فعلى سبيل المثال: إنَّ رؤية ذئب في الغابة يدفع الإنسان إلى الركض للنجاة بحياته فلولا الخوف لما نجا، أو أنَّ الخوف سيدفعه إلى أخذ بندقية صيده إلى الغابة لكي يدافع عن نفسه، وأكثر البشر خوفاً هم الأطفال، وسنتحدث في هذا المقال عن خطورة تخويف الأطفال من أجل تلبية رغبات الأهل، لما له من آثار هامة في حياتهم المستقبلية وشخصيتهم النفسية؛ لذا تابعوا معنا.
إنَّ إحساس الخوف موجود عند الأطفال بشكله البدائي أو غير المتطور، فالإحساس بالخوف له جذران أساسيان، جذر فطري وجذر مكتَسَب، وفي الكثير من المجتمعات يُستغَلُّ هذا الأمر من قِبل الأهل لمساعدتهم على التحكم والسيطرة على أبنائهم وتنفيذ رغباتهم.
يؤكد خبراء علم النفس التربوي بأنَّه قد حان الوقت للتخلص من أساليب الخرافات وتخويف الأطفال من الوحوش أو النار أو أي شيء آخر، لما يلحق ذلك من أضرار جسيمة لا تظهر آثارها إلا في المستقبل، وتختلف أساليب تخويف الأطفال حسب الثقافة الشعبية والمنطقة الجغرافية.
ظهر في البلاد العربية بكثرة اختراع أشخاص وهميين قام الأسلاف باختراعهم منذ قديم الزمان، يتمتعون بقدرات خارقة، وقدرات مرعبة ينسبها لهم الأب أو الأم، من أجل تخويف الأطفال والحد من حركتهم الزائدة، أو سلوكهم غير المرغوب فيه.
ماذا تفعل الخرافات بشخصية وتفكير الأطفال؟
بالتأكيد، وكما نعلم جميعاً، فإنَّ للأسطورة أو الخرافة، فوائد تربوية وأخلاقية، فهي تشبه القصة الهادفة التي يراد من خلالها إيصال رسالة سامية بهدف ترسيخها في كيان الطفل وشخصيته، ولكن من جهة أخرى، يجب على الأب والأم انتقاء ما يتوافق مع المرحلة العمرية للطفل، وواقع الحياة، والحقائق العلمية، وقيم وأخلاق العائلة أو المجتمع.
فعلى سبيل المثال: نقوم بسرد القصص للأطفال، ونبالغ في الكلام عن أبطالها، فنلصق بهم صفات مطلقة كالصدق والأمانة والوفاء. وصحيح أنَّها صفات جميلة وضرورية، إلا أنَّه لا وجود لها بشكل مطلق. وقصص مثل الشاطر حسن أو قصة السندباد، يتم الحديث فيها عن هذه الشخصيات وتجريدها من أي خطأ، بينما نحن نعلم في حقيقة الأمر أنَّه لا وجود لهذه الصفات المطلقة أو اللامتناهية على أرض الواقع أو في الحياة الواقعية؛ بل هي فقط موجودة في أحلام الفلاسفة وخيالات الآباء والأجداد.
من الممكن جداً، أن يستمر تأثر الإنسان بالخرافات أو الأساطير في بعض الثقافات أو المجتمعات إلى مراحل متقدمة في الحياة، ويمكن أن يظل الإنسان شغوفاً بها حتى بعد مرحلة الشباب؛ وذلك حسب ثقافة المجتمع، ويعود استمرار هذا الشغف بالخرافات إلى أنَّهم يميلون نحو الخيال، من أجل الخروج أو الهروب من حدود الزمان والمكان بظروفه غير المثالية أو حتى السيئة إلى عالم آخر تخيُّلي مليء باليوتوبيا والقيم المطلقة.
وتختلف الخرافة عن الفنون القصصية الأخرى، اختلافاً جوهرياً هاماً، ألا وهو أنَّ القصة تتطور أحداثها وشخصياتها وفق نمطٍ سرديٍّ منطقيٍّ نوعاً ما، أمَّا الخرافة فيفقد فيها التطور القصصي شكله الطبيعي؛ حيث تتدخَّل الخوارق لتُغيِّر سير الأحداث بأكمله باتجاه معين، في وقت لا توجد فيه ظروف أو أسباب وبيئة مناسبة لهذا التغيير.
على سبيل المثال: تدخل الجن أو العفاريت وغيرها من الكائنات الخرافية لإنقاذ بطل الخرافة وهو على شفا حفرة من الموت، فهي لذلك تؤثر في التفكير المنطقي عند الأطفال، ومن الممكن أن يغلب هذا التأثير على نمط تفكيرهم في المستقبل، فيمكن أن يكون تفكيرُهم حيال مشكلة ما يقعون بها، أنَّ هنالك أمراً خارقاً سيحدث، بدل التفكير المنطقي في كيفية حل هذه المشكلة.
خطورة تخويف الأطفال على تطورهم النفسي:
إنَّ لجوء الأهل إلى تهديد الطفل أو تخويفه بالوحوش والخرافات وغيرها من الوسائل، هو موضوع لا يتناسب مع مستوى الإدراك أو الوعي عند الطفل، ولا يراعي التوازن النفسي غير الناضج لديه؛ مما يعوق نموَّه الروحي والنفسي، ويسبب له آثاراً سلبية وعُقداً نفسية، يمكن أن يبقى يعاني منها طيلة حياته.
وكذلك لها تأثيرات ضارة ملموسة في سلوك الطفل من حدوث التبول اللاإرادي أو اضطرابات في الشخصية أو نوبات الذعر المتكررة أو الخوف من الظلام، وضعف الثقة بالنفس وعدم قدرته على الاستقلال، وبذلك لن تكون شخصيته قوية عندما يكبر، فكل هذه الأمور الخطيرة التي من الممكن أن تحدث للطفل، سببها بعض التصرفات التي نراها نحن تافهة أو غير هامة، ولكنَّها بالنسبة إلى شخصية أو نفسية الطفل الهشة وغير الناضجة هي أمر خطير جداً.
يمكن تشبيه عقل الطفل بالورقة البيضاء التي يمكننا أن نكتب عليها ما نريد، فالطفل يتعامل مع كل الأشياء التي يستقبلها من أهله أو محيطه على أنَّها حقائق مطلقة، وأمور بمنتهى الحقيقة أو الجدية، فأساليب التخويف عند الأطفال، ستؤدي حكماً إلى شعور الطفل بانعدام الأمان حتى عندما يكون مع والديه، اللذين يجب أن يكونا مصدر الثقة والأمان.
كما تعزز هذه الأساليب لديه شعور الذنب، وشعوره بانعدام حبهم له، فتهديد الأهل لطفلهم بالوحوش أو العفاريت أو الاتصال بالشرطة، سيصيبه بخيبة أمل كبيرة وخذلان عظيم تجاه أبيه أو أمه، فهم أقرب الناس له ولم يستطيعوا تحمُّله وكانوا قساةً معه بهذه الصورة، ومع مرور الوقت يحاول الطفل نسيان هذه الأشياء، ولكنَّ آثارها النفسية تبقى عالقة في شخصيته ونفسيته.
ما هو الأسلوب السليم في التعاطي مع الأطفال بدل الترهيب والتخويف؟
إنَّ الطريقة السليمة والتربوية في التعاطي مع مخالفة الطفل للأوامر، تكون بالعقاب وليس التهديد بالضرب أو التخويف بالوحوش وبقية وسائل الترهيب التي تضر أكثر مما تنفع.
ينصح خبراء علم نفس الطفل، أن يكون العقاب تدريجياً، ومناسباً للمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل، ويجب عدم الاكتفاء بالعقاب؛ بل يجب أن نشرح للطفل أسباب العقاب ونعرِّفه بأخطائه خطوة تلو الأخرى وهذه أهم فكرة؛ وذلك لأنَّ العقاب دونها سيغدو بلا قيمة وفائدة، فعندما لا يعلم الطفل سبب العقوبة، فإنَّه سيفهم أنَّه سيعاقب في جميع الأحوال سواء أطاع الأوامر أم لا.
توجد الكثير من الطرائق السليمة لعقاب الطفل والتي لا تحمل أضراراً على نفسيته أو شخصيته، مثل العتاب الذي يُعَدُّ عقاباً ليناً يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية مع الفتيات والفتيان صغار السن، ولدينا العقاب بالحرمان أو بالتجاهل والذي يُعَدُّ من أكثر الوسائل نجاحاً من بين طرائق العقاب؛ حيث إنَّه لا يسبب له العُقد النفسية؛ بل يعلِّمه طريقة التعامل الصحيحة والسليمة، على عكس ما تفعله الخرافات أو التخويف الذي يجعل الطفل يعيش في الخوف طيلة حياته ويسبب له أزمات نفسية في المستقبل.
ينصح خبراء علم نفس الطفل، الآباء والأمهات بعدم إغلاق باب التجربة أو الاكتشاف على أطفالهم، والاكتفاء بتقديم المعلومات الجاهزة أو المعلبة؛ بل يجب عليهم ترك الطفل يمضي في غمار تجربته الخاصة، ويتعرَّف هو بنفسه إلى أفكار جديدة وأساليب يستطيع بها بناء شخصيته المميَّزة.
شاهد بالفديو: 7 أخطاء تدمر الطفولة
من أين تأتي الخرافات؟
إنَّ جزءاً كبيراً من الثقافة الشعبية يشترك بالخرافات وتتناقلها شعوب المنطقة على مر الزمن، وكان يصعب جداً على خبراء التاريخ والباحثين في مجالات اللغات القديمة فك شيفراتها، وتحديد المصدر الأساسي للأسطورة أو الخرافة التي سادَت في هذه المدينة أو تلك، ومن أبرزها قصص المغازي، وسِيَر الزهاد والجن والعفاريت.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ أغلب هذه الأساطير قد تم تداولها وانتشارها، من خلال الرواية والكلام، وإنَّ أشهر ما بقي من هذه المدوَّنات ذات الطابع التاريخي أو الأدبي كانت قصص المغازي، التي لا تزال منتشرة في الكثير من البيئات الشعبية، وتحظى باهتمام الصغير والكبير، فهي تتحدث عن تفاصيل المعارك والغزوات والحروب التي قامت بين القبائل المتناحرة، وبرزت فيها شخصيات البطش والقتل والعنف، وفق بيئة الغاب التي سادت في العصور القديمة، والتي لا تتناسب مع طبيعة العصر الحالي.
لذلك، يمكن أن يكون انتشار هذه القصص محرِّضاً لنزعات العنف أو القتال عند الناس، وخصوصاً في حال قيام الأطفال بتبنِّي تلك الشخصيات التاريخية العنيفة، ولكن من جهة أخرى لا نستطيع تجريم هذه القصص بشكل كامل؛ وذلك لأنَّنا لا نستطيع أن ننكر أنَّ فيها الكثير من القصص التي تحض على نشر الفضيلة واعتناق الأخلاق ومساعدة الآخرين، والكثير من القيم السامية الأخرى، وذلك بطريقة فريدة وجذابة ومشوِّقة.
في الختام:
تؤكد جميع مدارس علم النفس الحديث، وخبراء تربية الطفل، أنَّ وسائل تخويف وترهيب الأطفال بالخرافات أو الأساطير هي طرائق بدائيَّة وضارَّة، يجب علينا القضاء عليها مرة واحدة وإلى الأبد.
فكم نبدو أنانيين حين نسبِّب للطفل اضطرابات وأمراض نفسية، وضعف ثقة في النفس ومشكلات أخرى منها معروف ومنها غير معروف، فقط من أجل ألا يزعجنا بكاؤه أو سلوكه الحركي المفرط أو كي نجعله يخلد إلى النوم في ساعة مبكرة؛ إذ إنَّ هذه الأمور كلها تُعَدُّ شديدة السخافة إذا ما قورِنَت بالسلبيات الكبيرة التي تصيب مستقبل الطفل.
أضف تعليقاً