الخوف عند الأطفال وطرق التعامل معه

يحاول الآباء دائماً حماية أطفالهم من أي شيء قد يُسبب لهم الخوف، والحقيقة أنَّ مشاعر الخوف هي مشاعر طبيعية وسيشعر بها الأطفال مهما كان الحرص من الوالدين كبيراً؛ لذا، من الهام محاولة توجيه هذا الخوف ليصبح حافزاً ومشجعاً للنجاح، وسنتحدَّث في هذا المقال عن الخوف عند الأطفال، كيف ينشأ، وكيف نتعامل معه.



أولاً: ما هو الخوف عند الأطفال؟ وكيف ينشأ؟

يتعرَّض الطفل منذ ولادته للمؤثرات الخارجية، وتختلف استجابته لهذه المؤثرات تبعاً لشدَّة المثير ومقدار تأثيره بالطفل، ويُبدي الأطفال سلوكات مختلفة تجاه هذه المؤثرات تحاشياً للخطر الذي يعتقدون أنَّ هذه المؤثرات ستكون سبباً له.

هذه السلوكات التي يقوم بها الطفل هي في الحقيقة ما نطلق عليه اسم الخوف؛ فالخوف إذاً هو الردود التي يقوم بها جسد الطفل للتخلُّص من خطر يؤلمه أو يهدد حياته، وتظهر هذه الردود على شكل حركات جسدية مختلفة وصراخ وتسرُّع في دقات القلب وشحوب في الوجه وتلعثم في الكلام.

بالإضافة إلى ذلك، إنَّ خوف الطفل في كثير من الأحيان يكون ناتجاً عن حالة تسمَّى "الردود الانفعالية الشرطية"؛ فالطفل الذي لم يتعرض للمؤثرات الخارجية كما تعرَّض غيره، لا يخاف من الظلام مثلاً ولا من الحيوانات؛ إذ إنَّ شيئين أساسيين يسببان الخوف عند الرضيع هما الضجيج أو إزالة ما يستند إليه، فإذا ما صدف وجود الظلام مثلاً مع أحد هذين المثيرين وتكرر الأمر لأكثر من مرَّة، أصبح الخوف من الظلام سلوكاً مستمراً.

والطفل في هذه الحالة لا يخاف من الظلام بحدِّ ذاته؛ بل يخاف من الشعور بالوحدة والانفصال، الذي غالباً ما يحدث عندما يُزاح الطفل عن كتف أمِّه ويُوضع في السرير الموجود في غرفة مظلمة، وأيضاً بالنسبة إلى الخوف من الحيوانات، الخوف ليس من عضَّة الكلب؛ بل من نباحه.

وقد أكدت دراسات عدة أنَّ الخوف عند الطفل يرتبط بمستوى نضجه؛ فمثلاً، طفل في عمر السنتين لا يخاف من الأفعى وقد يرغب في اللعب معها، في حين أنَّه عندما يبلغ الأربع سنوات سيخاف منها، ولا يتوقف الأمر هنا، فهناك كثيرٌ من المخاوف المعقدة أكثر، التي سوف تنشأ مع نمو الطفل داخل أسرته، ونتيجةً لعيشه ضمن محيط اجتماعي، وتعرُّضه لكثيرٍ من المواقف المختلفة.

شاهد: 8 إشارات تدل على أنّ الطفل عبقري

فالشعور بالإهمال مثلاً أحد الأسباب التي تجعل الطفل خائفاً، وهذا ما يدفعه للغضب والكره، وفي كثير من الأحيان يحوِّل هذا الكره لذاته حتى يتمكن من الانسجام مع قوانين الأسرة، وما يزيد الأمر سوءاً هو العقاب، الذي ينتقل من خوف الطفل من العقاب إلى خوفه من المشاعر نفسها؛ فهو أصبح يعرف أنَّها محظورة، وهذا ما يجعله خائفاً من نفسه.

وقد ينشأ الخوف أيضاً نتيجةً لتعرُّض الطفل لتجربة مخيفة؛ فمثلاً، قد يحدث ويسقط شيء ما فوق ظهر طفل عند دخوله المطبخ فجأة، فيخاف خوفاً كبيراً ويصبح غير قادر على الدخول وحده لأي مكان جديد، وهنا يأتي دور الوالدين لاستيعاب هذا الخوف، وترك مساحة من الحرية له ليعبِّر عنه ويتجاوزه، والابتعاد كلياً عن السخرية أو الاستهزاء من خوفه.

ويجب على الأهل أيضاً في مثل هذه الحالات تقديم كل الدعم للطفل، فالخوف واحد من القوى الهامة والمؤثرة، فإمَّا أن تبني هذه القوى الشخصية، أو تهدمها، وإما أن تساعد الطفل للسير على الطريق الصحيح وتعلُّم كيفية رد الأذى، أو تثبط طاقته وتمنعه من التحرُّك والوصول إلى هدفه.

ثانياً: أنواع الخوف عند الأطفال

تنقسم المخاوف عند الأطفال إلى نوعين رئيسين يختلفان تبعاً لتقدم نمو الطفل، وهما:

1. النوع السهل:

يرتبط هذا النوع بفكرة الحفاظ على البقاء، وتظهر هذه المخاوف في الحياة اليومية، وهي مخاوف عادية يمكن الانتباه لها بسهولة وملاحظتها في سلوك الطفل، مثل خوفه من حيوان ما أو من اللصوص أو من الظلام.

إنَّ الخوف من الظلام خوف شائع جداً؛ وذلك لأنَّ الظلام كما ذكرنا آنفاً مرتبط بالوحدة، فالمكان المظلم مكان يعتقد فيه الطفل أنَّه مُعرَّض للخطر؛ لذلك، يجب تجنُّب استخدام الظلام بوصفه وسيلة عقاب للطفل؛ فهذا يعزز شعور الخوف لديه، ويمكن - بدلاً من ربط الظلام بالوحدة - تعويد الطفل على النوم فيه؛ وذلك ليألفه ويصبح مرتبطاً ومقترناً عنده بالمكان المريح المخصص للنوم الهادئ.

وأيضاً الخوف من الحيوانات والأماكن المرتفعة والماء أمور شائعة جداً عند الأطفال، ويمكن التخلص من هذه المخاوف ومعالجتها بصبر وذكاء، ومن الهام جداً أن يعرف الوالدان أنَّ الطرائق المستخدمة لتخليص الطفل من خوفه من خلال إقحامه بموقف يخافه؛ كأن يُدفَع الطفل إلى الماء ليتجاوز خوفه منه، أو إجباره على لمس حيوان يخافه، هي طرائق غير ناجحة؛ بل هي طرائق مؤذية جداً.

2. النوع المرتبط بالشعور بالذنب:

يرجع هذا النوع من الخوف إلى القائمين على توجيه سلوك الطفل؛ إذ نجد الطفل الذي ينتمي إلى أُسر هادئة وراجحة العقل يكون شجاعاً، وهذا مرده إلى أسلوب التربية الذي يقدمه له والديه، وإلى قدرتهم على ضبط انفعالاتهم أمامه.

شاهد أيضاً: أساليب التعامل الناجح مع الطفل المتوحد

يُعبِّر الطفل عن خوفه من خلال خياله؛ فتراه خائفاً من تنين خلف الباب أو غول تحت السرير، كما أنَّ شدَّة الخوف تتناسب طرداً مع شدة الخيال؛ لذلك، فإنَّ الطفل الذي يتخيل كثيراً يخاف أكثر من أقرانه، وحالة خيال الطفل من المخاوف والأشياء المرعبة تحتاج إلى كثيرٍ من الاهتمام بتربيته في السنوات الأولى من عمره.

ويؤدي التقليد دوراً هاماً في تشكيل مخاوف الطفل؛ إذ يكبر الأطفال وهم يقلدون آباءهم بالمواقف الانفعالية التي يبدونها، فإذا كانت الأم تخاف من حيوان ما، فسيقلدها أبناؤها؛ لذلك، من الضروري تجنُّب إظهار هذه السلوكات أمام الأطفال؛ وذلك لأنَّها ستظهر مباشرةً في سلوكاتهم، وتصبح جزءاً من مخاوفهم.

إقرأ أيضاً: 6 أسباب تجعل طفلكِ يسهر لوقت متأخر

ثالثاً: طرائق للتعامل مع الخوف عند الأطفال

هناك أشياء هامَّة يجب معرفتها حتى نتمكن من التعامل الصحيح مع مخاوف الأطفال، وسنقدِّم فيما يأتي بعض الطرائق التي يجب على الوالدين وضعها في الحسبان:

  1. التخويف ليس من الطرائق المفيدة في العقاب لتنفيذ الأوامر وفرضها؛ فالخوف في كثير من الأحيان قد يكون محطِّماً؛ لذلك، يُعَدُّ استخدامه بوصفه طريقة لتعديل سلوك الطفل نافعاً مؤقتاً؛ فيتوقف الطفل توقُّفاً آنياً عن ممارسة السلوك الخاطئ، ولكنَّه يترك كثيراً من الندوب في نفسه؛ لذلك، ابتعد عن تخويف الطفل، واستخدم إحدى الطرائق التربوية الناجحة في العقاب.
  2. إنَّ استخدام عبارات مثل: "لا تتسلق الأشجار ستقع، لا تأكل ستمرض، لا تخرج من البيت ستُخطَف" لا يترك أثراً تربوياً عند الطفل؛ فكثير من الأطفال يكتشفون بسرعة عدم صحة هذه العبارات، فيتوقفون عن الاكتراث بها، وفي الوقت نفسه يفقدون الثقة بك.
  3. قد يجعل الاستمرار في تخويف الأطفال وتكرار نفس العبارات مرات عدة في اليوم الخوفَ فكرةً راسخةً في عقل طفلك؛ فيصبح متردداً وخائفاً دائماً، وغير قادر على اتخاذ أي قرار بسبب هذه المخاوف.
  4. لا يجب أبداً أن تجعل من مشاعر طفلك وانفعالاته عرضةً للاستغلال، ولا أن تستخف بها أيضاً؛ لذلك لا تخوِّف الطفل بأحد الأشخاص، أو تربط الخوف بأحد المواقف، كأن تقول له سأحبسك في غرفة الفئران؛ فأنت بهذه الطريقة تعبث بحواسه ومشاعره.
  5. صحيح أنَّ الخوف عامل هام في التهذيب الاجتماعي، وبالتأكيد لا يجب أن يكون موقف الطفل تجاه العقاب قائماً على عدم المبالاة، ولكن في الوقت نفسه لا يجب أن يكون قائماً على التخويف والترهيب؛ لذا، يجب أن يكون خوفاً منطقياً يجعل الطفل يضطرب في حال تصرَّف تصرُّفاً سيئاً أو أخلَّ بأحد القواعد الاجتماعية، لا أن يجعله في حالة هلع.
  6. لا يمكن للوالدين معرفة كل خبرة قد تسبب الخوف لأطفالهم، ولكن يجب عليهما أن يكونا منبع الثقة لهم؛ وذلك ليتمكن هؤلاء الأطفال من التعبير عن مخاوفهم، وهذه أول خطوة لتجاوزها، فمن واجب الأهل مساعدة الطفل على تجاوز مشاعر الخوف التي يشعر بها، ودعمه عند تعرضه لتجربة مخيفة، وليس المبالغة في حمايته لدرجة حبسه ومنعه من خوض الحياة بمواقفها المختلفة؛ لأنَّ هذا الخوف وهذه المواقف هي التي ستحسن تصرفاته في نهاية المطاف.
  7. من الهام أن يعرف الوالدان أنَّ حماية الطفل من الخوف الزائد تعني مراعاة قواعد التربية الأساسية، وتوفير كل ما يحتاج إليه الطفل من عطف وحنان ودعم، وأيضاً جعله يشعر بالأمان ويتحمَّل المسؤولية، ويحوِّل التجارب المخيفة بالنسبة إليه إلى أحداث عادية. على سبيل المثال، إذا شعرت أنَّ طفلك يخاف الظلام، فالسبب في هذا هو ارتباط الظلام لديه بتجربة مخيفة، ولتجاوز هذا الخوف، يمكن ربط الظلام بمثيرات أخرى غير الوحدة؛ وذلك من خلال مداعبته وملاعبته وإضحاكه في الظلام لأكثر من مرَّة.
  8. لا بدَّ أن نعرف أنَّ كثيراً من مخاوف الطفل يمكنه تجاوزها وحده عندما يكبر، وأنَّ الخوف أحد المظاهر الطبيعية، وهو أحد وسائل حمايته إذا بقي ضمن الحدود الطبيعية؛ لذلك، أعطه الوقت اللازم ليتجاوزه، وكن قريباً دائماً منه، وفي حال استشعرت أي خطر أو في حال تحوَّل الخوف إلى حالة مَرَضية لدى طفلك، لا تتردد أبداً بمراجعة المتخصصين.
إقرأ أيضاً: الطفل الفوضوي: صفاته، وكيفية التعامل معه

في الختام:

نجد أنَّ الخوف أحد المظاهر الطبيعية والسلوكات الأساسية في حياة الطفل؛ لذلك لا يجب المبالغة في حمايته؛ لأنَّ هذا قد يسبب له أذى أكبر من الخوف نفسه، فأحد أهم الطرائق لتخفيف الخوف عند الطفل هو تعرُّضه للموقف أكثر من مرَّة؛ لأنَّه بهذه الطريقة يألفه ويعتاد عليه ويشاهد أقرانه كيف يتعاملون معه، ليصبح في النهاية حدثاً عادياً، ومع ذلك، لا بدَّ من الانتباه لتصرفات الطفل، وعندما يصبح الخوف سبباً لقلق كبير ودائم، يجب التدخل لمساعدته.

المصدر: محاضرات لمادة علم نفس الطفولة والمراهقة، كلية التربية، جامعة دمشق.




مقالات مرتبطة