشاعرهم؛ فالأشخاص الصريحون يعبِّرون عن عواطفهم بكل صدق، بينما يكبح الخجولون مشاعرهم، ويكافحون، ويتعاملون معها بأساليب خطيرة؛ حيث تسبب هذه المشاعر المكبوتة التوتر والاكتئاب، وتصبح عواطفهمم بمثابة قنبلة موقوتة.
وعلى الرغم من حالة الجنون التي تَلُفُّ الطريقة المُتَّبعة في التعبير عن المشاعر وما يترتب على ذلك من تَبِعات، فإنَّ التعبير عنها بشكل ملائم كفيل بشفاء جراحنا، وثمة أساليب أخرى غير صحية يحاول الناس التنفيس عن مشاعرهم من خلالها، إلى جانب كبحها، ومنها:
- تجاهل، أو تجنب، أو كبت العواطف.
- التنفيس عن المشاعر بطريقة خاطئة كالصراخ، أو ممارسة الإساءة أو العنف.
- اللجوء إلى الطعام، أو المخدرات، أو الكحول للتخفيف من حدة المشاعر.
- التنفيس عن المشاعر من خلال ارتكاب أفعال شائنة كالجرائم، أو غيرها.
- الثرثرة المفرطة، وفقدان الثقة بالنفس، واحترام الذات.
- لوم نفسك حتى لو كنت الضحية.
- استخدام الوضع المحيط بك للحكم على مشاعرك، وكبتها.
شاهد بالفيديو: 6 صفات تدلّ على صاحب الذكاء العاطفي
تُعدُّ العواطف جزءاً من حياتنا؛ حيث ستكون الحياة مملةً وناقصةً بدونها، ولكنَّ الاعتماد على الأساليب المذكورة أعلاه في التعبير عنها أمر غير صحي، وخطير للغاية، ولتتمكن من التعبير عن مشاعرك بشكل أفضل، عليك تعزيز ذكائك العاطفي أولاً؛ لذا نقدِّم إليك 10 طرائق يمكنك من خلالها بناء ذكائك العاطفي لتتمكن من ذلك:
1. الإحساس بالمشاعر:
كثيراً ما نسمع الناس يقولون "الرجال لا يبكون"، وأنَّه عليهم أن يتمتعوا بالقوة والمرونة، وليس لديهم الحق في إظهار مشاعرهم، ولكنَّ هذا الكلام ليس إلا أفكاراً باليةً زرعها المجتمع في عقولنا خلال سنوات نشأتنا، والتي تؤثِّر في تصرفات الناس اليوم؛ لذا لا تكبح مشاعرك أبداً، بل اعترف بها، وتقبَّلها، وحاول أن تفهم أسبابها، وتتوصَّل إلى التدابير المناسبة للتعبير عنها بشكل صحي.
2. تقبُّل التغييرات:
ينبع عدم قدرتنا على التعبير الصحي عن مشاعرنا من عدم رغبتنا في تقبُّل التغييرات التي تطرأ حولنا، وحينما يختبر الناس اختلافاً في محيطهم، فإنَّهم يفعلون أمرين: إما أن ينأوا بأنفسهم على الفور، ويرفضوا مواجهة ما يحدث؛ فلا يفهمون، أو بالأحرى لا يرون لماذا يمكن أن تحدث الأمور دون موافقتهم، أو وفقاً لخطتهم؛ وإمَّا أن يتقبَّلوا الواقع، ويتعاملوا مع مشاعرهم.
على سبيل المثال، لنفترض أنَّ فتاةً صغيرةً قضت جزءاً من حياتها برفقة والدها فقط، ثم بدأ الأب يفكر بالزواج مرةً أخرى؛ ستشعر الفتاة بالخوف الشديد ظنَّاً منها بأنَّ والدها سيتخلى عنها، وأنَّه لم يعد يحبها.
كان بإمكانها التعامل مع جميع هذه المشاعر من خلال مناقشتها مع أبيها، ولكنَّها ارتأت كبتها لتتصاعد وتتحول إلى استياء، وتؤدي إلى نتائج أسوأ كأن تهرب من المنزل، أو حتى تتعاطى المخدرات؛ وأما رد الفعل المحتمل الآخر هو أن تخبر والدها عن مشاعرها، ويشرح لها بكل حب أنَّه لا أحد يمكن أن يأخذ مكانها في قلبه، ثم تتفهم دورها، وتبني علاقةً طيبةً مع زوجة أبيها، وتشعر بالطمأنينة والارتياح.
يتقبَّل الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي التغييرات التي تطرأ على محيطهم، ويتفهمون سبب حدوثها، ولا يسمحون لمشاعرهم بأن تحدد هويتهم، أو ما يمكن أن يكونوا عليه، كما أنَّهم يبحثون عن قيمة تأثير هذه المشاعر أكثر من السماح لها بأن تتلاعب بهم.
3. استثمار النقد البنَّاء:
لا يستطيع الناس الذين لا يمكنهم تقبُّل النقد البنَّاء التعبير عن مشاعرهم بشكل صحي؛ فحينما تشعر أنَّك على صواب، وينبغي أن يتصرف الجميع وفقاً لأهوائك، فأنت تعاني من مشكلة، حيث يتمحور النقد البنَّاء حول استعدادك لتلقِّي تغذية راجعة حول سلوكك من أولئك الذين يرونك تمارسه.
لنفترض أنَّ مديرك يُغضبك في العمل باستمرار، ولم تجرِّب مناقشة المشكلة معه أبداً، ثم تخرج مع صديقك، وتنفِّس عن غضبك وإحباطك، وتتخذ قراراً بتقديم استقالتك، ولكنَّ صديقك يخالفك الرأي، ويشرح الأسباب التي قد تبرر رد فعل المدير، ولكنَّك لا تقتنع بما يقوله، لأنَّه لا يتوافق وأفكارك؛ فتدافع، وتصر على رأيك الذي لا ينبع من أي نقد بنَّاء؛ ولهذا عليك أن تتعلم فهم وجهات نظر الآخرين قبل أن تتسرع، وتفقد التحكم بمشاعرك.
4. التحدث إلى نفسك حول ما تشعر به:
حينما يواجه الناس صعوبةً في التعبير عن مشاعرهم، فغالباً ما تكون الخيارات هي إما التحدث إلى طبيب نفسي، أو التسجيل في مركز يضمُّ أشخاصاً يعانون من المشكلة ذاتها، ولكنَّ ذلك يُعدُّ خطأً؛ فكيف ستتمكن من أن تصف مشاعرك لشخص آخر إذا كنت لا تستطيع تحديدها بالأصل؟ كما أنَّهم يخبرونك بما تشعر به، بدلاً من اكتشاف ذلك بنفسك؛ لذا، حينما تشعر بأنَّ مشاعرك بدأت تثور، ابحث عن مكان هادئ وناقشها.
5. تدوين مشاعرك:
تُعدُّ كتابة اليوميات طريقةً رائعةً لفهم عواطفك، ثم تعلُّم التعبير عنها، ولكن بالمقابل، عليك أن تبني مفردات عاطفية واضحة، لتتمكن من وصف مشاعرك بدقة متناهية؛ إذ عليك أن تتذكر سبب شعورك بها، وكيف شعرت، وكيف تتعامل مع الأمر بعد ذلك، فلا تعبِّر عن أي مشاعر سلبية، بل انظر إلى الجانب المشرق من أفكارك، واعمل على التعامل معها.
6. ممارسة اليقظة الذهنية:
ينجح هذا الأمر أكثر مع المشاعر الإيجابية؛ حيث يمكنك التحكم في حماسك، وإدراك ما يحدث من حولك، أما بالنسبة للمشاعر السلبية والألم، فالمسألة تختلف كلياً؛ فاليقظة الذهنية هي عملية التحكم بالعواطف، ومعرفة الوقت الذي تبدأ به بالتصاعد.
على سبيل المثال، ما هي الحالة الذهنية التي كنت فيها حينما حدث الأمر؟ هل كنت متوتراً، أم سعيداً، أم انتابك إحساس مختلف؟ يمكن أن تساعدك القدرة على ممارسة اليقظة الذهنية في التحكم بأفكارك ومشاعرك بطريقة صحية وصحيحة.
7. تجنُّب إثبات صدق مشاعرك للناس:
جميعنا نفعل ذلك في مرحلة معينة من حياتنا، ولكنَّك إذا كنت محقاً بشأن الطريقة التي تختار أن تعبِّر بها عن مشاعرك، فلن يحكم عليك المجتمع، وأما إذا كنت مخطئاً، فتقبَّل الأمر، وتوقف عن البحث عن أناس يؤيدون وجهة نظرك، لأنَّ ذلك يشير إلى أنَّك لا تعرف كيف تعبِّر عن مشاعرك، ولعلَّ الأشخاص الذين يسعون إلى إثبات صدق عواطفهم قد عانوا من ماضٍ أليم، أو تعرَّضوا لصدمة، ويشعرون بالحاجة إلى الشعور بالطمأنينة في كل خطوة يخطونها.
أنت من تمتلك هذه العواطف، لذا لا تتردد في عيشها، وعندها فقط ستفهمها، وتعبر عنها بشكل صحي.
8. وضع حدود سليمة بينك وبين الآخرين:
يُعدُّ إدراك الوقت المناسب للرفض أمراً بالغ الأهمية في التعبير عن مشاعرك؛ لذا لا تُشعِر نفسك بأنَّك ملزم بفعل أي شيء للآخرين، بل اعرِف حدودك، وما يمكنك أن تحصل عليه، وقرِّر ما ستفعله على هذا الأساس؛ حيث تقوِّمك هذه الحدود، وتمكِّنك من فهم أسباب ما يحدث من حولك بشكل أعمق.
9. التوقف عن التفكير الزائد:
أليس من المضحك أنَّنا لا نبالغ في التفكير في المشاعر الإيجابية، ولكن يمكننا كتابة فيلمٍ طوله ساعتان عن الأفكار والمشاعر السلبية؟
عليك أن تتجنب ذلك فوراً؛ فالتفكير الزائد يعطي الأمر أكبر من حجمه، ويزيد الطين بلة، وهو أسرع طريقة لتغرق في حالة من انعدام الأمان.
10. عدم شرعنة الأخطاء أو الاستسلام للمشاعر:
جميعنا تعرَّضنا لمواقف غريبة في مرحلة ما من حياتنا، ولكنَّ الطريقة التي خرجنا بها من المشكلة توضِّح الكثير؛ فهل استسلمت، أو بررت أخطاء الآخرين؟ إذا كانت المشاعر تتصاعد بشكل لا يتوافق مع قيمك، أو أخلاقك، أو معتقداتك؛ فابتعد عن الموقف، بدلاً من الانغماس به.
4 أساليب لتعبِّر عن مشاعرك بشكل صحي:
الآن بعد أن فهمنا مشاعرنا، حان الوقت لنعبِّر عنها بشكل مناسب؛ فالخطوات المذكورة أعلاه تبني ذكاءك العاطفي، والذي يعزِّز قدرتك على التعرف على مشاعرك وعواطفك والتحكم بها، والتعبير عنها بشكل صحي من خلال تسخيرها بشكل مناسب، كما أنَّه يتمحور حول تنمية، وتحسين طريقة تعاملك مع مشاعرك، كي لا تتعرض للأذى، ولا تؤذي مَن يحبونك.
1. تدوين اليوميات:
لقد ذكرنا هذه النقطة كطريقة لبناء عقلية سليمة، والتمتع بالذكاء العاطفي، ولكنَّها طريقة مثالية للتعبير عن مشاعرك، وعواطفك أيضاً؛ حيث يساعدك تدوين اليوميات بشكل كبير في التخلص من الأفكار والمشاعر التي تستعر في رأسك وقلبك، ولا توجد طريقة معينة للقيام بذلك؛ يكفي أن تجلب دفتراً، وتدون عليه المشاعر التي لاحظتها خلال اليوم مثلما أحسستها؛ إذ يتيح لك ذلك بناء وعي عاطفي، وابتكار أساليب للتحكم بالمشاعر التي تدفعك إلى الجنون، والتغلب عليها.
2. الغضب:
يُعدُّ الغضب شعوراً شائعاً يُفسِد عليك التعبير عن مشاعرك بطريقة صحيحة، ولكن تكمن المشكلة في أنَّ الغضب هو بمثابة طاقة ينبغي التنفيس عنها؛ فالأشخاص الذين تجتاحهم هذه المشاعر تتملَّكهم رغبة عارمة في ممارسة العنف؛ لذا، حينما تغضب في العمل، اخرج قليلاً، واغسل وجهك بالماء البارد لتهدأ، وحينما تغضب في المنزل، اذهب إلى الصالة الرياضية، ونفِّس عن غضبك، ثم ناقش السبب الذي أغضبك عندما تهدأ أعصابك، وحاول تجنب مثل هذه المواقف في المستقبل.
3. الخوف:
يُعدُّ الخوف طاقةً مربِكةً تسعى لتثبيط عزيمتنا، وتغرقنا في حالة من الارتباك، فإنَّ الأحاسيس التي ترتبط بالخوف هي الإحساس بالفشل، وقلة الثقة بالنفس واحترام الذات، كما تدفعك إلى الإفراط في التفكير، وطرح الكثير من الأسئلة؛ فإذا كنت تعاني من هذا الشعور، شارك أحاسيسك مع شخص تثق به؛ فإذا كنت تعيش في مكان بعيد عن عائلتك، فاتصل بوالديك، أو أحد إخوتك، أو أقربائك، أو تحدَّث إلى أي شخص لن يحكم عليك، أو ينتقدك.
4. الألم والحزن:
إنَّ أكثر طريقة صحية للتعبير عن هذه المشاعر هي من خلال الصراخ، أو البكاء، والتنفيس عنها فقط؛ حيث يُعدُّ البكاء طريقةً فعالةً للتعامل مع مشاعر مزعجة كهذه؛ فسواء ارتأيت البكاء بمفردك، أم أمام الآخرين، ستشعر بتحسن عندما تتوقف دموعك، لذا دائماً ما تمنحنا أجسادنا سبلاً للتعامل مع عواطفنا؛ لذا اصغِ إلى جسدك، وانسَ ما يقوله المجتمع؛ حيث تكمن سعادتك في مدى قدرتك على التعبير عن مشاعرك بشكل صحي.
الخلاصة:
تذكر دائماً أنَّ مشاعرنا وعواطفنا هي جزء من شخصيتنا، ولا يمكننا الاستغناء عنها، ولكنَّ الطريقة التي نختار فيها التعبير عنها ستحدد ما إذا كنتَ مقيداً بعواطفك، أم حراً؛ فحينما نواجه، ونعترف، ونتعامل، ونعبِّر عن مشاعرنا بشكل صحي، فلن يفيد ذلك أحداً غيرنا؛ لذا، تعلَّم كيف تعزِّز عادة التعبير عن مشاعرك بشكل صحي أثناء استمرارك في تنمية نفسك.
أضف تعليقاً