بعبارات أبسط، يرتبط أداء الشركة ارتباطاً مباشراً بمدى قدرة الموارد البشرية على تمكين الموظفين من أداء أفضل أعمالهم على مدار اليوم والأسبوع والسنة، ففي غياب المدارس والكليات التي تُدرِّس المهارات الحياتية الأساسية (المهن، والإدارة المالية والتجارية، والتواصل والمرونة للمبتدئين) وبسبب عدم رغبة الحكومات أو عدم قدرتها على تمويل التعليم المستمر، أصبحت الشركات هي الملاذ الأخير، نظراً لحتمية احتياجها للمواهب ونَهَمِها بها.
ولكن بعيداً عن الابتذال، يكفي أن نقول إنَّ قسم الموارد البشرية يشبه سندريلا أقسام الشركات، حيث يعلم الجميع أنَّ لديه إمكانات كبيرة، ولكن لا أحد يريد استثمار الوقت والمال لجعله نجماً حقاً.
يكون معظم مؤسسي الشركات إما من كبار مندوبي المبيعات، أو المنتجين، أو الممولين، أو عمال التسويق، ولكن نادراً ما يكونون من موظفي الموارد البشرية، حيث لم يبنِ الغالبية العظمى منهم من قِبَل أقسام الموارد البشرية من ألفها إلى يائها، ولا يزال معظمهم يتبعون نهج "وجود الموظفين في مكاتبهم؛ أي العقلية القائلة بأنَّه كلما ظلَّ الموظف جالساً على مكتبه زادت إنتاجيته"، هادفين بذلك إلى اكتساب المواهب، كما ينفقون الأموال على البرامج الإلكترونية بدلاً من الكوتشينغ، ويخفضون التكاليف، ويبخلون في تقديم الحوافز المميزة، ويعتقدون أنَّ المراجعات السنوية هي إدارة فعالة للأداء، ثمَّ لا يزالون يتوقعون ويحلمون أن يحققوا حلمهم في تغيير العالم (والذي دعموه بتقديم بعض الوجبات والقهوة المجانية) في الحفاظ على موظفيهم الشباب الذين يعملون 80 ساعة في الأسبوع وبأجور منخفضة وحصص لا قيمة لها، ومن المؤكد أنَّ الموظفين لن يبقوا مع شركاتهم لأكثر من ستة أشهر.
الموظفون هم شريان الحياة لأي عمل تجاري، فإذا فشلتَ في الاعتناء بهم، فسيفشلون في رعاية شركتك، حتى مَن يُسمون بالمؤسسين والمديرين التنفيذيين المستنيرين يعرفون أنَّ معاملة موظفيهم بشكل جيد أمر بالغ الأهمية، ويستسلمون عموماً لدفع مبالغ إضافية من أجل ذلك، ويتوقعون الحصول على القليل من عائد الاستثمار في المقابل، وهذا خطأ فادح.
بادئ ذي بدء، لا يمكِنك تغيير ما لا تقيسه، رغم أنَّه من الممكن قياس التكاليف والمنافع بشكل مباشر، إلا أنَّ قياس هذه القيم التي سنوردها في الأسفل أقل سهولةً:
- قيمة الموظف الدائمة.
- التكاليف الإجمالية لدوران الموظفين.
- معدلات الاستنزاف في الفِرَق ذات المديرين السيئين.
- الإنتاجية المنخفضة والموظفون المنعزلون.
- تغيُّب الموظف عن العمل وضعف أداء العمل.
- إجمالي تكاليف التعويض الحقيقي.
- التواصل الداخلي السيء.
يُهمَل قسم الموارد البشرية بسبب السعي وراء المزيد من المكاسب على صعيدَي المبيعات والمنتجات، والحملات التسويقية، وتنفيذ وتطبيق جدول عمل يُضرَب به المثل، وغالباً ما يكون أفراد هذا القسم آخر من يتم توظيفهم بعد وقت طويل من الحاجة الماسة إليهم.
بعد الاطلاع على العمل في قسم الشؤون المالية والعمليات في الشركات الناشئة وفي قسم المنتجات في الشركات الأخرى، نجد أنَّه بدون ربط الموارد البشرية والفوائد وخطط التوظيف بالشؤون المالية، فإنَّ الشركات إما أن تُفرط في الإنفاق بسرعة، أو تُعرِّض سير عملها للخطر، أو تظلَّ متحفظةً للغاية من ناحية التوظيف وتطوير المواهب وتُفوِّت فرص النمو الهامة.
يعزز الاهتمام بالموارد البشرية الأرباح، ولن يكون من السهل التخلص الأفكار القديمة؛ ذلك لأنَّ فكرة وجود قسم موارد بشرية مرن وذكي ويعتمد على التحليلات لا تزال حديثةً نسبياً. ومع ذلك، ستفهم أهمية قسم الموارد البشرية بمجرد أن تدرك قيمة هذا القسم الذي يمكِّن الموظفين من التمتع بصحة جيدة، ويمنحهم تأميناً صحياً كبيراً، مع توفير أدوات الصحة البدنية والعقلية، ويُقدِّم فرص التدريب والمشاركة والإنتاجية، ويحثُّهم على بذل جهدهم لصالح شركتك، بدلاً من بذله لاحقاً ولصالح شخص آخر.
فيما يلي تسع طرائق يمكِن من خلالها لقسم الموارد البشرية أن يرى النور أخيراً ويحصل على مكانه الصحيح في الإدارة مما يؤدي إلى زيادة الربحية:
1. ربط خطة التوظيف، والتكاليف، والمنافع، والنفقات المناسبة بنموذجك المالي:
يساعدك ربط مسؤوليات الموارد البشرية هذه على اتخاذ قرارات توظيف سريعة بناءً على جاهزية الشركة والتدفقات النقدية والتحليلات التنبؤية، وإذا لم تكن قد وضعتَ نموذجاً مالياً بالفعل، فاجعل إنشاءه أولويةً قصوى، حيث سيوفر لك هذا مئات الآلاف من الدولارات التي قد تنفقها على تعيين موظفين لا حاجة لك إليهم وتسريح العمال في المستقبل، بالإضافة إلى السماح لك بالتوظيف بسرعة للاستفادة من فرص السوق.
2. قيادة التحول الرقمي من داخل الشركة بالتنسيق مع تكنولوجيا المعلومات:
ابدأ منح الأولوية للتحول الرقمي من خلال تحسين التواصل الداخلي، كتحديد عدد القنوات المفتوحة والمجهولة، بالإضافة إلى تحسين تناغم التطبيقات المختلفة ومركزيتها واتصالها من خلال واجهات برمجة التطبيقات (APIs). لقد أدى العمل عن بعد إلى تسريع هذه العملية للعديد من الشركات، حيث يحتل قسم الموارد البشرية موقع الصدارة في التنفيذ والتواصل، وسيؤدي ذلك بالنتيجة إلى إنجاز العمليات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، وإلى موظفين أكثر إنتاجيةً وفاعلية، والمزيد من الأموال المتبقية التي يمكِن إنفاقها على أنشطة النمو.
3. ضمان الوعي بالصحة النفسية للموظفين والعناية بهم:
ساعِد موظفيك في الحفاظ على صحة عقلية جيدة من خلال الاطمئنان الدوري عليهم، واستطلاع آراء الموظفين والتدخلات المبكرة، حيث يؤدي العمل عن بعد إلى تقريب الفِرَق القوية من بعضها ولكنَّه يدفع الفِرَق الأضعف بعيداً عن بعضها، وفي عام 2021 لم يَعُد في الإمكان ادِّعاء الاهتمام بالموظفين، فالإرهاق مشكلة حقيقية سببها زيادة ساعات العمل بشكل ملحوظ على الرغم من قلة التنقلات، أو ربما بسببها.
إذا لم تتمكن من إنقاذ الموظفين من الإرهاق، فمن المحتمل أنَّهم سيغادرون بسرعة ويجدون وظائف أخرى عن بُعد يشعرون فيها بالدعم، وتخسر بهذا 150 بالمائة من رواتبهم بالإضافة إلى التكاليف الخفية لدوران الموظفين.
4. إجراء استطلاعات مشاركة الموظفين دون الإفصاح عن الهوية:
اكتشِف كيف يشعر الموظفون حيال كل شيء من لون طلاء المكاتب، والطعام في المطبخ، إلى النزاعات مع المديرين، وردود الفعل حول التدريبات، واحتياجات التطوير الشخصي والمهني، والعديد من الموضوعات الأخرى، وبدلاً من التخمين أو الأمل في أن يتفاعل الموظفون تفاعلاً مثيراً ومثمراً، استمِع إلى ذلك منهم أنفسهم وتصرَّف بسرعة للحصول على ما يحتاجون إليه.
5. جعل قسم الموارد البشرية ينشر مشاريع داخلية حتى تتمكن الشركة بأكملها من رؤيتها:
تساعد الشفافية الشركات على الاستفادة من الموارد الداخلية وتحد من التوظيف من الخارج، والذي يكون عادةً أكثر خطورةً، ويكون دائماً أعلى تكلفةً.
6. تمكين الموارد البشرية من إجراء التدريبات:
اسمح لقسم الموارد البشرية باستضافة أحداث الهاكاثونات (Hackathons) الداخلية، ودورات التعلم والتطوير، واجتماعات الغداء والتعلم، وكذلك اجعلهم يساعدون الموظفين على بدء مشاريع جانبية، والتي يمكِن أن تؤدي إلى منتجات متطورة ومصادر جديدةٍ للعائدات. استخدمَت شركة غوغل (Google) وشركات أخرى هذا النهج، مما أدى إلى ابتكارات مربحة للغاية مثل: جيميل (Gmail)، وخرائط غوغل (Google Maps)، وتويتر (Twitter)، وسلاك (Slack)، وغروبون (Groupon).
7. إنشاء برامج التنقل الداخلي:
يمكِن أن تشمل هذه البرامج التناوب، والإعارة من الشركات الأخرى والأدوار متعددة الوظائف التي تمتد عبر الأقسام، كما تؤدي هذه البرامج إلى تبادلٍ أكثر مرونةً للأفكار، ومواءمة أفضل للمواهب مع المشاريع، ومشاركة أفضل، ومتوسط مدة توظيف أطول.
8. إنشاء اقتصاد عمل داخلي:
وظِّف أشخاصاً ملائمين يمتلكون المواهب والإمكانات الواعدة، ولا تنظر إلى المهارات وحدها، ثمَّ أنشئ أدواراً مرنة للسماح للموظفين بتعيين أفضل المواهب في الفِرَق والمشاريع المناسبة، مما يعزز المشاركة والإنتاجية، ويزيد تبادل الأفكار والربحية، ويخلق علامةً تجارية أفضل للموظفين مما يجذب المزيد من المواهب المتميزة.
9. السماح لموظفي قسم الموارد البشرية بالعمل خارج مكان العمل بشكل منتظم:
تُعرِّف المواقع الخارجية أشخاصاً من أقسام مختلفة إلى بعضهم بعضاً وتعرفهم إلى أعمال بعضهم بعضاً، وتُبيِّن لهم كيف يشارك ما يفعلونه في المهمة الأكبر ويؤكد على رؤية الشركة، كما تساعد عملية الانفتاح هذه الأشخاص على الشعور بأنَّهم أكثر ارتباطاً بهدف ومَهمة أعلى وتزيد من المشاركة والإنتاجية والبقاء في العمل.
لم تُدرَج الامتيازات التي قد تُقدِّمها بعض الشركات في هذه القائمة، لأنَّها لا تغير شيئاً.
سيساعدك التوظيف أو الفصل السريعان المعتمدان على السيولة بالاشتراك مع الموارد البشرية القوية - التي تعطي دائماً الأولوية للإنسان وتُمثل المدافع المستمر عن الموظفين - في بناء علامة تجارية أفضل وجمع حشدٍ هائل من الموظفين الراضين والسفراء، كما يجذب المزيد من المواهب المتميزة، مما يؤدي إلى المزيد من المنتجات والخدمات الرائعة وجذب المزيد من الأشخاص الموهوبين للانضمام إلى الشركة الناجحة.
الموارد البشرية نفسها تتغير تغيراً دائماً، وتخرج من حالة الامتثال للقواعد والوضع الراهن، فهناك انتشار لاتخاذ القرارات التجريبية والتحليلية واتباع الأنظمة والتفكير التصميمي المتمحور حول الإنسان وتحسين الممارسات في مختلف الوظائف والإدارات بفضل انضمام المزيد من المواهب المتميزة إلى أقسام الموارد البشرية من التخصصات الأخرى.
غالباً ما يكون أكبر صانعي التغيير والأدوات مجانيين أو أرخص بكثير مما تتوقع، حيث يمكِن الحصول على فوائد عظيمة بتكلفة أقل من خلال منظمة توظيف محترفة أو وسيط محايد، كما يمكِن إجراء استطلاعات مشاركة الموظفين وتقوية التواصل الداخلي، وهما محركا التغيير الذي يعتمد على الموظفين، مجاناً أو بدون تكلفة إضافية على الأدوات الحالية، وكذلك يمكِن للموارد البشرية تعليم الموظفين وتدريبهم على مجموعة من المهارات والموضوعات، وحلَّ النزاعات، ودفع عملية صنع القرار بشكل أفضل، وتوضيح المسارات المهنية، بالإضافة إلى أمور أخرى دون الحاجة إلى برامج باهظة الثمن.
إذا كنتَ ترى الموارد البشرية قسماً لا وظيفة له، فأعِد التفكير في هذا، وإذا فشلتَ في تقدير قيمته الحقيقية لشركتك أو في الاستفادة القصوى منه، فستفقد الحليف الأكبر لك والأداة الأفضل للتغيير.
أضف تعليقاً