الدليل المتكامل لتحقيق الانضباط الذاتي

الانضباط الذاتي هو أحد تلك الأشياء التي يتمنَّى جميع الناس تحقيقها، ولكنَّهم يجدون صعوبة في تطويرها؛ انظر إلى نمط حياتك على سبيل المثال: ما هو الشيء الذي تريد تحقيقه، ولكنَّك لم تستطع تحقيقه؛ هل تريد تأليف كتاب؟ أم خسارة الوزن؟ أم ممارسة التمرينات؟ أم الاستيقاظ باكراً؟ أم التقليل من استخدام وسائل التواصل؟ لا بد أنَّ تحقيق ذلك صعب. لحسن الحظ، بإمكانك أن تكون أكثر تنظيماً - بغضِّ النظر عن شخصيتك، وما تريد تحقيقه - يمكنك أن تتحكَّم بنفسك، وتطوِّر الانضباط ذاتيَّاً.



في هذا المقال سنعرف الانضباط الذاتي ونعلم كيف تحققه، وسنعرض استراتيجياتٍ فعَّالة لتحسين انضباطك الذاتي، ولمساعدتك على امتلاك عقلية مناسبة.

ما هو الانضباط الذاتي؟

الانضباط الذاتي هو القدرة على تحقيق أهدافك، بغضِّ النظرِ عمَّا تشعر به جسدياً أو عاطفياً. من الهام ملاحظة أنَّ الانضباط الذاتي هو المضيُّ باتجاه أهدافك النهائية، التي تعني مقاومة الرغبات والأهداف على الأمد القصير.

عندما يكون لديك انضباط ذاتيٌّ، ستتمكَّن من فعل أشياء تأخذك حيث تريد، وستقاوم الإغراءات، ومصادر تشتيت الانتباه. وفي النهاية، إنَّ الانضباط، وضبط النفس يتعلقان بالرؤية بعيدة الأمد؛ إذ ستتمكَّن من تمييز الصواب أمامك على طريقك إلى وجهتك النهائية، ولن تلهيك توافه الأمور، وستصبح أكثر اهتماماً بما يفيدك في ذلك كله.

يعبِّر عن ذلك الكاتب "جيم رون" (Jim Rohn) بقوله: "الانضباط هو الجسر الواصل بين الأهداف وإنجازها". ويقول الكاتب "إي إم غراي" (E.M. Gray) في هذا الصدد: "الشخص الناجح هو المعتاد على فعل الأشياء التي لا يرغب الفاشل بفعلها. لا ينبغي أن يرغب بفعلها هو أيضاً بالضرورة. ولكن عدم رغبته بفعلها هو أمر ثانوي مقابل قوة أهدافه".

وبسهولة، يسمح لك الانضباط الذاتي مقاومة أي شيء بغية تحقيق أهدافك النهائية. إنَّ بناء الانضباط الذاتي، يسمح لك أن تصبح الشخص الذي تريده، وأن تبني الحياة التي تطمح لعيشها.

لماذا ينبغي أن تبني انضباطاً ذاتياً؟

لماذا ينبغي أن تحسِّن من انضباطك الذاتي؟ لعلَّك قد تفكر: كل هذا الكلام عن الانضباط الذاتي يبدو صارماً وغير ممتع، ولست متأكداً من أنَّني أريد ذلك. ومع أنَّ وجهة النظر هذه مفهومة، إليك ما تحتاج إلى معرفته:

شاهد: طرق تنمية الانضباط الذاتي

الانضباط الذاتي يعادل الحرية:

عندما تكون منضبطاً، يمكنك تحقيق أشياء تجلب لك الرضى. يمكنك أن تمضي قدماً بتجربة أشياء جديدة بدلاً من اتِّباع العادات السيئة، وتضييع الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكنك خسارة الوزن بدلاً من الإدمان على تناول المثلجات كل يوم؛ كما يمكنك أن تبدأ تجربة التطبيق الذي يساعدك على خسارة الوزن بدلاً من إمضاء الوقت في مشاهدة الأفلام.

أظهرت الدراسات أنَّ الموهبة لوحدها لا تكفي لتحقيق الأهداف؛ فما تحتاجه أيضاً سيكون قوة الإرادة؛ أي "الانضباط الذاتي" لكي تصمد في مواجهة التحديات؛ وكما تشير عالمة النفس "أنجيلا دكوورث" (Angela Duckworth): "يَعُدُّ الناس المتسمون بقوة الإرادة تحقيق الإنجازات على أنَّها سباق ماراثون؛ العزيمة هي صفتهم الإيجابية. بينما تثبِّط خيبة الأمل والملل من عزيمة الآخرين، وتجعلهم يغيِّرُون مسارهم ويستسلمون، ليبقى أقوياء الإرادة ثابتين على نهجهم".

بعبارةٍ أخرى، يمتلك الأشخاص الناجحون القدرة وقوة الإرادة، للمثابرة في تحقيق أهدافهم لمدةٍ طويلةٍ، حتى في وجه الصعوبات.

أن تمتلك انضباطاً ذاتياً، لا يعني ألَّا تستمتع بما حولك. جميعنا بشر في نهاية الأمر، وجميعنا نجد المثلجات لذيذة، ونستمتع بمتابعة الأفلام الرائعة، ونحبُّ قضاء الوقت أحياناً بتصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي.

يسمح لك الانضباط الذاتي أن تستمتع بالأشياء التي تُبقيك مثابراً على طريق تحقيقك أهدافك ورغباتك؛ كأن تتناول علبة المثلجات في نهاية الأسبوع كمكافأةٍ لك على ممارسة التمرينات الرياضية، وتشاهد الأفلام بعد أن تتَّبِع خطوات ذلك التطبيق الذي سيُغيِّر حياتك. ليس الانضباط نقيض المتعة؛ بل هو ما يساعدك على الاستمتاع بالأشياء بطرائق صحية ومنتجة.

فوائد إضافية للانضباط الذاتي: إن لم يكن ما ذكرناه كافياً، فقد تبيَّن أنَّ الانضباط الذاتي يأتي بمنافع أخرى، بما فيها:

  1. التخفيف من القلق.
  2. تحسُّن الصحَّة الجسدية.
  3. تحسُّن العلاقات.
  4. زيادة المرونة.
  5. زيادة مستويات السعادة.

الانضباط الذاتي والنجاح أمران متناغمان:

إن نظرت إلى أكثر الأشخاص تحقيقاً للإنجاز حول العالم، فسترى أنَّ أغلبهم يعتمد على الانضباط الذاتي لتحقيق أهدافهم أيَّاً كانت. توجد بعض الاستثناءات النادرة، لكنَّ مثل هؤلاء هم حالات نادرة واستثنائية.

يقول رجل الأعمال "وارن بافيت" (Warren Buffet): "ليس ضرورياً أن نكون أذكى من الآخرين؛ بل يجب أن نكون منظَّمين أكثر منهم". ويقول رجل الأعمال "هارفي ماكاي" (Harvey Mackay): "لا يهمُّ سواء كنت تسعى إلى النجاح في ميدان العمل، أم الرياضة، أم الفن، أم الحياة عموماً، فإنَّ الجسر الواصل بين التمني والإنجاز هو الانضباط".

ويقول المتحدث التحفيزي "براين تريسي" (Brian Tracy): "إنَّ قدرتك على ضبط نفسك لتحديد أهدافك، والعمل من أجلها بشكل يومي، سوف تضمن نجاحك أكثر من أي عامل آخر". إن أردت تحقيق أشياء عظيمة، يجب أن تمتلك القدرة على ضبط نفسك. ولتتمكَّن من تجنُّب مصادر تشتيت الانتباه والإغراءات، وتسعى جاهداً بكلِّ قوَّتك إلى هدفك الهام.

كيف تحسن انضباطك الذاتي؟

بما أنَّنا عرفنا الانضباط الذاتي وأهميته، حان الوقت للتكلُّم عن نصائح محددة لتصبح أكثر انضباطاً.

1. لا تربط بين الانضباط وتقدير الذات:

إنَّ إحدى أبرز الأسباب التي تجعل الناس يرون صعوبةً في الانضباط الذاتي، هو أنَّهم يربطون بينه وبين تقدير الذات؛ بعبارةٍ أُخرى، يظنُّون أنَّ إخفاقهم بالانضباط الذاتي وعدم قدرتهم على مقاومة الإغراءات، يجعلهم أشخاص سيئون بمعنىً أو بآخر. ولكن في الواقع - في الغالبية العظمى من الحالات - إنَّ الانضباط والأخلاق غير مرتبطين؛ فلن تجعلك مشاهدتك للكثير من الأفلام إنساناً سيئاً؛ فأنت لا تختلف عن الآخرين، وستمر بالظروف الجيدة والرديئة.

إن ظننت أنَّ قلَّة الانضباط لها علاقة بجدارة الذات، فسينتهي بك الأمر إلى دوَّامةٍ من الخيبة. ستشعر بالخزي لأنَّك أمضيت وقتك على وسائل التواصل بدلاً من العمل على مشروعك. لكن هل سيعطيك ذلك دافعاً أكثر للعمل؟ لا؛ بل سيجعلك تدمن وسائل التواصل أكثر لتصرف انتباهك عن شعورك بالسوء. إذاً، فأول خطوة على طريق تحسين انضباطك الذاتي هو بفصله عن قيمتك كشخص. فأنت ثمينٌ بغضِّ النظر عمَّا تحققه.

شاهد أيضاً: مهارات تطوير الذات

2. ضع أهدافاً ذات معنى:

يساعدك الانضباط الذاتي على تحقيق أهدافك، إن كانت تلك الأهداف تحمل معاني ومبادئ. إن وضعتَ هدفاً لأنَّك تشعر أنَّك مضطرٌّ لذلك، فستحصل على القليل من التحفيز لتسعى وراء ذلك الهدف. على سبيل المثال؛ لنقل إنَّك وضعت هدفاً لخسارة 5 كيلوغرامات، لشعورك أنَّك يجب أن تخسر وزناً، سيكون الدافع وراء هذا الهدف مجرداً وليس مُقنعاً بما فيه الكفاية، ولن يزوِّدك بالكثير من قوة الإرادة، في مقابل إغراء الوجبات الخفيفة، أو زيادة حافزك لممارسة التمرينات. ولكن في المقابل، فإنَّ هدف خسارة 5 كيلوغرامات، من أجل أن يكون لديك طاقة لتدريب طفلك على كرة القدم هو هدفٌ مشجِّعٌ، ومقنعٌ أكثر.

يمكنك أن ترى الفوائد، حين يوجد سببٌ قويٌّ وراء الهدف. ستعكف على ممارسة التمرينات، وتناول طعام صحي. وسيكون احتمال أن تنجح أكثر قوة عندما تتصوَّر النتائج. في الواقع، من الصعب أن تكون منضبطاً، وتملك قوة الإرادة من أجل شيءٍ لا تكترث له كثيراً؛ لذا ابدأ بوضع هدفٍ يحمل معنىً حقيقياً. وابحث عن الحافز المشجِّع والمقنع.

لا ترضَ بالأهداف المجرَّدة والغامضة؛ بل حدِّد ما تريد ولماذا تريده. عندما يغريك أن تعمل ضدَّ هدفك، تخيَّل النتائج، تخيَّل بالضبط ما سيكون عليه الأمر عندما تحقِّق ذلك الهدف. سيقوِّي ذلك من عزيمتك.

3. اعرف ما سيحفز انضباطك الذاتي:

لدى كل منا إغراءات يصعب علينا مقاومتها. وهي أشياء للتحقُّق ما إذا كنَّا سننجح في ممارسة الانضباط الذاتي. ربما يُغريك أن تتفقَّد بريدك الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي تفقُّداً مستمرَّاً، ورُبَّما تجد صعوبة في تجاهل زر غفوة المنبِّه، أو رُبَّما يصعب عليك مقاومة الطعام غير الصحي، حتى عندما تحاول خسارة بعض الوزن. إنَّ معرفة ما يحفِّز انضباطنا الذاتي، يساعدنا على التخطيط لكيفية التعامل معه، ويساعدنا كذلك على الابتعاد عن تلك الأشياء التي تفسده، وتجعل من الصعب أن نحقق الأهداف التي نعمل من أجلها.

4. نظِّم محيطك بحيث يتماشى مع ضبط النفس:

يمكن لمحيطك إمَّا أن يعزِّز، أو يضعف انضباطك الذاتي. كم مرَّة كنت تعمل فيها على مهمَّة، وسمعت صوت إشعار من هاتفك؟ تلك هي اللحظات التي تتطلب الانضباط الذاتي، لكيلا تتفقَّد هاتفك. على أي حال، إن أطفأت هاتفك أو أطفأت الإشعارات، فسوف تقلِّل من الإغراءات، وسوف يتطلَّب الأمر انضباطاً ذاتياً أقل، لتبقى مركِّزاً على مهامك. وهذا مثالٌ يسيرٌ على تنظيم محيطك.

كيف تحسِّن من محيطك؟

توجد ثلاث طرائق يمكنك من خلالها تحسين محيطك لكي تدعم انضباطك الذاتي:

  1. قلِّل من الإغراءات والملهيات من حولك.
  2. ضع عقباتٍ بينك وبين تلك الإغراءات.
  3. اجعل من القيام بالعادات الجيِّدة أمراً سهلاً.

أوَّل استراتيجية واضحة للغاية: أزِل الإغراءات قدر الإمكان؛ فإن كنت تريد أن تقلِّل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فيمكنك إزالة التطبيقات من هاتفك. وإن لم ترد أن تتناول الوجبات الخفيفة غير الصحية، فلا تجلبها لمنزلك. وإن كنت تريد التركيز في عملك، فأغلق باب مكتبك، كي لا تسمع حديث الناس في الممرِّ.

أمَّا في الاستراتيجية الثانية: فسيكون هدفك هو زيادة كمية الجهد الذي يتطلَّبه اللجوء للعادات غير المنتجة. لنقل إنَّك تريد أن تقلِّل من الوقت الذي تمضيه في مشاهدة الأفلام والمسلسلات، إذاً ففي كل مرة تفرُغ بها من المشاهدة، سجِّل الخروج من منصَّة الأفلام، حتى تستغرق وقتاً لكي تدخل لحسابك في المرة القادمة. سيضيف هذا القليل من الجهد لعملية المشاهدة، ويعطيك وقتاً إضافياً لتقرِّر إن كنت تريد المشاهدة.

أمَّا الاستراتيجية الثالثة: فهي عكس الثانية؛ إذ سيكون هدفك أن تقلِّل من الجهد المتعلِّق بالعادات الحميدة قدر الإمكان. على سبيل المثال؛ من الشائع أن ترى بعض الكُتَّاب يتوقفون عن الكتابة قبل أن ينتهوا من الجملة؛ وذلك حتى يعلموا بالضبط ما سيقومون به في اليوم التالي. تُقلِّل هذه العادة اليسيرة من قلق عدمِ معرفة ما سيكتبونه في الجلسة المقبلة؛ إذ تجعل البداية أسهل.

قدِّم أكبر عدد ممكن من الحلول؛ لتقليل الجهد المتعلِّق بالعادات الحميدة، ورتِّب ملابس الرياضة قبل ليلة، وضع وجباتٍ خفيفة صحية في أماكن يسهل الوصول إليها، وأغلق جميع التطبيقات على حاسبك، ورتِّب المكان الذي ستعمل فيه بحيث يكون جاهزاً في الصباح التالي. ستحفِّزك هذه الإجراءات اليسيرة باتجاه الانضباط الذاتي بشكل يومي.

5. فكِّر بمرونة:

إنَّ إحدى الأسباب التي تجعل المرء يفشل، هو اتِّخاذ إجراءاتٍ ضخمة. فإن أراد ممارسة التأمل على سبيل المثال - وهو هدف جيد - فإنَّه يبدأ بممارسة التأمل نصف ساعة في اليوم. وهو أمر صعب بالنسبة إلى من لم يمارس التأمل من قبل؛ إذ سيبدأ عقله بالشرود والقفز من فكرة لأُخرى في الدقائق الأولى، وسيتطلَّب الانضباط الذي يجب تحقيقه 10 دقائق كاملة؛ لذا ستخبو عزيمتهم ويتركون الأمر برمَّته. سيفاجئك أن تدرك أنَّ النجاح يأتي من الأمور اليسيرة.

التدريب على الانضباط الذاتي:

من الهام إدراك أنَّ الانضباط، وضبط النفس يعملان كما تعمل العضلات؛ إذ تقوى مع كثرة التمرين. إن لم تمارس التمرينات جيداً، فلا يمكنك أن تحمل 20 كيلوغرام في الصالة الرياضية؛ لأنَّه عليك أن تكون متمرِّناً لتتمكن من ذلك. ينطبق المبدأ ذاته على الانضباط الذاتي. إن بدأت بممارسة عادة جديدة، فابدأ رحلتك برفقٍ.

يوصي الكاتب الأمريكي "جيمس كلير" (James Clear) في كتابه "العادات الذَّرِّية" (Atomic Habits) بتطبيق "قاعدة الدقيقتين" كلَّما بدأت بعادة جديدة، أيَّاً كان ما تحاول فعله، فيجب أن يستغرق دقيقتين. فبدلاً من التأمل نصف ساعة، تأمل دقيقتين. وبدلاً من محاولة القراءة لساعة كاملة قبل النوم، اقرأ صفحة واحدة. وبدلاً من كتابة 10 صفحات، اكتب مقطعاً واحداً، وبدلاً من المشي 10.000 خطوة، اجعلها 100.

يمكنك أن تختار ما تفعله بعد ذلك؛ يمكنك أن تتابع التأمل أو تتوقَّف. الهام أن تثابر على ذلك يوماً بعد يوم. وستكتشف أنَّ البدء بخطواتٍ صغرى، يجعل المتابعة أمراً أسهل. في الواقع، إنَّ تطبيق الانضباط الذاتي لتطوير عاداتٍ حميدة يشبه دفع سيارة؛ إذ يكمن أصعب جزء في البداية، وسيصبح الأمر سلساً بعد ذلك؛ بعبارةٍ أخرى، الاستمرار بفعل الشيء أسهل من البدء به؛ لذا اتَّخذ أهدافاً يسيرة، واجعل البدء بها سهلاً قدر الإمكان.

وكما يقول في كتابه: "بمجرَّد أن تبدأ، فإنَّ أول دقيقتين تصبح بسهولة طقساً لروتين أكبر. هذه ليست مجرَّد حيلة تقوم بها لتجعل تلك العادات أسهل، ولكنَّها الطريقة المثالية لإتقان مهارات مختلفة. فكلَّما نظَّمت عملية البدء، أصبح من السهل أن تُقدِّم التركيز المطلوب لتفعل أشياء عظيمة".

6. عوِّد نفسك تدريجياً على انعدام الراحة:

إحدى الأسباب التي نجدها صعبة في الانضباط الذاتي، هو هروبنا من عدم الراحة. ففي اللحظة التي نصادف بها أي شيء غير مريح، نتملَّص من الوضع بوسائل شتَّى. ولكنَّ الحقيقة أنَّ فعل أي شيء هام، يتطلَّب أن تدع نفسك تشعر بعدم الراحة في بعض الأحيان.

إن كنت تبرمج تطبيقاً، فستمرُّ عليك لحظات لا تسير بها الأمور على ما يرام، وتشعرك بالإحباط، وستشعر بالرغبة في الاستسلام، والتوقُّف عن العمل، والقيام بما هو أسهل. ولكن قبل أن تتوقَّف، الجأ إلى عدم الراحة قليلاً، واستمر بذلك لبعض الوقت. افعل أمراً واحداً إضافياً؛ عوِّد نفسك على الاستمرار لفترة أطول قليلاً عندما تشعر برغبة في الانسحاب. عندما تفعل ذلك ستزداد قدرتك على تحمُّل عدم الراحة، وسيقوى انضباطك الذاتي وقوة إرادتك، وستصبح قادراً على الاستمرار أكثر، وعلى مقاومة إغراء الاستسلام عندما تصعب الظروف.

7. لا تنتظر حتى ترغب بذلك:

إن أردت أن تحقِّق النجاح، فستحتاج القدرة على اتِّخاذ إجراءٍ ما، حتى لو لم ترغب بذلك. يتمرَّن الرياضيون يوماً بعد يوم بغض النظر عن قوَّة الحافز الذي يدفعهم. ويضع الكُتَّاب هدفاً يومياً للكميَّة التي يكتبونها، ويحققون هذا الهدف أسبوعاً بعد أسبوع.

ستمرُّ بأوقات لا تشعر بها بالحافز لفعل ما يجب فعله لتحقيق هدف معين. وفي هذه الأوقات، ستحتاج القدرة على اتِّخاذ الخطوة التالية حتى لو لم ترغب بذلك.

شاهد أيضاً: 8 طرق بسيطة لاكتساب تقدير الذات

8. انضم لمجموعة دعمٍ:

يعتمد قدر كبير من سلوكنا على الدافع الاجتماعي. وتتوقَّع منَّا كل مجموعة نرتبط بها أموراً معينة. ففي العمل، يتوقَّع منك أن تتأنَّق وتتصرَّف بطرائق معينة. وعندما تذهب إلى الصالة الرياضية، ترتدي ملابس الرياضة بدلاً من البدلة وربطة العنق؛ لأنَّ هذا ما يفعله الجميع من حولك. إنَّ الانضمام لمجموعة من الأشخاص الذين يسعون إلى الأهداف نفسها التي تسعى إليها، يعطي دفعة كبرى لقوَّة إرادتك، وانضباطك الذاتي.

عندما تكون بين مجموعة من أُناسٍ يتصرَّفون بطريقة معيَّنة، فستميل لأن تتصرَّف بطريقة مشابهة، لكي تحقِّق ما تتوقعه منك المجموعة؛ لأنَّه ستكون هناك مساءلة خارجية لمساعدتك على الاستمرار في التحرُّك نحو هدفك الهام. إذاً، ما هي المجموعة؟ أو ما هو المجتمع الذي يمكنك الانضمام إليه، والذي سيدفعك نحو المكان الذي تريد أن تكون فيه، وتحسين انضباطك الذاتي؟

إذا كنت ترغب في قراءة المزيد من الكتب، انضم إلى نادي الكتَّاب، وإذا كنت ترغب في توسيع نطاق عملك، فانضم إلى أصحاب المشاريع الذين يشاركونك ذلك التفكير، وإذا كنت ترغب في الحصول على اللياقة البدنية، وممارسة المزيد من التمرينات، فانضم إلى نادٍ للجري، وإذا كنت تواجه مشكلة في العثور على مجتمعٍ محليٍّ تنضم إليه، فيمكنك العثور على مجتمع عبر الإنترنت؛ فيمكنك التواصل فيما بين مجموعات "فيسبوك" و"لينكد إن"، مع الأشخاص الذين يمكنهم أن يدفعوك نحو النجاح.

9. اغتنم الطقوس:

الطقوس هي الأفعال التي تفعلها تكراراً دونما كثير من التفكير أو الجهد. يُعَدُّ شرب قهوة كل صباح طقساً، وتفقُّد هاتفك بعد أن تستيقظ مباشرةً طقساً، وتنظيف أسنانك مساءً طقساً. كلُّها مهام لا تتطلَّب كثيراً من الانضباط الذاتي.

إنَّ إنشاء طقوس عن الأمور الهامَّة والصعبة، تُسهِّلُ من عمل تلك المهام. على سبيل المثال؛ إن أردت العمل لساعتين كل صباح قبل أن تتفقَّد بريدك الإلكتروني، أو وسائل التواصل الاجتماعي، فيمكنك إنشاء طقس تقوم به في هذه الأشياء:

  1. شرب كوب من الشاي.
  2. 10 دقائق من ممارسة التأمل.
  3. تشغيل موسيقى تساعدك على التركيز.
  4. البدء بالعمل.

قوَّة الطقوس:

كلَّما واظبت على ممارسة الطقوس، سيسهل عليك أن تعتاد على العمل. ستكون هناك مقاومة داخلية أقل؛ لأنَّ الطقوس تدرِّب عقلك وجسمك. يشير ذلك إلى أنَّ الوقت قد حان لبدء العمل، وأنَّ الأشياء الأُخرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي، لا يجب استخدامها.

تكمن قوَّة الطقوس في أنَّها تُقلِّل من مقدار الانضباط الذاتي المطلوب للقيام بالمهام الصعبة. إذن، ما هي الطقوس التي يمكنك إنشاؤها، والتي ستدعم الانضباط الذاتي وتساعدك على تحقيق أكبر أهدافك؟

تريد تحسين صحتك؟ أنشئ طقوساً للتمرين، تجعلك في المساحة الصحيحة للجري، أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية. تريد تحسين معرفتك في موضوع معين؟ ابتكر عادة قراءة، أو دراسة تتبعها كل يوم. تريد أن تتعلَّم مهارة معينة؟ طوِّر طقوساً تمارسها خلال الأسبوع.

10. نظِّم طاقتك:

هناك علاقة ملموسة بين مستويات الطاقة، والانضباط الذاتي. فعندما تكون متعباً، يكون من الصعب جداً القيام بضبط النفس، واتِّخاذ قرارات تأخذك نحو أهدافك النهائية. عندما تشعر بالضغط، فإنَّ العمل في هذا المشروع الهام يبدو شبه مستحيل.

يُعَدُّ طهي وجبة صحية أقل جاذبية بكثير من تناول الوجبات السريعة، وتبدو مشاهدة الأفلام أكثر جاذبية من محاولة تأليف كتاب، أو قراءة رواية. وفي ضوء ذلك، من الضروري إدارة طاقتك، إذا كنت ترغب في الحفاظ على احتياطيات عالية من الانضباط الذاتي وقوة الإرادة.

إقرأ أيضاً: التقييم الذاتي: تعريفه، ومعاييره، وكيفية زيادته

11. اعتنِ بجسمك وعقلك:

إن أردت أن تُحسِّن إدارة طاقتك، فيجب أن يكون من ضمن ذلك حصولك على قدر كافٍ من النوم كل ليلة.

لا يمكنك أن تؤدِّي مهامك على أكمل وجه، وتحقِّق الانضباط الذاتي، إن لم تحظَ بساعات نوم كافية؛ لذا ينبغي الالتزام بتحسين نوعية نومك. ويجب أيضاً إدارة طاقتك على مدار اليوم؛ إذ تنحسر مستويات طاقة جسمك، وتغدو غزيرةً وفقاً لساعتك البيولوجية. يمرُّ جسمك كل 90 - 120 دقيقة بدورة من الطاقة المتزايدة تليها فترة من التعب.

لكي تكون أكثر إنتاجية، تحتاج إلى العمل بالتنسيق مع إيقاعات جسمك الطبيعية. يجب أن تضاعف من طاقتك، عندما ترتفع مستويات الطاقة لديك، ثم تمنح نفسك فترة راحة عندما تبدأ الشعور بالإرهاق؛ إذ يمكن أن تؤدي محاولة العمل عكس هذه الدورات إلى نتائج عكسية وسيئة في النهاية.

يقول الكاتبان "جيم لوير" (Jim Loehr) و"توني شوارتز" (Tony Schwartz) في كتابهما "قوة التفاعل الكامل" (The Power of Full Engagement): "بوسعنا التغلُّب على هذه الدورات الطبيعية، ولكن فقط من خلال استدعاء استجابة الكر أو الفر، وإغراق أجسامنا بهرمونات التوتر المصمَّمة لمساعدتنا على التعامل مع حالات الطوارئ. ولكن ستكون التكلفة طويلة الأمد هي تراكم السموم داخلنا. لا يمكننا أن نضغط بشدَّةٍ لفترة طويلة دون أن نصل إلى الانهيار".

إن كنت تريد أن تكون منضبطاً، فقم بمهام صعبة عندما تبلغ طاقتك ذروتها، ثم امنح نفسك مساحةً ووقتاً للتعافي. لا تحاول مجرَّد الحصول على الطاقة طوال اليوم.

إقرأ أيضاً: اضبط نفسك ذاتياً على طريق النجاح

12. ارفق بنفسك:

ستكون بعض الأيام أفضل من غيرها، عندما يتعلَّق الأمر بالانضباط، وضبط النفس، وقوَّة الإرادة، والتحفيز. في بعض الأيام، ستبني جيداً، وتحقق قدراً هائلاً من التقدُّم في الأشياء التي تهمُّك. وسوف تضيِّع الوقت في الأيام الأخرى على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تبقى مستيقظاً لوقت متأخرٍ، وتأكل الوجبات السريعة.

احتفل بالأيام الجيدة، وارفق بنفسك في الأيام التي تجد فيها صعوبةً في المثابرة. ليس الهام أن تكون منضبطاً بالكامل، ولكنَّ الهام أن تستمرَّ في المحاولة. انهض، وحاول من جديد ولا تتوقف عن إحراز تقدُّم.

عندما تقسو على نفسك، ستشعر بالخزي؛ وهذا ما يقتل الانضباط. ومن ناحيةٍ أُخرى، عندما ترفق بنفسك، ستدرك أنَّك إنسان، ولا بد أن تمرَّ بالعقبات والنكسات كأي إنسان آخر.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لمراجعة أدائك القادم

في الختام:

اشتهر الكاتب "جوكو ويلينكس" (Jocko Willink) بقوله: "الانضباط يساوي الحرية"، وهو على حق؛ فعندما تكون حياتك منضبطةً، ستبدأ بتجربة المزيد من الحرية، بدلاً من أن تحكُمك رغبات ودوافع قصيرة الأمد، وستتمتَّع بحرية السعي وراء الأشياء التي تريدها.

ويمكن أن يأخذك الانضباط إلى أماكن لم تكن تعتقد أنَّها ممكنة أبداً، وسيسمح لك بإنشاء الأعمال التجارية، أو برمجة التطبيقات، أو الجري بالماراثون، أو الكتابة أو أي شيء آخر كنت تحلم به.

إذا شعرت بالإرهاق، فلا تقلق؛ فإن بدأت بالأمور اليسيرة وبدأت طريقك منها رويداً رويداً، ستزيد انضباطك؛ وهذا سوف يسمح لك بالقيام بالمزيد.

المصدر




مقالات مرتبطة