ماذا يعني الشعور بالإرهاق؟
عندما تفكر بعمق، ستلاحظ أنَّ الإرهاق يأتي من الخوف، وغالباً ما نشعر بالإرهاق عندما تحدث الكثير من الأمور التي تجعلنا نشعر بأنَّها خارجة عن إرادتنا؛ حيث تضع الحياة في طريقنا الكثير من الأمور غير المتوقَّعة في وقت واحد؛ مما يثير مشاعر الخوف واستجابة التوتر في الجسم والعقل.
الإرهاق يشوّش على الدماغ:
عندما تشعر بالإرهاق، تُعطِّل استجابتك للتوتر قدرتك على التركيز والتفكير بوضوح، وفي أوقات التغيير والتحدي، لا يمكننا التنبؤ بقدرتنا على تنفيذ المهمة أو بنجاح الخطوات التي سنتخذها، فإن شعرتَ بالإرهاق من قبل، فأنت تعرف بالفعل مقدار تأثيره في قدرتك على التصرف والتفكير بطريقة عقلانية، فقطعة دومينو واحدة تُسقِط الصف بأكمله، وتتحول الأفكار غير المنطقية إلى سلوكات غير منطقية.
في بعض الأحيان، يمكن أن نشعر بتوتر شديد؛ مما يمنعنا من تقديم أفضل أداء يمكننا تقديمه، وحتى المهام العادية والبسيطة تبدو مستحيلةً حينها، ويمكن أن تجعلك الكثير من الأمور تشعر بالإرهاق، ويمكن أن تكون تلك الأمور ضغوطات نفسية، مثل التفكير المُقيِّد أو كثرة المعلومات، أو شكل من أشكال الصدمة.
قد تشعر بالإرهاق في العمل، بسبب مدير سام أو بسبب الشعور بالمسؤولية تجاه أمور كثيرة، وقد تواجه أيضاً إرهاقاً بسبب الإجهاد البدني، مثل المرض أو الإصابات أو قلة النوم، ولا يميز الإرهاق بين الجسد والحالة النفسية؛ حيث يتفاعل جسمك مع أي شكل من أشكال التوتر بالطريقة نفسها، والحل: يجب فهم ما الذي يجب القيام به عندما تشعر بالإرهاق.
متى يفيد الإرهاق؟
بقدر ما يبدو الأمر مزعجاً، يمكن أن يؤدي التوتر أحياناً دوراً إيجابياً، أو يمكن أن يساعدنا، ففكِّر فيما إذا مررتَ بإحدى هذه التجارب:
- قد تشعر بالإرهاق بسبب جميع الآراء الإيجابية في حدث افتتاحي كبير.
- قد تشعر بالإرهاق من التعاطف والتفهم اللذين يظهرهما فريقك عندما تواجه ظروفاً صعبة.
يرتبط الإرهاق بالمشاعر الإيجابية:
يمكن لمشاعر مثل الحب والامتنان أن ترهقك؛ وذلك لأنَّك تتواصل بصدق مع الآخرين أو تتعامل مع تصرفات مثل اللطف والتقدير والفضول؛ حيث يمكن أن يؤدي التوتر في مواقف معيَّنة إلى تحسين الأداء، ومساعدتنا على الارتقاء إلى أعلى الإمكانات، فقد عانى معظمنا من التوتر خلال أزمة جائحة كورونا، وقد يتضمن إرهاق تلك الفترة ما يلي:
- إجبار الكثير منا على إدراك الأمور الهامة حقاً، وإعطاء الأولوية لحياتنا.
- تحفيز الكثيرين لمساعدة أسرهم وأصدقائهم وجيرانهم ومجتمعهم.
- خلق عمل تعاوني لم يسبق له مثيل بين الأطباء والعلماء حول العالم.
من المحتمل أن تواجه أموراً مزعجةً تُسبب لك إرهاقاً شديداً، وترغب في المقاومة، فَاجعل ذلك أمراً إيجابياً، ونحن نتفهم الألم والذعر اللذين يحدثان عندما تشعر أنَّك مرهق في الحياة، ويجب أن تبدأ بالتخفيف من حدة التوتر عن طريق تغيير طريقة تفكيرك، وتقبَّل فكرة أنَّ الإرهاق لا يُترجَم دائماً إلى أمر يمنعك من أن تكون شخصاً أفضل؛ حيث يمكن أن يكون أيضاً مصدراً للمعلومات والتحفيز، وينبهك إلى أنَّ أمراً ما يحتاج إلى التغيير ويحفزك على السيطرة على حياتك.
متى يؤذي الإرهاق؟
عندما تترك الإرهاق يستفحل، فقد تشعر وكأنَّك تغرق في بحر من الذعر والخوف، ويكاد يكون الأمر أشبه بمحاولة السباحة دون وجود خط نهاية، ففكِّر كيف شعرتَ عندما تعاملتَ مع الإرهاق بسلبية:
- لقد سحقَنا المنافسون وفقدنا ميزتنا في السوق.
- لقد كان متحمساً بسبب حصوله على فرصة للقيادة، لكنَّه سرعان ما أرهق فريقه بالتحديات ووجهات النظر والمهام الإضافية.
- أنا أشعر بالإرهاق بسبب كثرة المهام التي يجب أن أنجزها اليوم.
الإرهاق والاستعداد للتوقف:
يبدأ الإرهاق عند نقطة الانهيار، تلك اللحظة عندما يفشل كل شيء ولا تستطيع الاستمرار، وقد يثير ذلك استجابة الكر والفر، ويدفعنا إلى الشعور بحالة من الذعر، وعندما نشعر بالإرهاق، نفقد التركيز ونتوقف عن القيام بأيِّ شيء، وكما يشير القسم الصحي في جامعة "هارفارد" (Harvard Health)، قد يبالغ الجسم أحياناً في رد فعله، وإنَّ استجابة الجسم للتوتر هي نفسها سواء كنا في حالة خطر جسدي أم لا، ويحدث هذا الأمر مع جميع المواقف غير المهددة للحياة، مثل زحمة السير وضغط العمل والصعوبات التي تواجه العائلة.
ماذا يحدث في الجسد عندما تشعر بالإرهاق؟
يبدأ تعلُّم طريقة التعامل مع الإرهاق مع فهم سببه، وعندما نفهم ما الذي يحدث في الجسم عندما نكون مرهقين، يمكننا استعادة السيطرة وتعلُّم طريقة التغلب على الإرهاق، وبهذه الطريقة، عندما نطبق الحلول، يمكننا الاعتماد على الاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع التوتر والقلق والفوضى المعروفة باسم الإرهاق.
علم التوتر:
إنَّ معرفة طريقة تأثير الإرهاق في الجسم، سوف تساعدك على التعرف إلى وقت حدوثه والتخلص من التوتر بطريقة صحية؛ حيث يوضح الدكتور "أندرو هيوبرمان" (Andrew Huberman) الأستاذ في علم الأعصاب وطب العيون في كلية الطب بجامعة "ستانفورد" (Stanford School of Medicine) في المدوَّنات الصوتية الخاصة به، أنَّ أجسامنا لديها أنظمة فطرية لإدارة التوتر، فلقد ورث البشر هذه الاستجابة للتوتر على مدار ملايين السنين من التطور، وقد ساعدَت هذه الأنظمة المتطورة جداً أسلافنا على النجاة من المواقف الخطيرة التي تهدد حياتهم، مثل الهروب من الحيوانات المفترسة أو الصيد من أجل الحصول على الطعام.
الإرهاق تجربة لكامل الجسم:
غالباً ما ينعكس التوتر من خلال الجهاز العصبي بأكمله، والمرتبط بالرأس والقلب والحبل الشوكي وجميع الأعضاء، ففي لحظة التوتر، تنشط العقد السمبثاوية المتوالية في منتصف جسمك، ويطلق جسمك مادة الأسيتيل كولين، وهي مادة كيميائية تساعد عادةً على إثارة العضلات، وتستجيب الخلايا العصبية الأخرى لهذا التفاعل بإفراز الأدرينالين أو (الإبينفرين).
ينشِّط الإبينفرين أجزاءً معيَّنة من الجسم والضرورية للاستجابة للمواقف المجهدة، مثل زيادة سرعة دقات القلب لدعم الحركة مثل الهروب من حيوان مفترس، كما يركز الجسم المزيد من الطاقة على الأنظمة اللازمة للهروب من الخطر، وفي الوقت نفسه، تتوقف أجهزة الجسم الأخرى عن العمل إلى أن تشعر بالأمان، مثل الجهاز الهضمي، لهذا السبب قد تفقد شهيتك قبل امتحان أو اجتماع هام.
تخبر استجابة التوتر جسمك أن "يفعل أمراً ما" أو "يقول شيئاً ما" بحيث يدفعك إلى العمل، وهو شعور بالاضطراب يجعلك ترغب في التحرك، كما يجعلك التوتر أكثر عُرضةً لقول أمرٍ ما دون تفكير واستخدام أسلوب تواصل ضار، لهذا السبب يمكن لمعظمنا أن يتذكر وقتاً قلنا فيه شيئاً ما، ثمَّ ندمنا على ذلك،
فقد تحاول تجاهل أو منع استجابة جسمك للتوتر، لكنَّ إخبار نفسك بأنَّك يجب أن تبقى هادئاً يثيرك أكثر، وبهذه الحالة أنت تعمل ضد جسمك، وستشعر بتلك المقاومة في جسدك، فعندما ينتقل جسمك إلى وضع التوتر، يجب عليك أن تتعلم طريقة التعامل معه وليس ضده.
شاهد بالفديو: كيف نتخلص من التوتر في ظل الأجواء الصعبة التي نعيشها؟
ماذا تفعل عندما تشعر بالإرهاق؟
لا يمكنك تجاهل التوتر أو تمنِّي زواله، ولكن عندما تكون مرهقاً، تكون مهاراتك في اتخاذ القرار وحل المشكلات في أسوأ حالاتها، فلذلك هذا التوقيت غير مناسب لاتخاذ قرارات كبيرة مثل ترك عملك أو تغيير حياتك تغييراً جذرياً.
عندما تستعيد الشعور بالهدوء، يمكنك الوصول بصورة أكثر فاعليةً إلى أجزاء التفكير والإبداع في عقلك، وبعد ذلك، يمكنك التركيز على إيجاد حلول للتحديات والمواقف العصيبة التي تواجهك، ولن تساعدك هذه الاستراتيجيات على إدارة الإرهاق فحسب؛ بل يمكنك استخدامها لتحفيزك على وضع الأهداف التي ستساعدك على خلق الحياة التي تريدها:
1. تهدئة الجهاز العصبي باستخدام التنهيدة الفيزيولوجية:
عندما تشعر بالإرهاق، فإنَّ أول ما يجب عليك فعله هو تهدئة نظامك العصبي، فعندما يتجه جسمك إلى الاستجابة للتوتر، فأنت تريد تنشيط الجهاز العصبي اللاودي المسؤول عن تقليل التوتر؛ حيث يمكنك فعل ذلك بخدعة صغيرة تسمى التنهيدة الفيزيولوجية، وهي بمنزلة قوة دافعة لتنشيط الجهاز العصبي اللاودي، وتساعد في اللحظات العصيبة؛ مما يقلل من الذعر ويوفر تأثيراً مهدئاً آنياً.
التنفس:
عند الشعور بالتوتر، اتبِع هذا النمط من التنفس من خلال الاستنشاق مرتين من الأنف، يتبعه زفير طويل عبر الفم؛ حيث إنَّ الشهيق المزدوج والزفير المطول يخلصان الجسم من ثاني أكسيد الكربون؛ ممَّا يساعدنا على الشعور بالراحة بسرعة كبيرة، فتنهيدة واحدة أو تنهيدتان فيزيولوجيتان كافيتان للهدوء سريعاً والتوقف عن الشعور بالإرهاق، وهي معلومة مثبتة علمياً، فعندما تنشِّط الجهاز العصبي اللاودي بالتنهيدة، يمكنك تحرير مساحة إضافية في الدماغ للإبداع في اتخاذ قرار بشأن ما ينبغي القيام به بعد ذلك.
2. ممارسة الرعاية الذاتية بانتظام لتحقيق المرونة على الأمد الطويل:
نحن نعلم أنَّه يجب علينا ممارسة الرياضة بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول أنواع الطعام الصحية والمناسبة، فذلك سيساعدنا على بناء المرونة ومواجهة التوتر طويل الأمد، وبهذه الطريقة، عندما تواجه مواقف مجهدة، سيعمل جسمك في أفضل حالاته، وسيكون جاهزاً لمواجهة المواقف كافةً.
إعطاء الأولوية لصحتك:
إذا كنتَ تتجاهل النوم وممارسة الرياضة لأنَّ لديك الكثير من المهام لتنجزها، فسوف تشعر بالإرهاق وتزيد من آثار التوتر، فاتبِع هذه العادات الصحية للتغلب على التوتر بصورة أفضل:
- الحصول على قسط كافٍ من النوم: حيث يوصي الأطباء بحوالي 8 ساعات من النوم ليلاً.
- تناول طعام غذائي متوازن ومغذٍّ: اختر الأطعمة التي تخفف التوتر مثل الأسماك والفراخ والفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والدهون الصحية.
- ممارسة الرياضة بانتظام: بحسب القسم الصحي في جامعة "هارفارد"، تقلل التمرينات الرياضية هرمونات التوتر.
- شرب الماء: حتى حالات الجفاف الخفيفة يمكن أن تضعف وظائف المخ، وفقاً للدراسات.
3. استخدام قاعدة 80-20 للتخلص من مصادر التوتر:
عندما تتبع برنامجاً صحياً، وتتدرب على أساليب إدارة التوتر، فإنَّ بذل جهد بسيط سيكون له تأثير كبير.
مبدأ باريتو:
تؤكد قاعدة 80-20، المعروفة أيضاً باسم مبدأ "باريتو"، أنَّ 20% من جهودك ستشكل 80% من النتائج، وهذا الأمر جيد عند تعلُّم طريقة التعامل مع الشعور بالإرهاق، ولنشرح مبدأ "باريتو" أكثر: عند قراءة كتاب "لا تضع لائحة: تخطيط المشاريع للأشخاص المبدعين" (To Don’t List: Project Planning for Creative People)، وهو كتاب من تأليف "دونالد روس" (Donald Roos)؛ حيث يروي "روس" قصة عالم نفس دُعِيَ إلى البنتاغون لتقديم ورشة عمل لمجموعة من الجنرالات حول إدارة الوقت والموارد.
وفي بداية ورشة العمل، طلب الاختصاصي النفسي من الجنرالات أن يكتبوا في 25 كلمة أو أقل استراتيجيتهم لإدارة الوقت والموارد، وبحسب ما قاله "روس"، فقد فشل جميع الجنرالات في القيام بذلك باستثناء المرأة الوحيدة في المجموعة - وهي جنرال بارعة شقت طريقها عبر المناصب والرتب - بما في ذلك القتال في حرب العراق؛ حيث تصِفُ استراتيجيتها قائلةً: "أولاً، أعِدُّ قائمةً بالأولويات، ثمَّ أشطب كل شيء بدءاً من الأولوية الثالثة إلى أسفل القائمة".
قد تتساءل قائلاً: "لقد اختارت ثلاث أولويات فقط"، وهذا هو جوهر هذه الخطوة في تنظيم نفسك عندما تشعر بالإرهاق، فعندما تشعر بالإرهاق، تأكَّد أولاً أنَّك قد هدأتَ بالفعل من خلال استخدام بعض الخطوات مثل التنهيدة الفيزيولوجية، وبعد ذلك، كن فضولياً بشأن عدد الأمور التي تشغل تفكيرك، وأحضِر ورقاً لاصقاً أو ارسم خريطةً ذهنية أو التقِط قصاصات عدَّة من الورق، ثمَّ دوِّن كل شيء يشغل تفكيرك؛ أي عنصر واحد لكل ورقة لاصقة، وضَع الملاحظات كلها على الطاولة أمامك.
الآن، دعنا نطبق مبدأ "باريتو"، فلنفترض أنَّ لديك 10 عناصر دونتَها، فطبِّق قاعدة 80/20 عن طريق اختيار مجالين هامين للتركيز عليهما، فعندما تلتزم وتضع خطةً لحل 20% من المصادر الرئيسة للتوتر، ستشعر بالراحة، وفي الوقت نفسه، ستعزز ثقتك في قدرتك على التعامل مع نسبة 80% المتبقية، فقد يكون من الصعب تحديد العناصر ذات الأولوية القصوى، وإذا كنتَ لا تستطيع أن تقرر ذلك، فحاول إغلاق عينيك وأخذ بعض الأنفاس العميقة، والإصغاء إلى حدسك حول الأمور التي قد تساعدك أكثر، أو اختر أمراً عشوائياً وابدأ العمل.
4. العمل على وضع الحدود:
عندما يكون الشعور بالإرهاق أمراً متكرراً في حياتك، على الرغم من بذل قصارى جهدك لإدارة التوتر، يمكن أن يساعدك وضع حدود صحية على التقليل منه.
يساعد وضع الحدود على التخلص من الإرهاق:
تمنع الحدود من حدوث الإرهاق أساساً؛ وذلك من خلال التعامل فقط مع الأشخاص والنشاطات والمواقف التي تدعمك في حياتك، وإذا كانت حدودك ضعيفةً، فقد تجد نفسك مرهقاً بسبب محاولة إرضاء الجميع على حساب صحتك وعافيتك، فقد يستغلك الناس في العلاقات أو في العمل في حال عدم وجود حدود توضح متى يمكنك حل مشكلاتهم.
تعرَّف إلى طريقة تعيين الحدود، وتأكَّد من أنَّ أيَّ توتر تسمح به في حياتك موجود لسبب مقنع، سبب يتوافق مع قيمك أو أهدافك الهامة، وسيحدث التوتر والإرهاق دائماً، والخوف أو محاولة تجاهلهما سيجعل الوضع أسوأ، فبدلاً من ذلك، تعرَّف إلى استجابة التوتر، وافهم ردود الفعل التي تحدث في جسمك وما الأمور التي تدفعك إلى الشعور بالإرهاق، فبهذه الطريقة، وفي المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر، ستمتلك الأدوات اللازمة لتقليل الوقت الذي تشعر فيه أنَّ الإرهاق يسيطر عليك.
أضف تعليقاً